دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:02 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة طه

سورة طه
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة طه
قوله تعالى: {إنّ السّاعة آتيةٌ أكاد أخفيها} [طه: 15].
هذه الآية الكريمة يتوهّم منها أنّه جلّ وعلا لم يخفها بالفعل، ولكنّه قارب أن يخفيها؛ لأنّ «كاد» فعل مقاربةٍ.
وقد جاء في آياتٍ أخر التّصريح بأنّه أخفاها، كقوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلّا هو} [الأنعام: 59]، وقد ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم أنّ المراد بمفاتح الغيب: الخمس المذكورة في قوله تعالى: {إنّ الله عنده علم السّاعة} الآية [لقمان: 34]، وكقوله: {قل إنّما علمها عند ربّي} [الأعراف: 187]، وقوله: {فيم أنت من ذكراها} [النازعات: 43]، إلى غير ذلك من الآيات.
والجواب من سبعة أوجهٍ:
الأوّل -وهو الرّاجح-: أنّ معنى الآية: {أكاد أخفيها} من نفسي، أي: لو كان ذلك يمكن. وهذا على عادة العرب؛ لأنّ القرءان نزل بلغتهم، والواحد منهم إذا أراد المبالغة في كتمان أمرٍ قال: كتمته من نفسي، أي: لا أبوح لأحدٍ. ومنه قول الشّاعر:
أيّام تصحبني هندٌ وأخبرها ... ما كدت أكتمه عنّي من الخبر
ونظير هذا من المبالغة قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث السّبعة الّذين يظلّهم الله: ((رجلٌ تصدّق بصدقةٍ فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).

وهذا القول مرويٌّ عن أكثر المفسّرين، وممّن قال به ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وقتادة وأبو صالحٍ، كما نقله عنهم ابن جريرٍ، وجعفرٌ الصّادق، كما نقله عنه الألوسيّ في تفسيره.

ويؤيّد هذا القول أنّ في مصحف أبيٍّ: (أكاد أخفيها من نفسي)، كما نقله الألوسيّ وغيره.
وروى ابن خالويه أنّها في مصحف أبيٍّ كذلك بزيادة: (فكيف أظهركم عليها). وفي بعض القراءات بزيادة: (فكيف أظهرها لكم. وفي مصحف عبد الله بن مسعودٍ بزيادة: (فكيف يعلمها مخلوقٌ). كما نقله الألوسيّ وغيره.
الوجه الثّاني: أنّ معنى الآية: {أكاد أخفيها} أي: أخفي الإخبار بأنّها آتيةٌ. والمعنى: أقرب أن أترك الإخبار عن إتيانها من أصله؛ لشدّة إخفائي لتعيين وقت إتيانها.
الوجه الثّالث: أنّ الهمزة في قوله: {أخفيها} هي همزة السّلب؛ لأنّ العرب كثيرًا ما تجعل الهمزة أداةً لسلب الفعل، كقولهم: شكا إليّ فلانٌ فأشكيته، أي: فأزلت شكايته، وقولهم: عقل البعير فأعقلته، أي أزلت عقاله.
وعلى هذا، فالمعنى: {أكاد أخفيها} أي: أزيل خفاءها بأن أظهرها؛ لقرب وقتها، كما قال تعالى: {راقتربت السّاعة} الآية [القمر: 1].

وهذا القول مرويٌّ عن أبي عليٍّ، كما نقله عنه الألوسيّ في تفسيره، ونقله النّيسابوريّ في تفسيره عن أبي الفتح الموصليّ.
ومنه قول امرئ القيس بن عابسٍ الكنديّ:
فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
على رواية ضمّ النّون من: (لا نخفه). وقد نقل ابن جريرٍ في تفسيره هذه الآية عن معمر بن المثنّى أنّه قال: أنشدنيه أبو الخطّاب عن أهله في بلده بضمّ النّون من: (لا نخفه)، ومعناه: لا نظهره.
أمّا على الرّواية المشهورة بفتح النّون من: (لا نخفه)، فلا شاهد في البيت، إلّا على قراءة من قرأ: (أكاد أخفيها) بفتح الهمزة. وممّن قرأ بذلك: أبو الدّرداء وسعيد بن جبيرٍ والحسن ومجاهدٌ وحميدٌ، وروي مثل ذلك عن ابن كثيرٍ وعاصمٍ. وإطلاق خفاه يخفيه بفتح الياء، بمعنى أظهره، إطلاقٌ مشهورٌ صحيحٌ، إلّا أنّ القراءة به لا تخلو من شذوذٍ.
ومنه البيت المذكور على رواية فتح النّون، وقول كعب بن زهيرٍ أو غيره:
دأب شهرين ثمّ شهرًا دميكًا ... بأريكين يخفيان غميرًا
أي: يظهرانه.

وقول امرئ القيس:

خفاهنّ من إنفاقهنّ كأنّما ... خفاهنّ ودقٌ من عشيٍّ مجلّب
الوجه الرّابع: أنّ خبر «كاد» محذوفٌ. والمعنى على هذا القول: أنّ السّاعة آتيةٌ أكاد أظهرها. فحذف الخبر ثمّ ابتدأ الكلام بقوله: {أخفيها لتجزى كلّ نفسٍ بما تسعى}. ونظير ذلك من كلام العرب قول ضابئ بن الحارث البرجميّ:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
يعني: وكدت أفعل.
الوجه الخامس: أنّ «»كاد تأتي بمعنى أراد، وعليه فمعنى: {أكاد أخفيها}: أريد أنّ أخفيها.

وإلى هذا القول ذهب الأخفش وابن الأنباريّ وأبو مسلمٍ، كما نقله عنهم الألوسيّ وغيره.
قال ابن جنّي في المحتسب: ومن مجيءٍ «كاد» بمعنى أراد، قول الشّاعر:
كادت وكدت وتلك خير إرادةٍ ... لو عاد من لهو الصّبابة ما مضى
كما نقله الألوسيّ.

وقال بعض العلماء: إنّ من مجيءٍ «كاد» بمعنى أراد قوله تعالى: {كذلك كدنا ليوسف} [يوسف: 76] أي: أردنا له. كما ذكره النّيسابوريّ وغيره.
ومنه قول العرب: لا أفعل كذا ولا أكاد، أي: لا أريد. كما نقله بعضهم.
الوجه السّادس: أنّ «كاد» من الله تدلّ على الوجوب، كما دلّت عليه «عسى» في كلامه تعالى نحو: {قل عسى أن يكون قريبًا} [الإسراي: 51]، أي: هو قريبٌ.
وعلى هذا فمعنى: {أكاد أخفيها}: أنا أخفيها.
الوجه السّابع: أنّ «كاد» صلةٌ. وعليه، فالمعنى: {إنّ السّاعة آتيةٌ} {أخفيها لتجزى ..} الآية.

واستدلّ قائل هذا القول بقول زيد الخيل:

سريعٌ إلى الهيجاء شاكٍ سلاحه ... فما أن يكاد قرنه يتنفّس
أي: فما يتنفّس قرنه.

قالوا: ومن هذا القبيل قوله تعالى: {لم يكد يراها} [النور: 40]: أي لم يرها.

وقول ذي الرّمّة:

إذا غيّر النّأي المحبّين لم يكد ... رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح
أي: لم يبرح، على قول هذا القائل.
قالوا: ومن هذا المعنى قول أبي النّجم:
وإن أتاك نعيٌّ فاندبنّ أبًا ... قد كاد يطّلع الأعداء والخطبا
أي: قد اطّلع الأعداء.
وقد قدّمنا أنّ أرجح الأقوال الأوّل. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي} [طه: 27-28].
لا يخفى أنّه من سؤل موسى الّذي قال له ربّه إنّه آتاه إيّاه بقوله: {قال قد أوتيت سؤلك ياموسى} [طه: 36]، وذلك صريحٌ في حلّ العقدة من لسانه.

وقد جاء في بعض الآيات ما يدلّ على بقاء شيءٍ من الّذي كان بلسانه، كقوله تعالى عن فرعون: {أم أنا خيرٌ من هذا الّذي هو مهينٌ ولا يكاد يبين} [الزخرف: 52]، وقوله تعالى عن موسى: {وأخي هارون هو أفصح منّي لسانًا فأرسله معي} الآية [القصص: 34].

والجواب أنّ موسى عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام لم يسأل زوال ما كان بلسانه بالكلّيّة، وإنّما سأل زوال القدر المانع من أن يفقهوا قوله، كما يدلّ عليه قوله: {يفقهوا قولي} [طه: 28].
قال ابن كثيرٍ في تفسير قوله تعالى: {واحلل عقدةً من لساني} [طه: 27] ما نصّه: وما سأل أن يزول ذلك بالكلّيّة، بل بحيث يزول العيّ ويحصل لهم فهم ما يريد منه، وهو قدر الحاجة، ولو سأل الجميع لزال، ولكنّ الأنبياء لا يسألون إلّا بحسب الحاجة، ولهذا بقيت بقيّةٌ.

قال تعالى إخبارًا عن فرعون أنّه قال: {أم أنا خيرٌ من هذا الّذي هو مهينٌ ولا يكاد يبين} أي يفصح بالكلام.
وقال الحسن البصريّ: {واحلل عقدةً من لساني}، قال: حلّ عقدةً واحدةً، ولو سأل أكثر من ذلك أعطي.
وقال ابن عبّاسٍ: شكا موسى إلى ربّه ما يتخوّف من آل فرعون في القتيل، وعقدة لسانه، فإنّه كان في لسانه عقدةٌ تمنعه من كثيرٍ من الكلام، وسأل ربّه أن يعينه بأخيه هارون يكون ردءًا له، ويتكلّم عنه بكثيرٍ ممّا لا يفصح به لسانه، فآتاه سؤله، فحلّ عقدةً من لسانه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عن عمر بن عثمان، حدّثنا بقيّة، عن أرطأة بن المنذر، حدّثني بعض أصحاب محمّد بن كعبٍ عنه، قال: أتاه ذو قرابةٍ له، فقال له: ما بك بأسٌ، لولا أنّك تلحن في كلامك، ولست تعرب في قراءتك. فقال القرظيّ: يا ابن أخي، ألست أفهمك إذا حدّثتك؟ قال: نعم، قال: فإنّ موسى عليه السّلام إنّما سأل ربّه أن يحلّ عقدةً من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل قوله، ولم يزد عليها. انتهى كلام ابن كثيرٍ بلفظه.
وقد نقل فيه عن الحسن البصريّ وابن عبّاسٍ ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ ما ذكرناه من الجواب.

ويمكن أن يجاب أيضًا بأنّ فرعون كذب عليه؛ فإن قوله: {هو أفصح منّي لسانًا} [القصص: 34] يدلّ على اشتراكه مع هارون في الفصاحة، فكلاهما فصيحٌ، إلّا أن هارون أفصح، وعليه فلا إشكال.

والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {فقولا إنّا رسولا ربّك} الآية [طه: 47].
يدلّ على أنّهما رسولان، وهما موسى وهارون.

وقوله تعالى: {فقولا إنّا رسول ربّ العالمين} [الشعراء: 16]، يوهم كون الرّسول واحدًا.
الجواب من وجهين:
الأوّل: أنّ معنى قوله: {فقولا إنّا رسول ربّ العالمين} أي: كلّ واحدٍ منّا رسول ربّ العالمين. كقول البرجميّ:
* فإنّي وقيّارًا بها لغريب *
وإنّما ساغ هذا لظهور المراد من سياق الكلام.
الوجه الثّاني: أنّ أصل الرّسول مصدرٌ، كالقبول والولوع، فاستعمل في الاسمـ فجاز جمعه وتثنيته نظرًا إلى كونه بمعنى الوصف، وساغ إفراد مع إرادة المثنّى أو الجمع نظرًا إلى أنّ الأصل من كونه مصدرًا.

ومن إطلاق الرّسول على غير المفرد قول الشّاعر:

ألكني إليها وخير الرّسو ... ل أعلمهم بنواحي الخبر
يعني: وخير الرّسل.

وإطلاق الرّسول مرادًا به المصدر كثيرٌ، ومنه قوله:

لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ... بقولٍ ولا أرسلتهم برسولٍ
يعني: برسالةٍ.


قوله تعالى: {قال فمن ربّكما يا موسى} [طه: 49].
قوله تعالى: {قال فمن ربّكما} يقتضي أنّ المخاطب اثنان. وقوله: {يا موسى} يقتضي أنّ المخاطب واحدٌ.

والجواب من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل: أنّ فرعون أراد خطاب موسى وحده. والمخاطب إن اشترك معه في الكلام غير مخاطبٍ غلب المخاطب على غيره، كما لو خاطبت رجلًا اشترك معه آخر في شأنٍ والثّاني غائبٌ فإنّك تقول للحاضر منهما: ما بالكما فعلتما كذا؟ والمخاطب واحدٌ، وهذا ظاهرٌ.
الوجه الثّاني: أنّه خاطبهما معًا، وخصّ موسى بالنّداء لكونه الأصل في الرّسالة.
الثّالث: أنّه خاطبهما معًا، وخصّ موسى بالنّداء لمطابقة رءوس الآي، مع ظهور المراد.

ونظير الآية قوله تعالى: {فلا يخرجنّكما من الجنّة فتشقى} [طه: 117]. ويجاب عنه: بأنّ المرأة تبعٌ لزوجها، وبأنّ شقاء الكدّ والعمل يتولّاه الرّجال أكثر من النّساء، وبأنّ الخطاب لآدم وحده، والمرأة ذكرت فيما خوطب به آدم، بدليل قوله: {إنّ هذا عدوٌّ لك ولزوجك} [طه: 117]، فهي ذكرت فيما خوطب به آدم والمخاطب هو وحده، ولذا قال: {فتشقى} لأنّ الخطاب لم يتوجّه إليها هي.

والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي} [طه: 115].
ظاهر هذه الآية أنّ آدم ناسٍ للعهد بالنّهي عن أكل الشّجرة؛ لأنّ الشّيطان قاسمه بالله أنّه له ناصحٌ حتّى دلّاه بغرورٍ وأنساه العهد. وعليه فهو معذورٌ لا عاصٍ.
وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ على خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {وعصى آدم ربّه فغوى} [طه: 121].
والجواب عن هذا من وجهين:
الأوّل: هو ما قدّمنا من عدم العذر بالنّسيان لغير هذه الأمّة.
الثّاني: أنّ (نسي) بمعنى ترك، والعرب ربّما أطلقت النّسيان بمعنى التّرك، ومنه قوله تعالى: {فاليوم ننساهم} الآية [الأعراف: 51].

والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 209-218]


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:04 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الأنبياء

سورة الأنبياء
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الأنبياء
قوله تعالى: {إنّكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98].
هذه الآية تدلّ على أنّ جميع المعبودات مع عابديها في النّار.
وقد أشارت آياتٌ أخر إلى أنّ بعض المعبودين كعيسى والملائكة ليسوا من أهل النّار، كقوله: {ولمّا ضرب ابن مريم مثلًا} الآية [الزخرف: 57]، وقوله تعالى: {ثمّ يقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون} [سبأ: 40]، وقوله: {أولئك الّذين يدعون يبتغون إلى ربّهم الوسيلة أيّهم أقرب} الآية [الإسراء: 57].
والجواب من وجهين:
الأوّل: أنّ هذه الآية لم تتناول الملائكة ولا عيسى، لتعبيره بـ: «ما» الدّالّة على غير العاقل.
وقد أشار تعالى إلى هذا الجواب بقوله: {ما ضربوه لك إلّا جدلًا بل هم قومٌ خصمون} [الزخرف: 58]؛ لأنّهم لو أنصفوا لما ادّعوا دخول العقلاء في لفظٍ لا يتناولهم لغةً.
الثّاني: أنّ الملائكة وعيسى نصّ الله على إخراجهم من هذا دفعًا للتّوهّم ولهذه الحجّة الباطلة، بقوله: {إنّ الّذين سبقت لهم منّا الحسنى أولئك عنها مبعدون} الآية [الأنبياء: 101].

وقوله تعالى: {قل إنّما يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ فهل أنتم مسلمون} [الأنبياء: 108].
عبّر في هذه الآية الكريمة بلفظ: «إنّما» وهي تدلّ على الحصر عند الجمهور. وعليه، فهي تدلّ على حصر الوحي في توحيد الألوهيّة.
وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على أنّه أوحي إليه غير ذلك كقوله: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} الآية [الجن: 1]، وقوله: {ذلك من أنباء الغيب نوحيها إليك} [آل عمران: 44]، وقوله: {نحن نقصّ عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك} الآية [يوسف: 3].
والجواب: أنّ حصر الوحي في توحيد الألوهيّة حصرٌ له في أصله الأعظم الّذي يرجع إليه جميع الفروع؛ لأنّ شرائع كلّ الأنبياء داخلةٌ في ضمن: لا إله إلّا الله؛ لأنّ معناها: خلع كلّ الأنداد سوى الله في جميع أنواع العبادات، وإفراد الله بجميع أنواع العبادات، فيدخل في ذلك جميع الأوامر والنّواهي القوليّة والفعليّة والاعتقاديّة). [دفع إيهام الاضطراب: 219-220]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:04 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الحجّ

سورة الحجّ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الحجّ
قوله تعالى: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا} [الحج: 39].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ قتال الكفّار مأذونٌ فيه لا واجبٌ.

وقد جاءت آياتٌ تدلّ على وجوبه، كقوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} الآية [التوبة: 5]، وقوله: {وقاتلوا المشركين كافّةً} الآية [التوبة: 36]، إلى غير ذلك من الآيات.

والجواب ظاهرٌ، وهو: أنّه أذن فيه أوّلًا من غير إيجابٍ، ثمّ أوجب بعد ذلك كما تقدّم في سورة " البقرة ".

ويدلّ لهذا ما قاله ابن عبّاسٍ وعروة بن الزّبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيّان وقتادة ومجاهدٌ والضّحّاك وغير واحدٍ -كما نقله عنهم ابن كثيرٍ وغيره- من أنّ آية: {أذن للّذين يقاتلون} هي أوّل آيةٍ نزلت في الجهاد. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب} [ الحج: 46].
ظاهر هذه الآية أنّ الأبصار لا تعمى.

وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على عمى الأبصار، كقوله: {أولئك الّذين لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 23]، وكقوله: {ليس على الأعمى حرجٌ} [النور: 61].
والجواب: أنّ التّمييز بين الحقّ والباطل، وبين الضّارّ والنّافع، وبين القبيح والحسن، لمّا كان كلّه بالبصائر لا بالأبصار، صار العمى الحقيقيّ هو عمى البصائر لا عمى الأبصار. ألا ترى أنّ صحّة العينين لا تفيد مع عدم العقل، كما هو ضروريٌّ؟ وقوله: {فأصمّهم وأعمى أبصارهم} يعني: بصائرهم، أو أعمى أبصارهم عن الحقّ وإن رأت غيره.


قوله تعالى: {وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} [الحج: 47].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ مقدار اليوم عند الله ألف سنةٍ. وكذلك قوله تعالى: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} [السجدة: 5].
وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ على خلاف ذلك، هي قوله تعالى في سورة " سأل سائلٌ ": {تعرج الملائكة والرّوح إليه في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} الآية [المعارج: 4].
اعلم أوّلًا أنّ أبا عبيدة روى عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيّوب عن ابن أبي مليكة أنّه حضر كلًّا من ابن عبّاسٍ وسعيد بن المسيّب سئل عن هذه الآيات، فلم يدر ما يقول فيها، ويقول: لا أدري.
وللجمع بينهما وجهان:
الأوّل: هو ما أخرجه ابن أبي حاتمٍ من طريق سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، من أنّ يوم الألف في سورة " الحجّ " هو أحد الأيّام السّتّة الّتي خلق الله فيها السّماوات والأرض، ويوم الألف في سورة " السّجدة "، هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه تعالى، ويوم الخمسين ألفًا هو يوم القيامة.
الوجه الثّاني: أنّ المراد بجميعها يوم القيامة، وأنّ الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر.

ويدلّ لهذا قوله تعالى: {فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ على الكافرين غير يسيرٍ} [المدثر: 9 - 10].

ذكر هذين الوجهين صاحب الإتقان. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} الآية [الحج: 52].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ كلّ رسولٍ وكلّ نبيٍّ يلقي الشّيطان في أمنيّته؛ أي: تلاوته إذا تلا.
ومنه قول الشّاعر في عثمان رضي الله عنه:
تمنّى كتاب الله أوّل ليلةٍ ... وآخرها لاقى حمام المقادر
وقول الآخر:
تمنّى كتاب الله آخر ليله ... تمنّي داود الزّبور على رسل
ومعنى «تمنّى» في البيتين: قرأ وتلا.

وفي صحيح البخاريّ عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: {إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} [الحج: 52]: إذا حدّث ألقى الشّيطان في حديثه.
وقال بعض العلماء: {إذا تمنّى}: أحبّ شيئًا وأراده. فكلّ نبيٍّ يتمنّى إيمان أمّته، والشّيطان يلقي عليهم الوساوس والشّبه، ليصدّهم عن سبيل الله.

وعلى أنّ {تمنّى} بمعنى قرأ وتلا، كما عليه الجمهور، فمعنى إلقاء الشّيطان في تلاوته: إلقاؤه الشّبه والوساوس فيما يتلوه النّبيّ؛ ليصدّ النّاس عن الإيمان به، أو إلقاؤه في المتلوّ ما ليس منه؛ ليظنّ الكفّار أنّه منه.
وهذه الآية لا تعارض بينها وبين الآية المصرّحة بأنّ الشّيطان لا سلطان له على عباد الله المؤمنين المتوكّلين، ومعلومٌ أنّ خيارهم الأنبياء، كقوله تعالى: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه والّذين هم به مشركون} [النحل: 99 - 100]، وقوله تعالى: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ إلّا من اتّبعك من الغاوين} [الحجر: 42]، وقوله: {فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين إلّا عبادك منهم المخلصين} [ص: 82 - 83]، وقوله: {وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلّا أن دعوتكم فاستجبتم لي} [إبراهيم: 22].
ووجه كون الآيات لا تعارض بينها: أنّ سلطان الشّيطان المنفيّ عن المؤمنين المتوكّلين في معناه وجهان للعلماء:
الأوّل: أنّ معنى السّلطان: الحجّة الواضحة. وعليه فلا إشكال؛ إذ لا حجّة مع الشّيطان البتّة، كما اعترف به فيما ذكر الله عنه في قوله: {وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلّا أن دعوتكم فاستجبتم لي}.
الثّاني: أنّ معناه: أنّه لا تسلّط له عليهم بإيقاعهم في ذنبٍ يهلكون به ولا يتوبون منه. فلا ينافي هذا ما وقع من آدم وحوّاء وغيرهما، فإنّه ذنبٌ مغفورٌ لوقوع التّوبة منه. فإلقاء الشّيطان في أمنيّة النّبيّ -سواءٌ فسّرناها بالقراءة أو التّمنّي لإيمان أمّته- لا يتضمّن سلطانًا للشّيطان على النّبيّ، بل من جنس الوسوسة وإلقاء الشّبه لصدّ النّاس عن الحقّ، كقوله: {وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل} الآية [النمل: 24].
فإن قيل: ذكر كثيرٌ من المفسّرين أنّ سبب نزول هذه الآية الكريمة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ سورة " النّجم، بمكّة، فلمّا بلغ: {أفرأيتم اللّات والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى}، ألقى الشّيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلا، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى)، فلمّا بلغ آخر السّورة سجد وسجد معه المشركون والمسلمون، وقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخيرٍ قبل اليوم. وشاع في النّاس أنّ أهل مكّة أسلموا، بسبب سجودهم مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حتّى رجع المهاجرون من الحبشة ظنًّا منهم أنّ قومهم أسلموا، فوجدوهم على كفرهم.
وعلى هذا الّذي ذكره كثيرٌ من المفسّرين، فسلطان الشّيطان بلغ إلى حدٍّ أدخل به في القرآن على لسان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الكفر البواح، حسبما يقتضيه ظاهر القصّة المزعومة.
فالجواب: أنّ قصّة الغرانيق -مع استحالتها شرعًا- لم تثبت من طريقٍ صالحٍ للاحتجاج، وصرّح بعدم ثبوتها خلقٌ كثيرٌ من العلماء، كما بيّنّاه بيانًا شافيًا في رحلتنا.
والمفسّرون يروون هذه القصّة عن ابن عبّاسٍ من طريق الكلبيّ عن أبي صالحٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما. ومعلومٌ أنّ الكلبيّ متروكٌ.
وقد بيّن البزّار أنّها لا تعرف من طريقٍ يجوز ذكره، إلّا طريق أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ مع الشّكّ الّذي وقع في وصله.
وقد اعترف الحافظ ابن حجرٍ -مع انتصاره لثبوت هذه القصّة- بأنّ طرقها كلّها إمّا منقطعةٌ أو ضعيفةٌ، إلّا طريق سعيد بن جبيرٍ.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أنّ طريق سعيد بن جبيرٍ لم يروها بها أحدٌ متّصلةً إلّا أميّة بن خالدٍ، وهو وإن كان ثقةً فقد شكّ في وصلها. فقد أخرج البزّار وابن مردويه من طريق أميّة بن خالدٍ عن شعبة عن أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ فيما أحسب، ثمّ ساق حديث القصّة المذكورة. وقال البزّار: لا يروى متّصلًا إلّا بهذا الإسناد، تفرّد بوصله أميّة بن خالدٍ، وهو ثقةٌ مشهورٌ.
وقال البزّار -أيضا-: وإنّما يروى من طريق الكلبيّ عن أبي صالحٍ عن ابن عبّاسٍ، والكلبيّ متروكٌ.

فتحصّل أنّ قصّة الغرانيق لم ترد متّصلةً إلّا من هذا الطّريق الّذي شكّ راويه في الوصل، وما كان كذلك فضعفه ظاهرٌ.
ولذا قال الحافظ ابن كثيرٍ في تفسيره: إنّه لم يرها مسندةً من وجهٍ صحيحٍ.

وقال العلّامة الشّوكانيّ في هذه القصّة: ولم يصحّ شيءٌ من هذا ولا ثبت بوجهٍ من الوجوه. ومع عدم صحّته -بل بطلانه- فقد دفعه المحقّقون بكتاب الله، كقوله: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل} الآية [الحاقة: 44]، وقوله: {وما ينطق عن الهوى} [النجم: 3]، وقوله: {ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم} الآية [الإسراء: 74]،فنفى المقاربة للرّكون فضلًا عن الرّكون.

ثمّ ذكر الشّوكانيّ عن البزّار أنّها لا تروى بإسنادٍ متّصلٍ، وعن البيهقيّ أنّه قال: هي غير ثابتةٍ من جهة النّقل.

وذكر عن إمام الأئمّة ابن خزيمة أنّ هذه القصّة من وضع الزّنادقة.

وأبطلها عياضٌ، وابن العربيّ المالكيّ، والفخر الرّازيّ، وجماعاتٌ كثيرةٌ.
ومن أصرح الأدلّة القرآنيّة في بطلانها: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ بعد ذلك في سورة " النّجم " قوله تعالى: {إن هي إلّا أسماءٌ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطانٍ} [النجم" 23].

فلو فرضنا أنّه قال: (تلك الغرانيق العلا)، ثمّ أبطل ذلك بقوله: {إن هي إلّا أسماءٌ سمّيتموها}، فكيف يفرح المشركون بعد هذا الإبطال والذّمّ التّامّ لأصنامهم بأنّها أسماءٌ بلا مسمّياتٍ، وهذا هو الأخير؟!
وقراءته صلّى الله عليه وسلّم سورة " النّجم " بمكّة وسجود المشركين ثابتٌ في الصّحيح، ولم يذكر فيه شيءٌ من قصّة الغرانيق.

وعلى القول ببطلانها فلا إشكال.
وأمّا على القول بثبوت القصّة، كما هو رأي الحافظ ابن حجرٍ، فإنّه قال في فتح الباري: (إنّ هذه القصّة ثبتت بثلاثة أسانيد كلّها على شرط الصّحيح، وهي مراسيل يحتجّ بمثلها من يحتجّ بالمرسل، وكذا من لا يحتجّ به؛ لاعتضاد بعضها ببعضٍ؛ لأنّ الطّرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دلّ ذلك على أنّ لها أصلًا).
فللعلماء عن ذلك أجوبةٌ كثيرةٌ، من أحسنها وأقربها: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يرتّل السّورة ترتيلًا تتخلّله سكتاتٌ فلمّا قرأ: {ومناة الثّالثة الأخرى} [النجم: 20] قال الشّيطان -لعنه الله- محاكيًا لصوته صلّى الله عليه وسلّم: (تلك الغرانيق العلا ...
إلخ) فظنّ المشركون أنّ الصّوت صوته صلّى الله عليه وسلّم، وهو بريءٌ من ذلك براءة الشّمس من اللّمس.
وقد بيّنّا هذه المسألة بيانًا شافيًا في رحلتنا، فلذلك اختصرناها هنا.

فظهر أنّه لا تعارض بين الآيات. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 221-228]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:05 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة قد أفلح المؤمنون

سورة قد أفلح المؤمنون
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة قد أفلح المؤمنون
قوله تعالى: {قال ربّ ارجعون} [المؤمنون: 99].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن فيه من رجوع الضّمير إلى الرّبّ، والضّمير بصيغة الجمع، والرّبّ جلّ وعلا واحدٌ.
والجواب من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل -وهو أظهرها-: أنّ الواو لتعظيم المخاطب وهو الله تعالى، كما في قول الشّاعر:
ألا فارحموني يا إله محمّدٍ ... فإن لم أكن أهلًا فأنت له أهل
وقول الآخر:
وإن شئت حرّمت النّساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا بردًا
الوجه الثّاني: أنّ قوله: {ربّ} استغاثةٌ به تعالى، وقوله: {ارجعون} خطابٌ للملائكة.

ويستأنس لهذا الوجه بما ذكره ابن جريرٍ عن ابن جريجٍ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: ((إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدّنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ فيقول: بل قدّموني إلى الله. وأمّا الكافر فيقولون له: نرجعك؟ فيقول: ربّ ارجعون)).
الوجه الثّالث -وهو قول المازنيّ-: أنّه جمع الضّمير ليدلّ على التّكرار، فكأنّه قال: ربّ ارجعني، ارجعني، ارجعني. ولا يخلو هذا القول عندي من بعدٍ.

والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {فإذا نفخ في الصّور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّهم لا أنساب بينهم يومئذٍ، وأنّهم لا يتساءلون يوم القيامة.

وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على ثبوت الأنساب بينهم، كقوله: {يوم يفرّ المرء من أخيه} الآية [عبس: 34]. وآياتٌ أخرى تدلّ على أنّهم يتساءلون، كقوله تعالى: {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون} [الطور: 25].
والجواب عن الأوّل: أنّ المراد بنفي الأنساب انقطاع فوائدها وآثارها الّتي كانت مترتّبةً عليها في الدّنيا، من العواطف والنّفع والصّلات والتّفاخر بالآباء، لا نفي حقيقتها.
والجواب عن الثّاني من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل: أنّ نفي السّؤال بعد النّفخة الأولى وقبل الثّانيةـ وإثباته بعدهما معًا.
الثّاني: أنّ نفي السّؤال عند اشتغالهم بالصّعق والمحاسبة والجواز على الصّراط، وإثباته فيما عدا ذلك.

وهو عن السّدّيّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ.
الثّالث: أنّ السّؤال المنفيّ سؤالٌ خاصٌّ، وهو سؤال بعضهم العفو من بعضٍ فيما بينهم من الحقوق؛ لقنوطهم من الإعطاء، ولو كان المسؤول أبًا أو ابنًا أو أمًّا أو زوجةً.

ذكر هذه الأوجه الثّلاثة أيضًا صاحب الإتقان.


قوله تعالى: {قالوا لبثنا يومًا أو بعض يومٍ فاسأل العادّين} [المؤمنون: 113].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ الكفّار يزعمون يوم القيامة أنّهم ما لبثوا إلّا يومًا أو بعض يومٍ.

وقد جاءت آياتٌ أخر يفهم منها خلاف ذلك، كقوله تعالى: {يتخافتون بينهم إن لبثتم إلّا عشرًا} [طه: 103]، وقوله تعالى: {ويوم تقوم السّاعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعةٍ} [الروم: 55].
والجواب عن هذا بما دلّ عليه القرءان، وذلك أنّ بعضهم يقول: لبثنا يومًا أو بعض يومٍ. وبعضهم يقول: لبثنا ساعةً. وبعضهم يقول: لبثنا عشرًا.
ووجه دلالة القرءان على هذا: أنّه بيّن أنّ أقواهم إدراكًا وأرجحهم عقلًا وأمثلهم طريقةً، هو من يقول: إنّ مدّة لبثهم يوماً، وذلك قوله تعالى: {إذ يقول أمثلهم طريقةً إن لبثتم إلّا يومًا} [طه: 104]، فدلّ ذلك على اختلاف أقوالهم في مدّة لبثهم. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 229-232]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:06 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة النّور

سورة النّور
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة النّور
قوله تعالى: {الزّاني لا ينكح إلّا زانيةً أو مشركةً والزّانية لا ينكحها إلّا زانٍ أو مشركٌ وحرّم ذلك على المؤمنين} [النور: 3].
هذه الآية الكريمة تدلّ على تحريم نكاح الزّواني والزّناة على الأعفّاء والعفائف، ويدلّ لذلك قوله: {محصناتٍ غير مسافحاتٍ} الآية [النساء: 25]، وقوله: {محصنين غير مسافحين} الآية [النساء: 24].
وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ بعمومها على خلاف ذلك، كقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} الآية [النور: 32]، وقوله: {وأحلّ لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24].
والجواب عن هذا مختلفٌ فيه اختلافًا مبنيًّا على الاختلاف في حكم تزوّج العفيف للزّانية أو العفيفة للزّاني.

فمن يقول: هو حرامٌ. يقول: هذه الآية مخصّصةٌ لعموم: {وأنكحوا الأيامى منكم} وعموم: {وأحلّ لكم ما وراء ذلكم}.
والّذين يقولون بعدم المنع -وهم الأكثر- أجابوا بأجوبةٍ:
منها: أنّها منسوخةٌ بقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم}.

واقتصر صاحب الإتقان على النّسخ. وممّن قال بالنّسخ: سعيد بن المسيّب والشّافعيّ.
ومنها: أنّ النّكاح في هذه الآية الوطء. وعليه فالمراد بالآية: أنّ الزّاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلّا زانيةٌ مثله، أو مشركةٌ لا ترى حرمة الزّنا.
ومنها: أنّ هذا خاصٌّ؛ لأنّه كان في نسوةٍ بغايا كان الرّجل يتزوّج إحداهنّ على أن تنفق عليه ممّا كسبته من الزّنا؛ لأنّ ذلك هو سبب نزول الآية. فزعم بعضهم: أنّها مختصّةٌ بذلك السّبب، بدليل قوله: {وأحلّ لكم} الآية، وقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} الآية. وهذا أضعفها، والله تعالى أعلم.


قوله تعالى: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيّبات للطّيّبين والطّيّبون للطّيّبات} [النور: 26].
هذه الآية الكريمة نزلت في براءة أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ممّا رميت به. وذلك يؤيّد ما قاله عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، من أنّ معناها: الخبيثات من النّساء للخبيثين من الرّجال، والخبيثون من الرّجال للخبيثات من النّساء، والطّيّبات من النّساء للطّيّبين من الرّجال، والطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من النّساء. أي: فلو كانت عائشة رضي الله عنها غير طيّبةٍ لما جعلها الله زوجةً لأطيب الطّيّبين صلوات الله عليه وسلامه.
وعلى هذا، فالآية الكريمة يظهر تعارضها مع قوله تعالى: {ضرب الله مثلًا للّذين كفروا امرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ} إلى قوله: {مع الدّاخلين} [التحريم: 10]، وقوله أيضًا: {وضرب الله مثلًا للّذين آمنوا امرأة فرعون} الآية [التحريم: 11].
إذ الآية الأولى دلّت على خبث الزّوجتين الكافرتين مع أنّ زوجيهما من أطيب الطّيّبين، وهما نوحٌ ولوطٌ عليهما وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام. والآية الثّانية دلّت على طيب امرأة فرعون مع خبث زوجها.
والجواب: أنّ في معنى الآية وجهين للعلماء:
الأوّل -وبه قال ابن عبّاسٍ، وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ وسعيد بن جبيرٍ والشّعبيّ والحسن البصريّ وحبيب بن أبي ثابتٍ والضّحّاك، كما نقله عنهم ابن كثيرٍ، واختاره ابن جريرٍ-: أنّ معناه: الخبيثات من القول للخبيثين من الرّجال والخبيثون من الرّجال للخبيثات من القول، والطّيّبات من القول للطّيّبين من الرّجال، والطّيّبون من الرّجال للطّيّبات من القول.

أي: فما نسبه أهل النّفاق إلى عائشة من كلامٍ خبيثٍ هم أولى به، وهي أولى بالبراءة والنّزاهة منهم، ولذا قال تعالى: {أولئك مبرّءون ممّا يقولون} [النور: 26]. وعلى هذا الوجه فلا تعارض أصلًا بين الآيات.
الوجه الثّاني: هو ما قدّمنا عن عبد الرّحمن بن زيدٍ. وعليه فالإشكال ظاهرٌ بين الآيات.

والّذي يظهر لمقيّده عفا الله عنه أنّ قوله: {الخبيثات للخبيثين} إلى آخره على هذا القول من العامّ المخصوص، بدليل امرأة نوحٍ ولوط وامرأة فرعون.
وعليه، فالغالب تقييض كلٍّ من الطّيّبات والطّيّبين والخبيثات والخبيثين لجنسه وشكله الملائم له في الخبث أو الطّيب، مع أنّه تعالى ربّما قيّض خبيثةً لطيّبٍ كامرأة نوحٍ ولوطٍ، أو طيّبةً لخبيثٍ كامرأة فرعون؛ لحكمةٍ بالغةٍ، كما دلّ عليه قوله: {ضرب الله مثلًا للّذين كفروا}، وقوله: {وضرب الله مثلًا للّذين آمنوا} مع قوله: {وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلّا العالمون} [العنكبوت: 43].
فدلّ ذلك على أنّ تقييض الخبيثة للطّيّب أو الطّيّبة للخبيث فيه حكمةٌ لا يعقلها إلّا العلماء، وهي في تقييض الخبيثة للطّيّب: أن يبيّن للنّاس أنّ القرابة من الصّالحين لا تنفع الإنسان، وإنّما ينفعه عمله. ألا ترى أنّ أعظم ما يدافع عنه الإنسان زوجته، وأكرم الخلق على الله رسله، فدخول امرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ النّار، كما قال تعالى: {فلم يغنيا عنهما من الله شيئًا وقيل ادخلا النّار مع الدّاخلين} [التحريم: 10] فيه أكبر واعظٍ وأعظم زاجرٍ عن الاغترار بالقرابة من الصّالحين، والإعلام بأنّ الإنسان إنّما ينفعه عمله، {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} الآية [النساء: 123].
كما أنّ دخول امرأة فرعون الجنّة يعلم منه أنّ الإنسان إذا دعته الضّرورة لمخالطة الكفّار من غير اختياره، وأحسن عمله وصبر على القيام بدينه، أنّه يدخل الجنّة ولا يضرّه خبث الّذين يخالطهم ويعاشرهم، فالخبيث خبيثٌ وإن خالط الصّالحين، كامرأة نوحٍ ولوطٍ، والطّيّب طيّبٌ وإن خالط الأشرار، كامرأة فرعون. ولكنّ مخالطة الأشرار لا تجوز اختيارًا، كما دلّت عليه أدلّةٌ أخر.


قوله تعالى: {حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا} [النور: 39].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن فيه من أنّ الضّمير في قوله: {جاءه} يدلّ على شيءٍ موجودٍ واقعٍ عليه المجيء؛ لأنّ وقوع المجيء على العدم لا يعقل. ومعلومٌ أنّ الصّفة الإضافيّة لا تتقوّم إلّا بين متضائفين، فلا تدرك إلّا بإدراكهما، فلا يعقل وقوع المجيء بالفعل إلّا بإدراك فاعلٍ وقع منه المجيء، وقوله تعالى: {لم يجده شيئًا} يدلّ على عدم وجود شيءٍ يقع عليه المجيء في قوله تعالى: {جاءه}.
والجواب عن هذا من وجهين ذكرهما ابن جريرٍ في تفسير هذه الآية، قال: فإنّ قال قائل: وكيف قيل: {حتّى إذا جاءه لم يجده شيئًا}، فإن لم يكن السّراب شيئًا، فعلام دخلت الهاء في قوله: {حتّى إذا جاءه}؟
قيل: إنّه شيءٌ يرى من بعيدٍ، كالضّباب الّذي يرى كثيفًا من بعيدٍ، والهباء، فإذا قرب منه دقّ وصار كالهواء.

وقد يحتمل أن يكون معناه: حتّى إذا جاء موضع السّراب لم يجد السّراب شيئًا. فاكتفى بذكر السّراب عن ذكر موضعه. انتهى منه بلفظه.
والوجه الأوّل أظهر عندي وعنده؛ بدليل قوله، وقد يحتمل أن يكون معناه ... إلخ.


قوله تعالى: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّه صلّى الله عليه وسلّم له الإذن لمن شاء. وقوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} الآية [التوبة: 43] يوهم خلاف ذلك.
والجواب ظاهرٌ، وهو أنّه صلّى الله عليه وسلّم له الإذن لمن شاء من أصحابه الّذين كانوا معه على أمرٍ جامعٍ، كصلاة جمعةٍ أو عيدٍ أو جماعةٍ أو اجتماعٍ في مشورةٍ ونحو ذلك، كما بيّنه تعالى بقوله: {وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتّى يستأذنوه إنّ الّذين يستأذنونك أولئك الّذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} [النور: 62].
وأمّا الإذن في خصوص التّخلّف عن الجهاد، فهو الّذي بيّن الله لرسوله أنّ الأولى فيه ألّا يبادر بالإذن حتّى يتبيّن له الصّادق في عذره من الكاذب، وذلك في قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الّذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [التوبة: 43].
فظهر أن لا منافاة بين الآيات. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 233-238]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الفرقان

سورة الفرقان
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الفرقان
قوله تعالى: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلًا} [الفرقان: 24].
هذه الآية الكريمة تدلّ على انقضاء الحساب في نصف نهارٍ؛ لأنّ المقيل: القيلولة أو مكانها، وهي الاستراحة نصف النّهار في الحرّ.
وممّن قال بانقضاء الحساب في نصف نهارٍ: ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ وعكرمة وابن جبيرٍ؛ لدلالة هذه الآية على ذلك، كما نقله عنهم ابن كثيرٍ وغيره.
وفي تفسير الجلالين ما نصّه: (وأخذ من ذلك انقضاء الحساب في نصف نهارٍ، كما ورد في حديثٍ)، انتهى منه.

مع أنّه تعالى ذكر أنّ مقدار يوم القيامة خمسون ألف سنةٍ في قوله تعالى: {في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} [المعارج: 4].
والظّاهر في الجواب: أن يوم القيامة يطول على الكفّار ويقصر على المؤمنين.

ويشير لهذا قوله تعالى بعد هذا بقليلٍ: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} [الفرقان: 26]، فتخصيصه عسر ذلك اليوم بالكافرين يدلّ على أنّ المؤمنين ليسوا كذلك.

وقوله تعالى: {فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ على الكافرين غير يسيرٍ} [المدثر: 9 - 10]، يدلّ بمفهومه أيضًا على أنّه يسيرٌ على المؤمنين غير عسيرٍ، كما دلّ عليه قوله تعالى: {مهطعين إلى الدّاع يقول الكافرون هذا يومٌ عسرٌ} [القمر: 8].

وقال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أنبأنا ابن وهبٍ، أنبأنا عمرو بن الحارث، أنّ سعيدًا الصّوّاف حدّثه أنّه بلغه أنّ يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتّى يكون كما بين العصر إلى غروب الشّمس، وأنّهم يتقلّبون في رياض الجنّة حتّى يفرغ من النّاس، وذلك قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلًا}. ونقله عنه ابن كثيرٍ في تفسيره.

ومن المعلوم أنّ السّرور يقصر به الزّمن، والكروب والهموم سببٌ لطوله، كما قال أبو سفيان بن الحارث يرثي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول
وقال الآخر:
فقصارهنّ مع الهموم طويلةٌ ... وطوالهنّ مع السّرور قصار
ولقد أجاد من قال:
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما ... في الطّول والطّول، طوبى لي لو اعتدلا

يجود بالطّول ليلي كلّما بخلت ... بالطّول ليلى وإن جادت به بخلا
ومثل هذا كثيرٌ في كلام العرب جدًّا.

وأمّا على قول من فسّر المقيل بأنّه المأوى والمنزل -كقتادة رحمه الله- فلا تعارض بين الآيتين أصلًا؛ لأنّ المعنى على هذا القول: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًا وأحسن مأوًى ومنزلًا. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} الآية [الفرقان: 75].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّهم يجزون غرفةً واحدةً. وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على خلاف ذلك، كقوله تعالى: {لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنيّةٌ} [الزمر: 20]، وكقوله تعالى: {وهم في الغرفات آمنون} [سبأ: 37].
والجواب: أنّ الغرفة هنا بمعنى الغرف، كما تقدّم مستوفًى بشواهده في الكلام على قوله تعالى: {ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ} الآية [البقرة: 29].
وقيل: إنّ المراد بالغرفة: الدّرجة العليا في الجنّة. وعليه فلا إشكال.

وقيل: الغرفة الجنّة، سمّيت غرفةً لارتفاعها). [دفع إيهام الاضطراب: 239-241]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الشّعراء

سورة الشّعراء
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الشّعراء
قوله تعالى:{ كذّبت قوم نوحٍ المرسلين} [الشعراء: 105].
هذه الآية تدلّ على أنّ قوم نوحٍ كذّبوا جماعةً من المرسلين، بدليل صيغة الجمع في قوله: {المرسلين}، ثمّ بيّن ذلك بما يدلّ على خلاف ذلك، وأنّهم إنّما كذّبوا رسولًا واحدًا وهو نوحٌ عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام، بقوله: {إذ قال لهم أخوهم نوحٌ ألا تتّقون} إلى قوله: {قال ربّ إنّ قومي كذّبون} [الشعراء: 105 - 117].
والجواب عن هذا: أنّ الرّسل عليهم صلوات الله وسلامه، لمّا كانت دعوتهم واحدةً وهي: لا إله إلّا الله، صار مكذّب واحدٍ منهم مكذّبًا لجميعهم، كما يدلّ لذلك قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلّا نوحي إليه أنّه لا إله إلّا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولًا} الآية [النحل: 36]. وقد بيّن تعالى أنّ مكذّب بعضهم مكذّبٌ للجميع بقوله: {ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلًا أولئك هم الكافرون حقًّا} [النساء: 150 - 151].
ويأتي مثل هذا الإشكال، والجواب في قوله: {كذّبت عادٌ المرسلين إذ قال لهم أخوهم هودٌ} إلى آخره [الشعراء: 123 - 124]، وقوله: {كذّبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالحٌ} [الشعراء: 141 - 142].
وكذلك في قصّة لوطٍ وشعيبٍ، على الجميع وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام). [دفع إيهام الاضطراب: 242]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة النّمل

سورة النّمل
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة النّمل
قوله تعالى إخبارًا عن بلقيس: {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون} [النمل: 35].
يدلّ على تعدّد رسلها إلى سليمان.

وقوله: {فلمّا جاء سليمان} [النمل: 36] بإفراد فاعل «جاء»، وقوله تعالى إخبارًا عن سليمان أنّه قال: {ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنودٍ} الآية [النمل: 37] يدلّ على أنّ الرّسول واحدٌ.
والظّاهر في الجواب هو ما ذكره غير واحدٍ من أنّ الرّسل جماعةٌ، وعليهم رئيسٌ منهم، فالجمع نظرًا إلى الكلّ، والإفراد نظرًا إلى الرّئيسح لأنّ من معه تبعٌ له. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {ويوم نحشر من كلّ أمّةٍ فوجًا ممّن يكذّب بآياتنا} الآية [النمل: 83].
هذه الآية يدلّ ظاهرها على أنّ الحشر خاصٌّ بهؤلاء الأفواج المكذّبة.

وقوله بعد هذا بقليلٍ: {وكلٌّ أتوه داخرين} [النمل: 87]، يدلّ على أنّ الحشر عامٌّ، كما صرّحت به الآيات القرآنيّة عن كثرةٍ.
والجواب عن هذا: هو ما بيّنه الألوسيّ في تفسيره من أنّ قوله: {وكلٌّ أتوه داخرين} يراد به الحشر العامّ، وقوله: {ويوم نحشر من كلّ أمّةٍ فوجًا} أي: بعد الحشر العامّ يجمع الله المكذّبين للرّسل من كلّ أمّةٍ لأجل التّوبيخ المنصوص عليه بقوله: {أكذّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علمًا أم ماذا كنتم تعملون} [النمل: 84]، فالمراد بالفوج من كلّ أمّةٍ: الفوج المكذّب للرّسل يحشر للتّوبيخ حشرًا خاصًّا. فلا ينافي حشر الكلّ لفصل القضاء.

وهذا الوجه أحسن من تخصيص الفوج بالرّؤساء، كما ذهب إليه بعضهم.


قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب} [النمل: 88].
هذه الآية تدلّ بظاهرها على أنّ الجبال يظنّها الرّائي ساكنةً، وهي تسير.

وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على أنّ الجبال راسيةٌ، والرّاسي هو الثّابت في محلٍّ، كقوله تعالى: {والجبال أرساها} [النازعات: 32]، وقوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النحل: 15]، وقوله: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي} [الحجر: 19]، وقوله: {وجعلنا فيها رواسي شامخاتٍ} [المرسلات: 27].

ووجه الجمع ظاهرٌ، وهو أنّ قوله: {أرساها} ونحوه، يعني: في الدّنيا، وقوله: {وهي تمرّ مرّ السّحاب} يعني: في الآخرة، بدليل قوله: {ويوم ينفخ في الصّور ففزع من في السّماوات} [النمل: 87] ثمّ عطف على ذلك قوله: {وترى الجبال} الآية.
وممّا يدلّ على ذلك: النّصوص القرآنيّة على أنّ سير الجبال في يوم القيامة، كقوله تعالى: {ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزةً} [الكهف: 47]، وقوله: {وسيّرت الجبال فكانت سرابًا} [النبأ: 20] ). [دفع إيهام الاضطراب: 243-245]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة القصص

سورة القصص
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة القصص
قوله تعالى: {وقالت امرأة فرعون قرّة عينٍ لي ولك لا تقتلوه} الآية [القصص: 9].
الخطاب في قوله: {ولك} يدلّ على أنّ المخاطب واحدٌ. وفي قوله: {لا تقتلوه} يدلّ على أنّه جماعةٌ.
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل: أنّ صيغة الجمع للتّعظيم.
الثّاني: أنّها تعني فرعون وأعوانه الّذين همّوا معه بقتل موسى. فأفردت الضّمير في قولها: {ولك} لأنّ كونه: «قرّة عينٍ» في زعمها يختصّ بفرعون دونهم، وجمعته في قولها: {لا تقتلوه}، لأنّهم شركاء معه في الهمّ بقتله.
الثّالث: أنّها لمّا استعطفت فرعون على موسى التفتت إلى المأمورين بقتل الصّبيان قائلةً لهم: {لا تقتلوه}، معلّلةً ذلك بقولها: {عسى أن ينفعنا أو نتّخذه ولدًا}.


قوله تعالى: {قال لأهله امكثوا} الآية [القصص: 29].
أهله زوجته؛ بدليل قوله: {وسار بأهله}؛ لأنّ المعروف أنّه سار من عند شعيبٍ بزوجته ابنة شعيبٍ أو غير شعيبٍ على القول بذلك.

وقوله: {امكثوا} خطاب جماعة الذّكور، فما وجه خطاب المرأة بخطاب الذّكور.
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل: أنّ الإنسان يخاطب المرأة بخطاب الجماعة، تعظيمًا لها، ونظيره قول الشّاعر:
فإن شئت حرّمت النّساء سواكم.. وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا بردًا
الثّاني: أنّ معها خادمًا، والعرب ربّما خاطبت الاثنين خطاب الجماعة.
الثّالث: أنّه كان له مع زوجته ولدان له، اسم الأكبر منهما: جيرشوم، واسم الأصغر: اليعازر.
والجواب الأوّل ظاهرٌ، والثّاني والثّالث محتملان؛ لأنّهما من الإسرائيليّات. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {إنّك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56].
قد قدّمنا أنّ وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الشورى: 52] أنّ الهدى المنفيّ عنه صلّى الله عليه وسلّم هو منح التّوفيق، والهدى المثبت له هو إبانة الطّريق). [دفع إيهام الاضطراب: 246-247]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
دفع, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir