سورة الحاقّة
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الحاقّة
قوله تعالى: {إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه} [الحاقة: 20].
تقدّم رفع الإشكال بينه وبين الآيات الدّالّة على أنّ الظّنّ لا يكفي، كقوله: {إنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئًا} [يونس: 36]، في الكلام على قوله: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} [البقرة: 46] في سورة «البقرة».
قوله تعالى: {ولا طعامٌ إلّا من غسلينٍ} [الحاقة: 36].
ظاهر هذا الحصر أنّه لا طعام لأهل النّار إلّا الغسلين، وهو ما يسيل من صديد أهل النّار على أصحّ التّفسيرات، كأنّه فعلينٌ من الغسل؛ لأنّ الصّديد كأنّه غسالة قروح أهل النّار، أعاذنا الله والمسلمين منها.
وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ على حصر طعامهم في غير الغسلين، وهي قوله تعالى: {ليس لهم طعامٌ إلّا من ضريعٍ} [الغاشية: 6]، وهو الشّبرق اليابس على أصحّ التّفسيرات، ويدلّ لهذا قول أبي ذؤيبٍ:
رعى الشّبرق الرّيّان حتّى إذا ذوى ... وصار ضريعًا بان عنه النّحائص
وللعلماء عن هذا أجوبةٌ كثيرةٌ، أحسنها عندي اثنان منها، ولذلك اقتصرت عليهما:
الأوّل: أنّ العذاب ألوانٌ، والمعذّبون طبقاتٌ، فمنهم من لا طعام له إلّا من غسلين، ومنهم من لا طعام له إلّا من ضريعٍ، ومنهم من لا طعام له إلّا الزّقّوم.
ويدلّ لهذا قوله تعالى: {لها سبعة أبوابٍ لكلّ بابٍ منهم جزءٌ مقسومٌ} [الحجر: 44].
الثّاني: أنّ المعنى في جميع الآيات: أنّهم لا طعام لهم أصلًا؛ لأنّ الضّريع لا يصدق عليه اسم الطّعام، ولا تأكله البهائم، فأحرى الآدميّون.
وكذلك الغسلين ليس من الطّعام، فمن طعامه الضّريع لا طعام له، ومن طعامه الغسلين كذلك.
ومنه قولهم: فلانٌ لا ظلّ له إلّا الشّمس، ولا دابّة إلّا دابّة ثوبه يعنون القمّل. ومرادهم: لا ظلّ له أصلًا، ولا دابّة له أصلًا. وعليه فلا إشكال. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 326-327]