سورة مريم
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة مريم
قوله تعالى: {وإن منكم إلّا واردها} [مريم: 71].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ كلّ النّاس لا بدّ لهم من ورود النّار، وأكّد ذلك بقوله: {كان على ربّك حتمًا مقضيًّا} [مريم: 71].
وقد جاء في آيةٍ أخرى ما يدلّ على أنّ بعض النّاس مبعدٌ عنها لا يسمع لها حسًّا، وهي قوله تعالى: {أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها} الآية [الأنبياء: 101 - 102].
والجواب: هو ما ذكره الألوسيّ وغيره، من أنّ معنى قوله: {مبعدون} أي: عن عذاب النّار وألمها.
وقيل: المراد إبعادهم عنها بعد أن يكونوا قريبًا منها.
ويدلّ للوجه الأوّل ما أخرجه الإمام أحمد والحكيم التّرمذيّ وابن المنذر والحاكم وصحّحه وجماعةٌ، عن أبي سميّة قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمنٌ، وقال آخرون: يدخلونها جميعًا ثمّ ينجّي الله الّذين اتّقوا. فلقيت جابر بن عبد الله رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فقال -وأهوى بإصبعيه إلى أذنيه-: صمتًا، إن لم أكن سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((لا يبقى برٌّ ولا فاجرٌ إلّا دخلها، فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم عليه السّلام، حتّى إنّ للنّار ضجيجًا من بردهم، ثمّ ينجّي الله الّذين اتّقوا)).
وروى جماعةٌ عن ابن مسعودٍ أنّ ورود النّار هو المرور عليها؛ لأنّ النّاس تمرّ على الصّراط، وهو جسرٌ منصوبٌ على متن جهنّم.
وأخرج عبد بن حميدٍ وابن الأنباريّ والبيهقيّ عن الحسن: الورود: المرور عليها من غير دخولٍ. وروي ذلك أيضًا عن قتادة. قاله الألوسيّ.
واستدلّ القائلون بأنّ الورود الدّخول -كابن عبّاسٍ- بقوله تعالى: {فأوردهم النّار} [هود: 98]، وقوله: {لو كان هؤلاء آلهةً ما وردوها} [الأنبياء: 99]، وقوله: {حصب جهنّم أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98]. فالورود في ذلك كلّه بمعنى الدّخول.
واستدلّ القائلون بأنّ الورود القرب منها من غير دخولٍ، بقوله تعالى: {ولمّا ورد ماء مدين} [القصص: 23]، وقول زهيرٍ:
فلمّا وردن الماء زرقًا جمامه ... وضعن عصيّ الحاضر المتخيّم
).[دفع إيهام الاضطراب: 207-208]