سورة فصّلت
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة فصّلت
قوله تعالى: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض} إلى قوله: {ثمّ استوى إلى السّماء} [فصلت: 9-11].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] في الكلام على قوله تعالى: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثمّ استوى إلى السّماء} الآية [البقرة: 29].
قوله تعالى: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن من منافاة هذه الحال وصاحبها؛ لأنّها جمعٌ مذكّرٌ عاقلٌ، وصاحبها ضمير تثنيةٍ لغيرٍ عاقلٍ، ولو طابقت صاحبها في التّثنية حسب ما يسبق إلى الذّهن، لقال: أتينا طائعتين.
والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما -وهو الأظهر عندي-: أنّ جمعه للسّماوات والأرض، لأنّ السّماوات سبعٌ والأرضين كذلك، بدليل قوله: {ومن الأرض مثلهنّ} [الطلاق: 12]، فالتّثنية لفظيّةٌ تحتها أربعة عشر فردًا.
وأمّا إتيان الجمع على صيغة جمع العقلاء؛ فلأنّ العادة في اللّغة العربيّة أنّه إذا وصف غير العاقل بصفةٍ تختصّ بالعاقل أجري عليه حكمه. ومنه قوله تعالى: {إنّي رأيت أحد عشر كوكبًا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4]، لمّا كان السّجود في الظّاهر من خواصّ العقلاء أجري حكمهم على الشّمس والقمر والكواكب لوصفها به.
ونظيره قوله تعالى: {قالوا نعبد أصنامًا فنظلّ لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرّون} [الشعراء: 71 - 73]، فأجرى على الأصنام حكم العقلاء؛ لتنزيل الكفّار لها منزلتهم.
ومن هذا المعنى قول قيس بن الملوّح:
أسرب القطّا هل من يعير جناحه ... .. .. ... .....
فإنّه لمّا طلب الإعارة من القطّا، وهي من خواصّ العقلاء، أجرى على القطّا اللّفظ المختصّ بالعقلاء لذلك.
ووجه تذكير الجمع: أنّ السّماوات والأرض تأنيثها غير حقيقيٍّ.
الوجه الثّاني: أنّ المعنى: {قالتا أتينا طائعين} فيكون فيه تغليب العاقل على غيره. والأوّل أظهر عندي. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 276-277]