ولاة اليمن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم:
توالى إسلام قبائل اليمن حتى أسلم عامل كسرى على اليمن باذان، وأسلم معه الأبناء من فارس، وهم موالي الفرس الذين حكموا اليمن تحت حكم كسرى، وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ باذان على حكم اليمن بعد إسلامه.
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري ثم أتبعه معاذ بن جبل إلى اليمن يعلّمان الناس القرآن ويفقّهانهم في الدين، ويقضيان بينهم، وذلك بعد منصرفه من غزوة تبوك، وخبر مبعثهما ثابت في الصحيحين، ثم بعث عليّ بن أبي طالب في رمضان من السنة العاشرة للهجرة أميراً على سريّة إلى اليمن؛ ففتح الله له، وأسلم أكثر من ذهب إليهم طواعية، فمكث في اليمن إلى أن حضر موسم الحجّ فحجّ مع النبي صلى الله عليه وسلم حجّة الوداع.
وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم اليمن على خمسة رجال: خالد بن سعيد على صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، وزياد بن لبيد على حضرموت، ومعاذ بن جبل على الجَنَد، وأبي موسى الأشعري على زبيد وعدن والساحل.
- وذكر الزبير بن بكار أن النبي صلى الله عليه وسلم ولّى عبد الله بن أبي ربيعة على الجنَد، ولعلّه وهم؛ وإنما ولاه عمر على الجند في خلافته.
- وقال خليفة بن خياط في تسمية عمال النبي صلى الله عليه وسلم: (وفرق اليمن فاستعمل على صنعاء خالد بن سعيد بن العاص، وعلى كندة والصدف المهاجر بن أبي أمية، وعلى حضرموت زياد بن لبيد الأنصاري أحد بني بياضة، ومعاذ بن جبل على الجند والقضاء وتعليم الناس الإسلام وشرائعه وقراءة القرآن، وولى أبا موسى الأشعري زبيد ورمع وعدن والساحل، وجعل قبض الصدقة من العمال الذين بها إلى معاذ بن جبل، وبعث عمرو بن حزم إلى بلحارث بن كعب وأبا سفيان بن حرب إلى نجران، وقد بعث أيضاً علياً إلى نجران فجمع صدقاتهم، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع).
- قال إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: بعث النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه بن حذافة إلى كسرى بكتابه يدعوه إلى الإسلام، فلما قرأه شقق كتابه، ثم كتب إلى عامله على اليمن باذان أن ابعث إلى هذا الرجل برجلين جلدين فليأتياني به، فبعث باذان قهرمانه بابويه، وكان كاتباً حاسباً، وبعث معه رجلاً من الفرس يقال له خسرة إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى، وقال لبابويه: ويلك! انظر إلى الرجل ما هو وائتني بخبره.
فقدما الطّائف، ثم قدما المدينة، فكلمه بابويه أنّ شاهنشاه كسرى كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليه من يأتيه بك، فإن أجبتَ كتبتُ معك ما ينفعك عنده، وإن أبيتَ فإنَّه مهلكك ومهلك قومك ومخرّب بلادك.
فقال لهما: ارجعا حتى تأتياني غدا، فأوحي إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم إنّ اللَّه سلّط على كسرى ولده فقتله في ساعة كذا من ليلة كذا من شهر كذا.
فلما أصبحا أخبرهما بذلك، فقالا: نكتب بذلك عنك إلى باذان!
قال: نعم، وقولا له: (إن أسلمت أقرّك على ملكك)
ثم أعطى خسرة مِنطَقة فيها ذهب وفضة، فرجعا إلى باذان فأخبراه الخبر، فقال: (ما هذا بكلام ملك، ولئن كان ما قال حقاً فإنه لنبيّ مرسل).
فلم يلبث أن قدم عليه كتاب شيرويه يخبره بقتل كسرى، ويأمره بأخذ الطّاعة ممن قبله، ولا يتعرض للرجل الّذي كتب إليك كسرى في أمره.
قال: فأسلم باذان، وأسلمت الأبناء من فارس ممن كان منهم باليمن، وكان بابويه قد قال لباذان: (ما علمت أحداً كان أهيبَ عندي منه). رواه ابن أبي الدنيا في دلائل النبوة كما في الإصابة لابن حجر.
- وقال أسود بن عامر: حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن أبي بكرة أن رجلاً من أهل فارس أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (( إن ربي قد قتل ربَّك)) يعني كسرى، قال: وقيل له، يعني للنبي صلى الله عليه وسلم، «إنه قد استخلف ابنته»
فقال: «لا يفلح قوم تملكهم امرأة» رواه أحمد.
- وقال أبو عوانة: حدثنا عبد الملك، عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن، وبعث كلَّ واحد منهما على مخلاف، واليمن مخلافان.
ثم قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا» فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا، فسلَّم عليه؛ فسار معاذ في أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس، وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟
قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه.
قال: لا أنزل حتى يُقتل.
قال: إنما جيء به لذلك فانزل.
قال: ما أنزل حتى يقتل.
فأمر به فقتل، ثم نزل؛ فقال: يا عبد الله! كيف تقرأ القرآن؟
قال: أتفوَّقه تفوقاً.
قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟
قال: (أنام أوَّل الليل؛ فأقوم وقد قضيتُ جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي). رواه البخاري.
- وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب": (قال ابن إسحاق: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين معاذ بن جبل وبين جعفر بن أبي طالب، شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضياً إلى الجَنَد من اليمن، يعلّم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم اليمن على خمسة رجال: خالد بن سعيد على صنعاء، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، وزياد بن لبيد على حضرموت، ومعاذ بن جبل على الجَنَد، وأبي موسى الأشعري على زبيد وعدن والساحل).
- وقال إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق؛ قال: (قدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة، ومباعداً لهم، فأسلم، فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد ومذحج). رواه ابن أبي خيثمة.