خروج الأسود العنسي الكذاب:
- قال عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بينا أنا نائم أتيتُ بخزائن الأرض، فوضع في كفّي سواران من ذهب، فكبرا علي، فأوحى الله إليَّ أن انفخهما، فنفختهما فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة » رواه البخاري ومسلم.
- وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن عبيدة بن نشيط أنَّ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث، وكان تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد الله بن عامر، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وهو الذي يقال له: خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيب، فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خليت بيننا وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الذي أريت فيه ما أريت، وهذا ثابت بن قيس، وسيجيبك عني».
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عبيد الله بن عبد الله: سألت عبد الله بن عباس عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكر، فقال ابن عباس: ذُكر لي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ففظعتهما وكرهتهما، فأذن لي فنفختهما فطارا، فأوّلتهما كذابين يخرجان».
فقال عبيد الله: (أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب). رواه البخاري في صحيحه.
وكان خروج الأسود العنسي الكذاب قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج يدعي النبوة، ويسحر الناس بكلامه وتلبيسه، وكان رجلاً مشعبذاً متكهناً، له شيطان يتبعه ويحدّثه بالعجائب؛ فاشتدّت الفتنة به، واشتهر أمره، وكان له أعوان من عنس وزبيد ومذحج فتغلب على مواضع تلك القبائل، ولم يلبث إلا يسيراً حتى تغلّب على صنعاء، ونكّل بالأبناء، وتزوّج امرأة باذان الذي كان والي اليمن، وآذى من لم يؤمن به من الناس، وألقى أبا مسلم الخولاني في النار ليرهب به من لا يستجيب له ويجعله نكالاً؛ فنجّاه الله وخرج من النار لم يمسسه سوء، فرعب منه الأسود ونفاه من اليمن؛ فقدم أبو مسلم المدينة وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم.
وحاول فروة بن مسيك رضي الله عنه أن يتصدّى له فأعجزه أمره لكنّه صابره بالقتال حتى يأتيه أمر من النبي صلى الله عليه وسلم.
وفرّ كثير من أهل صنعاء بعد أن تغلّب عليها الأسود الكذاب، وبقي فيها طائفتان: طائفة تصانعه وتداريه اتقاء شرّه مع كفرهم به، وطائفة فتنت به وصدّقته واتبعته.
واجتهد في اغتيال الأسود الكذاب رهطٌ من الصحابة رضي الله عنهم من أهل اليمن، منهم فيروز الديلمي وهو ابن عمّ امرأة الأسود العنسي التي تزوّجها وقتل طائفة من ذويها، وقيس بن مكشوح المرادي، وغيرهما، ودبّروا له مكيدة أسفرت عن مقتله؛ قتله فيروز، ثم أجهز عليه قيس واحتزّ رأسه، وطفئت فتنته، وتفرّق جمعه، ورجعت طائفة ممن كان يصدّق به إلى الإسلام.
- قال ضمرة بن ربيعة، عن يحيى بن أبي عمر السيباني، عن عبد الله بن الديلمي، عن أبيه قال: (أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي الكذاب). رواه النسائي في السنن الكبرى.
وهذا الخبر رجاله ثقات، وقد صححه بعض أهل العلم واحتجّوا به على جواز حمل رأس المقتول والسفر به، ومن أهل العلم من أنكر هذا الخبر على ضمرة بن ربيعة؛ واستوهمه فيه؛ فإنّ الأسود قُتل قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بأيام قلائل، وخرج أبو مسلم الخولاني قبل ذلك ولم يدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
وكان أبو بكر الصديق ينكر حمل الرؤوس، وينهى عن ذلك.
- قال ابن حجر في الإصابة: (ضمرة لم يتابع عليه).
- وقال ابن منده: (حمل رأسه إلى المدينة؛ فوجد النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قد مات).
لكنّ ابن منده ظنّ أن ديلم الحميري هو فيروز الديلمي، وهما شخصان.
وكان فيروز قد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك،
وذكر سيف بن عمر التميمي خبراً مطولاً في مقتل الأسود العنسي، لكن سيفاً ليس ممن يُعتمد عليه.