أمثلة من أقوال العلماء:
قال الله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (قوله: {كنتم} يتناول المؤمن والكافر؛ فعدل إلى صيغة الغيبة التي تتناول من فعل ذلك الفعل المذموم خاصة).
قلت: وفيها معنى الاستشهاد بالمؤمنين.
قال الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)}
- قال بدر الدين الزركشي: (وقوله: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم} والأصل [فقطعتم] عطفا على ما قبله لكن عدل من الخطاب إلى الغيبة فقيل إنه سبحانه نعى عليهم ما أفسدوه من أمر دينهم إلى قوم آخرين ووبخهم عليه قائلا: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله لم؟!).
قال الله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)}
- قال أبو الحسن البقاعي: (لما كانت الدلالة بالنجم أنفع الدلالات وأعمها وأوضحها براً وبحراً ليلاً ونهاراً، نبه على عظمها بالالتفات إلى مقام الغيبة لإفهام العموم لئلا يظن أن المخاطب مخصوص، وأن الأمر لا يتعداه، فقال تعالى: {وبالنجم هم} أي أهل الأرض كلهم، وأولى الناس بذلك أول المخاطبين، وهم قريش ثم العرب كلها، لفرط معرفتهم بالنجوم {يهتدون} وقدم الجار تنبيهاً على أن دلالة غيره بالنسبة إليه سافلة.
ولما لم يبق - بذكر الدلائل على الوحدانية على الوجه الأكمل، والترتيب الأحسن، والنظم الأبلغ - شبهةٌ في أن الخالق إنما هو الله، لما ثبت من وحدانيته، وتمام علمه وقدرته، وكمال حكمته، لجعله تلك الدلائل نعماً عامة، ومنناً تامة، مع اتضاح العجز في كل ما يدعون فيه الإلهية من دونه، واتضاح أنه سبحانه في جميع صنعه مختار، للمفاوتة في الوجود والكيفيات بين ما لا مقتضى للتفاوت فيه غير الاختيار، فثبت بذلك أنه قادر على الإًّتيان بما يريد).
قال الله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88) }
- قال ابن عاشور: ( قوله تعالى: {وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (88)} إمّا عطفٌ على قوله: {استكبرتم} أو على {كذبتم} فيكون على الوجه الثاني تفسيراً للاستكبار، أي يكون على تقدير عطفه على {كذبتم} من جملة تفصيل الاستكبار، بأن أشير إلى أن استكبارهم أنواع: تكذيب وتقتيل وإعراض.
وعلى الوجهين ففيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، وإبعاد لهم عن مقام الحضور؛ فهو من الالتفات الذي نكتَتُه أنَّ ما أجري على المخاطب من صفات النقص والفظاعة قد أوجب إبعاده عن البال، وإعراض البال عنه؛ فيشار إلى هذا الإبعاد بخطابه بخطاب البعد فهو كناية.
وقد حسَّن الالتفاتَ أنه مؤذن بانتقال الكلام إلى سوء مقابلتهم للدعوة المحمدية، وهو غرض جديد؛ فإنهم لما تحدّث عنهم بما هو من شؤونهم مع أنبيائهم وجّه الخطاب إليهم، ولما أريد الحديث عنهم في إعراضهم عن النبيء صلى الله عليه وسلم صار الخطاب جارياً مع المؤمنين، وأجرى على اليهود ضمير الغيبة).