دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أصول التفسير البياني

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #5  
قديم 15 شوال 1441هـ/6-06-2020م, 01:19 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي

الالتفات اللطيف
مما يلتحق بالالتفات أنواع لطيفة من تصاريف الكلام فيها معنى الالتفات لما فيها من الانتقال من لون إلى لون آخر مغاير لما سبق في نظيره أو لما كان يتوقّعه السامع بناء على استعمال مشتهر.
ولذلك عدّ بعض أهل العلم ما يكون التفاتاً عن الأصل نوعاً من أنواع الالتفات؛ لأن العدول عن الاطراد والمقابلة لا يكون إلا لفائدة بيانية.
وهذه الأنواع اللطيفة من الالتفات يتعسّر حصرها، وأمثلتها في القرآن كثيرة جداً، وهي من دلائل عجز البشر عن الإحاطة ببيان القرآن، لكنّي سأذكر أمثلة تعرّف ببعض تلك الأنواع وتنبّه اللبيب على ما ورائها؛ فمن هذه الأنواع:
1: الالتفات من الخبر إلى الإنشاء
ومثاله قول الله تعالى: { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)} ، وقوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.

2: الالتفات من المفرد إلى الجملة أو شبه الجملة
ومثاله: قول الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} ولم يقل وأكيلة السبع، لأن بناء الأكيلة ينقسم إلى معنى المأكولة ومعنى المؤاكِلَة.
وقول الله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} ولم يقل أو مسافرين.
ومما يلتحق بهذا النوع الالتفات من حرف إلى حرف آخر في شبه الجملة كما في قول الله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}.

3: الالتفات من الاسم إلى الفعل والعكس
- فأما الالتفات من الاسم إلى الفعل فكما في قول الله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}، وقوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً}، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ} وقوله تعالى: { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)}.
- وأما الالتفات من الفعل إلى الاسم فكما في قول الله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ من الحيّ}، وقوله تعالى: {سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون}.

4: الالتفات من الفعل المضارع إلى الماضي والعكس
- فالالتفات من الفعل المضارع إلى الماضي كما في قول الله تعالى: {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} وقوله تعالى: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما} ، وقوله تعالى: { ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر}.
- والالتفات من الفعل الماضي إلى المضارع: كما في قول الله تعالى: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا} وقوله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله}، وقوله تعالى: { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام} ، وقوله تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا}، وقوله تعالى: { كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)}.

5: الالتفات من المضمر إلى الظاهر
والإتيان بالظاهر بعد المضمر إذا كان له غرض غير دفع الالتباس فهو نوع من الالتفات؛ لأنه لو أتي بالضمير لفُهم المعنى من غير التباس؛ فالعدول عن المضمر إلى الاسم الظاهر دليل على إرادة فائدة بيانية.
ومن أمثلته قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}، وقوله تعالى: {لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً}، وقوله تعالى: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ}، وقوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً}، وقوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً}، وقوله تعالى: { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)} وقوله تعالى: { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}.
- قال شرف الدين الطيبي: (ومثله قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} إلى قوله: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} عدل عن المضمر إلى الظاهر لما في طريقة الالتفات من مزية البلاغة، وليعلم أن الذي وجب الإيمان به واتباعه هو هذا الشخص الموصوف كائناً من كان إظهاراً للنصفة، وتفادياً من العصبية).
وأما حين يكون الغرض دفع الالتباس فلا يعدّ من الالتفات لأن دفع الالتباس غرض مقتضٍ لاختيار الاسم الظاهر دون المضمر، وهو من مقصود الخطاب الذي يراد به البيان؛ فكان موافقا للأصل وليس خارجاً عنه.
وذلك كما في قول الله تعالى: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه} فلو قال [ من وعائه ] لأوهم عود الضمير على يوسف عليه السلام.

6: الالتفات العددي
وهو أن يُلتفت من مفرد أو مثنى إلى جمع أو العكس، أو يتلفت من مفرد إلى مثنى أو العكس، وهو ملحق بالالتفات.
- قال جلال الدين السيوطي في الإتقان: (يقرب من الالتفات نقل الكلام من خطاب الواحد أو الاثنين أو الجمع لخطاب آخر).
أ- فالالتفات من المفرد إلى الجمع، كما في قول الله تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ}.
وقريب منه الانتقال من ضمير المفرد إلى ضمير العظمة كما في قول الله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53)}.
وقوله تعالى: {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)} يا عبادي الضمير مفرد، {بآياتنا} الضمير للعظمة.
ويقابله الانتقال من ضمير العظمة إلى ضمير المفرد كما في قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}.
ب- والالتفات من المثنى إلى الجمع مثاله قول الله تعالى: { كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15)} وقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)} ولم يقل "لحكمهما".
ج- والالتفات من المثنى إلى المفرد، كما في قول الله تعالى: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى}، وقوله تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها} وقريب منه قوله تعالى: {والله ورسوله أحقّ أن يرضوه}.
د- والالتفات من الجمع إلى المفرد لفظاً كما في قول الله تعالى: {بأكواب وأباريق وكأس من معين} ولم يقل "وكؤوس".
- قال بدر الدين الزركشي: (لم يقل "وكؤوس" لأن الكأس إناء فيه شراب؛ فإن لم يكن فيه شراب فليس بكأس، بل قدح.
والقدح إذا جعل فيه الشراب؛ فالاعتبار للشراب لا لإنائه؛ لأن المقصود هو المشروب، والظرف اتخذ للآلة، ولولا الشراب والحاجة إلى شربه لما اتخذ.
والقدح مصنوع، والشراب جنس؛ فلو قال: "كؤوس" لكان اعتبر حال القدح، والقدح تبع، ولما لم يجمعْ اعتبر حالَ الشراب وهو أصل، واعتبار الأصل أولى؛ فانظر كيف اختار الأحسن من الألفاظ)ا.هـ.

قلت: ولأن الشارب إنما يشرب بكأس واحد؛ فأفادت الآية العناية بكلّ فرد، وتصوير حال تلذذه بالشرب بما لا يتحقق بالجمع، لأن الجمع إنما يدلّ على الكثرة، وهي مدلول عليها بجمع الأكواب والأباريق، والتلذذ يُدلّ عليه بالإفراد، وقول الله تعالى بعدها: {لا يصدّعون عنها ولا ينزفون} ظاهر في التشويق بوصف حال تلذذهم، ومما يزيد الأمر وضوحاً قول الله تعالى في موضع آخر: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)}

ونظير ذلك قول الله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)} فأفرد المقامَ والنَّعمة بعد جمع الجنات والعيون والزروع؛ لما في الإفراد من تصوير لحال التلذذ؛ فكأنّ الأرض التي كانوا فيها كانت كالمقام الواحد الكريم، والمقام يحتمل أن يكون مصدراً ميمياً ويحتمل أن يكون اسم مكان، وكلاهما موضع منّة يشملهما لفظ الآية، والتنكير للتفخيم ليصدق على كلّ مقام لهم، بخلاف ما لو جمع فقال :"ومقامات" فيكون فيه تعيين مقامات محدودة ووصفها بأنها كريمة، وما سواها ليس بكريم، وهذا خلاف المقصود.
والنَّعمة بفتح النون صفة للحال، أي متنعّمين فيها بنعيم سابغٍ قد ظهرت آثاره عليهم؛ فهي حال دائمة متصلة، وليست حالات من النعيم تمرّ ثم تنقضي بحالات شقاء.
هـ- ومما يلتحق بهذا النوع وصف الجمع بصفة المفرد كما في قول الله تعالى: {فما بال القرون الأولى} والأولى تأنيث الأوّل وهو مفرد، ولو جمع لقال "الأُوَل" جمع أولى، ومثله قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى}.


والالتفات العددي له أمثلة متعددة في القرآن، بعضها مسلّم بالالتفات فيه، وبعضها إنما توهّم فيه الالتفات، وهو جارٍ على الأصل، فلا يُعدّ من الالتفات، ومن أمثلة ذلك:
1: قول الله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} توهّم فيه بعضهم الالتفات من المفرد وهو النبي إلى الجمع، ولا التفات هنا لأن الكلام جارٍ على الأصل وهو خطاب النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره إمام أمّته.
2: وقول الله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} فمن عدّه التفاتاً من المثنى إلى الجمع فقد توهّم الالتفات، ولا التفات هنا، لأن القلوب لم تزدد على قلبين بهذا التركيب، وهو نظير قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} ومن المعلوم أنه لا تقطع إلا يمين كلٍّ من السارق والسارقة، لا تقطع جميع الأيدي.
وإنما ساغ استعمال لفظ الجمع هنا موافقة للأفصح في كلام العرب؛ طلباً للتخفيف على اللسان مع أمن اللبس لما في اجتماع تثنيتين في متضايفين من الثقل.
قال أبو إسحاق الزجاج: (وحقيقة هذا الباب أنَّ كل ما كان في الشيء منه واحدٌ لم يُثنَّ، ولُفِظَ به على لفظ الجمع، لأنَّ الِإضافة تُبينه، فإِذا قُلْتَ أشْبَعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين فقط، وأصل التثنية الجمعُ لأنك إِذا ثنيت الواحدَ فقد جمعتَ واحداً إِلى واحِدٍ، وكان الأصل أن يقال: اثْنا رِجال، ولكنْ " رجلان " يدل على جنس الشيء وعدده، فالتثنية يحتاج إِليها للاختصار، فإِذا لم يكن اختصار رُدَّ الشيءُ إِلى أصْله، وأصلُهُ الجمع.
فإذا قلت: قلوبهما فالتثنية في " هما " قد أغنتك عن تثنية قَلْب فصار الاختصار ههنا ترك تثنية قلب)ا.هـ.
وقد وقع في كلام العرب إضافة مثنى إلى مثنى لكنّه لم يخل من الثقل، وذلك في مثل قول حميد بن ثور:

ومارَ بها الضبعانُ موراً وكلَّفت ... بعيرَيْ غُلامَيَّ الرَّسِيمَ فأرسما

3: وكما في قول الله تعالى: {والملائكة بعد ذلك ظهير} قد يُتوهَّم فيه الالتفات من الجمع إلى المفرد، حيث لم يقل "ظهراء" ، ولا التفات هنا؛ لأن فعيلاً يستوي فيه المؤنث والمذكر والمفرد والجمع، ومثله قول الله تعالى: {وحسن أولئك رفيقا}.
ومثل "فَعِيل" في هذا الباب: "فَعُول" و"فِعَال" كما في قول الله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وقوله تعالى: {واجعلنا للمتقين إماما} ولم يقل أئمة؛ لأن هذه الصيغة تصدق على المفرد وعلى الجمع.
لكن هذا لا يلغي السؤال البياني عن سبب العدول عن لفظ الجمع "ظهراء" مع صحته إلى لفظ يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع.
فالجواب: أن هذا أبلغ في الدلالة على الائتلاف والتوافق على الصفة حتى كأنها تقع من جميعهم وقوعها من واحدهم.
قال أبو حيان الأندلسي: (وكثيراً ما يأتي "فعيل" نحو هذا، للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ المفرد، كأنهم في المظاهرة يد واحدة على من يعاديهم).
وكذلك يقال في {إنا رسول} فرسالتهم واحدة.
وقوله: {واجعلنا للمتقين إماما} لأن منهجهم واحد لا يختلف.
وكذلك قوله تعالى: {فإنهم عدو لي} ولم يقل أعداء، لأن موجب العداوة وصف واحد ينطبق عليهم جميعاً.
4: وقول الله تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} توهّم فيه بعضهم الالتفات من اللفظ المؤنّث إلى اللفظ المذكر، وتأولوا ذلك بتأويلاتٍ فيها تكلّف.
والصواب أن العرب تفرّق بين قُرْبِ القرابة في النَّسَب، وبين غيره من أنواع القُرْب، كقرب المكان والزمان والشَّبَه؛ فقرب النَّسب يُتبع فيه الموصوف تذكيراً وتأنيثاً؛ فتقول: هذا قريب لي، وتقول: هذه قريبة لي.
كما قال أعرابي:
فتًى لم تلِدْه بنتُ عمّ قريبة ... فيضْوَى وقد يَضوَى رَدِيد القرائبِ
وإذا أريد قرب الزمان أو المكان كان الأفصح لزوم تذكير اللفظ مع جواز الإتباع ما لم يُضَف.
قال الله تعالى: {وما يدريك لعل الساعة قريب}.
وقال امرؤ القيس:
له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم ... قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
وإذا أضفت أتبعت؛ فتقول هي قريبة العهد بنا، وتقول: بئر قريبة القعر، وأخرى بعيدة القعر، وامرأة بعيدة مهوى القرط، وقريبة الرضا.
والبعد نظير القرب، ويجري مجراه في هذا الباب، كما قال الله تعالى: {وما هي من الظالمين ببعيد}، ولم يقل: "ببعيدة"، وقال تعالى: {وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد}.
5: وقوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة} تُوهّم فيه الالتفات من المثنى إلى الجمع في قوله تعالى: {واجعلوا بيوتكم} ولا التفات هنا؛ لأن الجمع عائد على ما في لفظ القوم من معنى الجمع.

وقد يجتمع في مثال واحد أنواع لطيفة من الالتفات كما في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فانتقل من فعل الأمر إلى المضارع، ثم من الجملة الفعلية إلى الجملة الاسمية، ومن المضمر المتبادر إلى الظاهر في موضعين.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدرس, الرابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:55 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir