المثال الرابع: الالتفات اللطيف في قول الله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)}
في هاتين الآيتين التفات لطيف، وذلك أن قوم هود رموه بالسفه وبالغوا في ذلك ؛ حتى عدّوه {في سفاهة} فنزلوا السفاهة منزلة الظرف المحيط به من جميع جوانبه؛ ليظهروا له أنهم يرون أمره كلّه سفه لا رشد فيه.
فالتفت عن جوابهم بمقتضى الظاهر ولم يقل [ لست في سفاهة ] لأن نفي الانغماس في السفه لا يقتضي نفي الاتصاف بشيء منه، وهو أراد إبطال تهمتهم ونفيها من أصلها؛ فقال: {ليس بي سفاهة} فنفى عن نفسه جميع ما يمكن أن يسمّى سفاهة مهما قلّ؛ فليس فيه أدنى سفاهة، بل أمره كلّه رشد لا سفه فيه؛ فمن اتبعه رشد، وإنما السفاهة على من خالفه.
نظير ذلك جواب نوح عليه السلام لقومه كما في قول الله تعالى: { قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)}.