المثال الثاني: الالتفات في قول الله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)}
الالتفات في قوله تعالى حكاية عن مؤمن أصحاب القرية: {وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} التفات من التكلم إلى الخطاب، وفيه نوع احتباك لطيف يقوم مقام التنبيه على الحجة؛ فقال: {وإليه ترجعون} مكان وإليه أرجع؛ ليرجعوا بأنفسهم إلى صدر الكلام فيجدوه منادياً لهم أبين النداء: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم؟!!
وفيه فائدة أخرى وهي أن قوله: {وما لي لا أعبد الذي فطرني} يبيّن أنه أقام نفسه مقام المبادر إلى ما يأمرهم به؛ ليكون أوقع في النفس بخلاف من يأمر غيره ينتظر أن يتقدموه ليتبعهم.
وفيه فائدة أخرى: وهي أنه بهذه العبارة يخاطب قلوبهم ليقذف هذا السؤال في قلب كلّ واحد منهم يكرره في نفسه ليتأمّله ويتفكّر فيما يلزمه من جوابه.