أمثلة على لطائف الالتفات
المثال الأول: الالتفات في قول الله تعالى: {مالك يوم الدين . إياك نعبد وإياك نستعين}
في سورة الفاتحة أنواع من الالتفات؛ ومن الالتفات الظاهر فيها الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قول الله تعالى فيما علّمه عباده: {إياك نعبد وإياك نستعين}
قول العبد في قراءته: {الحمد لله ربّ العالمين} حمدٌ لله تعالى بالغيب، وهو حمد الموقن بربّه المعتقد لاستحقاقه الحمد؛ وهذا أدعى لأن يستحضر القارئ معنى استحقاق الله تعالى للحمد ليطابق قوله ما يشهده ببصيرته من آثار حمد الله تعالى.
ثم قوله: {الرحمن الرحيم} ثناء على الله يزداد به تقرباً إليه وتوسّلاً إليه برحمته الواسعة التي وسعت كلّ شيء، ورحمته الخاصّة التي امتنّ بها على عباده المؤمنين؛ وذلك أدعى لأن يستحضر آثار رحمة الله تعالى فيزداد تقرباً إلى الله.
ثم قوله: {مالك يوم الدين} تمجيد لله تعالى، وتفويض إليه، واقتراب من سؤاله حاجته، وفيه شهود لتفرّده تعالى بالملك والحساب والجزاء،
فكأنّ المؤمن بعد هذا الترقّي البديع في المعارف الجليلة قد فتح له الباب ليسأل حاجته؛ فانتُقل به من الغيبة إلى الخطاب؛ فيُحسن التوسّل إلى الله تعالى بقوله: {إيّاك نعبد وإياك نستعين} وفي ذلك من تحقيق التوحيد وإخلاص التوكّل والاستعانة بالله، والتبرّؤ من الحول والقوّة إلا بالله تعالى ما يناسب الخطاب، ليسأل حاجته وقد قرَّبه الله بما علّمه من التوسّل إليه والثناء عليه والتأدّب بين يديه.