أنواع الأساليب
أساليب الكلام العربي كثيرة متنوّعة، ولكل أسلوب دلالاته المهمة التي تُستخرج بها أنواع من اللطائف البيانية. فمن الأساليب اللغوية: أسلوب الاستفهام، وأسلوب الشرط، وأسلوب الأمر، وأسلوب النهي، وأسلوب التوكيد، وأسلوب الاستثناء، وأسلوب التعجب، وأسلوب الحصر، وغيرها. وقد يقع في بعض الكلام ما يحتمل أسلوبين أو أكثر، فيكون من قبيل مشترك الأساليب؛ كما في قول الله تعالى: {فما أصبرهم على النار} اختلف فيه هل هو تعجّب أو استفهام، والصواب أنهما وجهان في التفسير يصحّ الجمع بينهما كما يصحّ الجمع بين القراءتين. وسنشرح بعض هذه الأساليب بشيء من التفصيل والتمثيل، والله المستعان، عليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل. |
أسلوب الاستفهام
الاستفهام استفعال من الفهم، وهو استدعاء ما يحصل به الفهم باستعمال أدوات مثل: "الهمزة"، و"هل"، و"ما"، و"مَن"، و"متى"، و"كيف"، و"كم"، و"أين"، و"أيان"، و"أنَّى"، و"أيّ". والله تعالى محيط بكلّ شيء علماً، فلذلك لا يأتي الاستفهام منه لغرض طلب المعرفة، وإنما يأتي لمعانٍ بيانيّة حكيمة، وما في القرآن من استفهام حقيقي فهو حكاية عن بعض المخلوقين؛ كما في قول الله تعالى: { قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71)} ، وقوله بعدها: {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74)}، ونحو ذلك. ودراسة معاني الاستفهام في القرآن تعين على فهم مقاصده، واستجلاء لطائفه البيانية. |
المعاني البيانية للاستفهام في القرآن
معاني الاستفهام في القرآن منها ما هو ظاهر بيّن يُعرف بدلالة السياق، ومنها ما يُحتاج في معرفته إلى نظر واجتهاد، ولذلك قد يقع بين المفسرين خلاف في بعض معاني الاستفهام في القرآن. ومن المتعسّر على الناظر حصر معاني الاستفهام في القرآن وفي اللغة؛ لكثرتها وتنوّعها وتداخلها، ولم يزل العلماء يزيد بعضهم على بعض في تفصيل معاني الاستفهام، فتختلف عباراتهم وتتنوّع. لكن مما يحسن تقديمه التعريف بهذه المعاني على وجه الإجمال والتمثيل لها بما يحصل به تصوّر حسن كافٍ إن شاء الله ثم يعقب ببعض المباحث التي تدعو حاجة المفسّر إلى تبيّنها في هذا الباب. فما تلخّص لي من معاني الاستفهام في القرآن نحو عشرين معنى، ولا أزعم أنها حاصرة، لكن هذا ما توصّلت إليه بعد تأمّل أمثلة كثيرة للاستفهام في القرآن، والاطلاع على أقوال جماعة من العلماء في معاني الاستفهام على اختلاف مناهجهم في محاولة حصرها وسردها. فمن هذه المعاني: 1: استفهام التقرير، وهو كثير في القرآن ومن أمثلته: قول الله تعالى: {ألست بربّكم} وقوله تعالى: {أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين} وقوله: {أليس الله بكاف عبده} وقوله: {ألم تعلم أن الله على كلّ شيء قدير}. ولتسمية هذا المعنى بالتقرير أصل في السنة النبوية كما في الصحيحين من حديث قتادة عن صفوان بن محرز عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره، ثم يقول: ((إني سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)). والشاهد قوله: (فيقرّره) فسمّى هذا الاستفهام تقريراً. - وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في تفسير قول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} أنه قال: (نِعَم من الله متظاهرة، يقررك بها كيما تشكره). رواه ابن جرير. - قال محمد الأمين الشنقيطي: (والمقصود من استفهام التقرير ليس السؤال عن شيء يفهمه السائل، بل المراد به: حمل المخاطب على أن يُقِرَّ فيقول: «بلى» ولا يكون استفهام التقرير إلا في شيء لا يمكن أن يُنازع فيه)ا.هـ. ثمّ إنّ استفهام التقرير قد تدخله معانٍ أخر بحسب السياق ومقصد التقرير، ومن ذلك: أ- إظهار المنّة، كما في قول الله تعالى: {ألم نشرح صدرك} ، وقوله تعالى: {أولم نمكّن لهم حرماً آمنا يجبى إليه ثمرات كلّ شيء رزقاً من لدنا}. ب- وإقامة الحجة، كما في قول الله تعالى: {أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النذير} ، وقوله تعالى: {ألست بربّكم} ، وقوله تعالى: {ألم أنهكما عن تلكما الشجرة}. ج- والتبكيت، كما في قول الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)}. د- والتوبيخ، كما في قول الله تعالى: {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}. هـ- والتخويف والتشنيع، كما في قول الله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا} وقوله تعالى: {ألم يعلم بأنّ الله يرى}. و- والافتخار، كما في قول الله تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)} فهذا استفهام تقرير أراد به فرعون الافتخار وصرف الأنظار إليه عن موسى ودعوته. 2: استفهام الإنكار، كما في قول الله تعالى: {أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون}، وقوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون}، وقوله: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثمّ يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} ، وقوله: {أكذّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما}. واستفهام الإنكار قد يكون وارداً على خبر يراد نفيُه والإنكارُ على من زعمه، وقد يكون وارداً على عمل أو قول فيراد به الإنكار على صاحبه ونهيه عنه، ثم قد يقتضي ذمّه، وقد يقتضي معاتبته، أو بيان خطئه بحسب السياق؛ فيكون هذا من اللازم الزائد على معنى الإنكار. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (استفهام الإنكار إما بمعنى النفي إذا قابل الإخبار، وإما بمعنى الذم والنهي إذا قابل الإنشاء). وقال في موضع آخر: (وهذا شأن استفهام الإنكار فإنه يتضمن نفي المستفهم عنه، والإنكار على من أثبته). ولذلك فإنّ استفهام الإنكار غالباً ما يتضمّن معنى آخر، ومن ذلك: أ: العتاب، كما في قول الله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} ، فهذا استفهام إنكاري يراد به العتاب. - قال قتادة: (عاتبه كما تسمعون، ثم أنزل الله التي في سورة النور، فرخص له في أن يأذن لهم إن شاء، فقال: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}). رواه ابن جرير. - وقال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: (سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟! بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}). رواه ابن أبي حاتم. وقال تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}. - قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية:{ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلا أربع سنين). رواه مسلم. ففهم السلف من هذا النوع من الاستفهام معنى المعاتبة. ب: والتوبيخ، ومنه قول الله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} ، وقوله تعالى: {ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون (70) ياأهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون (71)} ج: والتبكيت، ومنه قول الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)}. د: والتشنيع، ومنه قول الله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}، وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)} ، وقوله تعالى: {قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)}، وقوله تعالى: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}. هـ: والنهي، كما في قول الله تعالى: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20)} وفيه أيضاً معنى التشنيع على من يأخذ شيئاً من صداق امرأته. 3: واستفهام التعجّب، كما في قول الله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} فهذا نص على معنى الاستفهام. ومنه قوله تعالى: {قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيا} ، وقوله تعالى فيما حكاه عن مؤمن آل فرعون: { وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)} ، وقوله تعالى: {وتفقّد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين}، والتعجب قد يكون مشوباً بإنكار أو استغراب أو اندهاش. 4: واستفهام النفي، كما في قول الله تعالى: {ومن أحسن من الله حكماً لقوم يؤمنون}، وقوله: {ومن يغفر الذنوب إلا الله}، وقوله تعالى: {هل يهلك إلا القوم الظالمون}، وقوله تعالى: {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها}. واستفهام النفي له مقاصد تفسّر في كلّ موضع بحسبه. 5: والأمر، كما في قول الله تعالى: {فهل أنتم منتهون} فهو في معنى الأمر بالانتهاء. وقد يشتدّ معنى الأمر في الاستفهام حتى يفهم منه التوعّد والتهديد للمخالف كما في قول الله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)}. 6: والتعظيم، كما في قول الله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، وقوله: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين}. 7: والتهويل، كما في قول الله تعالى: {وما أدراك ما يوم الدين}، وقوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية}، وقوله تعالى: {القارعة ما القارعة}. والتهويل فيه معنى التعظيم للمستفهم عنه، لكنه تعظيم بتخويف. 8: والتخويف والتقريع، كما في قول الله تعالى: {لمن الملك اليوم} ، وقوله تعالى: {فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه}، وقوله تعالى: {فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة}، وقوله تعالى: {لأيّ يوم أجلّت}. 9: والتشنيع، كما في قول الله تعالى: {قل أتعلّمون الله بدينكم}. 10: والتوبيخ، ويأتي كثيراً مع استفهام الإنكار كما في قول الله تعالى: {أفلا تعقلون} وقوله تعالى: {أتعبدون ما تنحتون}. أو التقرير كما في قول الله تعالى: {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}. 11: والتبكيت، وهو تأنيب المخاطَب بتقبيح فعله بما يستوجب ندمه وإكباره ما أتى من الذنب. وقد يأتي مع استفهام الإنكار كما في قول الله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون}. وقد يأتي مع استفهام التقرير كما في قول الله تعالى: { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا}. وتسمية هذا النوع من الاستفهام بالتبكيت له أصل في السنة، ففي مسند الشافعي وسنن أبي داوود والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بشارب خمر؛ فقال: اضربوه، فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه من التراب، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «بكّتوه» فبكّتوه، ثم أرسلوه. وقد ورد تفسير هذا التبكيت في رواية عند أبي داوود أنهم أقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله؟! ما خشيت الله؟! وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! 12: والتهكّم، كما في قول الله تعالى: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما (138) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا (139)} وقوله تعالى فيما حكاه عن اليهود: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} ، وقوله تعالى: { وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} ، وقوله تعالى: { وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71)}. 13: والتحقير، كما في قول الله تعالى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)}. وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}، وكثيراً ما يكون استفهام التحقير مصحوباً بالتهكّم. 14: والتشويق، كما في قول الله تعالى: {هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} وقوله تعالى: {قل أؤنبّئكم بخير من ذلكم للذين اتّقوا عند ربّهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها}. 15: والتحضيض، كما في قول الله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة}، وقوله تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر الله لكم}. 16: والتنبيه، كما في قول الله تعالى: {ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظلّ} ، وقوله تعالى: {فاستفتهم أهم أشدّ خلقاً أم من خلقنا}. 17: والاسترحام، كما في قول الله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}. 18: والتمنّي، كما في قول الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}. وقوله تعالى: {وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مردّ من سبيل}. 19: والاستبعاد، كما في قول الله تعالى: {وأنّى له الذكرى} ، وقوله تعالى: {قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها} ، وقوله تعالى: {قال ربّ أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر} ، وقوله فيما حكى عن منكري البعث: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)}، وقوله تعالى: {كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم} الآية. 20: والاستغراب، كما في قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك}، وقوله تعالى: {إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن}. والاستغراب قد يكون مشوباً بتعجّب، وقد يكون مشوباً بإنكار. 21: واستظهار الجواب، كما في قول الله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله} ، وقوله تعالى: {أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء}. وهذه المعاني ليست على سبيل الحصر، وبين بعضها تقارب، وقد يحمل الاستفهام معنيين أو أكثر. وقد حاول بعض العلماء حصر معاني الاستفهام، ومن ذلك قول ابن خالويه: (وكل لفظ استفهام ورد في كتاب الله عز وجل فلا يخلو من أحد ستة أوجه: إما أن يكون توبيخا أو تقريرا أو تعجبا أو تسوية أو إيجابا أو أمرا؛ فأما استفهام صريح فلا يقع من الله تعالى في القرآن لأن المستفهم مستعلم ما ليس عنده، والله عالم بالأشياء قبل كونها). ومثّل للتسوية بقول الله تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} ، والتسوية فيها عائدة إلى معنى الهمزة، ولا يظهر في الآية استفهام. ولا أعلم وجهاً لهذا الحصر؛ وقد تقدّم ذكر معانٍ كثيرة غير هذه الستة بأمثلتها، ولو أنه أتى بمعانٍ كليّة ترجع إليها هذه المعاني لكان للحصر وجهاً مقبولاً. وذكر جلال الدين السيوطي في الإتقان أن شمس الدين ابن الصائغ(ت:720هـ) ألّف كتاباً في الاستفهام سمّاه "روض الأفهام في أقسام الاستفهام" ، وقد لخّصه السيوطي في كتابيه الإتقان ومعترك الأقران؛ فذكر للاستفهام اثنين وثلاثين معنى، وفي بعضها نظر. وعقد ابن الشجري في أماليه باباً لمعاني الاستفهام ذكر فيه جملة حسنة من معاني الاستفهام، وسمّاه ابن فارس في الصاحبي الاستخبار، وذكر له خمسة عشر معنى نحا في بعضها إلى التفسير بلازم المعنى. |
تعدد المعاني في الاستفهام الواحد:
كثيرا ما يحتمل الاستفهام في القرآن أكثر من معنى يصحّ الجمع بينها، ومن أمثلة ذلك: 1: الاستفهام في قول الله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} فيه معنى الإنكار والتوبيخ والتبكيت والتخويف. 2: والاستفهام في قول الله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71)} فيه معنى الإنكار والنفي والتنبيه. 3: والاستفهام في قول الله تعالى: { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} فيه معنى التهكّم والتحقير والاستغراب. 4: والاستفهام في قول الله تعالى: {وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة} فيه معنى النفي والاستبعاد. 5: والاستفهام في قول الله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} فيه معنى الإنكار والتعجب والتبكيت. |
أسباب اختلاف المفسرين في تعيين معاني الاستفهام
من نظر في أقوال المفسرين في معاني الاستفهام وجد بينهم اختلافاً في تعيين المعاني في بعض الآيات، وهذا الاختلاف له أسباب منها: 1. تقارب بعض معاني الاستفهام، واحتمال بعض الاستفهامات لمعانٍ متعددة؛ فيذكر كلّ منهم ما يظهر له منها، وقد يكون الصواب الجمع بين تلك المعاني. فإذا كان الاستفهام يحمل معنى التعجّب والاستغراب والإنكار؛ وذكر كلّ واحد ممن تكلّم في معنى الاستفهام واحداً من هذه المعاني؛ فهو إنما ذكر أظهر هذه المعاني له، ولا يمتنع أن تجتمع هذه المعاني في الاستفهام الواحد. 2. اختلاف النظر في لوازم معنى الاستفهام؛ فإنّ الاستفهام له معنى في نفسه، وقد يدلّ على معانٍ أخر باللزوم. كما ذكر ابن الصائغ في معنى الاستفهام في قول الله تعالى: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي} أنه للافتخار، والافتخار من لازم المعنى، وأما المعنى القريب للاستفهام فهو التقرير؛ لأنه أراد أن يقررهم بما لا ينكرونه. 3. تعدّد الاعتبارات في الاستفهام الواحد؛ وذلك أن الاستفهام قد يرد على مخاطَب به؛ فيكون له معنى باعتبار المخاطَب بالاستفهام، ويكون المراد الأعظم تنبيه غيره؛ فيكون للاستفهام في حقّهم معنى آخر، على حدّ قول القائل: إيّاك أعني واسمعي يا جارة. وهذا كما في قول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)} فإذا اعتبرت المخاطَبين بالاستفهام وهم الملائكة وجدت له معنى استظهار الجواب؛ ليُبنى على جوابهم حكم ما. وإذا اعتبرت حال المقصودين بهذا الاستفهام من المشركين رأيت له معنى آخر؛ من التبكيت والتخويف. وقريب منه قول الله تعالى: {فكيف كان عذابي نذر} فهو للمؤمنين استفهام تعجيب، وللمشركين استفهام تخويف وتهويل. 4. اختلاف القراءات؛ فقد يرد الاستفهام على قراءة بمعنى، ويرد في قراءة أخرى بمعنى آخر. ومن ذلك قول الله تعالى: {أفبنعمة الله يجحدون} قرأ جمهور القراء بالياء وهو استفهام تشنيع على الكفار وتعجيب للمؤمنين، وقرأ أبو بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب بالتاء على الخطاب {أفبنعمة الله تجحدون} فيكون فيه معنى الإنكار والتبكيت للكفار. - قال أبو حيان الأندلسي: (وقرأ أبو بكر عن عاصم، وأبو عبد الرحمن، والأعرج بخلاف عنه: {تجحدون} بالتاء على الخطاب لقوله: {فضَّل بعضكم}، تبكيتاً لهم في جحد نعمة الله). وقال الله تعالى: {قل إنما الآيات عند الله وما يُشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {إنها} بكسر همزة إنّ، وقرأ بقية السبعة بفتحها. - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هذا استفهام نفي وإنكار أي وما يدريكم؟ إنها إذا جاءت لا يؤمنون، وإنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، على قراءة من قرأ إنها بالكسر، تكون جزماً بإنها إذا جاءت لا يؤمنون ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة). وقوله: (تكون جزماً): أي تكون الجملة مفيدة للجزم بأنهم لا يؤمنون، وأما قراءة الفتح فلا تشعر بالجزم بذلك. |
حذف ألف الاستفهام
قد يأتي الاستفهام في الكلام بغير أداة ظاهرة، فيُفهم معنى الاستفهام بدلالة السياق، والغالب أن تُقدّر الأداة المحذوفة بالألف. وهذه مسألة تنازع فيها أهل اللغة فسرى تنازعهم إلى أهل التفسير، ولذلك فإنّ الأمثلة التي تُذكر لهذا النوع من القرآن مما يُنازع فيه. ومن أشهر الأمثلة على ذلك ما قيل في قول الله تعالى فيما حكاه عن موسى عليه السلام أنه قال لفرعون: {وتلك نعمة تمنّها علي أن عبّدت بني إسرائيل}. - قال قتادة، في قوله: ({وتلك نعمةٌ تمنّها عليّ} قال: (يقول موسى لفرعون: أتمنّ عليّ أن اتّخذت أنت بني إسرائيل عبيدًا). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريقي معمر وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة. ففي هذا دليل على أنّ قتادة رحمه الله فهم من هذا التركيب معنى الاستفهام. وقتادة بن دعامة السدوسي(ت:117هـ) من تابعي البصرة، وهو من أهل عصر الاحتجاج اللغوي، وقد وافقه على هذا القول بعض نحاة البصرة. واستُشهد له بشواهد كثيرة مبثوثة في كتب النحو، منها قول امرئ القيس: تروح من الحيّ أم تبتكر ... وماذا يضرّك لو تنتظر؟ والتقدير: أتروح من الحيّ أم تبتكر؟ وقول الخنساء: قذى بعينيكِ أم بالعين عوّار ... أم ذرّفت إذ خلت من أهلها الدار أي: أقذى بعينيك؟وقول عمر بن أبي ربيعة: بدا لي منها معصم يوم جمَّرت ... وكفٌّ خضيب زيّنت ببنان يريد: أبسبع رميت الجمر أم بثمان؟فوالله ما أدري وإني لحاسب ... بسبع رميت الجمر أم بثمان وقول العرجي: بالله يا ظبيات القاع قُلنَ لنا ... ليلايَ منكنَّ أم ليلى من البشر يريد: أليلاي منكنّ؟ وقد خالف في ذلك بعض نحاة الكوفة، لما يلزم منه عندهم من التباس الخبر بالاستفهام، وتأوّل بعضهم قول امرئ القيس: تروح من الحيّ أم تبتكر بأن همزة الاستفهام مدلول عليها بأم؛ فحذف الاستفهام الأوّل اكتفاءً بـ "أم". وقال بعضهم: بل الأوّل خبرٌ، والثّاني استفهامٌ. وأنكروا على القولين أن تحذف ألف الاستفهام من غير "أم"، وهو ما رجّحه ابن جرير. وهذا القول يردّه ما ورد من الشواهد في حذف ألف الاستفهام من غير أم، كما في قول عمر بن ربيعة: ثم قالوا: تحبها، قلت: بهرا ... عدد النجم والحصى والتراب أي: أتحبها؟ وبهراً أي فخراً أجاهر به ولا أخفيه. وقول الكميت: طربتُ وما شوقاً إلى البيضِ أطربُ ... ولا لعباً مني وذو الشيبِ يلعبُ أي: أذو الشيب يلعب؟ وقول امرئ القيس: أَصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضهُ ... كَلَمْعِ اليَدَيْن في حَبيٍّ مُكَلَّل أي: أترى برقاً؟والشواهد على حذف أداة الاستفهام وإرادة معناه كثيرة في اللغة، ومنها ما هو صريح غاية الصراحة في الأحاديث النبوية. - ومن ذلك ما في الصحيحين من حديث شعبة، عن واصل الأحدب عن المعرور بن سويد، قال: سمعت أبا ذر يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة)) قلت: وإن سرق، وإن زنى؟ قال: (( وإن سرق، وإن زنى)). وهذا الحديث احتجّ به ابن مالك على جواز حذف ألف الاستفهام وإرادة معناه. ومن ذلك أيضاً: حديث المجامع في نهار رمضان لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((خذها فتصدّق بها)) قال: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيتٍ أفقرُ من أهل بيتي. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك»، والحديث في صحيح البخاري من طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأما ما ذكروه من خشية التباس الخبر بالاستفهام فهذا مما يدفعه السياق. ومما قيل فيه بحذف أداة الاستفهام مع إرادة معناه: 1: قول الله تعالى: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)} فالجواب بنعم دليل على معنى الاستفهام في الكلام، وقد صرح بذلك في قول الله تعالى في سورة الأعراف: { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)}. 2: قول الله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} - قال ابن فارس: تأويله: أفتنقلبون على أعقابكم إنّ مات؟ 3: قول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)} - قال محمد الأمين الشنقيطي: (ومن حذف الاستفهام في القرآن قوله تعالى: {أفإن مت فهم الخالدون} لأن المعنى: أفئن مت أفهم الخالدون بعد موتك؟). 4: قول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالوصل: اتخذناهم ، وقد اختلف في معناه فقيل: خبر، وقيل: استفهام حذفت أداته. 5: وقول الله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)} قرأ ابن كثير في رواية عنه [ استكبرت ] بهمزة وصل ، وهي على حذف ألف الاستفهام مع إرادة معنى الاستفهام. 6: قول الله تعالى: { أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)} قرأ نافع في رواية عنه وأبو جعفر بالوصل، وهو على حذف ألف الاستفهام. 7: قول الله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} على قراءة ضم اللام "قتالٌ فيه" وهي رواية أبي الفتح النحوي عن يعقوب، وهي على تقدير ألف الاستفهام: أقتالٌ فيه؟ 8: قول الله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} قال قطرب وغيره: هو على حذف ألف الاستفهام، والمعنى: أهذا ربي؟ وهذا القول ضعّفه ابن جرير، ونصره محمد الأمين الشنقيطي كما في العذب النمير، وبالغ في نصر هذا القول والردّ على ابن جرير. ومسألة حذف ألف الاستفهام من مسائل الخلاف عند النحاة، ولهم فيها ثلاثة أقوال: القول الأول: منع ذلك مطلقاً، وهو قول نحاة الكوفة، وتأوّلوا ما قيل فيه بحذف ألف الاستفهام بتأويلات مختلفة فراراً من التباس الخبر بالاستفهام، نصّ عليه الفراء، واختاره ابن جرير في تفسيره. والقول الثاني: جواز حذف ألف الاستفهام في ضرورة الشعر إذا كان في الكلام ما يدلّ عليه، وهذا قول سيبويه والمبرّد، وغيرهما. قالوا: وأكثر ما يكون الحذف مع أم لأنّ فيها دلالة عليه، وذكروا لذلك شواهد تقدّم ذكر بعضها. وممن قال بهذا القول: ابن الأنباري، وابن السرّاج، وابن عصفور. والقول الثالث: جواز حذف ألف الاستفهام في الاختيار من غير ضرورة، وإن لم يكن بعدها "أم" إذا كان في الكلام ما يدلّ على معنى الاستفهام، وهو قول الأخفش، وابن فارس، وابن الشجري، وغيرهم. وهو الصواب الذي تدلّ عليه الشواهد اللغوية الكثيرة. - قال ابن مالك: (وأقوى الاحتجاج على ما ذهب إليه الأخفش قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: "وإن زنى، وإن سرق"؟ فقال: "وإن زنى وإن سرق" أراد: أَوَإن زنى وإن سرق؟ لأنه من هذا التقدير)ا.هـ. وهو ما رجّحه ابن هشام في مغني اللبيب. |
أنواع مسائل الاستفهام في التفسير
كلام المفسّرين في الاستفهام في القرآن على أنواع: النوع الأول: الكلام في تعيين معنى الاستفهام، وقد يجتمع في الاستفهام الواحد أكثر من معنى من غير تعارض ولا اختلاف. ومن الاستفهام استفهام ظاهر المعنى لا يكاد يُختلف فيه، ومنه استفهام يختلف المفسّرون في بيان معناه، وقد جرى الخلاف بين المفسّرين في جملة من مواضع الاستفهام في القرآن، وقد تقدّم شرح ذلك. والنوع الثاني: الكلام في مقاصد الاستفهام وإيمائه ولازم معناه، فقد يكون للاستفهام معنى قريب ظاهر، ولازم بعيد يدرك بالتأمل والنظر وفقه المقصد. والنوع الثالث: تعيين جواب الاستفهام أو تقديره فجواب الاستفهام قد يكون مذكوراً في الآية، وقد يكون مقدّراً، وربما وقع بين المفسّرين خلاف في تعيين جواب الاستفهام وفي تقديره، ولذلك أمثلة: - منها: قول الله تعالى: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} اختلف في جواب الاستفهام على قولين: القول الأول: جواب الاستفهام قوله: {فينظروا} ، فتكون في موضع نصب بأن. والقول الآخر: جواب الاستفهام مقدّر، وقوله: {فينظروا} من صلة الاستفهام معطوف على {يسيروا} فيكون مجزوماً. أي: أولم يسيروا أولم ينظروا. فعلى القول الأول: المعنى أولم يسيروا في الأرض فيكون سيرهم حاملاً لهم على النظر في عاقبة الذين كانوا من قبلهم. وهذا نظير التركيب في قول الله تعالى: {قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} وعلى القول الثاني يكون المعنى: أولم يسيروا في الأرض وينظروا في عاقبة الذين كانوا من قبلهم فيحملهم ذلك على الاعتبار والتذكّر. فاحتمال فعل {ينظروا} للنصب والجزم ساعد على الجمع بين الوجهين. فعلى القول الأول يكون الاستفهام للتقرير. وعلى القول الثاني يكون الاستفهام للتوبيخ والتقريع. وفي قول الله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} قرأ جميع القراء برفع {فتصبحُ} فتكون من صلة الاستفهام، وليست جواباً للاستفهام، لأنها لو كانت جواباً للاستفهام لكانت منصوبة. وذلك أن اخضرار الأرض مترتب على نزول الماء من السماء وليس على الرؤية. قال الزمخشري: (لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض، لأنّ معناه إثبات الاخضرار، فينقلب بالنصب إلى نفى الاخضرار، مثاله أن تقول لصاحبك: ألم تر أنى أنعمت عليك فتشكر: إن نصبته فأنت ناف لشكره شاكٍ تفريطَه فيه، وإن رفعته فأنت مثبتٌ للشكر). - قلت: استدلّ على النفي بالمطالبة؛ فالمطالبة بالشكر دليل على عدم الشكر. والنوع الرابع: تقدير معادل طرف الاستفهام وذلك أن الاستفهام قد يرد مشتملاً على طرفين؛ ولهما أحوال في الذكر والحذف، فربما ذكرا جميعاً، وربما حذف أحدهما. فإذا قلت: أسافر زيد أم لم يسافر؟ تكون قد ذكرت الطرفين. ويصحّ أن تقول: أسافر زيد؟ فتحذف الطرف الآخر للعلم به، والتقدير: أم لم يسافر. - والطرفان قد يكونان جملتين اسميّتين كما في قول الله تعالى: {أأنتم أشدّ خلقاً أم السماء بناها} وقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} - وقد يكونان جملتين فعليتين كما في قول الله تعالى: { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} وقوله تعالى: { أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} - وقد يكون الطرف الأول جملة اسمية والطرف الثاني جملة فعلية، كما في قول الله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)} - وقد يكون الطرف الأول جملة فعلية، والطرف الثاني جملة اسمية كما في قول الله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} وقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} - وقد يُحذف الطرف الثاني ويكون في السياق ما يدلّ عليه؛ فيجتهد المفسرون في تقديره، ولذلك أمثلة منها: 1: قول الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ}. - قال الفرّاء: (ترك جوابه ولم يقل: ككذا وكذا لأن المعنى معلوم، وقد بيّنه ما بعده إذ قال: {وجعلوا للّه شركاء} كأنه في المعنى قال: كشركائهم الذين اتّخذوهم). - وقال ابن جرير: (حُذف الجواب في ذلك فلم يُقَل، وقد قيل {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} ككذا وكذا، اكتفاءً بعلم السامع بما ذَكَر عما ترك ذِكْره، وذلك أنه لما قال جل ثناؤه: (وَجعلُوا لله شُرَكاء) ، عُلِمَ أن معنى الكلام: كشركائهم التي اتخذوها آلهةً). - وقال مكي بن أبي طالب: التقدير: (أفمن هو حافظ على كل نفس لا يغفل، ولا يهلك كمن يهلك ولا يحفظ ولا يحصي شيئاً). - وقال البغوي: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت، أي: حافظها ورازقها وعالم بها ومجازيها بما عملت، وجوابه محذوف تقديره: كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه). - وقال ابن عطية: (المعنى: أفمن هو هكذا أحق بالعبادة أم الجمادات التي لا تنفع ولا تضر؟ هذا تأويل، ويظهر أن القول مرتبط بقوله:{وجعلوا لله شركاء}، كأن المعنى: أفمن له القدرة والوحدانية ويجعل له شريك أهل أن ينتقم ويعاقب أم لا؟ و"الأنفس" من مخلوقاته وهو قائم على الكل أي محيط به ليقرب الموعظة من حس السامع، ثم خص من أحوال الأنفس حال كسبها ليتفكر الإنسان عند نظر الآية في أعماله وكسبه). - وقال ابن الجوزي: (المعنى: أفمن هو مجازي كلّ نفس بما كسبت، يثيبها إِذا أحسنت، ويأخذها بما جنت، كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام؟). - وقال ابن كثير: (أفمن هو هكذا كالأصنام الّتي يعبدونها، لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل، ولا تملك نفعًا لأنفسها ولا لعابديها، ولا كشف ضرٍّ عنها ولا عن عابديها؟ وحذف هذا الجواب اكتفاءً بدلالة السّياق عليه، وهو قوله:{وجعلوا للّه شركاء} أي: عبدوها معه، من أصنامٍ وأندادٍ وأوثانٍ). وقال مفسرون آخرون أقوالاً أخرى في التقدير؛ فأنت ترى تنوّع أقوال المفسّرين في هذا التقدير، فكلّ قال بما ظهر له بالتدبّر والنظر في مناسبة المحذوف للسياق وما اختاره من أوجه التفسير. والتحقيق أنّ الحذف هنا أبلغ من الذكر من جهتين: الأولى: اطّراح آلهتهم التي يعبدونها من الذكر تحقيراً لها، كما هي مطّرحة في الحقيقة، وليس لها من الشراكة إلا ادّعاء كاذب يدّعيه أتباعها بظاهر من القول، لا حقيقة له. والثانية: أن يشمل التقدير جميع المعاني المدلول عليها بالسياق، فتذهب النفس في الأجوبة الممكنة كلّ مذهب، وتجدها صحيحة مطابقة للحال. فما ذكره المفسرون داخل في المعنى، والمعنى أعمّ من ذلك. فوصف الله تعالى نفسه بأنّه هو وحده قائم على كلّ نفس بما كسبت يدلّ على معانٍ متعددة، وتلزم منه لوازم كثيرة، فإذا قابلت بينها وبين ما اتّخذه المشركون من الشركاء لم تجد إلا الفقر والضعف والحاجة، فما ثمَّ شيء يستحقّ أن يُذكر. وقول الله تعالى: {وجعلوا لله شركاء} دليل على المحذوف. ثمّ في قول الله تعالى: {قل سمّوهم} ما يبهت كلَّ مشرك يجادل عن الشرك، لأنه يحمل من المعاني واللوازم ما يدلّ على بطلان الشرك دلالة بيّنة لا تقوم للمشرك بعده قائمة؛ فاحتملت أوجهاً من التفسير. الوجه الأول: {قل سمّوهم} أي: سمّوهم ما شئتم من الأسماء فإنما ذلك دعوى لا حقيقة لها. والوجه الثاني: {سمّوهم} أي: اذكروا أسماءهم على الحقيقة، فهي إما حجر وإما شجر، وإمّا شياطين، ليس لها من الأمر شيء، فكيف تُدعى من دون الله تعالى الذي له الأسماء الحسنى فهو الله الرحمن الرحيم العزيز الحكيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن الجبار المتكبر. فهذه أسماؤه الحسنى جلّ وعلا، وهي أسماء لها آثارها الجليلة في الخلق والأمر، ولها لوازم ومقتضيات. وأما أنتم أيها المشركون فسمّوا آلهتكم وانظروا هل تستحقّ من هذه الأسماء من شيء، فإذا علمتم ذلك فينبغي لكم أن تستحيوا من ذكر أسمائها فضلاً عن تدعوها من دون الله. وهذا المعنى نبّه إليه شيخ الإسلام ابن تيمية. والوجه الثالث: {قل سمّوهم} أي صفوا لنا شركاءكم الذين تزعمون، والتسمية تأتي في اللغة بمعنى الوصف، وبه فسّر قول الله تعالى: {اسمه أحمد} على أحد الوجهين. فإذا وصفوهم وجدوا صفاتهم صفات المخلوقين الضعفاء العاجزين؛ فهم لا يخلقون ولا يرزقون ولا يملكون من الأمر شيئاً؛ فكيف يُعبدون من دون الله؟!! والوجه الرابع: قوله تعالى: {قل سمّوهم} فيه تنبيه على حاجة تلك المعبودات إلى أسماء تُسمّى بها، فهي لا تسمّي نفسها، وإنما يسمّيها مخلوقون ضعفاء، فإذا كانت أصناماً فهم الذين ينحتونها ثم يسمّونها ثم يعبدونها من دون الله، وإن كانت أشجاراً أو أحجاراً أو غير ذلك سمّوها أو تلقفوا أسماءها ممن سمّاها من آبائهم كما قال الله تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} وقال تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} فهي ليست آلهة حقيقة، وإنما سمّيتموها بأسماء وزعمتم فيها ما زعمتم مما لا حقيقة له. والوجه الخامس: الأمر في قوله تعالى: {قل سمّوهم} للتهديد ، أي من يجرؤ منكم أن يسمّي شيئاً من هذه المعبودات شريكاً لله تعالى، فإذا كنتم لا تجرؤون على ذلك فكيف تعبدونها من دون الله تعالى، وتجعلونها شركاء لله في دعائكم وعباداتكم، وهذا الوجه موافق لمعنى الاستفهام في قول الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} والوجه السادس: الأمر للتعجيز، أي اذكروا من أسمائهم ما له حقيقة يستحقون بها أن يُعبدوا من دون الله، وهذا المعنى نبّه إليه ابن عاشور في تفسير الفاتحة، وهو نظير ما دلّ عليه الأمر في قول الله تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)} وذُكر في الآية أوجهٌ أخرى في التفسير بعضها صحيح وبعضها فيه نظر. واختيار الاسم الموصول مع صيغة الحصر {أفمن هو} للدلالة على نفي جميع ما يزعمون من الشركاء فناسب عدم ذكرهم. ثمّ نبّه على المنفي بقوله تعالى: {وجعلوا لله شركاء} فهم ليسوا شركاء على الحقيقة، وإنما جعلهم المشركون شركاء ادّعاءً باطلاً بأفواههم لا حقيقة تحته. فانظر كيف اشتملت الآية على أنواع من الحجج الدالة على التوحيد، ودمغ المشركين المبطلين. 2: وقول الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} 3: وقول الله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} 4: وقوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)} 5: وقوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)} 6: وقوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)} 7: وقوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)} فهذه الأمثلة في حذف الطرف الثاني وهو الخبر مع ذكر حرف الاستفهام والمبتدأ، وقد يقع العكس، وهو ذكر الخبرِ وحذف حرف الاستفهام والمبتدأ كما في قول الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} قال ابن هشام: أي أمَّن هو خالد في الجنة يسقى من هذه الأنهار كمن هو خالد في النار. - وقد يرد الاستفهام مكتفًى فيه بطرف واحد كما في قول الله تعالى: { فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} وقوله تعالى: { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)}. وقد اجتمع النوعان في قول الله تعالى: {قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا}. فالاستفهام الأوّل مكتفى فيه بطرف واحد، والثاني حذف طرفه الثاني. |
أمثلة من أقوال المفسرين:
قال الله تعالى: { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)} - قال يحيى بن زياد الفراء: (وقوله: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا ...} على وجه التعجب والتوبيخ لا على الاستفهام المحض أي: ويحكم كيف تكفرون! وهو كقوله: {فأين تذهبون}). قال الله تعالى:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)} - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هذا استفهام إنكار، بيَّن به أن هذه التوبة ليست هي التوبة المقبولة المأمور بها، فإن استفهام الإنكار إما بمعنى النفي إذا قابل الإخبار، وإما بمعنى الذم والنهي إذا قابل الإنشاء، وهذا من هذا. ومثله قوله تعالى: {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين . فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} الآية. بين أن التوبة بعد رؤية البأس لا تنفع، وأن هذه سنة الله التي قد خلت في عباده كفرعون وغيره، وفي الحديث: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ، وروي: «ما لم يعاين» . وقد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم عرض على عمّه التوحيد في مرضه الذي مات فيه، وقد عاد يهوديا كان يخدمه فعرض عليه الإسلام فأسلم؛ فقال: «الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ثم قال لأصحابه: آووا أخاكم») . قال الله تعالى {من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسناً فَيْضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً} - قال ابن القيم رحمه الله: (قال تعالى {من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسناً فَيْضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، فصدَّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمن لمعنى الطلب، وهو أبلغ في الطلب من صيغة الأمر، والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن فيجازى عليه أضعافاً مضاعفة؟ وسمى ذلك الإنفاق قرضاً حسناً حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد طوّعت له نفسه بذله وسهل عليه إخراجه. فإن علم أن المستقرض مليء وفيٌّ محسنٌ كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتّجر له بما اقترضه وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح. فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض، وأن ذلك الأجر حظٌّ عظيم، وعطاءٌ كريم؛ فإنه لا يتخلَّف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشحّ أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهاناً لصاحبها. وهذه الأمور كلها تحت هذه الألفاظ التي تضمنتها الآية، فإنه سبحانه سمّاه قرضاً، وأخبر أنه هو المقترض لا قرض حاجة، ولكن قرض إحسان إلى المقرض استدعاه لمعاملته، وليعرف مقدار الربح فهو الذى أعطاه ماله واستدعى منه معاملته به. ثم أخبر عن ما يرجع إليه بالقرض وهو الأضعاف المضاعفة، ثم أخبر عما يعطيه فوق ذلك من الزيادة وهو الأجر الكريم. وحيث جاءَ هذا القرض في القرآن قيده بكونه حسناً، وذلك يجمع أموراً ثلاثة: أحدها: أن يكون من طيّب ماله لا من رديئِهِ وخبيثه. الثانى: أن يخرجه طيبةً به نفسُه، ثابتةً عند بذله ابتغاءَ مرضاة الله. الثالث: أن لا يمنَّ به ولا يؤذى. فالأول يتعلق بالمال، والثاني يتعلق بالمنفق بينه وبين الله، والثالث بينه وبين الآخذ). قال الله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} - قال ابن القيّم رحمه الله: (افتتح سبحانه القصة بصيغة موضوعة للاستفهام، وليس المراد بها حقيقة الاستفهام، ولهذا قال بعض الناس: إن "هل" في مثل هذا الموضع بمعنى "قد" التي تقتضي التحقيق. ولكن في ورود الكلام في مثل هذا بصيغة الاستفهام سر لطيف، ومعنى بديع؛ فإنَّ المتكلم إذا أراد أن يخبر المخاطب بأمر عجيب ينبغي الاعتناء به، وإحضار الذهن له صدر له الكلام بأداة الاستفهام لتنبيه سمعه وذهنه للمخبر به، فتارة يصدره بألا، وتارة يصدره بهل، فقول: هل علمت ما كان من كيت وكيت؟ إما مذكرا به، وإما واعظاً له مخوفا، وإما منبها على عظمه ما يخبر به، وإما مقرراً له، فقوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} و {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} متضمن لتعظيم هذه القصص والتنبيه على تدبرها ومعرفتها ما تضمنته. ففيه أمر آخر، وهو التنبيه على أن إتيان هذا إليك علم من أعلام النبوة فانه من الغيب الذي لا تعمله أنت ولا قومك فهل أتاك من غير أعلامنا وإرسالنا وتعريفنا؟ أم لم يأتك إلا من قبلنا؟ فانظر ظهور هذا الكلام بصيغة الاستفهام، وتأمل عِظَمَ موقعه في جميع موارده يشهد أنه من الفصاحة في ذروتها العليا). قال الله تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)} - قال محمد الأمين الشنقيطي: (الظاهر أن استفهام نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام للملائكة بقوله: {فبم تبشرون} استفهام تعجب من كمال قدرة الله تعالى، ويدل لذلك أنه تعالى ذكر أن ما وقع له وقع نظيره لامرأته حيث قالت: {أألد وأنا عجوز} وقد بين تعالى أن ذلك الاستفهام لعجبها من ذلك الأمر الخارق للعادة في قوله: {قالوا أتعجبين من أمر الله} الآية. ويدل له أيضا وقوع مثله من نبي الله زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لأنه لما قال: {رب هب لي من لدنك ذرية طيبة}. وقوله: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى} عجب من كمال قدرة الله تعالى فقال: {رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر} الآية ). إلى أن قال: (ولا ينافي كون استفهام إبراهيم للتعجب من كمال قدرة الله قول الملائكة له فيما ذكر الله عنهم: {قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين} بدليل قوله: {قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} لأنه دليل على أن استفهامه ليس استفهام منكر ولا قانط، والعلم عند الله تعالى). قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} - قال ابن عاشور: (واعلم أن تركيب (ألم تر إلى كذا) إذا جاء فعل الرؤية فيه متعديا إلى ما ليس من شأن السامع أن يكون رآه، كان كلاما مقصودا منه التحريض على علم ما عدي إليه فعل الرؤية، وهذا مما اتفق عليه المفسرون ولذلك تكون همزة الاستفهام مستعملة في غير معنى الاستفهام بل في معنى مجازي أو كنائي، من معاني الاستفهام غير الحقيقي، وكان الخطاب به غالبا موجها إلى غير معين، وربما كان المخاطب مفروضا متخيلا. ولنا في بيان وجه إفادة هذا التحريض من ذلك التركيب وجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن يكون الاستفهام مستعملا في التعجب أو التعجيب، من عدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية، ويكون فعل الرؤية علميا من أخوات ظن، على مذهب الفراء وهو صواب لأن إلى ولام الجر يتعاقبان في الكلام كثيرا، ومنه قوله تعالى: {والأمر إليك} أي لك، وقالوا: أحمد الله إليك كما يقال: أحمد لك الله والمجرور بإلى في محل المفعول الأول، لأن حرف الجر الزائد لا يطلب متعلقا، وجملة وهم ألوف في موضع الحال، سادة مسد المفعول الثاني، لأن أصل المفعول الثاني لأفعال القلوب أنه حال، على تقدير: ما كان من حقهم الخروج، وتفرع على قوله: وهم ألوف قوله: فقال لهم الله موتوا فهو من تمام معنى المفعول الثاني أو تجعل "إلى" تجريدا لاستعارة فعل الرؤية لمعنى العلم، أو قرينة عليها، أو لتضمين فعل الرؤية معنى النظر، ليحصل الادعاء أن هذا الأمر المدرك بالعقل كأنه مدرك بالنظر، لكونه بين الصدق لمن علمه، فيكون قولهم: ألم تر إلى كذا في قوله: جملتين: ألم تعلم كذا وتنظر إليه. الوجه الثاني: أن يكون الاستفهام تقريريا فإنه كثر مجيء الاستفهام التقريري في الأفعال المنفية، مثل: {ألم نشرح لك صدرك}، {ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}. والقول في فعل الرؤية وفي تعدية حرف "إلى" نظير القول فيه في الوجه الأول. الوجه الثالث: أن تجعل الاستفهام إنكاريا، إنكارا لعدم علم المخاطب بمفعول فعل الرؤية والرؤية علمية، والقول في حرف "إلى" نظير القول فيه على الوجه الأول، أو أن تكون الرؤية بصرية ضمن الفعل معنى تنظر على أن أصله أن يخاطب به من غفل عن النظر إلى شيء مبصر ويكون الاستفهام إنكاريا: حقيقة أو تنزيلا، ثم نقل المركب إلى استعماله في غير الأمور المبصرة فصار كالمثل، وقريب منه قول الأعشى: ترى الجود يجري ظاهرا فوق وجهه واستفادة التحريض، على الوجوه الثلاثة إنما هي من طريق الكناية بلازم معنى الاستفهام لأن شأن الأمر المتعجب منه أو المقرر به أو المنكور علمه، أن يكون شأنه أن تتوافر الدواعي على علمه، وذلك مما يحرض على علمه. واعلم أن هذا التركيب جرى مجرى المثل في ملازمته لهذا الأسلوب، سوى أنهم غيروه باختلاف أدوات الخطاب التي يشتمل عليها من تذكير وضده، وإفراد وضده، نحو ألم تري في خطاب المرأة وألم تريا وألم تروا وألم ترين، في التثنية والجمع هذا إذا خوطب بهذا المركب في أمر ليس من شأنه أن يكون مبصرا للمخاطب أو مطلقا). قال الله تعالى: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)} - قال محمد الأمين الشنقيطي: ({أنى} هنا: هذا استفهام للاستبعاد والإنكار والنفي، لا يمكن أن يكون له ولد؛ لأن كل ما في السماوات والأرض إنما هو خلقه وملكه، فكيف سيكون له ولد من صنعه وملكه الذي خلقه وأبرزه من العدم إلى الوجود). قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)} - قال ابن عاشور: (الاستفهام إنكاري وتعجبي؛ فالإنكار دل عليه الاستثناء، والتعجب دل عليه أن مفعولات تنقمون كلها محامد لا يحق نقمها، أي لا تجدون شيئا تنقمونه غير ما ذكر. وكل ذلك ليس حقيقا بأن ينقم؛ فأما الإيمان بالله وما أنزل من قبل فظاهر أنهم رضوه لأنفسهم فلا ينقمونه على من ماثلهم فيه، وأما الإيمان بما أنزل إلى محمد فكذلك، لأن ذلك شيء رضيه المسلمون لأنفسهم وذلك لا يهم أهل الكتاب، ودعا الرسول إليه أهل الكتاب فمن شاء منهم فليؤمن ومن شاء فليكفر، فما وجه النقم منه؟!!). إلى أن قال: (والذي يظهر لي أن يكون قوله: {وأن أكثركم فاسقون} معطوفا على {أن آمنا بالله} على ما هو المتبادر ويكون الكلام تهكما، أي تنقمون منا أننا آمنا كإيمانكم وصدقنا رسلكم وكتبكم، وذلك نقمه عجيب وأننا آمنا بما أنزل إلينا وذلك لا يهمكم، وتنقمون منا أن أكثركم فاسقون، أي ونحن صالحون، أي هذا نقم حسد، أي ونحن لا نملك لكم أن تكونوا صالحين؛ فظهرت قرينة التهكم فصار في الاستفهام إنكار فتعجب فتهكم، تولد بعضها عن بعض وكلها متولدة من استعمال الاستفهام في مجازاته أو في معان كنائية). قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)} - قال ابن عاشور: (أم للإضراب الانتقالي من النفي إلى الاستفهام الإنكاري التعجيبي، وهو ارتقاء بإبطال دعواهم أن يكون القرآن مفترى من دون الله. ولما اختصت أم بعطف الاستفهام كان الاستفهام مقدرا معها حيثما وقعت، فالاستفهام الذي تشعر به "أم" استفهام تعجيبي إنكاري، والمعنى: بل أيقولون افتراه بعد ما تبين لهم من الدلائل على صدقه وبراءته من الافتراء. ومن بديع الأسلوب وبليغ الكلام أن قدم وصف القرآن بما يقتضي بعده عن الافتراء وبما فيه من أجل صفات الكتب، وبتشريف نسبة إلى الله تعالى ثم أعقب ذلك بالاستفهام عن دعوى المشركين افتراء ليتلقى السامع هذه الدعوى بمزيد الاشمئزاز والتعجب من حماقة أصحابها فلذلك جعلت دعواهم افتراءه في حيز الاستفهام الإنكاري التعجيبي. وقد أمر الله نبيه أن يجيبهم عن دعوى الافتراء بتعجيزهم، وأن يقطع الاستدلال عليهم، فأمرهم بأن يأتوا بسورة مثله. والأمر أمر تعجيز، وقد وقع التحدي بإتيانهم بسورة تماثل سورة القرآن، أي تشابهه في البلاغة وحسن النظم). |
تطبيقات الدرس الخامس عشر:
بيّن معاني الاستفهام في الآيات التاليات، واشرح المسائل المتعلقة به: 1: قول الله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)}. 2: قول الله تعالى: { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)}. 3: قول الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}. 4: قول الله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)}. 5: قول الله تعالى: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا}. |
الساعة الآن 02:31 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir