(7) أبواب التفسير البياني:
التفسير البياني عمدته فهم الدلالات اللغوية على المعاني القرآنية، واستخراج اللطائف والأوجه التفسيرية.
ولذلك فإنّ مسائل التفسير البياني لا يمكن حصرها، لتفاوت القرائح والفهوم في إدراكها، ولذلك لا يُستغرب أن يكون في آية واحدة نحو ثلاثين أو أربعين مسألة بيانية، ولا يكاد يوجد في كتب التفسير منها سوى بضع مسائل.
ولو سئل أحد من علماء التفسير البياني أن يستخرج تلك المسائل لاستخرجها أو أكثرها من غير نظر في كتب التفسير.
وسبب ذلك تمكّنه من الأدوات البيانية التي تُستخرج بها المسائل واللطائف والأوجه التفسيرية.
وهذا من الأسباب التي تبيّن لك تعسّر كتابة تفسير بياني تامّ للقرآن الكريم؛ فإنّه مما تفنى الأعمار دون بلوغه إذا رام عالم من العلماء التصدي له.
ولذلك كان أمام العلماء المتقدمين مسلكان في ذلك:
أحدهما: الاقتصار على بعض الأوجه البيانية في تفاسيرهم الكبيرة؛ لغرض التمثيل وفتح الباب لفهم نظائرها الكثيرة.
والآخر: كتابة رسائل تفسيرية مفردة في بعض الآيات؛ ليسهبوا في التعريف بمسائلها البيانية.
وتوسّط جلال الدين السيوطي في محاولة له لجمع التفسير البياني فلخّص ما بلغه من أقوال العلماء في بيان القرآن، على تجوّز كبير وفوات كثير، في كتابه "قطف الأزهار في كشف الأسرار" وبلغ في ذلك إلى سورة التوبة ولم يتمّه، ولم يستوف المسائل البيانية فيما ذكر ولم يقارب، لكنه تلخيص ينتفع به طالب العلم، وجهد مشكور يضاف إلى جهوده الكثيرة المباركة في تيسير علوم القرآن وتقريبها.
ولذلك فإنّ الأنفع لطالب العلم أن يدرس أصولاً في التفسير البياني ليضبط قواعده، ويدرس أمثلته، ويتمرّن على استعمال أدواته حتى ينفتح له الباب، ويكتسب ملكة علمية يتمكّن بها من استخراج المسائل البيانية وتحريرها.
فكان من أوجه الحاجة العلمية تذليل السبيل للراغبين في دراسة التفسير البياني بجمع أصول تعينهم على ضبط مسائله، وتفهّم قواعده وضوابطه، واكتساب أدواته؛ على ترتيب يكون الأصل فيه مراعاة حال المفسّر، ومناسبة ما يدرسه فيه لما درسه من قبل في أصول التفسير وطرقه؛ ليتصل التفسير البياني بتفاسير السلف، فيتعرّف طرق الكشف عن التخريج البياني لأقوال السلف في التفسير.
وهذا مما يعينه على إحسان فهم أقوال السلف في التفسير، ويفتح له أبوابا من الجمع والترجيح بينها.
ولذلك فإني سأسلك في هذه الدورة العلمية مسلكاً في ترتيب المسائل قد لا يوافق ترتيب بعض المباحث في بعض العلوم التي ألّفت الكتب فيها لأغراض روعي فيها حال دارسي تلك العلوم.
والعلماء في تختلف مناهجهم في تناول المسائل، ويختلفون في ترتيب أبوابها، بل أهل كلّ علم لهم طرائق متنوّعة في ترتيب الأبواب وعرض المسائل ودراستها.
وتتبّع المسائل والمباحث البيانية في تلك الكتب قد يشقّ على طالب العلم؛ لكثرتها وتشعبها، واختلاف المناهج في دراستها.
وقد اجتهدت في جمع ما أرجو أن يعين طلاب علم التفسير على اكتساب قدر مهم من التأسيس في التفسير البياني يتمكنون به من الانطلاق في كتابة الرسائل التفسيرية، واستخراج الأوجه واللطائف القرآنية.
والذي تلخّص لي مما يمكن للدارس البدء به من أبواب التفسير البياني ثلاثة أبواب:
الباب الأول: دلالات المفردات القرآنية.
الباب الثاني: دلالات تراكيب الجمل.
الباب الثالث: دلالات الأساليب اللغوية
فإذا أحكم طالب العلم دراسة هذه الأبواب تيسّر له البحث في التفسير البياني بإذن الله، وأمكنها استكمال بقية الأبواب التي يحتاجها.
والله الموفق والمستعان.