دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أصول التفسير البياني

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 8 رمضان 1441هـ/30-04-2020م, 04:30 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي

(3) عناية السلف ببيان القرآن:
مما ينبغي أن ينبَّه إليه ويؤكد عليه عناية السلف بعربية القرآن والتفقه في بيانه، وحسن طريقتهم في ذلك، فقد كانوا أقرب القرون إلى معرفة أحوال العرب حين نزول القرآن وما كانوا عليه في الجاهلية، وكان أكثرهم من أهل عصر الاحتجاج اللغوي؛ فكانوا أقرب إلى السلامة من اللحن ممن أتى بعدهم.
وكان من الصحابة والتابعين مبرَّزون في المعرفة بالعربية، وكان منهم من يُعنى بحفظ الأشعار لتفسير القرآن، ويعرف لغات قبائل العرب، وتفننهم في الخطاب، وما يستعملونه في كلامهم من ضروب الكنايات والاستعارات والتوريات ولطائف المخاطبات.
وكان علماء الصحابة يحثون الناس على تعلّم العربية، والانتفاع بها في التفقه في القرآن.
قال عمر بن زيد: كتب عمر [بن الخطاب] إلى أبي موسى [الأشعري]: « أما بعد فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي، وتمعددوا فإنكم معديون». رواه ابن أبي شيبة.
وعمر بن زيد هذا ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم، وذكرا روايته لهذا الخبر، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، غير أنّ ابن أبي حاتم ذكر عن أبيه أنّ خبره هذا مرسل.
وقد وقع في رواية أخرى عند ابن أبي شيبة عمرُو بن دينار مكانَ عمرَ بنِ زيد، ولعله تصحيف؛ فإنَّ الإسناد واحد.
لكن الذي يظهر أنّ خبر كتابة عمر لأبي موسى في شأن العربية كان مشتهراً عند التابعين؛ فقد روى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة عن أبي رجاء البصري واسمه محمد بن سيف الحُدَّاني وهو تابعي أدرك أنس بن مالك، وكان من أصحاب الحسن البصري وابن سيرين وممن كتب في التفسير، له تفسير يرويه عنه ابن علية ويزيد بن زريع.
قال أبو رجاء: سألت الحسن عن المصحف ينقط بالعربية قال: أوما بلغك كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن «تفقهوا في الدين، وأحسنوا عبارة الرؤيا، وتعلموا العربية».
- وقال قتادة: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: أتانا كتاب عمر بن الخطاب، ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد: (أما بعد: فائتزروا، وارتدوا، وانتعلوا،.. ) رواه ابن الجعد في مسنده، وأبو عوانة في مستخرجه.
وفي رواية عندهما من طريق عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نحوه، وزاد فيه: "وتعلموا العربية " واقتصر البيهقي في السنن الكبرى على هذه الرواية، وإسنادها صحيح.
وهو كتاب آخر غير ُكتاب عمر لأبي موسى.
ولا يُستبعد أن يكون عمر قد تعاهد أمراء الأمصار بوصاياه، ووقع في وصاياه شيء من التكرار للحاجة.
وكان جلساء عمر من أهل القرآن، وكانوا يتدارسون القرآن ويتدبرونه ويتفقهون في أحكامه ومعانيه.
وكان يقرّب ابن عبّاس لعلمه بالقرآن وحسن استنباطه وبيانه، ويدخله مع أشياخ بدر.
قال عبد الله بن دينار: كان عمر بن الخطاب يسأل ابن عباسٍ عن الشيء من القرآن ثم يقول: «غُصْ غَوَّاص» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.
وابن عباسٍ قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت بركات دعوته عليه.
- قال عبد الله بن عثمان بن خثيم: أخبرني سعيد بن جبير، أنه سمع ابن عباس، يقول: وَضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين كتفي - أو قال: على منكبي - فقال: (( اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل )). رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبراني.
وقال خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم علمه الكتاب» رواه البخاري في صحيحه، وفي رواية في الصحيح: ((اللهم علّمه الحكمة)).
وكان ابن عباس فصيحاً بليغاً حسن الفهم والبيان شديد الذكاء قويّ الحجة إذا تكلّم في أمر شفى فيه وكفى، وقد قال فيه حسان بن ثابت:

إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه ... رأيت له في كل مجمعةٍ فضلا
إذا قال لم يترك مقالاً لقائل ... بملتقطات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في الصّدور ولم يَدَعْ ... لذي إربة في القول جدّا ولا هزلا
وهذا لا يتأتّى إلا لمن كان له تمكن في أدوات البيان وحسن المعرفة بها وثراء المخزون العلمي واللغوي.
كان ابن عباس يفسّر القرآن للناس في الموسم تفسيراً حسناً يأخذ بالألباب من حسنه وبهائه.
- قال أبو وائل شقيق بن سلمة: حججت أنا وصاحبٌ لي، وابنُ عباس على الحجّ، فجعل يقرأ سورة النور ويفسّرها؛ فقال صاحبي: (يا سبحان الله، ماذا يخرج من رأسِ هذا الرجل، لو سمعت هذا التركُ لأسلمت). رواه الحاكم في المستدرك وصححه.
- وروى البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرآن عن المنهال بن عمرو الأسدي عن سعيد بن جبير، قال: قال رجل لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي ...
فذكر جملة من المسائل منها ما هو وثيق الصلة بالتفسير البياني.
ومنها قوله: (وقال [الله]: {وكان الله غفورا رحيما} {عزيزا حكيما} ، {سميعا بصيرا} فكأنه كان ثم مضى؟
فقال له ابن عباس: (وأما قوله تعالى: {وكان الله}؛ فإن الله كان لم يزل كذلك، وهو كذلك عزيز حكيم قدير، لم يزل كذلك؛ فما اختلف عليك من القرآن فهو شِبْهُ ما ذكرتُ لك؛ فإنَّ الله لم يُنزِل شيئاً إلا وقد أصاب به الذي أراد، ولكن الناس لا يعلمون).
- وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: «شهدت ابن عباس، وهو يُسأل عن عربية القرآن، فينشد الشعر» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة، وأبو عبيد في فضائل القرآن.
قال أبو عبيد: (يعني أنه كان يستشهد به على التفسير).
- وقال أسامة بن زيد الليثي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب» رواه الحاكم والبيهقي.
- وروى يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمُر، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: « تعلَّموا العربيَّةَ في القرآن كما تتعلَّمون حفظه ». رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
وتعلّمهم للعربية لأجل الاستعانة به على تفسير القرآن هو من صميم عنايته بالتفسير البياني.
والصحابة والتابعون مع كونهم من أهل عصر الاحتجاج إلا أنّهم يتفاضلون في العلم بالعربية، ويقع لبعضهم ما يحتاج إلى السؤال عنه.
- قال عاصم بن أبي النجود: (كان زرُّ بن حبيش أعربَ الناس، وكان عبد الله [بن مسعود] يسأله عن العربية). رواه ابن سعد.
- وقال يحيى بن عتيق الطُّفَاوي: قلت للحسن أي البصري: يا أبا سعيد، الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته؟
فقال: حسن يا ابن أخي، فتعلَّمْها، فإنَّ الرجلَ ليقرأ الآية فيعيا بوجهها، فيهلِك فيها). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وسعيد بن منصور في سننه، والبيهقي في شعب الإيمان.
والعيّ داء من أدواء القلوب، ولا سيّما إذا كان في مسائل لها آثار تردّد العبد بين الهدى والضلال، وشفاء العيّ سؤال أهل العلم والإيمان، واتّباع سبيلهم، لكن من الناس من يقع له عيّ في بعض المسائل فيكون له فتنة؛ فيستنكف عن السؤال، ويظهر له معنى يُعجب به وهو خطأ ولا يتفطّن لخطَئِه؛ فيفتتن به، فإذا استحكمت فتنته عزّ عليه الرجوع إلى السنّة، وهذا شأن كثير من أهل الأهواء والبدع.
- قال عبيدة بن زيد النميري: سمعت الحسن يقول: (أهلكتهم العُجمة، يتأولون القرآن على غير تأويله). رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
وقد كان في بعض أصحاب الحسن البصري من اعتزل مجلسه لما افتتنوا ببعض الأهواء، وكان من أسباب ذلك جهلهم بلسان العرب، وإعجابهم بآرائهم، وتنكّبهم سبيل أهل العلم والإيمان.
- قال الأصمعي: جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء، فقال: يا أبا عمرو يخلف الله وعده؟
قال: لا
قال: أفرأيت إن وعده الله على عمل عقابا يخلف وعده؟
فقال أبو عمرو بن العلاء: من العجمة أتيت يا أبا عثمان، إن الوعدَ غيرُ الوعيد، إن العرب لا تعدّ خُلْفا ولا عارا أن تَعِدَ شرا ثم لا تفعلَه، ترى أنَّ ذاك كرما وفضلا، إنما الخلف أن تعد خيرا ثم لا تفعلَه.
قال: فأوجدني هذا في كلام العرب.
قال: أما سمعت قول الأول:
لا يرهب ابنُ العمّ ما عشت صولتي .. ولا أختتي من خشية المتهدد
وإني وإن أوعدته أو وعدته .. لمخلف إيعادي ومنجز موعدي ).
رواه ابن بطة العكبري في الإبانة، والبيهقي في شعب الإيمان، والخطيب البغدادي في تاريخه، وغيرهم.
وأبو عمرو بن العلاء المازني(ت:154هـ)؛ أحد القراء السبعة، كان واسع المعرفة بالقراءات والعربية، وأشعار العرب ولغاتهم وأخبارهم وأنسابهم، وكانت له كتب كثيرة لكنّه أحرقها.
- قال أبو عبيدة: (كان أبو عمرو أعلم الناس بالقراءات، والعربية، والشعر، وأيام العرب، وكانت دفاتره ملءَ بيتٍ إلى السقف، ثم تنسَّك فأحرقها، وكان من أشراف العرب ووجوهها، مدحه الفرزدق وغيره).
- وقال الأصمعي: (قال لي أبو عمرو بن العلاء: لو تهيأ أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت، ولقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كُتبت ما قدر الأعمش على حملها).
وكان متواضعاً مع سعة علمه، سهلَ الحديث مع فصاحته لا يتكلّف غريب الألفاظ، ولا عسف المعاني، ولا يتمدّح بعلمه ولا يتفاخر به.
- قال الأصمعي: (كان أبو عمرو بن العلاء يُحسن علوماً إذا أحسن إنسانٌ فنًّا منها قال: من مثلي! ولا يعتدّ أبو عمرو بذلك، وما سمعته يتمدّح قط، إلا أنَّ إنساناً لاحاه مرة فقال له: "والله يا هذا ما رأيتُ أحداً قطّ أعلمَ بأشعارِ العرب ولغاتها منّي، فإن رضيتَ ما قلتُ لك، وإلا فأوجدني عمَّن تروي). رواه الزجاجي في مجالس العلماء.
ولم يكن أبو عمرو بن العلاء وحيداً في هذه المعرفة، وقد اشتهر عنه أنه كان يقول: (إنما نحن فيمن مضى كبَقْل في أصول نخل طوال).

والمقصود التنبيه إلى سعة معرفة كثير من علماء السلف بعلوم العربية، وحفظهم لأشعار العرب وأخبارهم، وتبصّرهم بفنون كلامهم، ودلائل مخاطباتهم.
والفرق بين معرفتنا ومعرفتهم أشبه بالفرق بين معرفة من يذوق الشيء ويستمتع به، وبين من يوصف له طعمه وحال من يتطعّمه.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأول, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir