بسم الله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد :
فهذا حل أسئلة المجموعة الثانية
التطبيق الأول : معنى (مُدَّتْ) في قوله تعالى: (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) ) الانشقاق.
أولا : الأقوال الواردة في معني (مُدَّتْ) في قوله تعالى: (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) ) الانشقاق.
1- ما ورد في تفسير ابن كثير أنهها : بسطت وفرشت ووسّعت.
2- ما ورد في تفسير السعدي أنها : رجفتْ وارتجتْ، ونسفتْ عليها جبالُهَا، ودكَّ ما عليها من بناءٍ ومعلمٍ، فسويتْ
3- ما ورد في تفسير الاشقر أنها : بُسِطَتْ وَدُكَّتْ جِبَالُهَا، حَتَّى صَارَتْ قَاعاً صَفْصَفاً
ثانيا : الأدلة :
استدل ابن كثير رحمه الله بقول النبي من حديث عليّ بن الحسين ((إذا كان يوم القيامة مدّ اللّه الأرض مدّ الأديم حتّى لا يكون لبشرٍ من النّاس إلاّ موضع قدميه، فأكون أوّل من يدعى، وجبريل عن يمين الرّحمن، واللّه ما رآه قبلها، فأقول: ياربّ، إنّ هذا أخبرني أنّك أرسلته إليّ. فيقول اللّه عزّ وجلّ: صدق. ثمّ أشفع فأقول: ياربّ، عبادك عبدوك في أطراف الأرض. قال: وهو المقام المحمود)) ).
ثالثا : نوع الأقوال من حيث الاتفاق أو التقارب أو التباين :
فهذه الأقوال كلها متقاربة إذ كلها تعود إلي معني واحد وهو أن الأرض رجفتْ وارتجتْ، ونسفتْ عليها جبالُهَا، ودكَّ ما عليها من بناءٍ ومعلمٍ، فسويتْ، ومدَّها اللهُ تعالَى مدَّ الأديمِ، حتى صارتْ واسعةً جدّاً.
التطبيق الثاني
المراد بالنبأ العظيم في قوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) ) النبأ.
أولا : أورد ابن كثير في معني النبأ العظيم أقوالا عن السلف وهي :
1- البعث بعد الموت وهو قول قتادة وابن زيدٍ .
2- القرآن وهو قول مجاهدٌ
ثم استدل علي ترجيح الأول بقوله تعالي {الّذي هم فيه مختلفون}. يعني: النّاس فيه على قولين؛ مؤمنٌ به وكافرٌ ).
ثانيا : نوع الأقوال من حيث الاتفاق أو التقارب أو التباين :
أري أن الأقوال هنا متباينة لكن يصلح حمل التفسير عليها دون تناقض؛ لأنه يجوز حمل النبأ علي الجميع لأن التَّعْرِيف فِي النَّبَإِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَيَشْمَلُ كُلَّ نَبَأٍ عَظِيمٍ أَنْبَأَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ إِنْبَاؤُهُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ مِنْ إِبْطَالِ الشِّرْكِ، وَمِنْ إِثْبَاتِ بَعْثِ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
التطبيق الثالث
المراد بــ (الخنس الجوار الكنّس) في قوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) ) التكوير.
أولا : أورد ابن كثير في معني (الخنس) أقوالا عن السلف وهي :
1- هي النّجوم تخنس بالنّهار وتظهر باللّيل ، وهو قول علي وروي أيضا عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ والحسن وقتادة والسّدّيّ وغيرهم.
2- هي النّجوم الدّراريّ التي تجري تستقبل المشرق، وهو مروي عن بكر بن عبد اللّه .
وهذه المعاني متفقة
معني الكنس :
أورد ابن كثير في معني (الجوار الكنّس) أقوالا عن السلف وهي :
1- قال بعض الأئمّة: إنّما قيل للنّجوم: الخنّس. أي: في حال طلوعها، ثمّ هي جوارٍ في فلكها، وفي حال غيبوبتها يقال لها: كنّسٌ. من قول العرب: أوى الظّبي إلى كناسه إذا تغيّب فيه. لم ينسبه لأحد .
2- بقر الوحش ، وهو مروي عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد اللّه بن مسعود، وكذا قال الثّوريّ عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عبد اللّه بن مسعود ، وهو قول ابن عبّاسٍ ، وسعيد بن جبيرٍ ، وأبو الشّعثاء جابر بن زيدٍ
3- الظّباء. وهو قول سعيد أيضاً ومجاهد والضّحّاك. أبي الشّعثاء جابر بن زيدٍ .
ثانيا : نوع الأقوال من حيث الاتفاق أو التقارب أو التباين :
وهذه الأقوال متباينة في الظاهر الا أنه يمكن حملها علي معني واحد وهو الكواكب ؛ لأن في الآية استعارة .
يقول الطاهر رحمه الله : " وَهَذِهِ الصِّفَاتُ أُرِيدَ بِهَا صِفَاتٌ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْصُوفَاتِهَا الْكَوَاكِبُ، وُصِفْنَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي النَّهَارِ مُخْتَفِيَةً عَنِ الْأَنْظَارِ فَشُبِّهَتْ بِالْوَحْشِيَّةِ الْمُخْتَفِيَةِ فِي شَجَرٍ وَنَحْوِهِ، فَقِيلَ: الْخُنَّسُ وَهُوَ مِنْ بَدِيعِ التَّشْبِيهِ، لِأَنَّ الْخُنُوسَ اخْتِفَاءُ الْوَحْشِ عَنْ أَنْظَارِ الصَّيَّادِينَ وَنَحْوهم دون سُكُون فِي كِنَاسٍ، وَكَذَلِكَ الْكَوَاكِبُ لِأَنَّهَا لَا تُرَى فِي النَّهَارِ لِغَلَبَةِ شُعَاعِ الشَّمْسِ عَلَى أُفُقِهَا وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَوْجُودَةٌ فِي مَطَالِعِهَا.
وَشبه مَا يَبْدُو للأنظار من تنقلها فِي سمت الناظرين للأفق بِاعْتِبَار اخْتِلَاف مَا يسامتها من جُزْء من الكرة الأرضية بِخُرُوج الْوَحْش، فشبهت حَالَة بدوّها بعد احتجابها مَعَ كَونهَا كالمتحركة بِحَالَة الْوَحْش تجْرِي بعد خنوسها تَشْبِيه التَّمْثِيل. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا صَارَت مرئية فَلذَلِك عقب بعد ذَلِك بوصفها بالكنّس، أَي عِنْد غُرُوبهَا تَشْبِيها لغروبها بِدُخُول الظبي أَو
الْبَقَرَة الوحشية كناسها بعد الانتشار والجري.
فَشُبِّهَ طُلُوعُ الْكَوْكَبِ بِخُرُوجِ الْوَحْشِيَّةِ مِنْ كِنَاسِهَا، وَشُبِّهَ تَنَقُّلُ مَرْآهَا لِلنَّاظِرِ بِجَرْيِ الْوَحْشِيَّةِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ كِنَاسِهَا صَبَاحًا ، وَشُبِّهَ غُرُوبُهَا بَعْدَ سَيْرِهَا بِكُنُوسِ الْوَحْشِيَّةِ فِي كِنَاسِهَا وَهُوَ تَشْبِيهُ بَدِيعٌ فَكَانَ قَوْلُهُ:
بِالْخُنَّسِ اسْتِعَارَة وَكَانَ الْجَوارِ الْكُنَّسِ تَرْشِيحَيْنِ لِلِاسْتِعَارَةِ.
وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثِ مَا يُشْبِهُ اللُّغْزَ يُحْسَبُ بِهِ أَنَّ الْمَوْصُوفَاتِ ظِبَاءٌ أَوْ وُحُوشٌ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ حَقَائِقُهَا مِنْ أَحْوَالِ الْوُحُوشِ، وَالْأَلْغَازُ طَرِيقَةٌ مُسْتَمْلَحَةٌ عِنْدَ بُلَغَاءِ الْعَرَبِ وَهِيَ عَزِيزَةٌ فِي كَلَامِهِمْ .
قلت : ويدل علي ذلك أن الله عطفَ الْقَسَم بِ اللَّيْلِ عَلَى الْقَسَمِ بِ «الْكَوَاكِبِ» لِمُنَاسَبَةِ جَرَيَانِ الْكَوَاكِبِ فِي اللَّيْلِ، وَلِأَنَّ تَعَاقُبَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ أَجَلِّ مَظَاهِرِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي هَذَا الْعَالَمِ.
والله أعلم .