(13) تتمة الحديث في نقض الصرفة
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر الحسيني (ت: 1418هـ): (13)
ومع ذلك، فأنا أظن أن أبا عثمان، كان يعاني المشقة من هذا التناقض: بين ما ألفه زمنا مع صاحبه أبي إسحق في تأليف القرآن من القول في (الصرفة) التي اخترعاها معًا، وما أدت من القول الخبيث الذي قاله أبو إسحق النظام = وبين ما هدى إليه بالتذوق من أن نظم القرآن وتأليفه، يعجز كل أحد. ودليل ذلك أني رأيته في كتاب الحيوان، وهو من آخر كتبه، ذكر مسألة هدهد سليمان وآيات أخرى مما جاء في كتاب الله سبحانه، وأدار أمر تفسيرها على (الصرفة) بأسلوب جديد، واستغرق في ذلك أوراقا كثيرة (الحيوان 4: 90) فلما بلغ أواخر تفسيره قال هذه الكلمة الصريحة الدلالة (وفي كتابنا الذي يدل على أنه صدق، نظمه
[مداخل إعجاز القرآن: 67]
البديع الذي لا يقدر على مثله العباد، مع ما سوى ذلك من الدلائل التي جاء بها من جاء به).
ثم ختم هذا الفصل بعد ذلك بتعريض القول بالصرفة لمناقشة الخصوم، وإعادة النظر في أمرها! وهذا حسبك من الشك في سلامتها، فقال هذه الكلمة الجليلة (الحيوان 4: 93): (فبهذا وأشباهه من الأمور، نحن إلى الإقرار به مضطرون بالحجج الاضطرارية، فليس لخصومنا حيلة إلا أن يواقفونا (أي أن نجتمع نحن وهم معًا للمناظرة) وينظروا في العلة التي اضطرتنا إلى هذا القول (وهذه العلة هي الصرفة)، فإن كانت صحيحة، فالصحيح لا يوجب إلا الصحيح = وإن كانت سقيمة، علمنا أنما أوتينا من أقاويلنا).
فهذا تشكك، ومعاناة ظاهرة مما يشعر به من التناقض بين قوله بالصرفة، وبين ما هدى إليه، بعد بذل أقصى الجهد، كما قال فيما كتبه في (الاحتجاج لنظم القرآن)، وأظنه لولا الحياء والإلف، لفارق أبو عثمان الشك المتلفع إلى اليقين السافر، ولطرح (الصرفة) حيث تستحق أن تطرح).[مداخل إعجاز القرآن: 67-68]