مقدمة الأستاذ محمود شاكر
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر الحسيني (ت: 1418هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما، والصلاة والسلامُ على المبلّغ عن ربه نبيِّنا محمد المبعوث رحمةً للعالمين، وصلي الله على أبَويْنَا إبراهيم وإسماعيل وسائر النبيين اللهم إنا نعوذ بك من الزّلل، ومن التسرُّع والخَطل، ومن تَرْكِ مخافتك، ومن العُجْبِ الْمْتلفِ، ومن فُضول القول، ومن التكلُّف في العمل، اللهمّ لا تكلنا إلى أنفسنا فنضِل ونَغْوَى.
(إعجازُ القرآن)، لفظُ وُضِع في أواخر القرن الثالث للهجرة، ولم يَكَدْ حتى أحدث تاريخًا مستفيضًا رائعًا، شارك فيه أكبر علماء الأمة في اللغة والبيان والتفسير وعلوم القرآن وعلم الكلام. وسيظلُّ هذا اللفظ باقيًا، يحدث تاريخًا لا ينقطع، تشارك فيه أقلام العلماء والكتاب والباحثين. وقد كان كتب الله عليَّ أن أقف مع هذا اللفظ زمانًا طويلاً، حائرًا مترددًا، وخائفًا متلددًا، وجازعًا متحفظًا، وكاتمًا حيرتي عن قلمي ولساني، حتى تصرَّمت سنوات، وأنا علي شَفَا حفرةٍ من النار، فأنقذني الله برحمته وفضله، وسلمتُ بحمده سبحانه بعد مخالطة العطب.
وهذه الفصولُ الثلاثة التي كتبتُها عن (إعجاز القرآن)، تقصُّ عليك هذه القصة الطويلة العريضة في صفحات قلائل، وبمنهجي في تحليل الكلام وتحليل التاريخ، لأنه المنهجُ الذي التزمته فنجوت من شر مُستطيرٍ، ومن بلاءٍ محاقٍ. ولكني أكتب
[مداخل إعجاز القرآن: 8]
هذه القصة، بعد أن انطمستْ مَعَالم كانت لائحة قديمًا ثم عَفَتْ وبعد أن عزمتُ على أن أعْفيَك من المسالك الوعرة؛ والأشواك المتشابكة، والظلمات المحيّرة، وحتى تألف طريقي وتعرفه معرفة تسهِّل عليَّ وعليك اقتحام المسالك والأشواك والظلمات، في كتاب آخر إن شاء الله أما هذا الكتابُ، فقد طويتُه على ثلاثة مداخل:
المَدْخل الأول: تاريخٌ حَيَّرني ثم اهتديتُ.
المَدْخل الثاني: تذوُّق رَاعني حتَّى تذوَّقت.
المَدْخل الثالث: ثرثرةٌ أضجرتني حتى مَلِلْت.
أما المدخل الثالث: فقد كتبته في شهر ربيع الأول سنة 1378 منذ سنواتٍ بعيدة، أداءً لحق الصحبة في الغُرْبة، بيني وبين صديقي مالك بن نبي رحمه الله. ثم مضى زمانٌ طويلٌ فاضطررت يومًا إلى أمر، فكتبتُ (المدخل الثاني) في مدينة الرياض في شهر ربيع الآخر 1396، ثم كتبت (المدخل الأول) فيما بين شهر شعبان وشهر رمضان سنة 1396، فكان أحدثهنَّ كتابةً أحقهن بالتقديم، وكان أقدمهن كتابة أحقهن بالتأخير. وبهذا الترتيب، تستطيع أن
[مداخل إعجاز القرآن: 9]
تتبين أن المدخل الثالث الذي كتبته منذ سنوات، قد جاء تفسيره والكشف عنه في المدخل الأول ثم في المدخل الثاني.
فالمداخلُ الثلاثةُ، إذنْ، عرضٌ مقاربٌ لقصةِ أيامي التي عانيتُ فيها الحيرة ولقصة فكري الذي كادت تشرِّد به الثرثرة، ثم هي بعد ذلك وقبل ذلك، جهدٌ مقصِّر يريد أن يكفِّر عن تقصيره في حق القرآن العظيم بهذه الكلمات القلائل، ضارعًا إلى الله سبحانه أن يُفسِح في أيامي، ويعينني على متابعة القول في (إعجاز القرآن) على وجهٍ يمهِّد، إن شاء الله، لتأسيس علم خاص هو (علمُ إعجاز القرآن)، يُضارع (علمَ البلاغة)، الذي استدعى نشأتَه بحثُ أهل القرنين الثالث والرابع في (إعجاز القرآن). وستعلم ما أريد، بعد أن تقرأ هذه المداخل الثلاثة.
اللهم إنا نعوذ بك من الحَوَر بعد الكَوَر، ومن الضلالة بعد الهدى، ومن المعصية بعد الطاعة، فسدِّدْنا واهدنا، واغفر لنا وتب علينا، واجعلنا من الراشدين.
مصر الجديدة
أبو فهر
شارع الشيخ حسين المرصفي رقم 3
محمود محمد شاكر
[مداخل إعجاز القرآن: 10]).
[مداخل إعجاز القرآن: 8-10]