الجزء الثالث: القسم الثاني(5-10:21)دقيقة
وما زاد عن القدر الواجب من العلوم الشرعية فهو فرض كفاية على الأمة.
قال سفيان بن عُيَينة:(طلب العلم والجهاد فريضة على جماعتهم ويُجزء فيه بعضهم عن بعض) , وتلا هذه الآية: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لعلهم يَحذَرُون) [التوبة: ١٢٢].
قال ابن عبد البر:(قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع).
هذا خلاصة ماقيل في حكم طلب العلم؛إنّ منه قدر واجب,ومنه فرض كفاية.
ومما ينبغي التأكيد عليه؛ بيان وجوب الإخلاص لله تعالى في طلب العلم, وبيان الوعيد الشديد لمن طلب العلم رياء وسمعة, أو لايريد به إلاّ ليصيبَ به عرضاً من الدنيا.
ففي (صحيح الإمام مسلم) وغيره من حديث أبو هُريرة-رضي الله عنه- في ذكر أول من تسعر بهم النار يوم القيامة, وذَكر منهم: ((ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل,ثم أمر به فسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار...)).
نعوذ بالله من غضبه وعقابه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ لا يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ)) يَعْنِي: رِيحَهَا. (رواه أَبُو داود بإسناد صحيح)
فهذه الأدلة وغيرها كثير تدل على وجوب الإخلاص لله تعالى في طلب العلم, وأن يُحسن المرء نيته في طلب العلم ليسلم من غضب الله-عزوجل- وسخطه وعقابه.
وطلب العلم بنية صالحة له آثار على قلب طالب العلم , وعلى عمله.
قال مالك بن دينار:(من تعلم العلم للعمل كَسَره علمه, ومن طلبه لغير العمل زاده فخرا).
وقَال مطر الورّاق: (خيرُ العلمِ مَا نفع، وإنَّما ينفعُ الله بالعلم مَن عَلِمَهُ ثُمَّ عَمِلَ به، ولا ينفَعُ به مَن عَلِمَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ).
ومما يُعين على الإخلاص في طلب العلم؛ أن يطلب العبد العلم للعمل به, والإهتداء بهدى الله عزوجل؛ لينال فضله ورحمته, وأن يُعظم هدى الله في قلبه, وأن يفرح بفضل الله ورحمته؛ إذا وجد مايهتدي به لما ينفعه في دينه ودنياه, من خير الدنيا والآخرة.
فإن الله – تعالى- لم ُحرم علينا شيئاً إلاّ عوضنا خيراً منه, فعوض الله تعالى المخلصين لمّا تركوا طلب ثناء الناس؛ عوضهم بثناءه – تعالى- عليهم في الملأ الأعلى, وعوضهم لمّا تركوا الإقبال على الناس؛ عوضهم بأن وضع لهم القبول في الأرض, وعوضهم لمّا أن تواضعوا لله عزوجل؛ عوضهم بأن رفعهم الله-تعالى- وكتب لهم الرفعة والعزة , وأين هذا من ذاك.
فالإخلاص في طلب العلم؛ يكون بأن يبتغي به المرء وجه الله – تعالى-؛ ليهتدي لمعرفة ما يحبه الله ويرضاه؛ فيَعَمَله , ويعرف ما يُبغضه الله؛ فيَجتَنبَه, ويعرف ما يخبر الله عزوجل به؛ فيؤمن به ويصدقه, ويقصد به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره , فإذا فعل ذلك؛ فقد صلحت نيته في طلب العلم بإذن الله تعالى.
نخلص من هذا العرض الموجزإلى أنّ العلم الشرعي كما تقدم؛ منه فرض عين , وفرض كفاية, وأنّ فضله عظيم, وأنّ الإخلاص في طلب العلم واجب, وقد ذكرنا أيضاً: المقاصد الصالحة في طلب العلم.