دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الدورات العلمية > الدورات العلمية العامّة > علماء الأمصار في القرون الفاضلة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 25 ذو القعدة 1442هـ/4-07-2021م, 11:34 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي

خصائص التعليم النبوي

كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المعلّم الأوّل لهذه الأمة ، وهو إمام المعلّمين وقدوتهم، قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}.

وكان تعليمه صلى الله عليه وسلم أحسن التعليم وأبينه، وقد امتاز تعليمه صلى الله عليه وسلم بمزايا جليلة منها:
1: دلالته على اليقين في أبواب الدين.
فكان الصحابة يتلقون العلم منه غضاً طرياً، دالا على اليقين في أبواب الدين، لا يشكّون فيه ولا يترددون، فهو الرسول المبلّغ عن ربّه البلاغ المبين، والنبي المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ولا ينسى إلا ما شاء الله، وكلامه لا يدلّ إلا على الهدى، ولا يخرج من لسانه إلا الحق.
فكان التعليم منه صلى الله عليه وسلم ليس كالتعليم من غيره.
- قال أبو مالك عبيد بن الأخنس: حدثني الوليد بن عبد الله، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو، قال: كنت أكتبُ كلَّ شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق». رواه أحمد والدارمي وابن أبي شيبة وأبو داوود.

2: أنه تعليم مقرون بالعمل واتباع الهدى.
فلم يكن تعليمه صلى الله عليه وسلم إلقاء مجرّداً، بل كان تعليماً مقروناً بالعمل واتباع الهدى، فيرون فيه أسوة حسنة، وكان أقرب أصحابه إليه أفضلهم وأعلمهم بهديه وأحسنهم اتباعاً له.
وكان هديه صلى الله عليه وسلم أحسن الهدي، وهو خير من عمل بعلمه، وزكى نفسه، فكان هو الميزان الأكبر لأمته، على هديه وسنته تعرض الأقوال والآراء؛ فما وافقها بإيمان كان صواباً وما خالفها كان خطأ مردوداً.
فكانوا يتلقون منه العلم ويبصرون أثره فيه صلى الله عليه وسلم في دعوته وعمله وهديه، ويرون أثره أيضاً في نفوسهم، حتى كانوا ربما أنكروا أنفسهم إذا خفّ عنهم ما يجدون من قوة الإيمان واليقين إذا كانوا بحضرته.
- قال سعيد بن إياس الجريري عن أبي عثمان النهدي، عن حنظلة بن الربيع التميمي رضي الله عنه وكان من كُتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟
فقلت: نافق حنظلة.
قال: سبحان الله ما تقول؟!
قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات؛ فنسينا كثيرا.
قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: (نافق حنظلة يا رسول الله).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما ذاك؟»
قلت: (يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين؛ فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» ثلاث مرات. رواه مسلم.
وخير التعليم ما كان مقروناً بالعمل والامتثال.

3: أنه تعليم شامل لأبواب الدين وما يحتاج إلى الهدى فيه.
فلم تبق مسألة يُحتاج إلى الهدى فيها إلا بيّنها صلى الله عليه وسلم لأمّته، وذلك أنه قد أوتي جوامع الكلم، واختُصر له الكلام اختصاراً، فكان قليل كلامه كثير المعاني والهدايات، وكان عمله وهديه في الحادثة الواحدة يستفاد منه الفوائد الكثيرة.
وربما خطب بأصحابه خطباً مطوّلة يذكر لهم فيها كلّ ما تحتاج أمّته إلى معرفته.
- قال الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة رضي الله عنه، قال: (لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة، ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله، إن كنت لأرى الشيء قد نسيت، فأعرف ما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه). رواه البخاري ومسلم.
- وقال عبد الله بن وهب: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن أبا إدريس الخولاني، كان يقول: قال حذيفة بن اليمان: (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إليَّ في ذلك شيئاً لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعد الفتن: « منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا، ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار»
قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري). رواه مسلم.
- وقال أبو عاصم النبيل: أخبرنا عزرة بن ثابت، أخبرنا علباء بن أحمر، حدثني أبو زيد يعني عمرو بن أخطب، قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر؛ فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن» فأعلمنا أحفظنا). رواه مسلم.
- وقال سفيان بن عيينة: حدثنا علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر إلى مغيربان الشمس، فلم يبق شيء يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به، علمه من علمه، وجهله من جهله). رواه الحميدي.
- وقال سفيان بن عيينة، عن فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكّرنا منه علما).
قال أبو ذر: فقال صلى الله عليه وسلم:«ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيّن لكم» رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن حبان في صحيحه.
ولفظ ابن حبان: (إلا عندنا منه علم).
قال ابن حبان: (معنى "عندنا منه" يعني بأوامره ونواهيه وأخباره وأفعاله وإباحاته صلى الله عليه وسلم).
قلت: يريد العلمَ الذي له تعلّق بالأحكام الشرعية، وهذا معنى أخصّ من العلوم والمعارف الواسعة في الخلق والأمر، وفي كلا النوعين نصوص من الكتاب والسنة إلا أنّ ما له تعلّق بالعمل قد تمّ به البيان، وما لا يتعلّق به العمل قد ذكر منه ما تحصل به الكفاية في التبصر والاستدلال بالمعلوم على ما وراءه، وقد قال الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.

4: أنه تعليم ميسّر لا تكلّف فيه ولا تعنّت.
قال الله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلّفين}، وقال الله تعالى:{ولو شاء الله لأعنتكم}.
فدلّ ذلك على أنّ الله تعالى لم يجعل في شريعة الإسلام عنتاً ولا مشقة، كما قال تعالى:{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، وقال تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
- وقال معن بن محمد الغفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» رواه البخاري والنسائي.

وتعليم العلم من أبواب الدين؛ فكان تعليمه صلى الله عليه وسلم أيسر التعليم وأحكمه وأبعده عن التكلف والتعنّت، يأخذ كلّ أحد منه ما يكفيه ويغنيه؛ فينتفع به العالم والعامي، والكبير والصغير، والذكر والأنثى.
ولذلك تنوّعت وصاياه لمن استوصوه؛ فكان يوصي كلّ مستوصٍ ومحتاج للوصية بما هو أصلح له وأنفع، وكلّ من أخذ بوصيته سعد بها وفاز.

5: أنه تعليم محفوظ لا يُخشى عليه الضياع.
وذلك أنّ السنة النبوية محفوظة بحفظ الله تعالى لكتابه؛ فهي بيان للكتاب وتفسير له، كما قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزل إليهم} ، وقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
فضمن الله تعالى حفظ كتابه الكريم نصاً وبياناً.
وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} والدين كامل إلى أن يأتي أمر الله.
ومن ضرورة بقاء الدين كاملاً حفظ السنة النبوية.
ومن الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)) هذا لفظ حديث معاوية بن أبي سفيان في صحيح مسلم، والحديث مروي عن نحو أحد عشر صحابياً.
ومن ضرورة بقائهم قائمين بأمر الله بقاء علمهم بأمر الله.
وهذا لا يقتضي أن يكون لدى واحد من الأمة علم جميع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن مجموع سنة النبي صلى الله عليه وسلم محفوظ لدى الجميع؛ فقد يعلم عالم ما يخفى على عالمٍ آخر، لكن يكون لديهم جميعاً ما تكتمل به معرفة السنة النبوية.

والمقصود من كلّ ما تقدّم أنّ تعليمه صلى الله عليه وسلم لأمّته تعليم مُحكم، شامل، مقرون بالعمل والهدى، وميسر لا مشقة فيه، ومحفوظ من الضياع.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأول, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir