دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أصول التفسير البياني

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 رمضان 1441هـ/4-05-2020م, 01:04 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي الدرس التاسع: (3) الحذف والذكر

تنبيه:
وقد ذكر بعض العلماء أنواعاً أخرى من الحذف سموها: الاكتفاء والاقتطاع والاختزال، ولم أذكرها لأن كثيراً من الأمثلة التي ذكرت فيها لا تُسلّم، وتوجيه ما ادّعي فيه الحذف يحتاج إلى بسط وتطويل أخشى أن يخرجنا عن المقصود.

ومما ينبغي أن يُنبَّه عليه أيضاً أن بعض المفسرين والبلاغيين توسّعوا في دعوى الحذف حتى ذكروا أمثلة كثيرة توّهموها من الحذف وليست منه، ومن ذلك:
1: قول ابن قتيبة في قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه} قال: (أي: يخوّفكم بأوليائه كما قال سبحانه: {لينذر بأساً شديداً من لدنه}أي: لينذركم ببأس شديد}).
وما ذكره إنما هو تفسير ببعض لازم المعنى، وليس هو المعنى نفسه، بل فيه قصر للمعنى البياني للآية، ومعنى الآية أوسع مما ذكر، وتقرير ذلك:أن فعل التخويف قد يُعدّى بمفعول واحد وقد يعدّى بمفعولين:
- فتعديته بمفعول واحد كقولك: خوّفتُ زيداً فخاف.
- وتعديته بمفعولين كقولك: خوّفتُ زيداً الأعداءَ فخافهم.
فالمفعول الثاني بيان للمخوف منه.

والآية فيها حذف للمفعول الأوّل، ويصحّ أن يقدّر في الإعراب: يخوّف الناسَ أولياءَه.

وهذا التخويف إنما يكون بتعظيم شأن أوليائه وتهويل شدّة بطشهم حتى يخافوهم.
ومن التصريح بذكر المفعولين للتخويف قول عروة بن الورد:
أرى أمَّ حسان الغداة تلومنيتخوفني الأعداءَ والنفس أخوف
وقول عنترة:
بكَرتْ تخوفني الحتوفَ كأنني أَصْبحْتُ عن غَرَض الحتوفِ بِمَعْزِل

ويصحّ أن يُسبق المفعول الثاني بـ "من" فيقال: خوّفه من الأعداء؛ فيكون الجار والمجرور في محلّ نصب مفعول ثانٍ.
ويصحّ أن يحذف المفعول الأول فيقال: أتى زيدٌ يخوّف الأعداءَ ؛ أي يُعظّم شأنهم وخطرَهم حتى يخافهم الناس.
وهذا هو معنى قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه} أي يعظّم شأنهم وخطرهم حتى تخافوهم {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، فحذف المفعول الأوّل، ولحذف المفعول لطائف بيانية:
منها: أنّ ذلك لإرادة العموم فيدخل فيه تقدير: "يخوّفكم أولياءه" كما قدّره بعض المفسرين، ويدخل فيه غير المؤمنين من المنافقين واليهود ومشركي العرب؛ فالشيطان مجتهد في تخويف شأن أوليائه ليخافهم المؤمنون ويخافهم المستضعفون من المشركين فيطيعوهم؛ ويخافهم غيرهم فيتبعوا خطواته؛ فكان في حذف المفعول زيادة في المعنى.
ومنها: أن المقام مقام بيان غرض الشيطان في التخويف من أوليائه وتعظيم شأنهم بغضّ النظر عمّن يصيبه هذا التخويف.
ومنها: أنّ حذف المفعول الذي يشار فيه إلى المؤمنين فيه تحقير لكيد الشيطان، وأنّ مقصوده الأعظم تخويف المؤمنين، ومن كان مؤمناً قويّ الإيمان فلن يخافَ كيده، ولذلك قال تعالى: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} فمقتضى الإيمان الصحيح أن ينتفي خوف المؤمن من الشيطان.
والمقصود أن معنى الآية على ما تقرر هو أن الشيطان يخوّف المؤمنين وغيرهم شأنَ أوليائه، وهذا التخويف إنما يكون بتعظيم خطرهم في أعين المؤمنين وتهويل كيدهم كما قال أبو مالك الغفاري رحمه الله: (يعظّم أولياءه في أعينكم) رواه ابن أبي حاتم.

ومن قال من المفسرين: المعنى (يخوّفكم بأوليائه) فهو تفسير بلازم المعنى؛ لأن المعنى يفضي إلى هذا اللازم؛ فالشيطان إنما يخوّف بأوليائه؛ فأوقع أولياءه موقع الأداة التي يخوّف بها، وهذا التفسير رواه ابن جرير عن سالم الأفطس، وهو من أصحاب سعيد بن جبير رحمهما الله.

فهذه الآية فيها حذف لكنه على غير ما ذكره ابن قتيبة رحمه الله، وإنما المحذوف فيها المفعول الأول ليخوّف.
2: وقول ابن قتيبة في قول الله تعالى: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً} قال: (أي: يعلم أنّ العزة لمن هي).
3: وقول أبي الفتح ابن جني في قول الله تعالى: {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} أي: جزاء ما أترفوا فيه.
4: وقول العز بن عبد السلام في كتابه الإمام في قول الله تعالى: {حرّمت عليكم أمهاتكم} معناه نكاح أمهاتكم.
وقد توسع جداً في كتابه الإشارة إلى الإيجاز في أنواع المجاز في ذكر أمثلة من هذا النوع
في القرآن ورتّبها على السور والآيات، وعد ذلك كلّه من المجاز.
وقال أبو الفتح ابن جني: (وأما أنا فعندي أن في القرآن مثل هذا الموضع نيفًا على ألف موضع؛ وذلك أنه على حذف المضاف لا غير).
- قال ابن القيّم رحمه الله: (الحذف الذي يزعمه هؤلاء ليس بحذف في الحقيقة فإن قوة الكلام تعطيه، ولو صرّح المتكلم بذكره كان عيّاً وتطويلاً مخلاً بالفصاحة كقوله: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى}
قالوا: هذا مجاز تقديره: ما أفاء الله من أموال القرى، وهذا غلط وليس بمجاز، ولا يحتاج إلى هذا التقدير، والمعنى مفهوم بدون هذا التقدير، فالقائل: "اتصل إليَّ من فلان ألف" يصح كلامه لفظاً ومعنى بدون تقدير، فإنَّ "مِنْ" للابتداء في الغاية، فابتداء الحصول من المجرور بمن، وكذلك في الآية.
يوضحه أن التقدير إنما يتعين حيث لا يصح الكلام بدونه، فأما إذا استقام الكلام بدون التقدير من غير استكراه ولا إخلال بالفصاحة كان التقدير غير مفيد ولا يحتاج إليه، وهو على خلاف الأصل.

فالحذف المتعيّن تقديرُه كقوله: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم} وقوله: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى} ونحو ذلك.
وأما نحو قوله: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} فليس هناك تقدير أصلاً، إذ الكلام مستغن بنفسه غير محتاج إلى تقدير، فإنَّ الذي يُدَّعى تقديره قد دلَّ اللفظ عليه باللزوم فكأنَّه مذكور؛ لأن اللفظ يدل بلازمه كما يدل بحروفه، ولا يقال لما دل عليه دلالة التزام إنه محذوف، فتأمله فإنه منشأ غلط هؤلاء في كثير مما يدعون فيه الحذف)ا.هـ.

ومن أشهر الأمثلة التي ادّعي فيها حذف المضاف قول الله تعالى: {واسأل القرية التي كنا فيها}
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن الأمثلة المشهورة لمن يثبت المجاز في القرآن: {واسأل القرية}.
قالوا: المراد به أهلها فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.
فقيل لهم: لفظ القرية والمدينة والنهر والميزاب؛ وأمثال هذه الأمور التي فيها الحال والمحال كلاهما داخل في الاسم، ثم قد يعود الحكم على الحالّ، وهو السكان وتارة على المحلّ وهو المكان.
وكذلك في النهر يقال: حفرت النهر وهو المحلّ، وجرى النهر وهو الماء، ووضعت الميزاب وهو المحلّ، وجرى الميزاب وهو الماء.
وكذلك القرية قال تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة}، وقوله: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون . فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين} ، وقال في آية أخرى: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون} ؛ فجعل القرى هم السكان.
وقال: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}، وهم السكان، وكذلك قوله تعالى {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا}.
وقال تعالى: {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها}؛ فهذا المكان لا السكان لكن لا بد أن يلحظ أنه كان مسكونا؛ فلا يسمَّى قرية إلا إذا كان قد عمر للسكنى مأخوذ من القرى وهو الجمع، ومنه قولهم: قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه.
ونظير ذلك لفظ " الإنسان " يتناول الجسد والروح، ثم الأحكام تتناول هذا تارة وهذا تارة لتلازمهما؛ فكذلك القرية إذا عذب أهلها خربت، وإذا خربت كان عذابا لأهلها؛ فما يصيب أحدهما من الشر ينال الآخر؛ كما ينال البدن والروح ما يصيب أحدهما.

فقوله: {واسأل القرية} مثل قوله: {قرية كانت آمنة مطمئنة}؛ فاللفظ هنا يراد به السكان من غير إضمار ولا حذف)ا.هـ.

- وقال ابن القيّم رحمه الله: (أكثر المواضع التي ادعي فيها الحذف في القرآن لا يلزم فيها الحذف، ولا دليل على صحّة دعواه كقوله: {وكم من قرية أهلكناها} ، {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله} إلى أمثال ذلك، فادّعى أهل المجاز أن ذلك كله من مجاز الحذف، وأنَّ التقدير في ذلك كلّه أهل القرية، وهذا غير لازم، فإن القرية اسم للقوم المجتمعين في مكان واحد، فإذا نسب إلى القرية فعل أو حكم عليها بحكم أو أخبر عنها بخبر كان في الكلام ما يدل على إرادة المتكلم من نسبة ذلك إلى الساكن أو المسكن، أو هو حقيقة في هذا وهذا، وليس ذلك من باب الاشتراك اللفظي، بل القرية موضوعة للجماعة الساكنين بمكان واحد، فإذا أطلقت تناولت الساكن والمسكن، وإذا قيدت بتركيب خاص واستعمال خاص كانت فيما قُيِّدَت به، فقوله تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة} حقيقة في الساكن، وكذلك لفظة القرية في عامة القرآن إنما يراد بها الساكن فتأمله، وقد يراد بها المسكن خاصة، فيكون في السياق ما يعيّنه كقوله تعالى: {أو كالذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها} أي ساقطة على سقوفها، وهذا التركيب يعطي المراد، فدعوى أن هذا حقيقة القرية، وأن قوله: {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله} ونحوه مجاز، تحكّم باردٌ لا معنى له)ا.هـ.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التاسع, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:53 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir