المثال الأول: إعراب الأرحام في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحام}
قرأ جمهور القراء الأرحامَ بفتح الميم، وقرأ حمزة بكسر الميم، وهي قراءة سبعية صحيحة، وقد رويت عن الحسن وقتادة والأعمش.
وقراءة الفتح لها وجهان:
الوجه الأول: أن الأرحام معطوفة على اسم الله، والتقدير: واتقوا الأرحامَ.
والوجه الثاني: أنها منصوبة بنزع الخافض، والتقدير: تساءلون به وبالأرحام؛ فلما نُزعت الباء انتصب اللفظ.
وقراءة كسر الميم فيها وجهان أيضاً على المعنيين السابقين في قراءة الفتح:
الوجه الأول: أنّ "الأرحام" معطوفة على الضمير في "به". أي تساءلون به وبالأرحام.
والوجه الثاني: أنّ "الأرحام" منصوبة بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الكسر للمجاروة.
وقد اختلف المفسرون في هذه الآية على قولين:
القول الأول: أنّ المعنى واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام، وهو قول إبراهيم النخعي ومجاهد والحسن البصري، إذ قالوا: هو قول الرّجل: أسألك باللّه والرّحمِ.
والقول الثاني: أن المعنى واتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، وهو قول عكرمة وقتادة والضحاك وغيرهم، وهو رواية عن مجاهد والحسن البصري.
والقولان صحيحان من حيث صنعة الإعراب، وقد صحّا عن السلف، وتحتملهما القراءة الصحيحة.
فأفاد وصف {الذي تساءلون به} تقديم تقوى الله تعالى بإفراد الضمير، ومناسبة تساؤلهم للأرحام، وهو من آيات الله إذ خلق من نفس واحدة نفوساً كثيرة وجعل بينها تراحماً؛ والتساؤل بالأرحام كان شائعاً عند العرب، وهو سبب يتشبثون به في الشدائد، فكان في الآية تنبيه على أصل نشأة هذه الأرحام، وعلى منّة الله تعالى بها عليهم، وأنه يجب عليهم أن يقابلوا هذه النعمة بشكرها، وذلك بأن يتقوا الله.