دلالة زيادة المبنى على زيادة المعنى
الأصل أن زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، وقد عُدَّت من قواعد التفسير، والقواعد اللغوية.
- قال ابن عاشور: (وهي قاعدة أغلبية لا تتخلف إلا في زيادات معروفة موضوعة لزيادة معنى جديد دون زيادة في أصل معنى المادة، مثل زيادة ياء التصغير؛ فقد أفادت معنى زائداً على أصل المادة وليس زيادة في معنى المادة، وأما نحو حذر الذي هو من أمثلة المبالغة وهو أقلّ حروفا من حاذر فهو من مستثنيات القاعدة لأنها أغلبية).
وزيادة الألفاظ في الكلام البليغ تزيد المعنى قوّة؛ لأن الزيادة فيه لا تكون حشواً ولا لغواً بل لإفادة معنى جديد أو توكيده.
- قال أبو الفتح ابن جني في الخصائص: (باب في قوة اللفظ لقوة المعنى: هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم: خشن واخشوشن. فمعنى خشن دون معنى اخشوشن).
إلى أن قال: (فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى به، وكذلك إن انحرف به عن سَمته وهديه كان ذلك دليلًا على حادث متجدد له، وأكثر ذلك أن يكون ما حدث له زائدًا فيه لا منتقصًا منه).
- وقال الزركشي: (واعلم أن اللفظ إذا كان على وزن من الأوزان ثم نقل إلى وزن آخر أعلى منه فلا بد أن يتضمن من المعنى أكثر مما تضمنه أولا لأن الألفاظ أدلة على المعاني فإذا زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعاني ضرورة.
ومنه قوله تعالى: {فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر}، فهو أبلغ من [قادر] لدلالته على أنه قادر متمكن القدرة لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته، ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى).
ولهذه القاعدة تطبيقات كثيرة في الجمَل والكلمات:
فأما الزيادة في الكلمات فتكون في الأسماء والأفعال والحروف:
- فأمّا الأسماء: فمثل رضا ورضوان، كلاهما يدلّ على الرضا إلا أنّ زيادة المبنى دلّت على زيادة في المعنى؛ فالرضوان يدلّ بناؤه على سعة وامتلاء فهو أبلغ من رضا.
وعلى هذا النحو: فرق وفرقان، ورأفة ورآفة في قراءة، وبيان وتبيان، وحرّ وحرور.
وكذلك صيغ المبالغة عامّتها فيها زيادة في المبنى تدلّ على زيادة في المعنى كما في صابر وصبَّار، وكبير وكُبَّار، وفاعل وفعَّال، وغيرها.
- وأما الأفعال: فمثل قَطَع وقطَّع، وقتل وقتَّل، وجرَح وجرّح، وفتح وفتّح، وأغلق وغلَّق، وأوعد وتوعَّد، وأذن وتأذّن، ورقب وارتقب، وقرب واقترب، وزُجرَ وازدُجر، واسطاع واستطاع، وأجاب واستجاب، وحسر واستحسر، وهزئ واستهزأ، وكُبُّوا وكُبكبُوا.
فهذه الزيادات في المباني دالة على زيادات في المعاني.
- وأما الحروف فكما في السين وسوف، ورُبَما وربَّما.
والزيادة في الكلمات تكون بتضعيف بعض الحروف أو زيادة حروف أخرى.
وأما الزيادة في الجُمل فتكون بإضافة كلمات أو حروف إليها لتؤدي قوّة المعنى والزيادة فيه.
والزيادات في الجمل على أنواع:
- فمنها المؤكدات المعنوية كمافي قول الله تعالى: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون}، وقوله تعالى: {قل إنَّ الأمر كلَّه لله}.
- ومنها المؤكدات اللفظية: وهي ما يكون بتكرار اللفظ أو مرادفه أو توكيد الفعل بمصدره أو توكيد الضمير بمنفصل عنه أو تكرار الجملة.
= فتكرار اللفظ مثل قول الله تعالى: {كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً . وجاء ربك والملك صفا صفا} وقوله تعالى: {فمهل الكافرين أمهلهم رويدا} وفي قراءة {مهّلهم} وقوله تعالى: {هيهات هيهات لما توعدون}
= وتوكيد اللفظ بمرادفه مثل قول الله تعالى: {وغرابيب سود} وقوله تعالى: {فجاجاً سبلاً}.
= وتوكيد الفعل بمصدره مثل قول الله تعالى: {وكلم الله موسى تكليماً}، وقوله تعالى: {يوم تمور السماء موراً}.
= وتوكيد الضمير كما في قول الله تعالى: {كنت أنت الرقيب عليهم} ، وقوله تعالى: {إنه هو التواب الرحيم} وقوله تعالى: {قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى}
= والتوكيد بتكرار الجملة كما في قول الله تعالى: {فإنّ مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً} وقوله تعالى: {كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون}
- ومنها زيادة مفردات في الجملة لزيادة المعنى أو توكيده كما في قول الله تعالى: {إن الله كان عليماً حكيماً} وقوله تعالى: {وإنَّ كلاً لما ليوفينّهم ربّك أعمالهم}
- ومنها زيادة حروف لتضمين أفعال تزيد المعنى، كما في قول الله تعالى: {وأمرت لأعدل بينكم} وقوله تعالى: {وأخبتوا إلى ربهم} وقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة}. وقوله تعالى: {واطمس على أموالهم} وقوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}.
وكلما ازدادت المؤكدات في الجملة زاد المعنى بحسبها، كما في قول الله تعالى: {قل إن هدى الله هو الهدى} ، وقوله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}، وقوله تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}، وقوله تعالى: {وهو الذي إليه تحشرون} ، وقوله تعالى: {وإنّ منكم لمن ليبطّئنّ}.