دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أصول التفسير البياني

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,458
افتراضي الدرس الثاني: دلالات المفردات اللغوية

المثال الأول: معنى القنوت في قول الله تعالى: {وقوموا لله قانتين}
القنوت من المفردات التي تحمل معاني متعددة فتطلق على: الطاعة، والسكوت، والخشوع، والقيام الطويل، والدعاء، والعبادة، والصلاة.

وهذه المعاني متقاربة من جهة الأصل، وتدلّ على وجوه من التعبّد داخلة في معنى القنوت، ولذلك تنوعت أقوال المفسرين في المراد بالقنوت في هذه الآية بحسب ما ظهر لهم من المعاني:
المعنى الأول: الطاعة، {وقوموا لله قانتين} أي: مطيعين، وهو قول الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وطاووس، والضحاك، وعباية بن رفاعة بن رافع بن خديج الأنصاري، وروي عن ابن عباس والحسن، واختاره البخاري في صحيحه.

والمعنى الثاني: السكوت وترك الاشتغال بغير ما قنت له، وهو قول إبراهيم النخعي، وعكرمة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وروي عن ابن مسعود وزيد بن أرقم استخراجاً.
- قال زيد بن أرقم رضي الله عنه: «كنّا نتكلّم في الصّلاة، يكلّم أحدنا أخاه في حاجته» حتّى نزلت هذه الآية: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين} «فأمرنا بالسّكوت» رواه البخاري ومسلم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم.
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد علينا السلام، حتى قدمنا من أرض الحبشة، فسلمت عليه فلم يرد علي، فأخذني ما قرب وما بعد؛ فجلست حتى إذا قضى الصلاة، قال:« إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وقد أحدث من أمره أن لا يُتكلَّم في الصلاة» رواه الشافعي والحميدي وعبد الرزاق وأحمد وابن أبي شيبة والنسائي كلّهم من طريق سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زرّ عن عبد الله، وإسناده صحيح.
ورواه ابن جرير من طريق الحكم بن ظهير عن عاصم به، وزاد: (ونزلت هذه الآية:{وقوموا للّه قانتين}).
والحكم بن ظهير ضعيف، وهذه الزيادة معلولة.
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث الفضيل بن مرزوق عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ( نزلت هذه الآية: [حافظوا على الصلوات وصلاة العصر] فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنزلت:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}).
فقال رجل كان جالساً عند شقيق له: هي إذن صلاة العصر!
فقال البراء: (قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم).
والبراء بن عازب من صغار الأنصار من طبقة زيد بن ثابت وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري، ردّه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لصغر سنّه، وأجازه في الخندق.
وللعلماء أقوال في الجمع بين الحديثين ليس هذا محلّ بسطها.

والمعنى الثالث: الخشوع بالقلب والجوارح، وهو قول مجاهد، والربيع بن أنس البكري.
- قال ليث عن مجاهد في قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} قال: (من القنوت: الركوع، والخشوع، وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله).
قال: (وكانت العلماء إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء، أو يلتفت، أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيء، أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا -إلا ناسيًا- ما دام في الصلاة). رواه ابن المبارك في الزهد، وسعيد بن منصور في سننه، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، وابن جرير في تفسيره، وابن أبي حاتم في تفسيره، وفي رواية عند ابن جرير عن مجاهد أنه قال: (إنّ من القنوت الرّكود ثمّ ذكر نحوه).
والركود في هذا الموضع سكون الجوارح وهو في معنى خشوعها.

المعنى الرابع: القيام الطويل، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما.
- روى نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن القنوت، قال: «ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن» رواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع، وإسناده صحيح.
- وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة طول القنوت» رواه مسلم.
وقال النووي: (المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت).
- وفي سنن أبي داوود من حديث ابن جريج قال: أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن علي الأزدي، عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: (طول القيام).
- وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عزَّ وجل؟
قال: « لا تستطيعونه »
قال: فأعادوا عليه مرتين، أو ثلاثا كل ذلك يقول: « لا تستطيعونه »
وقال في الثالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام، ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى».

والمعنى الخامس: الدعاء، وهو رواية عن ابن عباس.
- قال عوف الأعرابي، عن أبي رجاءٍ العطاردي، قال: صلّيت مع ابن عبّاسٍ الغداة في مسجد البصرة، فقَنَتَ بنا قبل الرّكوع، وقال: (هذه الصّلاة الوسطى الّتي قال اللّه: {وقوموا للّه قانتين}). رواه ابن جرير.
ومن معاني القنوت في اللغة الانتصاب للدعاء، ومنه قول دِعْبل الخزاعي يرثي الحسين بن علي رضي الله عنهما ويذكر دعاءه على قاتليه:
سأقنتُ طولَ الدهرِ ما هبَّت الصَّبا ... وأقنتُ بالآصالِ والغدواتِ
وهذا الدعاء منه ما هو في غير أوقات الصلوات.
- قال أبو إسحاق الزجاج: (المشهور في اللغة والاستعمال: أن القنوت الدعاء في القيام، وحقيقة القانت أنه القائم بأمر اللّه، فالداعي إذا كان قائما خصَّ بأن يقال له قانت؛ لأنه ذاكر الله عزّ وجلّ وهو قائم على رجليه. فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله في حال القيام.
ويجوز أن يقع في سائر الطاعة، لأنه إن لم يكن قياماً بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية)ا.هـ.

والمعنى السادس:العبادة والصلاة، {وقوموا لله قانتين} أي مصلين متعبّدين، وهذا القول مروي عن ابن عباس وابن عمر فيما ذكره ابن أبي حاتم، واستدلّ له بعض المفسرين بقول الله تعالى في شأن مريم: {وكانت من القانتين} أي المتعبدين بالصلاة.
وبه فُسّر قول الله تعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً}

قال ابن جرير: (والقنوت: أصله الطّاعة للّه، ثمّ يستعمل في كلّ ما أطاع اللّهَ به العبدُ).

فتبيّن بذلك أنّ القنوت وصف جامع لأنواع من العبادات بعضها أعمّ من بعض:
- فالطاعة قنوت لأن المطيع قانت للمطاع منقادٌ له مستكين لأمره.
- والعبادة قنوت لما فيها من الذلّ والانقياد للمعبود.
- والصلاة نفسها قنوت لأنها من أظهر شعائر العبادة والقيام بواجب الطاعة لله.
- والقيام في الصلاة قنوت لأن القائم منتصبٌ لعبادة ربّه جلّ وعلا منقطع عن غيره.
- والخشوع في الصلاة قنوت لأنه من تمام القيام بالطاعة لله تعالى والإقبال عليه.
- والسكوت عن الكلام بغير الذكر في الصلاة قنوت لأنه من واجبات الطاعة.
- والدعاء قائما قنوت لأن من يدعو قائماً في الصلاة أو خارجها منتصب لسؤال الله تعالى والتعبد له بأعظم العبادات وهي الدعاء، وكذلك المصلي رغباً ورهباً قانت بصلاته لأنها تؤول إلى معنى الدعاء؛ فهو يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة ويسأله بلسان حاله ومقاله رغبة ورهبة.

وقول أبي إسحاق الزجاج: (ويجوز أن يقع في سائر الطاعة، لأنه إن لم يكن قياماً بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية) فيه تنبيه على أنّ من قام بأمر الله تعالى في أيّ شأن من الشؤون كالدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخلصاً لله تعالى فهو قانت؛ لأنه قائم بطاعة الله تعالى منتصبٌ لذلك كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ}

والمقصود أنّ هذه المفردة الواحدة دلّت على معانٍ جليلة عظيمة كلها مما يصحّ أن تندرج في أمر الله تعالى لعباده بقوله: {وقوموا لله قانتين}


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir