فوائد معرفة علماء الأمصار في القرون الفاضلة
الحمد الله الذي أنعم وعلّم، وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم، أما بعد:
فإنّ من المعارف المهمّة لطالب العلم معرفة علماء الأمصار في القرون الفاضلة؛ فهي أصل مهم في معرفة نشأة علوم الشريعة واللغة العربية، وتداولها، وتدوينها.
وقد روي في تفضيل القرون الثلاثة أحاديث صحيحة منها:
1: حديث إبراهيم النخعي عن عَبيدةَ السلماني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادةُ أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادتَه» رواه البخاري ومسلم.
2: وحديث زهدم بن مضرب قال: سمعت عمران بن حصين رضي الله عنهما يحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»
قال عمران: (لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة). رواه البخاري
3: وحديث السدي، عن عبد الله البهي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس خير؟
قال: « القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث » رواه مسلم.
ولمعرفة علماء الأمصار في القرون الفاضلة فوائد جليلة منها:
1: أن علماء القرون الفاضلة هم أئمة أهل العلم وصفوتهم وخيارهم، وتوجيه العناية لأولئك الصفوة والاتساء بهم في تعلّمهم وتعليمهم، والانتفاع بسيرهم وأخبارهم ووصاياهم من أفضل سبل تقويم التعليم.
2: أن هذه المعرفة تقرّب لطالب العلم تصورّ أحوال أولئك السلف الصالح في طلبهم للعلم، ورعايتهم له، وتعليمهم إياه، وتبيّن له تنوّع طرائقهم في ذلك، ومسالكهم في العمل بالعلم.
3: أنها تعرّف طالب العلم بأصول أوعية العلم وطرق انتشاره في البلدان.
4: أنها تيسّر لطالب العلم معرفة أصول الأسانيد وتصنيفها على البلدان؛ فإن صعوبة حفظ الأسانيد سببها عدم المعرفة بكثير من أولئك الرجال، ومن عرفهم ودرس سيرهم، وعرف شيوخهم وتلاميذهم سهل عليه معرفة كثير من الأسانيد وأحكامها.
5: أن كلّ قرن من تلك القرون حدثت فيه حوادث مهمّة وفتن عظيمة، كان لها أثر كبير في الأمة بعدهم، ومعرفة منهج أولئك الأئمة الأعلام في تلك الحوادث والفتن من أعظم ما يبصّر بسبيل الهدى فيها.
6: أن قراءة سير أولئك العلماء تثمر في القلب ثمرات عظيمة النفع وتعالج آفات وأدواء من العجب والغرور، والغفلة والقسوة، والحيرة والعيّ، وربّ سيرة من تلك السير تفتح لطالب العلم باباً من السلوك يكون أنفع له من قراءة كثير من الكتب.
ولذلك نقل عن بعض السلف أن قراءة سيرة رجل صالح أحبّ إليه من تعلّم باب من الفقه.
- وقال روح بن عبادة: حدثنا هشام عن الحسن قال: (قد كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه وفي لسانه وبصره ويده). رواه الإمام أحمد في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان.
7: أنه لا صلاح لآخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أوّلها ، ولا سبيل إلى معرفة ما صلح عليه أوّل هذه الأمة إلا بدراسة سير أولئك العلماء ومعرفة أخبارهم وآثارهم.