تلخيص سورة نوح :
تفسير قوله تعالى: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}
تفسير قوله تعالى: (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) )
القراءات :
قوله تعالى ( وولده ) قراءة بالفتح والضم ، وكلاهما متقارب : ك
المسائل التفسيرية :
-شكوى نوح إلى ربه :
قال ابن كثير : أن نوح عليه السلام أنهى إلى ربه شكواه من اعراض قومه وبهذا قال السعدي والأشقر
-تنوع أساليب الدعوة :
ذكر ابن كثير أن نوح عليه السلام اتبع مع قومه عدة أساليب ونوّع فيها بما يتناسب مع الجميع ، فتارة بالترغيب وأخرى بالترهيب ، وجاءهم بالوعظ والتذكير وبهذا قال السعدي
علم الله الشامل :
أكد ابن كثير أن نوح عليه السلام رفع شكواه إلى ربه وهو سبحانه أعلم بحاله مع قومه
-هداية التوفيق لله وحده وليست لنوح عليه السلام:
بين ابن كثير أن قوم نوح عليه السلام غفلوا عن طاعة ربهم واتباع نبيهم رغم محاولته عليه السلام الأكيدة في هدايتهم وهذا لأن أمر هداية التوفيق لله وحده وليس لنوح عليه السلام إلا الدلالة والارشاد
وهذا واضح من كلامم السعدي والأشقر
-خطورة اتباع أصحاب الأهواء والدنيا :
من أكثر ما يكون سببا للضلال والغواية اتباع الأشراف والكبراء الذين أقبلوا على الدنيا يجمعونها وأعرضوا عن كلام النصح والتوجيه الذي جاء به نوح عليه السلام وقال تعالى : ( واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ) وهذا ما أكده ابن كثير والسعدي والأشقر
-قد تكون النعم استدراجا وليس اكراما :
فقد اتبع الضعفاء رؤسائهم لما رأوا مما في أيديهم من النعيم والأولاد و الخير وهذا استدراجا من الله تعالى لا إكراما وهذا ما ظهر من كلام ابن كثير والسعدي
مسائل عقدية :
-علم الله تعالى محيط بكل شيء ولايعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض
-هداية التوفيق لله وحده
-اقبال العبد على الدنيا قد يكون سببا للاعراض عن الحق
-قد يكون البلاء بالفقر أو الغنى
- نعم الله قد تكون للاستدراج وليس للاكرام
مسائل سلوكية دعوية :
-شكوى العبد إلى ربه من باب الفقر لله لا من قبل التسخط
-على الداعي أن يتبع جميع الأساليب الدعوية لأن المدعويين يختلفون في طبائعهم ورغباتهم
-على الداعي أن يجتهد بالتبليغ والارشاد وهداية التوفيق لله وحده
-على الداعية أن يقصد الله تعالى في دعوته لا عرض الدنيا
تفسير قوله تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)
المسائل التفسيرية :
معنى ( كبارا) : قال ابن كثير رواية عن مجاهد : كبيرا ، وهذا قول ابن زيد ، والعرب تقول : أمر عجيب وعجاب ، وعجّاب ، ورجل حسان ، وحسّان ، وجمال وجمّال بالتخفيف والتشديد معنى واحد
ووافقه السعدي والأشقر
معنى ( ومكروا مكرا كبارا ) : قال ابن كثير : بتضليل الحق على أباعهم ومعاندتهم له وهذا كقوله تعالى : ( بل مكر الليل والنهار إذا تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ) وهذا ما ذهب إليه السعدي ، وقال الأشقر هو تحريشهم لقتل نوح – وهو داخل في الصد عن الحق والكيد لأصحابه-
المسائل العقدية :
-لايزال أعداء الحق يكيدون لدين الله وأتباعه وهذا مثال قوله تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )
المسائل السلوكية الدعوية :
-على الداعي أن يعلم أن أعداء الله لا يمكن أن يرضوا منه إلا ترك دعوته ـ، مهما كلفهم هذا ، فعليه أن يكون حذرا ثابتا متوكلا على ربه
تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) )
المسائل التفسيرية :
المقصود بـ ( ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر) :
قال ابن كثير : هذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها في الجاهلية : وبهذا قال السعدي والأشقر ، واستدل ابن كثير ك بما ذكره الطبري فقال : وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمّد بن قيسٍ {[يغوث] ويعوق ونسرًا} قال: كانوا قومًا صالحين بين آدم ونوحٍ، وكان لهم أتباعٌ يقتدون بهم، فلمّا ماتوا قال أصحابهم الّذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم. فصوّروهم، فلمّا ماتوا وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس فقال: إنّما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر، فعبدوهم.
قال البخاريّ: حدّثنا إبراهيم، حدّثنا هشامٌ، عن ابن جريجٍ، وقال عطاءٌ، عن ابن عبّاسٍ: صارت الأوثان الّتي كانت في قوم نوحٍ في العرب بعد: أمّا ود: فكانت لكلب بدومة الجندل؛ وأما سواعٌ: فكانت لهذيلٍ، وأمّا يغوث فكانت لمراد، ثمّ لبني غطيف بالجرف عند سبأٍ، أمّا يعوق: فكانت لهمدان، وأمّا نسرٌ: فكانت لحمير لآل ذي كلاع، وهي أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ، عليه السّلام، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسمّوها بأسمائهم. ففعلوا، فلم تعبد حتّى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت
وكذا روي عن عكرمة، والضّحّاك، وقتادة، وابن إسحاق، نحو هذا.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: هذه أصنامٌ كانت تعبد في زمن نوحٍ.
متعلق الفعل ( قالوا ) :
قال السعدي و الأشقر : قال الرؤساء للاتباع يغرونهم بمعصية نوح
معنى ( لا تذرن ءالهتكم )
هي دعوة للتعصب للكفر ولآلهتهم الباطلة التي اتخذوها من الحجر : وهذا ماقال السعدي والأشقر
المسائل العقدية :
-قد يدخل الشيطان على بني آدم بعدة طرق ويزين لهم الباطل ليكفروا بالله تعالى
-قد يكون التعصب للأباء سببا للغواية والثبات على الضلال
-مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وعدم متابعته قد يؤدي إلى البدع والشرك والعياذ بالله
-القومية ، القبلية ، .... وغيرها ما هي إلا مسميات لمرتكزات تدعو للشرك والفرقة فليحذر منها المسلم
تفسير قوله تعالى: (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) )
المسائل التفسيرية :
معنى قوله تعالى : وقد أضلوا كثيرا )
قال ابن كثير : أن الأصنام التي عبدوها أضلت خلقا كثيرا ، ولهذا قال الله تعالى حكاية على سيدنا ابراهيم عليه السلام: ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) ، وهو أحد قولي الأشقر .
وقال السعدي : الكبراء والرؤساء ضلوا كثيرا من الخلق ، وهو القول الثاني للأشقر
معنى قوله تعالى : ( ولا تزد الظالمين إلا ضلالا )
قال ابن كثير : هو دعاء منه عليه السلام كما دعى موسى على قوم فرعون كما كذبوه ، قال تعالى : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) وقد استجاب الله تعالى لأنبيائه . وبهذا قال السعدي والأشقر أن نوح عليه السلام دعا على قومه لأنهم لم يجعلوا من دعوته طريقا للفلاح ، فلم يبق محل لنجاحهم وفلاحهم بل ضلالا إلى ضلالهم وخسرانا
المسائل العقدية :
-يجوز الدعاء على الكفار إذا زاد طغيانهم وضلالهم على أنفسهم وعلى الآخرين
تفسير قوله تعالى: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)
القراءات :
قرئ ( مما خطاياهم ) وقرئ : ( مما خطيئاتهم )
المسائل التفسيرية :
معنى ( مما خطيئاتهم )
ذكر الله تعالى أن كثرة ذنوبهم وخطيئاتهم وتكذيبهم لنبيهم كان شؤما عليهم فحل بهم النكال وهذا ماقرره ابن كثير والسعدي والأشقر
معنى ( أغرقوا فأدخلوا نارا )
كان عذابهم دنيويا وهو الاغراق ، وآخرويا وهو دخول النار في الآخرة ، وهذا ما ذهب إليه ابن كثير والسعدي والأشقر ، وزاد الأشقر عذاب القبر
معنى ( فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا )
استشهد ابن كثير على معنى هذه الآية بقوله تعالى : ( قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) فلا مغيث لهم ولا معين في الدنيا ولا في الآخرة ، وهذا ما قرره السعدي والأشقر .
المسائل العقدية :
-للسيئة شؤم قد تلحق العبد في الدنيا قبل الآخرة
-لا دافع ولا مرد من أمر الله
-من يخذله الله تعالى فلا ناصر له ولا معين
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) )
المسائل التفسرية :
معنى ( ديارا )
قال ابن كثير : قال الضحاك : واحدا ، وقال السدي : الديّار : الذي يسكن الدار ، وقال السعدي : يدور على وجه الأرض
معنى : ( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )
قال ابن كثير : دعا نوح على قومه لما آيس منهم فاستجاب الله له وأهلكهم ، وهذا ما أقره السعدي والأشقر ، وزاد ابن كثير : حتى ولد نوح الذي من صلبه الذي اعتزل أبيه وقال :سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر اللّه إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين}
تفسير قوله تعالى: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)
المسائل التفسيرية :
معنى ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا)
قال ابن كثير : إن أبقيت أحدا منهم ففي هذا مفسدة لهم ولغيرهم ، فهم مضلين لغيرهم دعاة للشر ، وهم في ذاتهم لن يخرج منهم إلا الفاجر الكافر ، ووافقه السعدي والأشقر ، وزاد ابن كثير والسعدي فقال : كان قوله عليه السلام هذا لمعرفته بهم ومزاولته لأخلاقهم وخبرته بهم فقد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما
معنى ( فاجرا كفارا )
قال ابن كثير : فاجرا في الأعمال كافرا في القلب
وقال الأشقر : فاجرا بترك الطاعة وكافرا للنعمة وهي صيغة مبالغة
المسائل السلوكية :
-الانسان كثير الشر يكرهه الخلق ويدعو لهلاكه
-عادة ما يخرج من صلب المرء من هو على ملته وعلى أخلاقه
تفسير قوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
المسائل التفسيرية:
معنى ( بيتي )
قال ابن كثير : مسجدي حكاية عن الضحاك ، وقال أنه لا مانع من حمل الآية على ظاهرها أي المنزل ، وبهذا قال الأشقر في أحد قوليه ، وقال : سفينتي
وأكد ابن كثير معنى ( بيتي ) بما رواه عن الامام أحمد : قال الإمام أحمد:
حدّثنا أبو عبد الرّحمن، حدّثنا حيوة، أنبأنا سالم بن غيلان: أنّ الوليد بن قيسٍ التّجيبيّ أخبره: أنّه سمع أبا سعيدٍ الخدريّ -أو: عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ:-أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا تصحب إلّا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلّا تقيٌّ".
ورواه أبو داود والتّرمذيّ، من حديث عبد اللّه بن المبارك، عن حيوة بن شريحٍ، به ثمّ قال التّرمذيّ: إنّما نعرفه من هذا الوجه.
معنى ( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا)
قال السعدي : خص المذكورين لتأكد حقهم وتقديم برهم ثم عمم الدعاء
تخصيص (مؤمنا )
قال الأشقر : يخرج منه من ليس متصفا بهذه الصفة كامرأته وولده الذي قال : ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) وقال كان والديه مؤمنين
معنى ( للمؤمنين والمؤمنات )
قال ابن كثير : يشمل الأحياء منهم والأموات من الجنسين ووافقه السعدي والأشقر في التعميم
وزاد ابن كثير استحباب الاقتداء بسيدنا نوح عليه السلام في هذا الدعاء وما جاء من الأدعية المشروعة
معنى ( ولا تزد الظالمين إلا خسارا)
قال ابن كثير : قال السدي : إلا هلاكا ، وقال مجاهد : إلا خسارا في الدنيا والآخرة ، ووافقت هذه الأقوال ما ذكره السعدي والأشقر .
المسائل السلوكية :
-المسلم يقتدي بالأنبياء وهذا مثل قوله تعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)
-يحرص المسلم على الدعاء لجميع المسلمين ، فيوكل الله له ملك يقول له ( ولك مثله )