تفسير سورة الانفطار
1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ }
مقصد الآيات :
يصور الله تعالى بعض مشاهد قيام الساعة
قال العلامة السعدي – رحمه الله : أي: إذا انشقتِ السماءُ وانفطرتْ، وانتثرتْ نجومُهَا، وزالَ جمالُهَا، وفجرتِ البحارُ فصارتْ بحراً واحداً، وبعثرتِ القبورُ بأنْ أخرجتْ ما فيها من الأمواتِ، وحشرُوا للموقفِ بينَ يديِ اللهِ للجزاءِ على الأعمالِ.
فحينئذٍ ينكشفُ الغطاءُ، ويزولُ ما كانَ خفيّاً، وتعلمُ كلُّ نفسٍ ما معهَا منَ الأرباحِ والخسرانِ، هنالكَ يعضُّ الظالمُ على يديهِ إذا رأى أعمالهُ باطلةً، وميزانهُ قدْ خفَّ، والمظالمُ قدْ تداعتْ إليهِ، والسيئاتُ قدْ حضرتْ لديهِ، وأيقنَ بالشقاءِ الأبديِّ والعذابِ السرمديِّ.
ويفوزُ المتقونَ، المقدِّمونَ لصالحِ الأعمالِ بالفوزِ العظيمِ، والنعيمِ المقيمِ، والسلامةِ منْ عذابِ الجحيمِ
في فضل السورة : .
قال ابن كثير رحمه الله : عَنْ جَابِر قَالَ : قَامَ مُعَاذ فَصَلَّى الْعِشَاء الْآخِرَة فَطَوَّلَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَفَتَّان أَنْتَ يَا مُعَاذ ؟ أَيْنَ كُنْت عَنْ سَبِّحْ اِسْم رَبّك الْأَعْلَى وَالضُّحَى وَإِذَا السَّمَاء اِنْفَطَرَتْ ؟" وَأَصْل الْحَدِيث مُخَرَّج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَكِنْ ذُكِرَ " إِذَا السَّمَاء اِنْفَطَرَتْ " فِي أَفْرَاد النَّسَائِيّ
القراءات :
- (الذي خلقك فسواك فعدلك ) – فعدلك : بالتشديد والتخفيف ـ فمعنى التشديد ، قوّم خلقك ، ومعنى التخفيف : صرفك كيف شاء إلى ماشاء
-( يوم لاتملك نفس لنفس شيئا ) بالرفع والنصب : وبالرفع على أن يكون هو يوم لاتملك تفس لنفس ، وإن شئت كان بدلا من قوله ( يوم الدين ) في قوله : ( وما يوم الدين ) ، فأما النصب : فعلى تقدير : هذا واقع يوم لا تملك نفس ، فيكون خبر ابتداء مضمر متعلق بمحذوف وهو : واقع
وإن شئت كان مفتوحا في موضع الرفع ، لما جرى في الكلام ظرفا كقوله : ( ومنا دون ذلك )
المسائل التفسيرية :
السماء انفطرت : ك، ع ، ق
وانفطرتْ، وانتثرتْ نجومُهَا وتساقطت، وزالَ جمالُهَا، وزاد صاحب زبدة التفسير : انشقت لنزول الملائكة .
ك، ع ، ق(وإذا البحار فجرت ):
فصارتْ بحراً واحداً، وقال ابن كثير : اختلط مالحها بعذبها .
ك ، ع ، ق( وإذا القبور بعثرت ) :
وبعثرتِ القبورُ بأنْ أخرجتْ ما فيها من الأمواتِ، وحشرُوا للموقفِ بينَ يديِ اللهِ للجزاءِ على الأعمالِ ، وذكر ابن كثير عن السدي ، تحرك فيخرج ما فيها ..
فحينئذٍ ينكشفُ الغطاءُ، ويزولُ ما كانَ خفيّاً، وتعلمُ كلُّ نفسٍ ما معهَا منَ الأرباحِ والخسرانِ، وزاد صاحب زبدة التفسير : وعلمت ما لم تعمل منها .
وقال السعدي – رحمه الله - : هنالكَ يعضُّ الظالمُ على يديهِ إذا رأى أعمالهُ باطلةً، وميزانهُ قدْ خفَّ، والمظالمُ قدْ تداعتْ إليهِ، والسيئاتُ قدْ حضرتْ لديهِ، وأيقنَ بالشقاءِ الأبديِّ والعذابِ السرمديِّ.
و يفوزُ المتقونَ، المقدِّمونَ لصالحِ الأعمالِ بالفوزِ العظيمِ، والنعيمِ المقيمِ، والسلامةِ منْ عذابِ الجحيمِ
.
{ 6 - 12 } { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }
وقال ابن كثير : هذا تهديد ليس كما يدعيه البعض ارشادا للجواب حيث قال ( الكريم ) حتى يقول قائلهم : غره كرمه ، بل المعنى : ما غرك ياابن آدم بربك الكريم (العظيم ) حتى أقدمت على معصيته؟
وزاد الدكتور الأشقر : أيُّ شيءٍ سوَّلَ لك وجعلكَ تخالفُ أمرَ ربِّكَ الذي أوجدَكَ وربَّاك بِنعَمِه، ولم يعاجِلْكَ بعقوبته بكَرَمِه؟ سوَّل لك جهلُك، أو شيطانُك ؟!
فيقول تعالى معاتبا للإنسان المقصر في حق ربه، المتجرئ على مساخطه : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } أتهاونا منك في حقوقه؟ أم احتقارا منك لعذابه؟ أم عدم إيمان منك بجزائه؟
أليس هو { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ } في أحسن تقويم؟ { فَعَدَلَكَ } وركبك تركيبا قويما معتدلا، في أحسن الأشكال، وأجمل الهيئات، وجمعت فمنعت ، الذي أوجدَك من العدَم، فجعلَ خلقك سويَّاً قويماً لا خلَلَ فيه، وجعله متناسباً في الخلق يدان ورِجلان وعينان … إلخ، وكلٌّ في مكانه المناسبِ له.
فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن؟
إن هذا إلا من جهلك وظلمك وعنادك وغشمك، فاحمد الله أن لم يجعل صورتك صورة كلب أو حمار، أو نحوهما من الحيوانات؛ فلهذا قال تعالى: { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) : فبقدرته ولطفه وحلمه خلقك بأحسن تقويم .
}
ك ، ع ، ق[وقوله:] { كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ }
أي: مع هذا الوعظ والتذكير، لا تزالون مستمرين على التكذيب بالجزاء ، وقال ابن كثير رحمه الله : إنما حملكم على مواجهة الكريم بالمعاصي تكذيبكم بيوم الدين..
وأنتم لا بد أن تحاسبوا على ما عملتم، وقد أقام الله عليكم ( كراما كاتبين ) ملائكة كراما يكتبون أقوالكم وأفعالكم ويعلمون أفعالكم ، فلا تقابلوهم بالقبائح والمعاصي ، وقال السعدي رحمه الله :، ودخل في هذا أفعال القلوب، وأفعال الجوارح.
{ 13 - 19 } { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه / ك ، ع ، ق ِ }
المراد بالأبرار، القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، الملازمون للبر، في أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب والروح والبدن، في دار الدنيا [وفي دار] البرزخ و [في] دار القرار.
وَإِنَّ الْفُجَّارَ }الذين شقوا ستر الدين بالكفر ، الذين قصروا في حقوق الله وحقوق عباده، الذين فجرت قلوبهم ففجرت أعمالهم
{ لَفِي جَحِيمٍ } أي: عذاب أليم مقيم، في دار الدنيا و [دار] البرزخ وفي دار القرار.
{ يَصْلَوْنَهَا } ويعذبون أشد العذاب { يَوْمِ الدِّينِ } أي: يوم الجزاء على الأعمال.
، ولا يخفف عذابهم ، ولا يجابون إلى مايسألون من الموت أو الراحة ولو يوما واحدا وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ } أي: بل هم ملازمون لها، لا يخرجون منها.
{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ } ففي هذا تهويل لذلك اليوم الشديد الذي يحير الأذهان وتعظيم لشأنه وأكده بقوله ( ثم ما أدراك ما يوم الدين ) ثم فسره بقوله :.
يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا } ولو كانت لها قريبة أو حبيبةمصافية، فكل مشتغل بنفسه لا يطلب الفكاك لغيرها. { وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } فهو الذي يفصل بين العباد، ويأخذ للمظلوم حقه من ظالمه
وَالْأَمْر وَاَللَّه الْيَوْم لِلَّهِ وَلَكِنَّهُ لَا يُنَازِعهُ فِيهِ يَوْمئِذٍ أَحَد
المسائل العقدية :
-الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان
-جعل الله تعالى للساعة أشراط تتقدمها لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل حين خروجها
-من عظيم نعم الله تعالى على عبده أن سواه وأحسن صورته وهو سبحانه صاحب النعمة والفضل
-جعل الله تعالى على عباده ملائكة حافظين ، يحفظون عليهم أعمالهم ويحصوها
-جعل الله الجنة للأبرار ، والجحيم للفجار ولا يظلم ربك أحدا
-ملك الله تعالى في الدنيا والآخرة ولكن يوم القيامة لا ينازعه فيه أحد
-يوم القيامة لا تنفع نفس غيرها إلا بما كتب الله من شفاعة لمن يشاء ويرضى
-يطلع الله ملائكته بما في القلوب فيكتبوه
-النعيم يوم القيامة نعيم بدن وقلب
-أصحاب النار خالدين فيها لا يخرجون
المسائل اللغوية :
-( المركّب ) لغة : لما ركبه غيره ، وهو كقوله تعالى : ( في أي صورة ماشاء ركبك )
- لفظ ( الأبرار ) إذا أطلق دخل فيه كل تقي من السابقين والمقتصدين ، وإذا قرن بالمقربين كان أخص وهنا مثال الأول : ( إن الأبرار لفي نعيم ) ومثال الثاني : قوله تعالى : ( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ، وما أدراك ما عليون ، كتاب مرقوم ، يشهده المقربون )
الفوائد السلوكية :
-على المسلم أن يتذكر هذا اليوم دائما ويعمل لأجله فهو قادم لا محالة
-يجب على المسلم أن يتفكر في نعمة الله عليه ومنها خلقته السوية وفي أحسن صورة
-المسلم حري بأن يتذكر دائما الملائكة الحافظين ويعلم يقينا أن كل أعماله وكلامه وأفكاره محفوظة عليه فيتعظ
-على المسلم أن يتفكر في عظمة الله وكمال صفاته وأفعاله ومنها ذلك اليوم الآخر الذي يظهر في كمال ملكه وعظمته وعدله وحكمته