المثال الثاني: معنى الباء في قول الله تعالى: {بأيّكم المفتون}
وفي هذه الآية أقوال للمفسرين:
القول الأول: الباء بمعنى (في) أي ستعلمون في أيّ الفريقين المفتون: أفي فريق المسلمين أم في فريق الكافرين.
وهذا القول ذكره ابن جرير وأبو إسحاق الزجاج، ورجَّحه ابن عطية، وقال: (هذا قول حسن قليل التكلف، ولا نقول إن حرفا بمعنى حرف، بل نقول: إن هذا المعنى يتوصل إليه ب «في» وبالباء أيضا، وقرأ ابن عبلة «في أيكم المفتون»).
والقول الثاني: الباء زائدة، والتقدير: فستبصر ويبصرون أيّكم المفتون، وهذا قول أبي عبيدة والأخفش وابن قتيبة، وردّه أبو إسحاق الزجاج.
والقول الثالث: دخلت الباء للدلالة على تضمين معنى الإخبار أو العلم.
- قال ابن كثير: (إنما دخلت الباء في قوله: {بأيّيكم المفتون} لتدلّ على تضمين الفعل في قوله: {فستبصر ويبصرون} وتقديره: فستعلم ويعلمون، أو: فستخبر ويخبرون {بأيّكم المفتون}).
وهذا القول أراد به أصحابه أن الإبصار متضمّن لمعنى الإخبار أو العلم، والإخبار يعدّى بالباء؛ كما تقول: أخبرتك بكذا وكذا، وكذلك العلم يعدّى بالباء؛ كما تقول: علمت بكذا وكذا؛ فكأن المعنى على هذا القول: فستبصر وتخبر ويبصرون ويخبرون معترفين بأيّكم المفتون.
وأقرب منه أن يكون مضمّنا معنى اليقين لأن اليقين يتعدّى بالباء وهو ألصق بالتبصّر، فيكون تقدير المعنى بالتضمين على هذا الوجه: فستبصر وتتيقّن أنت في نفسك ويبصرون ويتيقنون بأيّكم المفتون.
والقول الرابع: أن الباء على أصلها والمفتون مصدر بمعنى الفُتُون، كالمعقول بمعنى العقل، ومنه قول كعب بن زهير:
نواحة رخوة الضبعين ليس لها .. لما نعى بكرها الناعون معقول
أي: ليس لها عقل.
وهذا القول قال بأصله الضحاك بن مزاحم، وروي عن ابن عباس، ثم قال به الفرّاء، ورجحه ابن جرير.
والله تعالى أعلم.