9/1364 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْهُ)؛ أيْ: عَنْ عَلِيٍّ، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
ذَهَبَ الأَكْثَرُ إلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالسَّلامِ. وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ؛ إذْ أَصْلُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ.
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الابْتِدَاءُ لَهُمْ بِالسَّلامِ، وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ جَوَازَ ذَلِكَ، لَكِنْ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ. وَبِهِ قَالَ عَلْقَمَةُ وَالأَوْزَاعِيُّ.
وَمَنْ قَالَ: لا يَجُوزُ، يَقُولُ: إنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ ظَنَّهُ مُسْلِماً، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: رُدَّ عَلَيَّ سَلامِي.
وَرُوِيَ عَن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنْ يُوحِشَهُ وَيُظْهِرَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ. وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. فَإِن ابْتَدَأَ الذِّمِّيُّ مُسْلِماً بِالسَّلامِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعاً: ((إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ)).
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْيَهُودُ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ)). وَإِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ حَذْفَ الْوَاوِ؛ لِئَلاَّ يَقْتَضِيَ التَّشْرِيكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ، وَمَا ثَبَتَ بِهِ النَّصُّ أَوْلَى بِالاتِّبَاعِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَرْفَ: وَعَلَيْكُمْ، بِالْوَاوِ، وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
قُلْتُ: وَحَيْثُ ثَبَتَت الرِّوَايَةُ بِالْوَاوِ وَغَيْرِهَا، فَالْوَجْهَانِ جَائِزَانِ. وَفِي قَوْلِهِ: ((فَقُولُوا: وَعَلَيْكَ)) مَا يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ الْجَوَابِ عَلَيْهِمْ فِي السَّلامِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ، وَيُرْوَى عَنْ آخَرِينَ، أَنَّهُ لا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ. وَالْحَدِيثُ يَدْفَعُ مَا قَالُوهُ. وَفِي قَوْلِهِ: ((فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ)) دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ رَدِّهِمْ عَنْ وَسَطِ الطُّرُقَاتِ إلَى أَضْيَقِهَا، وَتَقَدَّمَ فِيهِ الْكَلامُ.