7/1362 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لِيُسَلِّمِ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي)).
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيُسَلِّمِ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي)، بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ لَمْ يَقَعْ تَسْلِيمُ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَيُشْكِلُ جَعْلُ الْحَدِيثِ مِن الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ الأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إنَّهُ لِلنَّدَبِ، قَالَ: فَلَوْ تَرَكَ الْمَأْمُورُ بِالابْتِدَاءِ، فَبَدَأَ الآخَرُ، كَانَ الْمَأْمُورُ تَارِكاً لِلْمُسْتَحَبِّ، وَالآخَرُ فَاعِلاً لِلسُّنَّةِ.
قُلْتُ: وَالأَصْلُ فِي الأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَكَأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْهُ الاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْبُدَاءَةِ بِالسَّلامِ. وَالْحَدِيثُ فِيهِ شَرْعِيَّةُ ابْتِدَاءِ السَّلامِ مِن الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ عَن الْمُهَلَّبِ: وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلصَّغِيرِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْكَبِيرَ؛ لأَجْلِ حَقِّ الْكَبِيرِ، وَلأَنَّهُ أُمِرَ بِتَوْقِيرِهِ، وَالتَّوَاضُعِ لَهُ.
وَلَوْ تَعَارَضَ الصِّغَرُ الْمَعْنَوِيُّ وَالْحِسِّيُّ، كَأَنْ يَكُونُ الأَصْغَرُ أَعْلَمَ مَثَلاً، قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلاً، وَالَّذِي يَظْهَرُ اعْتِبَارُ السِّنِّ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ تَقْدِيمُ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ.
وَفِيهِ شَرْعِيَّةُ ابْتِدَاءِ الْمَارِّ بِالسَّلامِ لِلْقَاعِدِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: لأَنَّهُ قَدْ يَتَوَقَّعُ الْقَاعِدُ مِنْهُ الشَّرَّ، وَلا سِيَّمَا إذَا كَانَ رَاكِباً، فَإِذَا ابْتَدَأَهُ بِالسَّلامِ أَمِنَ مِنْهُ، وَأَنِسَ إلَيْهِ، أَوْ لأَنَّ في التَّصَرُّفِ فِي الْحَاجَاتِ امْتِهَاناً، فَصَارَ لِلْقَاعِدَةِ مَزِيَّةٌ، فَأَمَرَ الْمَارَّ بِالابْتِدَاءِ، أَوْ لأَنَّ الْقَاعِدَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَارِّينَ مَعَ كَثْرَتِهِمْ، فَسَقَطَت الْبُدَاءَةُ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ شَرْعِيَّةُ ابْتِدَاءِ الْقَلِيلِ بِالسَّلامِ عَلَى الْكَثِيرِ، وَذَلِكَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ لأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَلَو ابْتَدَؤُوا لَخِيفَ عَلَى الْوَاحِدِ الزَّهْوُ، فَاحْتِيطَ لَهُ. فَلَوْ مَرَّ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَى جَمْعٍ قَلِيلٍ، أَوْ مَرَّ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَاعْتَبَرَ النَّوَوِيُّ الْمُرُورَ، فَقَالَ: الْوَارِدُ يَبْدَأُ، سَوَاءً كَانَ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً.
وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ مَنْ مَشَى فِي الشَّوَارِعِ الْمَطْرُوقَةِ كَالسُّوقِ أَنَّهُ لا يُسَلِّمُ إلاَّ عَلَى الْبَعْضِ؛ لأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَ لَتَشَاغَلَ بِهِ عَن الْمُهِمِّ الَّذِي خَرَجَ لأَجْلِهِ، وَخَرَجَ بِهِ عَن الْعُرْفِ.
وَفِيهِ شَرْعِيَّةُ ابْتِدَاءِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي، وَذَلِكَ لأَنَّ لِلرَّاكِبِ مَزِيَّةً عَلَى الْمَاشِي، فَعُوِّضَ الْمَاشِي بِأَنْ يَبْدَأَهُ الرَّاكِبُ بِالسَّلامِ؛ احْتِيَاطاً عَلَى الرَّاكِبِ مِن الزَّهْوِ لَوْ حَازَ الْفَضِيلَتَيْنِ.
وَأَمَّا إذَا تَلاقَى رَاكِبَانِ أَوْ مَاشِيَانِ، فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا الْمَازِرِيُّ فَقَالَ: يَبْدَأُ الأَدْنَى مِنْهُمَا عَلَى الأَعْلَى قَدْراً فِي الدِّينِ؛ إجْلالاً لِفَضْلِهِ؛ لأَنَّ فَضِيلَةَ الدِّينِ مُرَغَّبٌ فِيهَا فِي الشَّرْعِ.
وَعَلَى هَذَا لَو الْتَقَى رَاكِبَانِ، وَمَرْكُوبُ أَحَدِهِمَا أَعْلَى فِي الْجِنْسِ مِنْ مَرْكُوبِ الآخَرِ؛ كَالْجَمَلِ وَالْفَرَسِ، فَيَبْدَأُ رَاكِبُ الْفَرَسِ، أَوْ يُكْتَفَى بِالنَّظَرِ إلَى أَعْلاهُمَا قَدْراً فِي الدِّينِ، فَيَبْدَأُ الَّذِي هُوَ فَوْقَهُ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ، كَمَا لا يُنْظَرُ إلَى مَنْ يَكُونُ أَعْلاهُمَا قَدْراً مِنْ وجهَةِ الدُّنْيَا، إلاَّ أَنْ يَكُونَ سُلْطَاناً يُخْشَى مِنْهُ.
وَإِذَا تَسَاوَى الْمُتَلاقِيَانِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِالابْتِدَاءِ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ، كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْمُتَهَاجِرَيْنِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: ((الْمَاشِيَانِ إِذَا اجْتَمَعَا، فَأَيُّهُمَا بَدَأَ بِالسَّلامِ فَهُوَ أَفْضَلُ)).
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَن الأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: لا يَسْبِقْكَ أَحَدٌ بِالسَّلامِ. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعاً: ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَ بِالسَّلامِ))، وَقَالَ: حَسَنٌ. وَأخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي حَدِيثٍ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَلْتَقِي، فَأَيُّنَا يَبْدَأُ بِالسَّلامِ؟ قَالَ: ((أَطْوَعُكُمْ لِلَّهِ تَعَالَى)).