المجموعة الثانية:
السؤال الأول: أجب عما يلي:
1: لم سميت الغاشية بهذا الاسم؟
ورد فيها قولان:
الأول: لأنها تغشى الناس وتعمهم, ذكره ابن كثير.
الثاني: لأنها تغشى الخلائق بشدائدها وأهوالها, فيجازون بأعمالهم, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر, ذكره السعدي والأشقر.
فهي تغشى جميع الناس بشدائدها وأهوالها, ثم يبدأ حسابهم.
2: ما معنى الاستفهام في قول الله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد}
الإستفهام في الاية استفهام تقريري, يراد به تذكير وتهديد من كفر وكذب, وتذكيره بمصير من فعل فعلته من الأمم التي سبقت, وكيف كان عقاب االله لهم, ويراد به كذلك, تثبيت الرسول عليه الصلاة والسلام, وتأكيد نصر الله له كما نصر من سبقه من الأنبياء عليهم وعلى رسولنا الصلاة والسلام.
3: ما المراد بقوله تعالى: {عاملة ناصبة}
ورد في المراد بالآية قولان:
الأول: أي: عملت عملا كثيرا ونصبت فيه, ذكره ابن كثير, واستشهد بما رواه أبوعمران الجوني:إن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه, مر بدير راهب، قال: فناداه، يا راهب، يا راهب. فأشرف، قال: فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت قول اللّه عز وجل في كتابه:"عاملة ناصبة تصلى نارا حامية",. فذاك الذي أبكاني, ذكره الحافظ ابوبكر البرقاني, وقريب منه قول ابن عباس, حيث قال:"عاملة ناصبة": النصارى, رواه البخاري, ذكره ابن كثير, وقال به السعدي ولم يرجحه, حيث قال:"ويحتمل أن المراد"وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة": في الدنيا لكونهم في الدنيا أهلَ عبادات وعمل، ولكنه لما عدمَ شرطه وهوَ الإيمان، صارَ يومَ القيامة هباء منثورا"،لكنه استدرك قائلا:" وهذا الاحتمال وإن كانَ صحيحا منْ حيث المعنى، فلا يدل عليه سياق الكلام، بل الصواب المقطوع به هو الاحتمال الأول ", وهو قول الأشقر.
الثاني: عاملة: في الدنيا بالمعاصي, "ناصبة": في النار بالعذاب والأغلال, قاله عكرمة والسدي, ذكره ابن كثير في تفسيره, وقال به السعدي ورجحه على القول الأول, وذكر ثلاثة أسباب لترجيحه هذا القول, وهي:
1-لأنه قيده بالظرف، وهو يوم القيامة.
2-ولأن المقصود هنا بيان وصف أهل النار عموما، وذلك الاحتمال جزء قليل من أهل النار بالنسبة إلى أهلها.
3- ولأن الكلام في بيان حال الناس عند غشيان الغاشية، فليس فيه تعرض لأحوالهم في الدنيا.
السؤال الثاني: بيّن المراد بما يلي [ مع ذكر الأقوال والترجيح في مسائل الخلاف]
1: معنى الاستثناء في قول الله تعالى: {سنقرؤك فلا تنسى إلا ما شاء الله}
ورد في المراد بالإستثناء هنا قولان متقاربان :
الأول: أي فلا تنسى شيئا إلا ما شاء الله أن تنساه, قاله قتادة, واختاره ابن جرير, ذكره ابن كثير في تفسيره, وقال به السعدي, وهو قول للأشقر.
الثاني: لا تنسى ما نقرئك إلا ما يشاء اللّه رفعه، فلا عليك أن تتركه, وهو مما نسخت تلاوته, ذكره ابن كثير والأشقر.
والقول الأول أعم, وهو متضمن للقول الثاني, فيدخل فيه ما نسخت تلاوته مما شاء الله أن ينسخه, كذلك ما شاء الله أن ينساه الرسول عليه الصلاة والسلام, كونه من البشر, لكن يكون النسيان عارضا وبعد القيام ببلاغه للناس.
2: الضريع.
ورد في المراد ب"الضريع", عدة اقوال متقاربة:
الأول: الشبرق, قاله ابن عباس ومجاهد, وعكرمة وأبو الجوزاء وقتادة, وقال قتادة مستدلا على قوله: قريش تسميه في الربيع الشبرق، وفي الصيف الضريع, ذكره ابن كثير, وقال به الأشقر.
الثاني: الزفوم, قاله سعيد بن جبير, ذكره ابن كثير.
الثالث: الحجارة, وهو قول ثان لسعيد ابن الجبير, ذكره ابن كثير.
الرابع: شجرة ذات شوك، لاطئة بالأرض, قاله عكرمة, ذكره ابن كثير.
الخامس:من شر الطعام وأبشعه وأخبثه, وهو قول ثان لقتادة, رواه سعيد, ذكره ابن كثير.
السادس: شجر من نار, قاله علي بن أبي طلحة, ذكره ابن كثير.
والله أعلم الأقوال متفاربة لا تعارض بينها, وقول قتادة: "من شر الطعام وأبشعه وأخبثه", عام يتضمن جميع هذه الأقوال, فالزقزم ورد إنه من طعام أهل النار, ومن شر الطعام وأبشعه وأخبثه, كذلك الشيرق والشجرة ذات الشوك تعد من شر الطعام وأبشعه.
3: {وليال عشر}
ورد في المراد من "وليال عشر" ثلاثة أقوال متباينة:
الأول: عشر ذي الحجة، جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام:"إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر)), رواه جابر عنه, رواه الإمام أحمد, ذكره ابن كثير في تفسيره وعلق عليه قائلا:
عندي أن المتن في رفعه نكارة, وهو أيضا قول ابن عباس وابن الزبير ومجاهد, ذكره ابن كثير وقال: وهو قول غير واحد من السلف والخلف, واستشهد بما ورد في البخاري من حديث ابن عباس مرفوعا:"ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام, أي: عشر ذي الحجة, قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:"ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء", وهو قول السعدي واستدل بأن هذه الليال يقع فيهَا كثير من أفعال الحج والعمرة، وهي أمور معظمة، تستحق أن يقسم الله بها, وهو أيضا قول الأشقر.
الثاني: العشر الأول من رمضان, وهو قول ثان لابن عباس, رواه عنه ابن ابي ظبيان عنه, رواه أبو كدينة, ذكره ابن كثير, وهو قول ثان للسعدي, واستدل بكونها ايام تحوي ليال فاضلة, يقع فيها من القربات والعبادات مالا يقع في غيرها, ففيها ليلة القدر التي هي خير من الف شهر, وفيها صيام آخر رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام.
الثالث: العشر الأول من المحرم, ذكره أبو جعفر بن جرير، وذكر ابن كثير بأن ابن جرير لم يعزه إلى أحد.
ورجح ابن كثير القول الأول, مستدلا بالحديث, ولقول الكثير من علماء السلف به.
4: الأوتاد
ورد في المراد ب"الأوتاد" ثلاثة اقوال متباينة:
الأول: نفس الأوتاد, قال به أبو رافع, وقال:قيل لفرعون"ذي الأوتاد"لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد، ثمّ جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت", وهو قول مجاهد, وسعيد بن جبير, وقول الحسن وقال به السدي, وقتادة, وذكر أن قرعون كانت له مطال وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد وحبال.
الثاني: الجنود الذين يشدون له أمره, قاله ابن العباس, رواه عنه ابن العوفي, ذكره ابن كثير, وقال به السعدي, والأشقر.
الثالث: الأهرام التي بناها الفراعنة لتكون قبور لهم, قاله الأشقر.
ممكن حمل الاية على هذه المعاني مع تباينها, فجميعها تدل على شدة وقوة ملك فرعون, وبطشه وطغيانه وإفساده في الأرض, كما ذكرت الآيات التي تليها, وإذا كان يمكن حمل الآية على جميع الأقوال, وكان ظاهرها يحتملها, فتحمل عليها, والله أعلم.
السؤال الثالث: فسّر باختصار الآيات التاليات:
1: قول الله تعالى: {فذكر إنما أنت مذكر . لست عليهم بمسيطر . إلا من تولى وكفر . فيعذبه الله العذاب الأكبر}
"فذكر إنما أنت مذكر": بعد ان نبه الله تعالى الناس إلى النظر إلى آياته الكونية, من إبل وسماوات وجبال وأرض, أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام, بتبليغهم آياته الشرعية, فيذكرهم بها, ويعظهم ويرشدهم ويبشرهم وينذرهم, ويدلهم على الحق الذي لا بد لأصحاب العقول والفطر السليمة من الإذعان له, وأخبر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام, إن التذكير والدلالة والإرشاد هو ما بعث لأجله,كما قال تعالى:"إنما عليك البلاغ", وتأكيدا على إن مهمته عليه الصلاة والسلام, هي البلاغ, قال تعالى:
"لست عليهم بمسيطر": أي لست عليهم بجبار لتكرههم على ترك الكفر والدخول في الإيمان, ولست موكلا بأعمالهم, لكن إن قمت بما وكلت به من الموعظة والبلاغ, فلا لوم عليك بعد ذلك, وقد قال عليه الصلاة والسلام:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا"لا إله إلا الله, فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها, وحسابهم على الله عز وجل", ثم قرأ:"فذكر إنما انت مذكر لست عليهم بمسيطر".
"إلا من تولى وكفر": لكن من يعرض عن الوعظ والتذكير وطاعة الله , ويصر على الكفر والتكذيب, فقد توعده الله تعالى بقوله:
"فيعذبه الله العذاب الأكبر": فله من الله ما يستحقه من عذاب جهنم الشديد الدائم, خالدا مخلدا فيه, كما قال تعالى:"سنصليه سقر", وعندها يتمنى المكذبون قائلين:"يا ليتنا أطعنا الله واطعنا الرسولا".
2: قول الله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) }
يرشد الله سبحانه وتعالى الناس إلى النظر في آياته الكونية, والتفكر بها, فيقول سبحانه:"أفلا ينظرون غلى الإبل كيف خلقت": أي أفلا يرون ويتفكرون في خلق هذه المخلوقات العظيمة والتي يدل عظم خلقها على عظم خالقها, وأرشدهم إلى النظر إلى الإبل لأنها كانت موجودة بكثرة من حولهم, ويستخدمونها في مجالات شتى في حياتهم, فمنها الطعام والشراب واللباس والمركب, وهي المال النفيس, وقد امتن الله تعالى على خلقه بخلق الإنعام لهم, فقال:"لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون",كما إنها أكبر ما يشاهدونه حولهم من مخلوقات, ومع ذلك فهي تنقاد للكبير والصغير, والقوي والضعيف, وتلين للحمل الثقيل, وتتحمل طول العطش والحر والمسير, فسبحان من خلقها فسواها, ثم أرشدهم إلى النظر فوقهم فقال:
"وإلى السماء كيف رفعت": أي كيف رفع الله السماء عن الأرض بدون عمد, بهذه الهيئة العظيمة الكاملة, الخالية من اي عيوب,والتي تحار العقول في ادراكها, وقد قال تعالى:"الذي خلق سبع سماوت طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت", وقال:"الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها", وبعد أن ارشدهم إلى النظر للسماء, نبههم على عظمة خلق الجبال التي أمامهم, فقال:
"وإلى الجبال كيف نصبت": فالجبال رفعت على الأرض, قائمة, ثابتة, كأنها الأوتاد:"والجبال أوتادا", فجعلت الأرض مستقرة, ثابتة, لا تحيد ولا تميل بأهليها, ولا تزول, ليصلح العيش عليها, وأودع الله في الجبال ما اودع من منافع ومعادن للناس, فهي "رواسي شامخات", وبعد هذا التدرج في النظر, أرشدهم سبحانه إلى النظر في خلق الأرض التي يعيشون عليها, فقال:
"وإلى الأرض كيف سطحت":أي فلينظروا إلى الأرض كيف بسطت ومدت مدا واسعا, وأعدت وهيئت ليعيش الناس عليها براحة واستقرار, ويسهل حرثها, والبنيان عليها, وشق الطرق فيها, والسير عليها, كما قال تعالى:"ألم نجعل الأرض مهادا", ونبه السعدي رحمه الله تعالى, إن تسطيح الأرض لا ينافي كرويتها, فإنما يكون هذا في الأجسام الصغيرة, أما ما كان بحجم الأرض من الأجسام الكبيرة الضخمة, فلا منافاة بين كونها كروية وكونها مسطحة, وهذا يعلمه أصحاب العلم والخبرة.
السؤال الرابع: استخرج الفوائد السلوكية من الآيات التاليات:
1: قول الله تعالى: {إن إلينا إيابهم . ثم إن علينا حسابهم}
- كثرة ذكر هادم اللذات, فهو مما يعين على الزهد في الدنيا.
- الهمة في العمل للآخرة, فهي الحيوان.
- التواضع وعدم التكبر لأن الجميع عبيد لله, يتصرف بهم كيف يشاء سبحانه.
- التفكر مليا قبل الكلام أو العمل, فجميعه مكتوب ومحاسب عليه.
- الإسراع في التوبة والإستغفار, فالحياة قصيرة, لا ندري متى تنتهي.
- الدعاء للأموات وطلب الرحمة والمغفرة لهم, واهدائهم ثواب بعض الأعمال, لعل ذلك ينفعهم,
- على الداعي البلاغ, بدون محاسبة للناس أو رصد أعمالهم, لأن الله عز وجل هو المتكفل بهذا.
2: قول الله تعالى: {إن ربك لبالمرصاد}
- استشعار عظمة الله عز وجل وقدرته, وكمال علمه وقدرته على خلقه.
- الحياء من الله في الخلوات وغيرها, واستشعار مراقبته لعباده سبحانه.
- التواضع اللازم لطالب العلم والعالم, ومعرفة إنه مهما بلغ من العلم فلن يكون إلا قليلا.
- السعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتذكير الخلق بممراقبة الله لهم.
- اتقاء دعوة المظلوم.
- الصبر على ما يصيبنا من الأذى, وعدم السعي في الإنتقام, لثقتنا بنصرة الله للمظلوم.
- اليقين التام من نصر الله للمؤمنين, وأخذه للظالم أخذا شديدا.