(1) والرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ إلى جميعِ النَّاسِ إلى الجنِّ والإنسِ:
-كما قالَ تعالى: {قُلْ يَأَيُّها النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
-وقالَ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.
فهوَ خاتمُ الأنبياءِ ليسَ بعدَهُ نَبِيٌّ
، وهكذا الرُّسُلُ جميعًا أُرْسِلُوا إلى أُمَمِهِم مُبَشِّرينَ ومُنْذِرِينَ، مِنْ أولِهِم إلى آخرِهِم.
فأولُهُم نوحٌ بعثهُ لَمَّا وَقَعَ الشركُ فِي قومِهِ، وقبلَهُ آدمُ فإنَّه نبيٌّ رسولٌ مكلَّفٌ، أرسلَهُ اللَّهُ إلى ذريتِهِ؛ ليَعْبُدُوا اللَّهَ بالشريعةِ التي جاءَ بها أبوهُم آدمُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، واسْتَمَرُّوا عَلَى الإسلامِ والاستقامةِ، حَتَّى وقعَ الشركُ في قومِ نوحٍ، فلمَّا وقعَ الشركُ في قومِ نوحٍ، أرسلَ اللَّهُ إليهِم نوحًا عليهِ الصلاةُ والسلامُ، وهوَ أولُ الرسلِ إلى أهلِ الأرضِ بعدَ وقوعِ الشركِ.
وكلُّ أمةٍ بَعَثَ اللَّهُ إليهِم رسولاً، فعادٌ أرسلَ اللَّهُ إليهِم هودًا، ثمَّ أرسلَ اللَّهُ صالحًا إلى قومِهِ ثمودَ، ثمَّ أرسلَ إبراهيمَ ولوطًا وشعيبًا في زمانٍ متقاربٍ، ثُمَّ جاءتِ الرُّسُلُ بعدَ ذلكَ تَتْرَى، ففيهِم مُوسَى وهارونُ وعيسى وأيوبُ وداودُ وسليمانُ، ثمَّ خُتِموا بمحمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ.
(2) ثمَّ خُـتِموا بمحمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، وهوَ خاتمُهُم وآخرُهُم وأفضلُهُم عليهِ الصلاةُ والسلامُ قالَ اللَّه جلَّ وعلا: {رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.
فقولُهُ (مبشرينَ) يعني: يبشرونَ منْ أطاعَهُم بالجنةِ، و(مُنْذِرينَ) يعني: يُنْذِرُونَ النَّاسَ مِنَ الشركِ باللَّهِ، ومِن النَّارِ والعذابِ الأليمِ، إذا خَالَفُوا أمْرَ اللَّهِ.
وهكذا مُحَمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أرسلَهُ اللَّهُ بشيرًا ونذيرًا، كما قالَ تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} وقالَ تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَبِييِّنَ}.
فالواجبُ على جميعِ الأممِ اتِّبَاعُ رسلِهِم،فكلُّ أمةٍ يَجِبُ علَيها أنْ تَتَّبِعَ رسولَها، وتَنْقَادَ لِمَا جاءَ بِهِ منَ الهُدَى، وقدْ وعَدَها اللَّهُ على ذلكَ السعادةَ في الدنيا والآخرةِ.
وأكثرُ الخلقِ قدْ عصَوْا رسلَهُم وخالفوا ما جاءَتْ بِهِ الرسلُ:
-قالَ تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}.
-وقالَ تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}.
-وقالَ تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}.
- وقالَ تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ المُؤْمِنِينَ}.
(3) وكلُّ رسولٍ يَدْعُو أمَّتَهُ إلى توحيدِ اللَّهِ وطاعتهِ، وتركِ الشركِ بِهِ ومعصيتهِ، قالَ تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، {اعْبُدُوا اللَّهَ} يعني: أَطِيعُوهُ ووحِّدُوهُ واسْتَقِيمُوا على دينِهِ، واجْتَنِبُوا الطَّاغوتَ.
(4) والطاغوتُ: هوَ كلُّ ما عُبِدَ منْ دونِ اللَّهِ وهوَ راضٍ، وكلُّ مَنْ حَكَمَ بغيرِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ أوْ دَعَا إلى ذلكَ.
والطَّاغُوتُ:هوَ الذي يَتَجاوزُ الحدَّ إمَّا بشِرْكِهِ وكُفْرِهِ، وإمَّا بِدَعْوتِهِ إلى ذلكَ.
وشرُّهُم ورأسُهُم إبليسُ لعنهُ اللَّهُ، وهكذا كلُّ مَنْ دَعَا إلى عِبَادةِ نفسهِ، أوْ رضِيَ أنْ يُعْبَدَ مِنْ دونِ اللَّهِ، كفرعونَ والنُّمْرُودِ، أو ادَّعى شيئًا منْ علمِ الغيبِ، كالكَهَنةِ والعَرَّافينَ والسَّحَرَةِ في الجاهليةِ وفي الإسلامِ.
وكذلكَ منْ حكمَ بغيرِ ما أنزلَ اللَّهُ متعمدًا، فهؤلاءِ رؤوسُ الطواغيتِ.
وكلُّ منْ جاوزَ الحدَّ، وخَرَجَ عنْ طَاعَةِ اللَّهِ،يُسَمَّى طاغُوتًا، قالَ تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِن الغَيِّ}.
فالرشدُ:الإسلامُ وما جاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
والغيُّ:الكفرُ باللَّهِ والضَّلاَلُ، قالَ تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ اْنفِصَامَ لَهاَ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فـ{يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} يعني: يَتَبَرَّأُ منه ويَعْتَقِدُ بُطْلاَنَه فيَتَبَرَّأُ مِن الشركِ.
{وَيُؤْمِن بِاللَّهِ} يعني: يُصَدِّقْ أنَّ اللَّهَ معبودُهُ، وإلَهُهُ الحقُّ، ويؤمنْ بالشريعةِ وبمحمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، ينقادُ لذلكَ. هذا هوَ المؤمنُ.
ثمَّ قالَ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ} يعني: اسْتَعْصَمَ: {بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى} وهيَ (لا إِلهَ إلاَّ اللَّهُ) كلمةُ التوحيدِ يعني: فقد استمسكَ بالعروةِ التي لا انقطاعَ لها، بلْ مَن اسْتَمْسَكَ بِهَا صادقًا، واستقامَ عليها، وَصَلَ إلى الجنةِ والكرامةِ؛ لأنَّ لها حقوقًا، وهيَ توحيدُ اللَّهِ، وطاعتُهُ واتباعُ شريعتهِ.
ومحمدٌصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوَ خاتمُ الأنبياءِ والمرسلينَ، وهوَ رسولُ اللَّهِ إلى جميعِ أهلِ الأرضِ، منَ الجنِّ والإنسِ.
فيجبُ على جميعِ المكلَّفينَ طاعتُهُ واتباعُ شريعتهِ، ولا يجوزُ لأحدٍ الخروجُ عنها.
وجميعُ الشرائعِ الماضيةِ، كلُّها نُسِخَتْ بشريعتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ:
- كما قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {قُلْ يَأَيُّها النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} الآية، وقالَ قبلهَا سبحانَهُ: {فَالذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّـبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}.
-وقالَ سبحانَهُ: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}.
-وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فِي الحديثِ الصحيحِ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِن بِالّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ)) أخرجَهُ مسلمٌ فِي صحيحِهِ.
والآياتُ والأحاديثُ فِي ذلكَ كثيرةٌ.
وقدْ أجمعَ أهلُ العلمِ رحمَهُم اللَّهُ على أنَّهُ لا يَسَعُ أحدًا منْ هذهِ الأمةِ الخروجُ على شريعةِ محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ مَن اعْتَقَدَ ذلكَ فهوَ كافرٌ كُفْرًا أكبرَ مُخْرِجًا مِن الملةِ.
نسألُ اللَّهَ العافيةَ والسلامةَ.