ثانيا: دية المنافع
وأما المنافع؛ فالمراد بها منافع تلك الأعضاء المذكورة؛ كالسمع، والبصر، والشم، والكلام، والمشي؛ فكل عضو له منفعة خاصة.
ومن ذلك الحواس الأربع، وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق؛ ففي كل حاسة منها إذا ذهبت بسبب الجناية دية كاملة.
قال ابن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أن في السمع الدية".
وقال الموفق: "لا خلاف في وجوب الدية بذهاب السمع".
وفي كتاب عمرو بن حزم: "وفي المشام الدية".
ولقضاء عمر رضي الله عنه في رجل ضرب رجلاً فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات والرجل حي، ولا يعرف له مخالف من الصحابة.
وتجب الدية كاملة في إذهاب كل من الكلام والعقل والمشي والأكل والنكاح وعدم استمساك البول والغائط؛ لأن في كل واحدة من هذه منفعة كبيرة، ليس في البدن مثلها.
ويجب في كل واحد من الشعور الأربعة الدية كاملة، وهي شعر الرأس وشعر اللحية وشعر الحاجبين وأهداب العينين، وفي الحاجب الواحد نصف الدية، وفي الهدب الواجب ربع الدية؛ لأن الدية تتوزع عليها بعددها.
ومن هنا نعلم ما للحية في الإسلام من احترام وقيمة، حيث أوجب في إتلافها دية كاملة، وذلك لعظيم منفعتها وجمالها ووقارها، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتوفيرها وإكرامها، ونهى عن حلقها وقصها والتعدي عليها؛ فتبا لقوم حاربوها واعتدوا عليها بحلقها وإزالتها من وجوههم تشبها بالنساء
وتشبها بالكفار والمنافقين وتحولاً من الرجولة والشهامة إلى الميوعة... وهكذا.
يُقضى على المرء في أيام محنته = حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
فيجب على هؤلاء أن يراجعوا رشدهم، ويحكموا عقولهم، ويطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم ويوفروا لحاهم التي خلقها الله جمالاً لهم وعلامة على رجولتهم.
[الملخص الفقهي: 2/502-504]