المجموعة الرابعة :
س1: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الرضاعة تُحرم ما تحرم الولادة " ؟
هذا مثل قوله عليه الصلاة والسلام:"يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب", والمعنى: إذا أرضعت امرأة طفلا, ذكرا كان أو أنثى, وانطبقت عليه شروط الرضاعة المعتبرة شرعا, حرم عليه من جهة أمه من الرضاعة بمثل ما يحرم عليه من جهة أمه في النسب.
فلا يحل له نكاح أمه في الرضاعة ولا أمهاتها وإن علون, لأنهن يصبحن جداته من الرضاعة, , ولا بناتها وإن سفلن, لأنهن يصبحن أخواته من الرضاعة, ولا أخواتها لأنهن خالاته من الرضاعة, ويصبح زوج أمه من الرضاعة(صاحب اللبن) والده من الرضاعة, فيحرم عليه نكاح أمهاته وإن علون,ونكاح بناته وإن سفلن, ولو كن من امرأة أخرى غير أمه في الرضاعة, ويحرم عليه نكاح زوجاته, ويحرم عليه أخوات والده من الرضاعة لأنهن يصبحن عماته من الرضاعة, وهكذا, كما في تحريم النسب تماما.
كذلك في الجمع بالنسبة للرجل, فلا يجمع بين الأختين ولو من الرضاعة, أو بين المرأة وخالتها أو عمتها, كما دلت على ذلك السنة.
كذلك ما كان بسبب النسب المضاف إليه المصاهرة, كتحريم زوجة الابن من الرضاعة, وأم الزوجة من الرضاعة, وبنات الزوجة من الرضاعة, إن كان دخل بها, وهذا يشترك فيه الرجال والنساء, فيحرم على المرأة زوج ابنتها, وابن زوجها...وعلى هذا فقس.
س2: ما معنى قول الصحابة : " ويستصبح بها الناس " ؟ وهل يجوز بيع شحوم الميتة لهذا الغرض ؟
قولهم:"ويستصبح به الناس", أي: يستعملون دهن الميتة في عمل وقود لإشعال المصابيح به.
وقد أجابهم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله:"لا, هو حرام", وقد اختلف الفقهاء في معنى:"هو حرام" على أقوال:
الأول: حمل اللفظ على ظاهره فقالوا: أراد عليه الصلاة والسلام, الانتفاع المسئول عنه وهو: الانتفاع بشحوم الميتة, فقال: هو حرام, اي: الانتفاع, فيكون هذا تأكيدا لتحريم البيع, حيث حرم معه الانتفاع, وهو قول مالك والشافعي, وأبي حنيفة, وحكى ابن عبدالبر فيه اجماعا عن غير عطاء.
الثاني: قال أصحاب هذا القول إن المراد هو تحريم البيع لا الانتفاع, ولو كان قد ينتفع بها على الوجوه المذكورة, لكن المقصود الأكبر منها هو أكلها, لذلك يحرم البيع لهذا السبب,
ورخص في الانتفاع عطاء, وأجازه الإمام أحمد, واشترط عدم مسه بيده, وأجازه إسحاق للحاجة, فإن وجد بديلا عنه;تركه, أما من أجاز البيع من اصحاب أحمد قياسا على جواز الانتفاع, فقوله ضعيف لا يصح, ومخالف لما نص عليه الإمام أحمد بالتفرقة بين البيع والانتفاع.
هذا في أدهان الميتة, أما الأدهان الطاهرة إذا تنجست, فاختلف فيها ايضا, فهناك خلاف في مذهب الشافعي, وفيه روايتان عن أحمد, والأكثرون على عدم جواز بيعها, وأجاز الإمام أحمد بيعها لكافر عالم بنجاستها, وهذا القول مروي عن أبي موسى الأشعري.
س3: بيّن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاقتصاد في الطعام ؟
كان عليه الصلاة والسلامو من أزهد الناس في الدنيا, ويدخل فيها هديه عليه الصلاة والسلام في الطعام, فقد كان هو وأصحابه يجوعون كثيرا, ويتقللون من أكل الطعام, وهذا ما اختاره الله سبحانه وتعالى لرسوله, وإن كان سبب من أسبابه قلة وجود الطعام من الأصل.
وهديه عليه الصلاة والسلام, في الاقتصاد في الطعام يبدو واضحا مما أوصى به أمته في هذا المجال, وكان هو أول الممتثلين له, عليه الصلاة والسلام, كما قالت عائشة رضي الله عنها:"ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم, منذ قدم المدينة من خبز بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض".
وقال عمر رضي الله عنه:"لقد رايت الرسول صلى الله عليه وسلم, يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ به بطنه".
فندب عليه الصلاة والسلام, أمته إلى الاقتصاد والتقلل من الأكل, فقال:"حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه", فبين عليه الصلاة والسلام, أن الغرض من الطعام هو التقوي على الأعمال والطاعات, وإن كان لا حرج على الإنسان أن يأكل مما يشتهي ويشبع منه, لكن لا يكون هذا ديدنه الغالب على عادات طعامه.
لذلك قال عليه الصلاة والسلام, عن المؤمن:"المؤمن يأكل في معي واحد, والكافر يأكل في سبعة امعاء", والمعنى: أن المؤمن يراعي الاداب الشرعية في طعامه فيأكل في معي واحد, لذلك لا يحتاج إلى الكثير من الطعام ليشبع, بعكس الكافر الذي يأكل بمقتضى الشهوة والنهم والشره, فلا يشبع مهما أكل, فكأنه يأكل في سبعة أمعاء.
كما ندب عليه الصلاة والسلام, أمته إلى أن يشارك المسلم طعامه مع غيره, وهذا يتضمن الدعوة إلى تقليل ما يأكله الشخص الواحد, فقال:طعام الواحد يكفي الاثنين, وطعام الاثنين يكفي الثلاثة, وطعام الثلاثة يكفي الأربعة".
وكما أخبرهم في الحديث الذي بين فيه إن شر وعاء يُملئ هو المعدة, فوصاهم بقوله:"فإن كان لا بد, فاجعلوا ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للريح", حتى لا يقع المسلم في الكسل الخمول, فتثقل عليه العبادات, ويقسو قلبه فيسهل دخول الشيطان إليه.
وقد ذم عليه الصلاة والسلام اتباع شهوة البطن, فقال:"خير القرون قرني.......إلى قوله في وصف من يأتي بعد القرون الفضلى:"ويظهر فيهم السمن".
وقال:شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم يأكلون ألوان الطعام....الحديث", وهو في مسند البزار عن فاطمة رضي الله عنها, وفي إسناده مقال.
س4: ما حكم نقض العهد ؟
أمر الله سبحانه وتعالى بالوفاء بالعهد فقال:"وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا", وقال عليه الصلاة والسلام:"لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به", رواه الشيخان,لذلك حرم الغدر في كل عهد بين المسلم وغيره, ولو كان المعاهد كافرا, فقد أمر الله تعالى بالوفاء بعهود الكفار إن لم يظهر منه غدر أو نقض لها, وكانوا على شروطها, لذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري:"من قتل نفسا معاهدا بغير حقها لم يرح رائحة الجنة...الحديث", والأمر بالوفاء بعهود المسلمين بعضهم مع بعض أشد وآكد, ويكون نقضها أعظم إثما, ومن أعظم هذه العهود: نقض عهد الإمام لمن أعطاه البيعة, فقد قال عليه الصلاة والسلام:"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم, منهم:"رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا, فإن أعطاه ما يريد, وفى له, وإلا لم يف له", رواه الشيخان.
ووجوب الوفاء بالعهد يدخل في جميع العقود والمعاهدات, من عقود البيع والنكاح وغيرها, وقد قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود", ومن باب أولى العهود التي بين العبد وربه كالنذر مثلا.
س5: كيف يتوكل المسلم على الله حق التوكل ؟
التوكل على الله عبادة قلبية عظيمة تجمع الكثير من العبادات, وحقيقته: تفويض الأمر إلى الله, والإلتجاء إليه, ومعرفة أن جميع الأمور بيده سبحانه, وأن له الملك التام والقدرة التامة على جميع خلقه, فيركن القلب ويسكن إلى ربه, وهذا من الأمور العظيمة التي لا يقدر عليها إلا من كان قويا في إيمانه, يملك يقينا تاما لا تشوبه شائبة.
لذلك كان الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل مطلقا, بل هو مأمور به شرعا, بل تركه يعد قدحا في حكمة الله سبحانه وتعالى, لأنه سبحانه هو خالق الأسباب والمسببات, وهو الذي ربط السبب بالمسبب, وهو الذي أمرنا بالأخذ بها, كما في قوله عليه الصلاة والسلام:"تداوا عباد الله", لذلك نزل قوله تعالى:"وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" في أهل اليمن, حيث كانوا يحجون ولا يتزودون, ويقولون:نحن متوكلون, فيأتون مكة فيسألون الناس, كما روى ذلك ابن عباس.
فالمتوكل على الله حق توكله علم أن الله كافيه ورازقه, فيصدق هذا ويعمل على اساسه, ويحقق الاعتماد عليه فيما ضمنه من الرزق من غير أن يخرج التوكل مخرج الأسباب في استجلاب الرزق به, والرزق قد قسمه الله للجميع, المؤمن والكافر, بل وحتى الدواب على اختلاف أصنافها, بما فيها العاجز منها, قال تعالى:"وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها", وأن ما كتبه الله عليه ماض فيه, فيأخذ بما امر الله به من اسباب شرعية أو كونية, على مراد الله, فهذا صدق وعد الله وأطاع أمره, وهذا حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, وحال نبينا عليه الصلاة والسلام, فلم يترك الأخذ بالأسباب, ولا الصحابة فعلوا ذلك, ولنا فيه أسوة حسنة, وهو أحق بالاتباع من غيره, لذلك قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في صحيحه:"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كل خير, احرص على ما ينفعك واستعن بالله...الحديث", وقال:"اليد العليا خير من اليد السفلى"رواه مسلم.
لذلك كانت أبرز صفة فيمن يدخل الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب, كمال التوكل على الله, واليقين بم عنده, والعمل بحسب هذا اليقين, مع اليأس من الناس, وفيما أيديهم, مع ترك سؤالهم.