1251- وعن النواس بن سمعان- رضي الله عنه – قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: ((البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)) أخرجه مسلم.
* مفردات الحديث:
-البر: بكسر الباء، التوسع في فعل الخير؛ فهو اسم جامع للخيرات؛ من اكتساب الحسنات، واجتناب السيئات، والعمل الخالص الدائم المستمر.
-حسن الخلق: قال ابن دقيق العيد: الإنصاف في المعاملة، والرفق في المجادلة، والعدل في الأحكام، والبذل والإحسان، وغير ذلك من صفات المؤمنين.
-الإثم: هو المعاصي والذنوب بحق الله، أو بحق خلقه؛ قال ابن دقيق العيد: الإثم هو الشيء يورث نفرة في القلب، وهذا أصل يتمسك به لمعرفة الإثم.
- حاك: تردد، وتحرك به الخاطر في صدرك، وخشيت أن يكون ذنباً.
*ما يؤخذ من الحديث:
الحديث يشتمل على تفسير لفظين: ((البر)) و((الإثم)) وهذا معناهما:
البر: قال ابن رجب: البر يدخل فيه جميع الطاعات الباطنة؛ كالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والطاعات الظاهرة؛ كإنفاق الأموال فيما يحبه الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والوفاء بالعهد، والصبر على الأقدار؛ كالمرض والفقر، وعلى الطاعات؛ كالصبر على لقاء العدو.
وقد يكون جواب النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النواس شاملاً لهذه الخصال كلها؛لأن حسن الخلق قد يراد به التخلق بأخلاق الشريعة، والتأدب بآداب الله، التي أدب بها عباده في كتابه؛ كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4].
قالت عائشة: "كان خلقه القرآن" يعني: تأدب بآدابه، فيعمل بأوامره، ويتجنب نواهيه؛ فصار العمل بالقرآن له خلقاٌ؛ كالجبلة والطبيعة، لا يفارقه.
وهذا هو أحسن الأخلاق، وأشرفها، وأجملها، وقد قيل: إن الدين كله خلق.
وقال ابن دقيق العيد: ((البر حسن الخلق)): المراد بحسن الخلق: الإنصاف في المعاملة، والرفق في المجادلة، والعدل في الأحكام، والبذل والإحسان، وغير ذلك من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى، فقال: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} الآيات [الأنفال:2], وقوله: {التائبون العابدون} [التوبة:112] وقوله: {قد أفلح المؤمنون} الآيات [المؤمنون:1] وقوله: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} الآيات [الفرقان:63].
فمن أشكل عليه حاله، فليعرض نفسه على هذه الآيات، فوجود جميعها علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض يدل على عدم كمالها، فليشتغل بحفظ ما وجده، وتحصيل ما فقده.
ولا يظن ظان أن حسن الخلق عبارة عن لين الجانب وترك الفواحش فقط، وأن من فعل ذلك، فقد هذب خلقه، بل حسن الخلق ما ذكرناه من صفات المؤمنين، والتخلق بأخلاقهم، ومن حسن احتمال الأذى.
وقال الشيخ أحمد حجازي في شرح الأربعين:
البر: عبارة عما اقتضاه الشرع وجوباً وندباً؛ فهو عبارة عن الإحسان، فيدخل فيه ثلاثة: طلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى، وأن يحب للناس ما يحب لنفسه، ومنه الإنصاف في المعاملة، والرفق في المجادلة، والعدل في الأحكام، والإحسان في السر، والإيثار في العسر، وحسن الصحبة، ولين الجانب، واحتمال الأذى، وفعل الواجبات، واجتناب المحرمات.
الإثم: هو ما أثر في الصدور، وجاء ضيقاً واضطراباً، فلم ينشرح له الصدر، مع هذا فهو عند الناس مستنكر، بحيث يكرهونه عند اطلاعهم عليه، وهذا هو أعلى مراتب معرفة الإثم عند الاشتباه، وهو ما استنكر الناس فاعله، وغير فاعله.
ومن هذا قول ابن مسعود: "ما رآه المؤمنون حسناً، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبيحاً، فهو عند الله قبيح".
وفي الجملة: فما ورد النص به فليس للمؤمن فيه إلا طاعة الله ورسوله؛ كما قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب:36].
وينبغي أن يتلقى ذلك بانشراح الصدر والرضا؛ فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الإيمان والرضا به والتسليم له؛ كما قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} الآية [النساء:65].
وأما ما ليس فيه نص من الله ورسوله، ولا عمن يقتدى بقوله من الصحابة وسلف الأمة، فإذا وقع في نفس المؤمن- المطمئن قلبه بالإيمان، المنشرح صدره بنور المعرفة واليقين- منه شيء، وحاك في صدره بشبهة موجودة، ولم يجد من يفتيه فيه بالرخصة، ولا من يخبره عن رأيه، وهو ممن لا يوثق بعلمه وبدينه، بل هو معروف باتباع الهوى: فهنا يرجع المؤمن إلى ما حاك في صدره، وإن أفتاه هؤلاء المفتون.
وقال الشيخ أحمد حجازي: الإثم: هو الذنب، وما حاك، أي: رسخ، وأثر في النفس اضطراباً، وقلقاً، ونفوراً، وكراهية بعدم طمأنينتها، وكرهت أن عليه وجوه الناس وأماثلهم الذين يسخرون منه؛ وذلك أن النفس لها شعور من أصل الفطرة بما تحمد عاقبته، وما تذم عاقبته، ولكن غلبت عليها الشهوة حتى أوجبت لها الإقدام على ما يضرها.
ووجه كون كراهة الناس على الشيء يدل على أنه إثم: أن النفس بطبعها تحب الإطلاع على خيرها، وتكره ضد ذلك.
ومن ثم أهلك الرياء- أكثر الناس، فبكراهتها إطلاع الناس يعلم أنه شر وإثم.