366 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِماً، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِماً، فَمَنْ أَنْبَأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِساً، فَقَدْ كَذَبَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
أَنْبَأَكَ: فِعْلٌ مَاضٍ، مِنَ: الإنباءِ، مِنْ بَابِ الإِفْعَالِ، وَالْمَعْنَى: مَنْ أَخْبَرَكَ؟.
كَذَبَ: يَكْذِبُ كَذِباً، وَالكَذِبُ: هُوَ الإِخْبَارُ عَن الشَّيْءِ بِخِلافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ فِيهِ العَمْدُ والخَطَأُ، وَلا وَاسِطَةَ بَيْنَ الصِّدْقِ والكَذِبِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - اسْتِحْبَابُ قِيَامِ الخطيبِ أَثْنَاءَ أَدَاءِ الخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} [الْجُمُعَة: 11]. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ عُلَمَاءِ الأَمْصَارِ عَلَى هَذَا.
2 - للقيامِ فِي الخطبةِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، مِنْ إِظْهَارِ الْقُوَّةِ والنشاطِ، وَمِنَ الحماسِ فِي الإلقاءِ، وَمِنْ إسماعِ الحَاضِرِينَ وَإِبْلاغِهِم، وَمِنَ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَامْتِثَالِ الْقُرْآنِ.
3 - يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ جِلْسَةً خَفِيفَةً لِيَفْصِلَ بِهَا بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ، وَلِيَسْتَرِيحَ، وَلِيَتَّبِعَ السُّنَّةَ.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الجِلْسَةُ تَكُونُ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ سُورَةِ الإخلاصِ.
4 - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَخْطُبُ جَالِساً أَبَداً، فَالصَّحَابِيُّ الجليلُ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ المُلازِمُ للجَمْعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَذِّبُ مَنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ جَالِساً.
5 - القيامُ فِي الخطبةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ جمهورِ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُم الحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى وُجُوبِهِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: إِنَّهُ شَرْطٌ منْ شُرُوطِ صِحَّةِ الخُطْبَةِ؛ للآيةِ، وَمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَلِمَا جَاءَ مِن الأخبارِ.
قَالَ فِي (سُبُلِ السَّلامِ): وَأَمَّا الوجوبُ وَكَوْنُهُ شَرْطاً فِي صِحَّتِهَا، فَلا دلالةَ عَلَيْهِ من اللَّفْظِ، إِلاَّ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ دَلِيلُ التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6 - قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: لَمْ يُحْفَظْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ اتِّخَاذِهِ المِنْبَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرْقَاهُ بِسَيْفٍ، وَلا قَوْسٍ، وَكَثِيرٌ مِنَ الجَهَلَةِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَلَى المِنْبَرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الدِّينَ إِنَّمَا قَامَ بِالسَّيْفِ، وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ منْ وَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لِلاتِّكَاءِ عَلَى الْعَصَا، أَو القَوْسِ.
الثَّانِي: أَنَّ الدِّينَ إِنَّمَا قَامَ بالوَحْيِ، وَأَمَّا السَّيْفُ فَلَحِقَ أَهْلَ العِنَادِ والشِّرْكِ، وَالدِّينُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلا خَيْرَ فِي إسلامِ مَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ.