دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > العقيدة الواسطية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #8  
قديم 25 ذو الحجة 1429هـ/23-12-2008م, 09:05 PM
فاطمة فاطمة غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 758
افتراضي التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد

(وأَمَّا الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَهِيَ مَشيئةُ اللهِ النَّافِذَةُ، وقُدْرَتُهُ الشَّامِلَةُ، وهُو: الإِيمانُ بأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وأَنَّهُ ما في السَّماواتِ ومَا في الأرْض مِنْ حَرَكَةٍ ولا سُكونٍ؛ إِلا بِمشيئَةِ اللهِ سُبْحانَهُ، [لا يَكونُ في مُلْكِهِ مَا لاَ يُريدُ].(179)
وأنَّهُ سُبحانَهُ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ مِنَ المُوْجودَاتِ والمَعْدوماتِ.(180)
فمَا مِنْ مَخْلوقٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ إِلا اللهُ خَالِقُهُ سبحانَهُ، لا خَالِقَ غيرُهُ، ولا رَبَّ سِواهُ.(181)
ومَعَ ذلك؛ فقدْ أَمَرَ العِبَادَ بطاعَتِهِ وطاعَةِ رسوله، ونَهاهُمْ عن مَعْصِيَتِهِ.
وهُو سُبحانَهُ يُحِبُّ المُتَّقينَ والمُحْسِنينَ والمُقْسِطينَ، ويَرْضى عَنِ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، ولا يُحِبُّ الكَافِرينَ، ولا يَرْضى عَنِ القَوْمِ الفَاسِقينَ، ولا يَأْمُرُ بالفَحْشاءِ، ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ، ولا يُحِبُّ الفَسادَ).(182)
(والعِبَادُ فاعِلُونَ حَقيقةً، واللهُ [خَلَقَ] أَفْعالَهُمْ، والعَبْدُ هُو: المُؤِمنُ، والكافِرُ، والبَرُّ، والفاجِرُ، والمُصلِّي، والصَّائِمُ.(183)
ولِلْعِباد قُدْرَةٌ على أَعْمالِهِمْ، [ولَهُمْ إِرَادَةٌ، واللهُ خَالِقُهُم وقُدْرَتَهُم وإِرادَتَهُم]؛ كَما قالَ تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقيمَ. ومَا تَشاؤونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمينَ}، (وهذه الدَّرَجَةُ مِنَ القدَرِ يُكَذِّبُ بها عَامَّةُ القَدَرِيَّةِ الَّذينَ سَمَّاهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَجُوسَ هذه الأمَّةِ.(184)
ويَغْلُو فيها قومٌ مِنْ أَهْلِ الإِثْباتِ، حَتَّى سَلَبُوا العَبْدَ قُدْرَتَهُ واخْتِيارَهُ، ويُخْرِجُونَ عَنْ أَفْعَالِ اللهِ وأَحْكامِهِ حُكْمَهَا ومَصالِحَها).(185)



(179) قولُه: (وأمَّا الدَّرجةُ الثَّانيةُ …) إلخ هَذِهِ المرتبةُ الثَّالثةُ مِن مراتبِ الإيمانِ بالقدَرِ، وهُوَ إثباتُ مشيئةِ اللَّهِ النَّافذةِ، أي الماضيةِ التي لا رَادَّ لها، مِن نَفَذَ السَّهمُ نُفوذًا إذا خَرَقَ الرَّميَّةَ، ونَفَذَ الأمرُ مَضى، هَذِهِ المرتبةُ الثَّالثةُ مِن مراتبِ الإيمانِ بالقدَرِ، وهُوَ إثباتُ نُفوذِ قُدرتِه ومشيئتِه، وشُمولِ قُدرَتِه، قد دَلَّ عليها الكِتابُ والسُّنَّةُ وأجمعَ عليها سَلَفُ الأمَّة، قال اللَّهُ تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ} وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} إلى غيرِ ذَلِكَ مِن الآياتِ الدَّالَّةِ على نُفوذِ مَشيئَتِه فلا خُروجَ لكائِنٍ عن مشيئَتِه كما لا خُروجَ له عَن عِلمِه، وفي هَذِهِ الآياتِ وغيرِها الرَّدُّ على القدريَّة والمعتزِلةِ نُفاةِ القدَرِ الذين يُثبتون للعبدِ مشيئةً تخالِفُ ما أرادَه اللَّهُ مِن العبدِ وشاءه، وأما أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ فتمسَّكوا بالكِتابِ والسُّنَّةِ في هَذَا البابِ وغيرِه، واعتقَدوا أنَّ مشيئةَ العبدِ تابعةٌ لمشيئةِ اللَّهِ في كُلِّ شيءٍ مما يوافِقُ ما شَرعَه وما يخالِفُه مِن أفعالِ العبدِ وأقوالِه، فالكُلُّ بمشيئةِ اللَّهِ، فما وافَقَ ما شَرَعَه رَضِيَه وأحَبَّه، وما خالَفه كَرِهَه، كما قال -سُبْحَانَهُ- وتعالى: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} الآيةَ.
قولُه: (وهُوَ الإيمانُ بأنَّ ما شاءَ اللَّهُ كان …) إلخ فسَّرَ المصنِّفُ معنى الإيمانِ بهذه المرتبةِ، وأشار بهَذَا إلى الرَّدِّ على القدَريَّةِ والمعتزِلةِ الذين يُثبتون للعبدِ مشيئةً تخالِفُ مشيئةَ اللَّهِ، وتقدَّمَ ذِكرُ الأدلَّةِ على بطلانِ قولِهم، وهل أضَلُّ ممَّن يَزعُمُ أَنَّ اللَّهَ شاء الإيمانَ مِن الكافرِ والكافرُ شاءَ الكفرَ، فغلبَتْ مشيئةُ الكافرِ مشيئةَ اللَّهِ؟! –تعالى اللَّه عَن قولِهم– وقد تقدَّمَ ذِكرُ أقسامِ الإرادةِ والمشيئةِ، والفَرْقُ بينهما وبين المحبَّةِ والرِّضا.

(180)قولُه: (وأنَّه -سُبْحَانَهُ- على كُلِّ شيءٍ قديرٌ …) إلخ قال اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ففيها دليلٌ على شمولِ قُدرتِه، فكُلُّ ممكنٍ فهُوَ مُندَرِجٌ فيها، وفيها الرَّدُّ على القدَريَّةِ فإنَّ مذهبَهم أنَّه -سُبْحَانَهُ- ليس على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأَنَّ العِبادَ يَقْدِرونَ على ما لا يَقدِرُ عليه، وأنَّه -سُبْحَانَهُ- لا يَقدِرُ أنْ يَهْدِي ضالاًّ ولا يُضِلُّ مُهْتدِيا، وهَذَا المذهبُ باطلٌ تَرُدُّه أدلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وهُوَ كما قال بعضُ العلماءِ شِركٌ في الرُّبوبِيَّةِ مختصَرٌ، ولذَلِكَ ورَدَ أنَّ ((القدَريَّةَ مَجُوسُ هَذِهِ الأمَّةِ)) لمُشابَهةِ قولِهم لقولِ المجوسِ، وأما أهلُ السُّنَّةِ فيُثبتون أَنَّ العبدَ فاعِلٌ حقيقةً، ولكنَّه مخلوقٌ لِلَّهِ ومَفعولٌ، ولا يقولون هُوَ نَفْسُ فِعلِ اللَّهِ، ويُفرِّقون بين الخَلقِ والمخلوقِ والفِعلِ والمفعولِ.
قولُه: (مِن الموجوداتِ) كأفعالِ خَلْقِه مِن الملائكةِ والنَّبيِّينَ وسائرِ حركاتِ العِبادِ فلا يَخرُجُ عن خَلقِه ومُلكِه شيءٌ.
قولُه: (والمعدوماتِ) كما قال -سُبْحَانَهُ-: {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} وقال: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} أي شيئاً في الخارِجِ، وإن كان شيئاً في عِلمِه -سُبْحَانَهُ- وأما المُحالُ لِذاتِه فلا حقيقةَ له ولا يُتصوَّرُ وُجودُه، فلا يُسمَّى شيئاً باتِّفاقِ العقلاءِ، وَذَلِكَ مِثلُ كونِ الشَّيءِ الواحدِ موجودًا معدومًا، ومِن هَذَا البابِ خَلقَ مِثلَ نَفْسِه.

(181) قولُه: (فما مِن مخلوقٍ …) إلخ قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} وقال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فامْتدَحَ بأَنَّ اللَّهَ خَلقَ كُلَّ شيءٍ، وبأنَّه يَعلَمُ كُلَّ شيءٍ، فكما أنَّه لا يَخرُجُ عن عِلمِه شيءٌ فكذا لا يَخرُجُ عن خَلقِه شيءٌ، فثَبتَ أَنَّ الأفعالَ خيرَها وشرَّها كُلَّها صادرةٌ عن خَلقِه وإحداثِه إيَّاها.اهـ.
وفي هَذِهِ الآياتِ الرَّدُّ على القدَريَّةِ الذين يَزعُمونَ أَنَّ العبدَ يَخلُقُ فِعلَ نَفْسِه استقلالا بِدُونِ مشيئةِ اللَّهِ وإرادَتِه، ولا شكَّ في بُطلانِ هَذَا المذهبِ وفسادِه ومصادمَتِه لأدلَّةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فإنَّ قولَه -سُبْحَانَهُ-: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} شاملٌ لأفعالِ العِبادِ، لدُخولِها في عُمومِ كُلِّ، ولا يَدخلُ في ذَلِكَ أسماءُ اللَّهِ وصفاتُه، كما أنَّه -سُبْحَانَهُ- لم يَدخُلْ في عُمومِ كُلِّ، فكذَلِكَ أسماؤه وصفاتُه.
قال ابنُ القيِّمِ ما معناه: في هَذِهِ الآياتِ دليلٌ على أنَّه -سُبْحَانَهُ- خالِقُ أفعالِ العِبادِ، كما أنَّه خالِقُ ذواتِهم وصفاتِهم، فالعبدُ كُلُّه مخلوقٌ: صفاتُه وذاتُه وأفعالُه، ومَن أَخْرَجَ أفعالَه عن خَلقِ اللَّهِ فقد جَعلَ فيه خالِقًا مع اللَّهِ، ولهَذَا شبَّهَ السَّلَفُ القدَريَّةَ النُّفاةَ بالمجوسِ، وقالوا: هُم مجوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ، صح ذَلِكَ عن ابنِ عبَّاسٍ.اهـ.
قولُه: (لا خالِقَ غيرُه ولا رَبَّ سِواهُ) إشارةٌ إلى الرَّدِّ على القدَريَّةِ المجوسيَّةِ الذين يُثبتون مع اللَّهِ خالِقينَ للأفعالِ ليست أفعالُهم مَقدُورةً له، وَهِيَ صادرةٌ بغيرِ مشيئَتِه وإرادَتِه، ولا قُدرةَ له عليها، فرُبوبِيَّتُه -سُبْحَانَهُ- الكامِلةُ المطلَقَةُ تُبطِلُ أقوالَ هؤلاءِ كُلِّهم؛ لأنها تَقْتَضِي ربوبيَّتَه لجميعِ ما فيه مِن الذَّواتِ والصِّفاتِ والحركاتِ والأفعالِ، وحقيقةُ قولِ هؤلاء أنَّه ليس رباًّ لأفعالِ الحيوانِ ولا تَناوَلَتْها رُبوبِيَّتُه، وكَيْفَ تتناولُ ما لا يَدخُلُ تحتَ قُدرتِه ومشيئَتِه وخَلقِه، أما أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ فيؤمنون بأَنَّ اللَّهَ خالقُ كُلِّ شيءٍ لا خالِقَ غيرُه، وأنَّه على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وبشمولِ مشيئَتِه لكُلِّ ما كان، وأنَّه بكُلِّ شيءٍ عليمٌ، فيؤمنون بعمومِ خَلقِه، وشمولِ قُدرتِه، ونفوذِ مشيئَتِه، وعِلمِه بالأشياءِ قبلَ أنْ تكونَ، تقديرُه لها وكتابَتُه إيَّاها قَبلَ أنْ تكونَ، فعندَهم مراتبُ الإيمانِ بالقضاءِ والقَدَرِ أربعٌ كما سَبَقَتْ إشارةُ المصنِّفِ إليها.
الأولى: عِلْمُه السَّابقُ بما هم عامِلون قبلَ إيجادِهم.
الثَّانيةُ: كتابَتُه لذَلِكَ في الذِّكْرِ عندَه قَبلَ خَلْقِ السَّماواتِ والأرضِ.
الثَّالثةُ: مَشيئَتُه المتناوِلَةُ لكُلِّ مَوجودٍ، فلا خُروجَ لكائنٍ عن مشيئَتِه، كما لا خُروجَ له عَن عِلمِه.
الرَّابعةُ: خَلْقُه له وإيجادُه وتَكوينُه، فإنَّه لا خَالِقَ غيرُه ونَظَمَ ذَلِكَ بعضُهم بقولِه:

عِلمٌ كتابةُ مولانا مَشيئتُه = وخَلقُه وهُوَ إيجادٌ وتَكْوينُ
فيجبُ الإيمانُ بالقضاءِ والقدَرِ، ولا يجوزُ الاحتجاجُ بِهِ في تَرْكِ أوامِرِ اللَّهِ، وفِعلِ نَواهِيهِ، بل يجبُ أنْ نؤمِنَ بِذَلِكَ، ونَعلَمَ أنَّ لِلَّهِ الحُجَّةَ علينا بإنزالِ الكُتُبِ وبَعثِ الرُّسلِ.

(182) قولُه: (ومع ذَلِكَ فقد أمَرَ العِبادَ) إلخ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}، وقال: {مُنْ يُطِعِ الرَّسولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} الآيةَ، والإيمانُ بالقدَرِ مِن تمامِ طاعةِ اللَّهِ وطاعةِ رسولِه، ومَن أَثبتَ القَدَرَ وجعلَ ذَلِكَ معارِضًا للأمْرِ فقدْ أَذْهَبَ الأصلَ، فقولُ المصنِّفِ: (ومع ذَلِكَ فقد أَمَرَ العِبادَ بطاعَتِه) إلخ، إشارةٌ للرَّدِّ على مَن عارَضَ شَرْعَه وأمْرَه بقضائِه وقدَرِه، وجَعلَ مشيئتَه العامَّةَ دَافِعةً للأمْرِ كفِعلِ الزَّنادِقَةِ إذا أُمِروا أو نُهوا احتجُّوا بالقدَرِ، وقد احتجَّ سارقٌ على عُمرَ بالقَدرِ فقال: وأَنَا أَقْطَعُ يَدَكَ بقَضاءِ اللَّهِ وقدَرِه، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى-: مَن ادَّعى أَنَّ العارِفَ إذا شَهِدَ الإرادةَ سَقطَ عنه الأمرُ كان هَذَا مِن الكُفرِ الذي لا يَرضاهُ أحدٌ، بل هَذَا ممتنِعٌ في العقلِ مُحالٌ في الشَّرعِ، انتهى، وقال ابنُ القيِّمِ بعد كلامٍ: والمقصودُ أنَّه لم يُؤمِنْ بالقضاءِ والقدَرِ والحِكمةِ والأمرِ والنَّهيِ والوعدِ والوعيدِ حقيقةَ الإيمانِ إلاَّ أَتباعُ الرُّسلِ وورَثَتُهم.
قولُه: (وهُوَ يُحِبُّ المتَّقينَ) إلخ، هَذَا رَدٌّ عَلَى مَن زَعَم أَنَّ المشيئةَ والمحبَّةَ سواءٌ أو مُتَلازمانِ، كما يقولُه الجبريَّةُ والقدَريَّةُ، وقد دلَّ على الفَرْقِ بينهما الكِتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ والفِطرةُ، قال اللَّهُ تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} مع أنَّ ذَلِكَ كُلَّه بمشيئَتِه، قال تعالى: {وَاللَّهُ لاَ يُحِبَّ الفَسَادَ} مع أنَّه واقعٌ بمشيئَتِه وقَضائِه وقَدرِه، وفي المسنَدِ: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ))، فَهِذِهِ المحبَّةُ والكَراهةُ لأمرين اجْتمعا في المشيئةِ وافترَقا في المحبَّةِ والكراهةِ، وهَذَا أكثرُ مِن أنْ يُحصرَ، فالمشيئةُ والمحبَّةُ ليس مدلولُهما واحدًا، ولا هُما متلازِمان، بل قد يشاءُ اللَّهُ ما لا يُحبُّه ويُحِبُّ ما لا يشاءُ كونَه، فالأول: كمشيئَتِه لوجودِ إبليسَ وجنودِه، ومشيئتِه العامَّةِ لجميعِ ما في الكونِ مع بُغضِه لبَعْضِه. الثَّاني: كمحبَّتِه لإيمانِ الكفارِ والفجارِ، ولو شاءَ ذَلِكَ لوُجِدَ كُلُّه، فإنَّ ما شاءَ اللَّهُ كان وما لم يشأْ لم يكن، فأهلُ الكِتابِ والسُّنَّةِ يقولون: الإرادةُ في كتابِ اللَّهِ نوعانِ: الأوَّلُ: إرادةٌ كونيَّةٌ قدَريَّةٌ، والثَّاني: إرادةٌ دِينيَّةٌ شَرعيَّةٌ.
فالإرادةُ الشرعيَّةُ هي المتضمِّنةُ للمحبَّة والرِّضا، والكونيَّةُ هي المشيئةُ الشَّاملةُ لجميعِ الحوادثِ، وقد تقدَّمتِ الإشارةُ إلى ذَلِكَ في الكلامِ على الآياتِ بما فيه الكفايةُ إنْ شاءَ اللَّهُ.

(183) قولُه: (والعِبادُ فاعِلُون …) إلخ قال اللَّهُ تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} أيْ: خَلَقَكم والذي تَعمَلُونه، فدلَّتْ على أنَّ أفعالَ العبدِ مخلوقةٌ لِلَّهِ، وعلى أنَّها أفعالٌ لهم حقيقةً، ففيها الرَّدِّ على الجَبْريَّةِ الذين يقولون: إنَّ العبدَ لا فِعلَ له، وفيها الرَّدُّ على القدَريَّةِ الذين يقولون: إنَّ العبدَ يَخلُقُ فِعلَ نَفْسِه استقلالا، وفي حديثِ حذيفةَ: ((إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ))، فاللَّهُ -سُبْحَانَهُ- خَلَقَ الإنسانَ بجميعِ أغراضِه وحركاتِه، والآياتُ الدَّالَّةُ على خَلقِ أفعالِ العِبادِ كثيرةٌ، فقولُ المصنِّفِ: (والعِبادُ فاعِلونُ حقيقةً) رَدٌّ على الجَبْريَّةِ الذين يقولون: إنَّ العبدَ ليس بفاعِلٍ أصلا، بل هُوَ مجبورٌ على أفعالِه وواقِعةٌ بغيرِ اختيارِه، وأَنَّ الفاعِلَ فيه سِواهُ والمُحرِّكُ له غيرُه، فهُوَ آلةٌ محضْةٌ، وحركاتُه بمنـزلةِ هُبوبِ الرِّياحِ وحركاتِ المُرتَعِشِ، وقد يَغْلُون في ذَلِكَ حتى يَرَوْا أفعالَهم كُلَّها طاعاتٌ خيرُها وشرُّها، لموافَقتِها للمشيئةِ والقَدَرِ، وهؤلاء شرٌّ مِن القدَريَّةِ النُّفاةِ، وأشدُّ عداوةً لِلَّهِ ومناقضةً لكِتابِه ورُسلِه ودِينِه.
قولُه: (واللَّهُ خالِقُ أفعالِهم) ردٌّ على القدَريَّةِ النُّفاةِ الذين يقولون: إنَّ اللَّهَ لم يَخلُقْ أفعالَهم، وأنَّها واقِعةٌ بمشيئَتِهم وقُدْرَتِهم دُونَ مشيئةِ اللَّهِ، وأَنَّ اللَّهَ لم يُقَدِّرْ ذَلِكَ عليهم ولم يَكْتُبْه ولا شاءه، وأَنَّ اللَّهَ لا يَقْدِرُ أنْ يَهدِيَ ضالاً ولا يُضِلَّ مهتديًا، وأَنَّ العِبادَ خالِقون لأفعالِهم بدُونِ مشيئةِ اللَّهِ، فشابَهوا المجوسَ في كونِهم أثْبَتوا خالِقاً مع اللَّهِ، ولِذا سُمُّوا مجوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ، والأدلَّةُ على فسادِ قَولِهم وبطلانِه كثيرةٌ جِداًّ، وقد أطبقَ الصَّحابةُ والتَّابِعونُ على ذَمِّهم وتبدِيعِهم وتضليلِهم، وبَيَّنَ أئمَّةُ الإسلامِ أنَّهم أشباهُ المجوسِ، وأنَّهم قد خالَفوا أدِلَّةَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، بل وخالفوا العقلَ والفطرةَ..
قولُه: (والعبدُ هُوَ المؤمِنُ والكافرُ …) إلخ قال تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا}، وقال: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ}، وقال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} إلى غيرِ ذَلِكَ مِن الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على نسبةِ أفعالِ العبدِ إليه مِن أفعالِ عَبيدِه، بل العبدُ حقيقةً هُوَ المُصلِّي والصَّائِمُ، وهل يَليقُ باللَّهِ -سُبْحَانَهُ- أنْ يعاقِبَهم على نَفْسِ فِعلِه، بل إنَّما يُعاقِبُهم على أفعالِهم التي فَعَلُوها حقيقةً، كما قال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ} فالعبدُ هُوَ الذي صامَ وصلَّى وأسْلَمَ، وهُوَ الفاعِلُ حقيقةً، يَجعلِ اللَّهِ له فاعِلاً، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} وقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ إِلَى النَّارِ} إلى غيرِ ذَلِكَ مِن الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على أَنَّ العبدَ فاعِلٌ حقيقةً: وأنَّ فِعلَه يُنسَبُ إليه، وأنَّه يُثابُ على حَسنَتِه ويجازَى على سيِّئَتِه، قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًَّا يَرَهُ}.

(184) وقولُه: (وللعِبادِ قُدرةٌ على أعمالِهم ولهم إرادةٌ) إشارةٌ للرَّدِّ على الجبريَّةِ.
قولُه: (واللَّهُ خَالِقُهم وخالِقُ قُدرتِهم..) إلخ إشارةٌ للرَّدِّ على القدريَّةِ، فالجَبْريَّةُ والقدَريَّةُ في طَرَفَيْ نَقيضٍ، فالجَبْريَّةُ غَلَوْا في الإثباتِ، والقدَريَّةُ غَلَوْا في النَّفْيِ، وهدى اللَّهُ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ للقولِ الوسطِ، فأَثبَتُوا أَنَّ العِبادَ فاعلون ولهم قُدرةٌ على أعمالِهم ولهم إرادةٌ ومشيئةٌ، وأَنَّ اللَّهَ -سبحانَهُ وتعالَى- خَالِقُهم وخالِقُ قُدْرَتِهم ومَشيئَتِهم، قال اللَّهُ تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فَأَثْبَتَ مَشيئةً للعبدِ، وأخبَرَ أنَّها لا تكونُ إلا بمشيئةِ اللَّهِ، فأفعالُ العبدِ تُضافُ إليه على جهةِ الحقيقةِ، واللَّهُ خَلقَه وخَلقَ فِعلَه، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} فأخبَرَ أَنَّ العِبادَ يَعملُون ويَصنعون ويُؤمِنون ويَكْفرون ويَفْسُقون ويُكذِّبون، والأدِلَّةُ على إثباتِ أفعالِ العِبادِ كثيرةٌ جِداًّ.
قولُه: (وَهَذِهِ الدَّرجَةُ مِن القَدَرِ) وَهِيَ إثباتُ أَنَّ العبدَ فاعلٌ حقيقةً، وأَنَّ اللَّهَ خَلقَه وخَلقَ فِعلَه يُكذِّبُ بها عامَّةُ القدريَّةِ، أي جميعُ القدَريَّةِ أو أكثرُهم، فيَزعُمون أَنَّ العبدَ يَخلُقَ فِعلَ نَفْسِه استقلالاً بدُونِ مشيئةِ اللَّهِ وإرادتِه، وسُمُّوا قَدريَّةً لإنكارِهم القَدَرَ، وَكَذَلِكَ تسمَّى الجَبْريَّةُ المحتجُّون بالقَدَرِ قدريَّةً لخوضِهم في القَدَرِ، والتَّسمِيةُ على الطَّائِفةِ الأُولى أغلَبُ، قال ابنُ تيميَةَ في تَائِيَّتِه:
ويُدْعَى خُصومُ اللَّهِ يَومَ مَعادِهم = إلى النَّارِ طُراًّ فِرقةَ القَدريَّةِ
سواءٌ نَفُوه أو سَعَوْا ليُخاصِمُوا = بِهِ اللَّهَ أو مَارَوْا بِهِ الشَّريعَةِ

قولُه: (مجوسُ هَذِهِ الأمَّةِ) سُمُّوا بِذَلِكَ لمُضاهاةِ قولِهم لقولِ المجوسِ، فإنَّ المجوسَ يُثبِتون خالِقَيْنِ، وَكَذَلِكَ القدَريَّةُ أثْبَتُوا أَنَّ اللَّهَ خَلقَهم وأنَّهم خَلقوا أفْعالَهُم استقلالاً، كما روى أبو داودَ في سُننِه عن ابنِ عمرَ -رضي اللَّهُ عنهما- عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّهُ قال: ((الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الأمَّةِ إِنْ مَرِضُوا فلا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلاَ تَشْهَدُوهُمْ)) وروى أبو داودَ أيضًا عن حذيفةَ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((لكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ وَمَجُوسُ هَذِهِ الأمَّةِ الذين يَقُولُونَ لاَ قَدَرَ، مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَلاَ تَشْهَدُوا جِنَازَتَهُ، ومَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ فَلاَ تَعُودُوهُ، وَهُمْ شِيعَةُ الدَّجَّالِ، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أنْ يُلْحِقَهُمْ بِالدَّجَّالِ)) وأحاديثُ القدَريَّةِ المرفوعةُ كُلُّها ضعيفةٌ، وإنَّما يَصِحُّ منها الموقوفُ، وقد تَقدَّمَ الكلامُ على هَذَا الموضوعِ، وقد اختَلَفَ العلماءُ في تكفيرِ هؤلاء، وأمَّا مَن أَنْكَرَ العِلمَ القَديمَ فنَصَّ الشَّافِعيُّ وأحمدُ وغيرُهما مِن أئمَّةِ الإسلامِ على تكفيرِه، وقد تَقدَّمت الإشارةُ إلى ذَلِكَ.


(185) قولُه: (ويَغْلو فيها قومٌ …) إلخ أشارَ المصنِّفُ بقولِه هَذَا إلى المجبِّرةِ، فإنَّهم غَلَوْا في نَفْيِ أفعالِ العِبادِ حتى سَلَبوا العِبادَ قُدْرتَهم واختيارَهم، وزعموا أنَّهم لا يَفعلون شيئًا ألبتَّةَ، وإنَّما اللَّهُ هُوَ فاعِلُ تِلْكَ الأفعالِ حقيقةً، فَهِيَ نَفْسُ فِعلِه لا أفعالِهم، والعبيدُ ليس لهم قُدرةٌ ولا إرادةٌ ولا فعلٌ ألبتَّةَ، وأنَّ أفعالَهم بمنـزلةِ حركةِ الجماداتِ لا قدرةَ له عليها، وإمامُ هؤلاء الجهمُ بنُ صفوانَ التِّرمذيُّ، وقولُهم باطِلٌ؛ لأنَّنا نُفرِّقُ بالضَّرورةِ بين حَركَةِ البَطْشِ وحَركَةِ المرتَعِشِ، ونعلمُ بأَنَّ الأوَّلَ باختيارِه دُونَ الثَّاني، ولأنَّه لو لم يكنْ للعَبْدِ فِعلٌ أصلاً لما صَحَّ تَكْلِيفُه، ولا تَرتَّبَ استحقاقُ الثَّوابِ والعقابِ على أفعالِه، ولا إسنادُ الأفعالِ التي تقتضي سابقةَ قَصْدٍ إليه على سبيلِ الحقيقةِ، مِثلُ صلَّى وصامَ وكَتَبَ، بخلافِ مِثلِ طالَ واسودَّ لونُه، والنُّصوصُ القَطْعيَّةُ تَنْفى ذَلِكَ، قال اللَّهُ تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقال: {مَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} إلى غيرِ ذَلِكَ.
قال ابنُ القَيِّمِ: وهؤلاءِ خُصماءُ اللَّهِ الذين جاء فيهم الحديثُ: ((يُقَالُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَيْنَ خُصَمَاءُ اللَّهِ فيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ)) وتَقَدَّمَ ما ذَكَرَهُ الشَّيخُ في تَائِيَّتِه، وقال ابنُ القيِّمِ: سمعتُ الشَّيخَ تقيَّ الدِّينِ يقوُل: القدَريَّةُ المذمومون في السُّنَّةِ وعلى لِسانِ السَّلَفِ هم هؤلاء الفِرَقُ الثَّلاثةُ نُفاتُه وهم: القدَريَّةُ المجوسيَّةُ، والمعارضون بِهِ للشَّريعةِ الذين قالوا: لو شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنَا، وهم القدَريَّةُ المشركيَّةُ، والمخاصِمُونَ بِهِ للرَّبِ وهم أعداءُ اللَّهِ وخُصومُه، وهُم القدَريَّةُ الإبليسيَّةُ وشَيْخُهُم إبليسُ، وهُوَ أوَّلُ مَن احْتَجَّ على اللَّهِ بالقَدَرِ فقال: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي} ولم يَعترِفْ بالذَّنْبِ ويَبوءُ بِهِ، كما اعْتَرَفَ بِهِ آدمُ، فمَنْ أقرَّ بالذَّنْبِ وباءَ بِهِ ونَزَّه ربَّه فقد أشْبَه أباه آدمَ، ومَن أشْبهَ أباهُ فما ظَلَمَ، ومَن بَرَّأ نَفْسَه واحتجَّ على ربِّه بالقدَرِ فقد أَشْبهَ إبليسَ، ولا رَيْبَ أنَّ هؤلاء القدَريَّةَ الإبليسيَّةَ والمُشْرِكيَّةَ شرٌّ مِن القدَريَّةِ النُّفاةِ، والذي عليه أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ هُوَ ما تَقدَّمَ الإيمانُ بِأنَّ أفعالَ العِبادِ مخلوقةٌ لِلَّهِ، صادرةٌ عَن مشيئَتِه وإرادَتِه، وَهِيَ أفعالٌ لهم، وكَسْبٌ لهم باختيارِهم، فلذا تَرتَّبَ عليها الثَّوابُ والعِقابُ، كما تكاثَرَتْ بِذَلِكَ الأدِلَّةُ.
قولُه: (ويُخرجِونَ عن أفعالِ اللَّهِ …) إلخ، أي أنَّ هؤلاء الجهميَّةَ يَزعُمون أَنَّ اللَّه تعالى لا يَفعلُ لعِلَّةٍ ولا حِكمةٍ، وإنَّما هُوَ محْضُ مشيئةٍ وصَرْفُ إرادةٍ مجردَّةٍ عن الحكمةِ والرَّحمةِ، وكان شيخُهم الجهمُ بنُ صفوانَ يَقِفُ على الجذماءِ فيقولُ: أَرْحمُ الرَّاحِمِين يفعلُ مِثلَ هَذَا؟ إنكارا للرَّحْمةِ والحكمةِ، وأدِلَّةُ الكِتابِ والسُّنَّةِ تُبطِلُ هَذَا المذهبَ. قال ابنُ القيِّمِ –رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولِهَذَا الأصلِ لوازمُ وفروعٌ كثيرةٌ فاسدةٌ، وذَكَرها ورَدَّهَا مِن تِسْعينَ وَجْهًا. اهـ.
والذي عليه أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ هُوَ إثباتُ العِلَّةِ والحكمةِ في أفعالِه –سُبْحَانَهُ- وشَرعِه وقدَرِه، فما خَلقَ شيئًا ولا قضاهُ ولا شَرَعَهُ إلا لحكمةٍ بالغةٍ، وإنْ تقاصَرَتْ عنها عقولُ البَشرِ، والأدِلَّةُ في إثباتِ ذَلِكَ كثيرةٌ جِداًّ، فإنَّه –سُبْحَانَهُ- حكيمٌ شَرَعَ الأحكامَ لِحكمةٍ ومصلحةٍ، فما خَلقَ شيئًا عَبَثًا ولا خَلقَه سُدًى كما قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}، وقال: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}، وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} إلى غيرِ ذَلِكَ مِن الأدِلَّةِ على إثباتِ هَذَا الأصلِ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2, المشيئة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir