دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الحدود

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م, 03:11 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شروط إقامة حد الزنا

ولا يَجِبُ الحدُّ إلا بثلاثةِ شُروطٍ:
( أحدُها ) تَغِييبُ حَشَفَتِه الأصليَّةِ كلِّها في قُبُلٍ أو دُبُرٍ أصْلِيَّيْنِ حرامًا مَحْضًا .
( الثاني ) انتفاءُ الشُّبْهَةِ، فلا يُحَدُّ بوَطْءِ أمَةٍ له فيها شِرْكٌ أو لوَلَدِه أو وَطءِ امرأةٍ ظَنَّهَا زَوْجَتَه أو سُرِّيَّتَه، أو في نِكاحٍ باطلٍ اعْتَقَدَ صِحَّتَه، أو نِكاحٍ أو مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فيه ونحوِه، أو أُكْرِهَت المرأةُ على الزِّنا.
( الثالثُ ) ثُبوتُ الزِّنَا، ولا يَثْبُتُ إلا بأَحَدِ أَمرينِ:
أحدُهما: أن يُقِرَّ به أربعَ مَرَّاتٍ في مَجلِسٍ أو مَجالِسَ , ويُصَرِّحَ بذكْرِ حقيقةِ الوَطْءِ , ولا يَنْزِعُ عن إقرارِه حتى يَتِمَّ عليه الْحَدُّ.
الثاني: أن يَشهدَ عليه في مَجلسٍ واحدٍ بزنًا واحدٍ , يَصِفُه أربعةٌ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهادتُهم فيه، سواءٌ أَتَوُا الحاكمَ جُملةً أو مُتَفَرِّقِينَ، وإن حَمَلَت امرأةٌ لا زَوجَ لها ولا سَيِّدَ لم تُحَدَّ بِمُجَرَّدِ ذلك.

  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 12:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.........................

  #3  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي


(ولا يَجِبُ الحَدُّ) للزِّنا (إلاَّ بثلاثةِ شُرُوطٍ: أَحَدُها: تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أصليَّةٍ كُلِّها)، أو قَدْرِها لِعَدَمٍ، (في قُبُلٍ أو دُبُرٍ أَصْلِيَّيْنِ مِن آدَمِيٍّ حَيٍّ)، فلا يُحَدُّ مَن قَبَّلَ أو باشَرَ دُونَ الفَرْجِ، ولا مَن غَيَّبَ بعضَ الحَشَفَةِ، ولا مَن غَيَّبَ الحَشَفَةَ الزائدةَ، أو غَيَّبَ الأصليَّةَ في زائدةٍ أو مَيِّتٍ أو في بهيمةٍ، بل يُعَزَّرُ، وتُقْتَلُ البهيمةُ، وإنما يُحَدُّ الزَّانِي إذا كانَ الوَطْءُ المذكورُ (حَرَاماً مُحْصَناً)؛ أي: خَالِياً مِن الشُّبْهَةِ، وهو مَعْنَى قولِهِ: الشرطُ (الثانِي: انتفاءُ الشُّبْهَةِ)؛ لقولِهِ عليه السلامُ: ((ادْرَؤُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ)).
(فلا يُحَدُّ بِوَطْءِ أَمَةٍ له فيها شِرْكٌ) أو مُحَرَّمَةٍ برَضاعٍ ونحوِهِ، (أو لِوَلَدِهِ) فيها شِرْكٌ، (أو وَطْءِ امرأةٍ) في منزلِهِ (ظَنَّهَا زَوْجَتَه أو) ظَنَّها (سُرِّيَّتَه)، فلا حَدَّ، (أو) وَطِئَ امرأةً (في نِكاحٍ باطلٍ اعْتَقَدَ صِحَّتَه، أو) وَطِئَ امرأةً (في نِكاحٍ) مُخْتَلَفٍ فيه؛ كمُتْعَةٍ، أو بلا وَلِيٍّ ونحوِهِ، (أو) وَطِئَ أَمَتَهُ في (مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فيه) بعدَ قَبْضِهِ؛ كشُرَكَاءَ فُضُولِيٍّ، ولو قبلَ الإجازةِ، (ونحوِه)؛ أي: نحوِ ما ذكَرَ؛ كجهلِ تحريمِ الزِّنا مِن قريبِ عهدٍ بإسلامٍ، أو ناشئٍ بِبَادِيَةٍ بعيدةٍ، (أو أُكْرِهَتِ المرأةُ) المَزْنِيُّ بها (على الزِّنَا)، فلا حدَّ، وكذا مَلُوطٌ به أُكْرِهَ بإلجاءٍ أو تهديدٍ أو مَنْعِ طعامٍ أو شرابٍ معَ إضرارٍ فيهِما.
الشرطُ (الثالثُ: ثُبُوتُ الزِّنَا، ولا يَثْبُتُ) الزِّنَا (إلاَّ بأحدِ أمرَيْنِ: أَحَدُهما: أنْ يُقِرَّ به)؛ أي: بالزِّنا مُكَلَّفٌ، ولو قِنًّا (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ)؛ لحديثِ مَاعِزٍ، وسواءٌ كانَتِ الأربعُ (في مَجْلِسٍ أو مجالِسَ، و) يُعْتَبَرُ أنْ (يُصَرِّحَ) بذِكْرِ حقيقةِ الوَطْءِ، فلا تَكْفِي الكنايةُ؛ لأنَّها تَحْتَمِلُ ما لا يُوجِبُ الحَدَّ، وذلك شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الحَدَّ، (و) يُعْتَبَرُ أنْ (لا يَنْزِعَ)؛ أي: يرجِعَ (عن إِقْرَارِهِ حتَّى يَتِمَّ عليه الحَدُّ)، فلو رَجَعَ عن إقرارِهِ أو هَرَبَ كُفَّ عنه، ولو شَهِدَ أربعةٌ على إقرارِهِ به أَرْبَعاً، فأَنْكَرَ أو صَدَّقَهُم دُونَ أَرْبَعٍ، فلا حدَّ عليه ولا عليهم، الأمرُ (الثانِي) مِمَّا يَثْبُتُ به الزِّنا: (أنْ يَشْهَدَ عليه في مَجْلِسٍ واحدٍ بِزِناً واحدٍ يَصِفُونَه) فيَقُولُونَ: رَأَيْنَا ذَكَرَه في فَرْجِها كالمِرْوَدِ في المُكْحُلَةِ، والرِّشَاءِ في البِئْرِ؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَقَرَّ عندَه ماعِزٌ، قالَ له: ((أَنِكْتَهَا؟)) لا يَكْنِي، قالَ: نَعَمْ. قالَ: ((كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَأُ فِي الْبِئْرِ؟)) قالَ: نَعَمْ. وإذا اعْتُبِرَ التصريحُ في الإقرارِ فالشهادةُ أَوْلَى.
(أربعةٌ) فاعلُ يَشْهَدُ؛ لقولِهِ تعالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}، ويُعْتَبَرُ أنْ يَكُونُوا (مِمَّن تُقْبَلُ شَهَادَتُهُم فيه)؛ أي: في الزِّنَا؛ بأنْ يَكُونُوا رِجالاً عُدُولاً ليسَ فيهم مَن به مَانِعٌ مِن عَمًى أو زَوْجِيَّةٍ، (سواءٌ أَتَوُا الحاكِمَ جُمْلَةً أو مُتَفَرِّقِينَ)، فإنْ شَهِدُوا في مَجْلِسَيْنِ فأَكْثرَ، أو لم يُكْمِلْ بعضُهم الشهادةَ، أو قامَ به مَانِعٌ، حُدُّوا للقَذْفِ؛ كما لو عَيَّنَ اثنَانِ يوماً أو بَلَداً أو زاويةً مِن بيتٍ كبيرٍ، وآخَرَانِ آخَرَ. (وإنْ حَمَلَتِ امرأةٌ لا زَوْجَ لها ولا سَيِّدَ لم تُحَدَّ بِمُجَرَّدِ ذلكَ) الحَمْلِ، ولا يَجِبُ أنْ تُسْأَلَ؛ لأنَّ في سُؤَالِها عن ذلكَ إشاعةَ الفاحشةِ، وذلك منهيٌّ عنه، وإنْ سُئِلَتْ وَادَّعَتْ أنَّها أُكْرِهَتْ، أو وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أو لم تَعْتَرِفْ بِالزِّنا أربعاً، لم تُحَدَّ؛ لأنَّ الحَدَّ يُدْرَأُ بالشُّبْهَةِ.

  #4  
قديم 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م, 02:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


(ولا يجب الحد) للزنا (إلا بثلاثة شروط([1]) أحدها تغييب حشفة أصلية كلها) أو قدرها لعدم([2]) (في قبل أو دبر أصليين) من آدمي حي([3]) فلا يحد من قبل أو باشر دون الفرج([4]).

ولا من غيب بعض الحشفة ولا من غيب الحشفة الزائدة([5]) أو غيب الأصلية في زائد([6]) أو ميت([7]) أو في بهيمة، بل يعزر وتقتل البهيمة وإنما يحد الزاني إذا كان الوطء المذكور (حراما محضا) أي خاليا عن الشبهة([8]) وهو معنى قوله الشرط (الثاني: انتفاء الشبهة)([9]) لقوله عليه الصلاة والسلام «ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم»([10]) (فلا يحد بوطء أمة له فيها شرك)([11]).

أو محرمة برضاع ونحوه([12]) (أو لولده) فيها شرك([13]) (أو وطئ امرأة) في منزله (ظنها زوجته([14]) أو) ظنها (سريته) فلا حد([15]) (أو) وطئ امرأة (في نكاح باطل اعتقد صحته([16]) أو) وطئ امرأة في (نكاح) مختلف فيه كمتعة، أو بلا ولي ونحوه([17]).

(أو) وطئ أمة في (ملك مختلف فيه) بعد قبضه([18]) كشراء فضولي ولو قبل الإجازة([19]) و(نحوه) أي نحو ما ذكر([20]) كجهل تحريم الزنا، من قريب عهد بالإسلام([21]) أو ناشئ ببادية بعيدة([22]) (أو أكرهت المرأة) المزني بها (على الزنا) فلا حد([23]).

كذا ملوط به، أكره بإلجاء، أو تهديد([24]) أو منع طعام أو شراب، مع إضرار فيهما([25]) الشرط (الثالث ثبوب الزنا([26]) ولا يثبت) الزنا (إلا بأحد أمرين، أحدهما: أن يقر به) أي بالزنا مكلف([27]) ولو قنا (أربع مرات)([28]) لحديث ماعز([29]).

وسواء كانت الأربع (في مجلس أو مجالس([30]) و) يعتبر أن (يصرح بذكر حقيقة الوطء)([31]) فلا تكفي الكناية لأنها تحتمل ما لا يوجب الحد([32]) وذلك شبهة تدرأ الحد([33]) (و) يعتبر أن (لا ينزع) أي يرجـع (عـن إقراره حتى يتم عليه الحد)([34]) فلو رجع عن
إقراره([35]).


أو هرب كف عنه([36]) ولو شهد أربعة على إقراره، به
أربعًا فأنكر([37]) أو صدقهم دون أربع([38]) فلا حد عليه ولا عليهم([39]) الأمر.

(الثاني) مما يثبت به الزنا([40]) (أن يشهد عليه في مجلس واحد([41]) بزنا واحد يصفونه)([42]).

فيقولون: رأينا ذكره في فرجها، كالمرود في المكحلة([43]) والرشاء في البئر([44]) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أقر عنده ماعز، قال له «أنكتها؟» لا يكني قال: نعم، قال «كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر» قال: نعم([45]).
وإذا اعتبر التصريح في الإقرار فالشهادة أولى([46]) (أربعة) فاعل يشهد([47]) لقوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}([48]) ويعتبر أن يكونوا(ممن تعتبر شهادتهم فيه) أي في الزنا، بأن يكونوا رجالا عدولا([49]).
ليس فيهم من به مانع، من عمى أو زوجية([50]) (سواء أتوا الحاكم جملة، أو متفرقين)([51]).
فإن شهدوا في مجلسين فأكثر([52]) أو لم يكمل بعضهم الشهادة([53]) أو قام به مانع، حدوا للقذف([54]).
كما لو عين اثنان يوما أو بلدا، أو زاوية من بيت كبير وآخران آخر([55]) (وإن حملت امرأة، لا زوج لها ولا سيد، لم تحد بمجرد ذلك) الحمل([56]) ولا يجب أن تسأل([57]) لأن في سؤالها عن ذلك إشاعة الفاحشة، وذلك منهي عنه([58]).

وإن سئلت وادعت أنها مكرهة([59]) أو وطئت بشبهة([60]) أو لم تعترف بالزنا أربعا لم تحد([61]) لأن الحد يدرأ بالشبهة([62]).


([1]) تعلم بالاستقراء، وفي الإقناع: أربعة وهو أن يكون الزاني مكلفا، فلا حد على صغير ومجنون.
([2]) أي لعدم الحشفة الأصلية، لأن أحكام الوطء تتعلق به.
([3]) قال الموفق: لا خلاف بين أهل العلم في أن من وطئ امرأة في قبلها حراما لا شبهة له في وطئها، أنه يجب عليه حد الزنا، إذا كملت شروطه، والوطء في الدبر مثله، في كونه كالزنا، لأنه وطء في فرج امرأة لا ملك له ولا شبهة ملك فكان زنا كالوطء في القبل اهـ وتأتي بقية محترزاته.
([4]) لأن أحكام الوطء، إنما تتعلق بالوطء في الفرج، لا بما دونه، فلا حد عليه، وإنما عليه التعزير، لأنه معصية ليس فيها حد، أشبه ضرب الناس، والتعدي عليهم.
([5]) وهل يحد إذا غيب بعض الأصلية؟ ظاهر كلامهم: لا حد عليه، إلا بتغييب الحشفة الأصلية، أو قدرها عند عدمها.
([6]) لأنه وطء في غير فرج، ومن شروطه، الوطء في فرج.
([7]) لم يحد، لأنه لا يقصد، فلا حاجة إلى الزجر عنه، وهو الصحيح من المذهب وصححه في التصحيح.
([8]) فهو أحد الشروط الثلاثة، التي لا يجب الحد إلا بها.
([9]) فلا حد مع الشبهة، قال الموفق وغيره: هذا قول أكثر أهل العلم، لأن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
([10]) ومعناه، في الترمذي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرهم فدل على درء الحد بالشبهة، وقال ابن المنذر، أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن الحدود تدرأ بالشبهات.
([11]) فلا حد لشبهة ملك الواطئ، وهو قول مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، وكذا إن كان لبيت المال فيها شرك، لأن لكل مسلم فيه حقا، فيدرأ عنه، الحد قال ابن رشد: هو الأشبه.
([12]) أي: أو وطئ أمته المحرمة أبدا برضاع، أو أخته من رضاع، إذا ملكها أو وطئ موطوءة أبيه، أو ابنه، أو أم زوجته إذا ملك إحداهن، أو وطئ أمته المزوجة أو المعتدة، أو المرتدة أو المجوسية.
([13]) أو لمكاتبة فيها شرك، لتمكن الشبهة في ملك ولده، وفاقا، لخبر «أنت ومالك لأبيك»، وإجماعهم على عدم القطع فيما سرق من مال ولده، أو لشبهة ملك مكاتب الواطئ.
([14]) أو امرأة وجدها على فراشه، ظنها زوجته، أو ظن له أو لولده فيها شرك، فلا حد.
([15]) أي: أووطئ امرأة ظنها سريته، أو دعا ضرير امرأته أو سريته، فأجابه غيرها فوطئها، فلا حد لاعتقاده إباحة الوطء، بما يعذر فيه مثله أشبه من أدخل عليه غير امرأته، وقيل: هذه زوجتك، فوطئها يعتقدها زوجته، فإنه لا حد عليه قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا.
([16]) أي: أو وطئ امرأة في نكاح باطل إجماعا، كنكاح خامسة اعتقد صحته، ومثله يجهله فلا حد للعذر.
([17]) كبلا شهود، ونكاح شغار أو محلل، ونحو ذلك، قال الموفق: هذا قول أكثر أهل العلم، لأن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات.
([18]) أي المبيع: أما قبل القبض فيحد على الصحيح من المذهب، كما صرح به في الإنصاف.
([19]) قدمه في الإنصاف وغيره، وقال: ولو وطئ في ملك مختلف فيه، كشراء فاسد بعد قبضه، فلا حد عليه على الصحيح من المذهب، وقدمه في الفروع وغيره.
([20]) مما تقدم، حيث كانت الشبهة قائمة، فيدرأ عنه الحد.
([21]) قال عمر وعثمان وعلي: لا حد إلا على من علمه وقال الموفق وغيره: هو قول عامة أهل العلم.
([22]) عن دار الإسلام، ويقبل منه ذلك لأنه يجوز أن يكون صادقا، فإن عمر قبل قول مدعي الجهل، بتحريم النكاح في العدة، وفي الإنصاف: لو وطئ جارية له فيها شرك، أو لولده أو وجد امرأة على فراشه، ظنها امرأته، أو جاريته، أو دعا الضرير امرأته أو جاريته، فأجابه غيرها، فوطئها، أو وطئ امرأته في دبرها، أو حيضها أو نفاسها، أو لم يعلم بالتحريم، لحداثة عهده بالإسلام، أو نشوه ببادية بعيدة فلا حد عليه، بلا نزاع في ذلك، اهـ وإن كان مثله لا يجهل تحريمه، فعليه الحد، وإن كان نشأ بين المسلمين، وادعى جهل تحريم ذلك، لم يقبل منه لأنه لا يخفى على من هو كذلك.
([23]) قال ابن رشد: لا خلاف بين أهل الإسلام، أن المستكرهة لا حد عليها.
([24]) بأن غلبهما الواطئ على أنفسهما او هددهما بنحو قتل أو ضرب.
([25]) أي في الزنا واللواط، لما روي: أن امرأة استقت راعيا، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فرفع ذلك إلى عمر، فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة فأعطاها عمر شيئا وتركها، قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب، نص عليه، وعليه الأصحاب.
([26]) من ذكر أو أنثى.
([27]) فلا يثبت بإقرار صغير ولا مجنون، قال الموفق: لا خلاف في اعتبار ذلك، في وجوب الحد وصحة الإقرار، ولأن غير المكلف مرفوع عنه القلم، وقال بعضهم: ولا مكره لأن المكره معفو عنه، واختاره الموفق وجمع، للخبر، ولأن الإكراه شبهة، وكما لو استدخل ذكره وهو نائم، وأما المكره على الإقرار بالزنا، فقال الموفق: لا نعلم خلافا بين أهل العلم، في أن إقرار المكره لا يجب به حد.
([28]) أي ولو كان المقر بالزنا قنا، أو مبعضا، محدودا في قذف أولا، ذكرا كان أو أنثى، وتقدم: أن الرقيق يجلد خمسين، بكرا كان أو ثيبا ويعتبر إقرار الزاني أربع مرات.
([29]) ابن مالك، فإنه اعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات، الأولى ثم الثانية، ثم الثالثة ورده، فقيل له، إنك إن اعترفت عنده الرابعة رجمك فاعترف فأمر برجمه.
([30]) قال أبو حنيفة: لا يثبت إلا في أربعة مجالس، وقال أحمد: أما الأحاديث فلا تدل إلا على مجلس واحد، قال الموفق: ولأنه أحد حجتي الزنا، فاكتفى به في مجلس واحد، كالبينة وقال: سواء كان في مجلس واحد، أو مجالس متفرقة، اهـ، وذلك لأن ماعزا أقر في مجلس، والغامدية في مجالس، رواه مسلم وغيره.
([31]) لتزول الشبهة، ولقوله صلى الله عليه وسلم (لماعز «لعلك قبلت أو غمزت؟» قال: لا، قال: «أفنكتها؟» قال: نعم، قال: «حتى غاب ذاك منك، في ذاك منها»، قال: نعم، قال: «كما يغيب المرود في المكحلة، والرشاء في البئر» قال: نعم، قال: «أتدري ما الزنا؟» قال: نعم أتيت منها حراما، ما يأتي الرجل من امرأته حلالا) الحديث.
([32]) فلا يعتبر في وجوب إقامة الحد، إلا التصريح الذي لا يحتمل سوى الوطء في الفرج مع كمال شروطه.
([33]) فلا تكفي فيه الكناية.
([34]) لأن من شروط إقامة الحد بالإقرار البقاء عليه إلى تمام الحد.
([35]) كف عنه، قال الوزير وغيره، اتفقوا على أنه إذا أقر بالزنا ثم رجع عنه، فإنه يسقط الحد عنه، ويقبل رجوعه، إلا مالكا، إن كان بشبهة قبل وإلا فروايتان، قال ابن رشد: وإنما صار الجمهور إلى تأثير الرجوع في الإقرار لما ثبت، من تقريره صلى الله عليه وسلم ماعزا وغيره، مرة بعد مرة، لعله يرجع، ولقوله لما هرب «فهلا تركتموه لعله يتوب، فيتوب الله عليه».
([36]) لما تقدم بخلاف ثبوته بالشهادة، فلا يكف عنه، قال في الإنصاف: وإن رجم ببينة فهرب، لم يترك بلا نزاع، وإذا ثبت بالإقرار، استحب أن يبدأ الإمام، قال في الإنصاف: بلا نزاع، ويجب حضوره هو، أو من ينوب عنه.
([37]) فلا حد عليه.
([38]) بأن قالوا: أقر عندنا أربع مرات، فقال: بل ثلاثا.
([39]) لأن تصديقه لهم دون أربع رجوع منه، فلا حد عليه ولا عليهم لكمالهم في النصاب وإن صدقهم أربعا حد.
([40]) وهو الشهادة عليه به، واشترط بعضهم في الشهود عليه سبعة شروط تعلم بالاستقراء.
([41]) من مجالس الحاكم أربعة، لا في مجلسين فأكثر، فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم من مجلسه، فهم قذفة عليهم الحد، ولأن عمر جلد أبا بكرة ونافعا وشبل بن سعيد لما شهدوا على المغيرة، ولم يشهد زياد، ولو كان المجلس غير مشترط لم يجز أن يحدهم، لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر.
([42]) أي الزنا: ويجوز لهم النظر إليهما حال الجماع، لإقامة الشهادة عليهما.
([43]) أي رأوه داخلا في فرجها، دخول المرود الذي يكتحل به في المكحلة، لكونه وصفا لا يحتمل سوى الزنا.
([44]) هذا تأكيد ويكفي إذا شهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها، لحصول العلم بالزنا.
([45]) ولأن الزنا يعبر به عما ليس بموجب للحد، فلا بد من نحو هذا التصريح.
([46]) أي من التصريح بالإقرار، كما مر.
([47]) من قوله: أن يشهد عليه.. إلخ، فيشترط في ثبوت الحد، أن يشهد عليه به أربعة، قال الموفق: ليس فيه اختلاف بين أهل العلم، وقال الوزير: اتفقوا على أنه إذا لم يكن شهود الزنا أربعة، فإنهم قذفة يحدون، إلا ما روي عن الشافعي في أحد قوليه.
([48]) ولقوله: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ولقوله: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}.
([49]) أي يشترط أن يكونواكلهم رجالا، فلا تقبل فيه شهادة النساء بحال
قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، إلا ما روي عن عطاء وحماد أنه يقبل فيه ثلاثة وامرأتان، وهو قول شاذ، لايعول عليه، ويشترط أن يكونوا عدولا، قال: ولا خلاف في اشتراط العدالة، فإنها تشترط في سائر الشهادات، فهنا مع مزيد الاحتياط فيها أولى، فلا تقبل شهادة الفاسق، ولا مستور الحال، الذي لا تعلم عدالته.

([50]) أي ليس في الشهود الأربعة مانع، كفسق، أو عمى أو زوجية، قبلت، وإن قام بهم أو ببعضهم مانع من فسق حدوا، أو مانع من عمى أو زوجية، حدوا دون الزوج إن لاعن، قال الموفق وغيره: عليهم الحد في إحدى الروايات عن أحمد، وهو قول مالك، قال القاضي وهو الصحيح، لأنها شهادة لم تكمل، فأما العميان فمعلوم كذبهم، لكونهم شهدوا بمالم يروه يقينا، وأما الفساق فعن أحمد يجوز صدقهم وقد كمل عددهم، فأشبهوا مستوري الحال، فلا حد عليهم، وأما الزوج فقال الموفق وغيره، لا تقبل شهادته على امرأته، لأنه بشهادته مقر بعداوته لها، فلا تقبل شهادته عليها.
([51]) واحد بعد واحد، في مجلس واحد، لم يقم قبل شهادتهم، فعليه الحد.
([52]) أو جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم من مجلس الحكم، فهم قذفة، وعليهم الحد، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، لقصة المغيرة المتقدمة.
([53]) فهم قذفة وعليهم الحد، قال الموفق: في قول أكثر أهل العلم، منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي.
([54]) أي أو قام ببعض الشهود مانع، كفسق أو غيره مما يمنع قبول شهادته
حدوا للقذف، لعدم قبول شهادتهم، كما لو لم يكمل العدد، وكما لو بان مشهود عليه بالزنا، مجبوبا أو رتقاء، فيحدون لظهور كذبهم.

([55]) أي كما يحد شهود الزنا، لو عين اثنان منهم يوما، وعين آخران في شهادتهما يوما آخر، وكما لو عين اثنان بلدا، وعين اثنان بلدا آخر، وهذا مذهب مالك والشافعي، ولا حد عليهم وفاقا، أو عين اثنان زاوية من بيت كبير عرفا، وآخران زاوية، لأن الأربعة قذفة لشهادة كل اثنين منهم بزنا، غير الذي شهد به الآخران، ولم تكمل الشهادة في واحد منهما، وإن كان البيت صغيرا عرفا، وعين اثنان زاوية منه، وآخران أخرى منه، كملت شهادتهم، لإمكان صدقهم، لاحتمال أن يكون ابتداؤه في إحدى الزاويتين، وتمامه في الأخرى، بخلاف البيت الكبير، لتباعد ما بينهما، وتجوز الشهادة بالحد، من غير مدع، بلا خلاف.
([56]) لأنه يحتمل أنه من وطء إكراه أو شبهة، وعنه: تحد إن لم تدع شبهة، اختاره الشيخ؛ وقال: هو المأثور عن الخلفاء الراشدين، وهو الأشبه بالأصول الشرعية، ومذهب أهل المدينة، فإن الاحتمالات الباردة لا يلتفت إليها، وقال ابن القيم: وحكم عمر برجم الحامل، بلا زوج ولا سيد، وهو مذهب مالك، وأصح الروايتين عن أحمد، اعتمادا على القرينة الظاهرة.
([57]) بل ولا يستحب.
([58]) أو تقوت دعواها بقرينة، أو كانت معلومة بالعفاف لم تحد.
([59]) لم تحد لأن عمر أتى بامرأة حامل، فادعت أنها أكرهت، فقال: خل سبيلها ورفعت إليه امرأة، فقالت: إنها ثقيلة الرأس، لم تستيقظ حتى فرغ، فدرأ عنها الحد، وروي عن ابن مسعود وغيره: أنهم قالوا: إذا اشتبه عليك الحد، فادرأ ما استطعت.
([60]) لإمكان صدقها.
([61]) لأن من شرط إقامة الحد الاعتراف.
([62]) قال الموفق: لا خلاف أن الحد يدرأ بالشبهات وهي متحققة ههنا.

  #5  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 01:43 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَلاَ يَجِبُ الْحَدُّ إِلاَّ بِثَلاَثَةِ شُرُوطٍ: أَحَدُهَا: تَغْيِيبُ حَشَفَتِهِ الأَصْلِيَّةِ كُلِّهَا فِي قُبُلٍ، أَوْ دُبُرٍ أَصْلِيَّيْنِ حَرَاماً مَحْضاً من آدَمِيٍّ حَيٍّ،..............
قوله: «وَلاَ يَجِبُ الحَدُّ إِلاَّ بِثَلاَثَةِ شُرُوطٍ» وهذه الشروط زائدة على الشروط السابقة العامة.
قوله: «أَحَدُهَا: تَغْيِيبُ حَشَفَتِه الأَصْلِيَّةِ كُلِّهَا فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ أَصْلِيَّيْنِ حَرَاماً مَحْضَاً مِنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ» .
فقوله: «تغييب حشفته» أي: الزاني، والحشفة معروفة.
وقوله: «كلها» احترازاً من البعض، وإذا لم يكن له حشفة كما لو كان مقطوع الحشفة، فإن قدرها يكون بمنزلتها.
وقوله: «في قبل» أي: الفرج «أو دبر» أي: مخرج الغائط.
وقوله: «أصليين» صفة للقبل أو الدبر، وضدهما غير الأصليين، كالخنثى فهو بالنسبة للقبل واضح، لكن بالنسبة للدبر ربما يكون إنسان ـ نسأل الله العافية ـ ليس له دبر، وقد ذكر ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني أنه ذكر له أن في الشام ثلاثة أشخاص:
الأول: له خرق بين مخرج البول والغائط، يخرج منه البول والغائط، ليس له دبر، وليس له فرج، ولا ذكر.
الثاني: ليس له فرج ولا ذكر، لكن فيه ورمة يرشح منها البول رشحاً.
الثالث: ليس له من الأسفل شيء، وإنما يأكل الطعام فإذا بقي ما شاء الله تقيأه، وكان هذا التقيؤ بمنزلة الغائط والبول، وهؤلاء نقول: يُحكم لهم حكم الخنثى المشكل بالنسبة للميراث.
على كل حال لا بد أن يكون القبل والدبر أصليين، احترازاً من غير الأصليين كفرج الخنثى، ودبرٍ في غير موضعه.
قوله: «حراماً محضاً» سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ الكلام عليه في الشرط الثاني وهو انتفاء الشبهة.
وقوله: «من آدمي» يعني أن يكون هذا القبل، أو الدبر من آدمي، فإن كان من غير آدمي لم يجب حد الزنا، لكن يجب التعزير بما يراه الإمام، فلو أولج الإنسان في بهيمة عُزِّر، وقُتلت البهيمة على أنها حرام جيفة، فإن كانت البهيمة له فاتت عليه، وإن كانت لغيره وجب عليه أن يضمنها لصاحبها.
وقيل: إن من أتى بهيمة قتل لحديث ورد في ذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة» [(117)]، وهذا عام، أخذ به بعض أهل العلم، وقالوا: إن فرج البهيمة لا يحل بحال، فيكون كاللواط، ولكن الحديث ضعيف؛ ولهذا عدل أهل العلم لمَّا ضَعُف الحديث عندهم إلى أخف الأمرين، وهو قتل البهيمة، وأما الآدمي فلا يقتل؛ لأن حرمته أعظم، ولكن يعزر؛ لأن ذلك معصية، والقاعدة العامة أن التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
فإن قال قائل: ما الدليل على أن إتيان البهيمة معصية؟
قلنا: قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ *}} [المؤمنون:7] ، فأيُّ شيء وراء الأزواج وملك اليمين، يعتبر عدواناً وظلماً.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لا فرق بين الزنا بذوات المحارم وغيرهم، ولكن الصحيح أن الزنا بذوات المحارم فيه القتل بكل حال لحديث صحيح ورد في ذلك[(118)]، وهو رواية عن أحمد وهي الصحيحة، واختار ذلك ابن القيم في كتاب الجواب الكافي أن الذي يزني بذات محرم منه فإنه يقتل بكل حال، مثل ما لو زنا بأخته والعياذ بالله، أو بعمته، أو خالته، أو أم زوجته، أو بنت زوجته التي دخل بها، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا الفرج لا يحل بأي حال من الأحوال، لا بعقد ولا بغيره؛ ولأن هذه فاحشة عظيمة.
وقوله: «آدمي حي» احترازاً من الميت، يعني لو زنا بميِّتة ـ وهذا يحصل ـ فإنه لا يحد، قالوا: لأن النفس تعافها وتكرهها، فاكتفي بالرادع الطبيعي عن الحد، ولكن لا بد أن يعزر.
وقيل: إن الذي يأتي الميتة، يزني بها، عليه حدان، مرة للزنا، ومرة لانتهاك حرمة الميتة؛ لأن الحية قد يكون منها شهوة وتلذذ بخلاف الميتة، والإمام أحمد ـ رحمه الله في إحدى الروايات إن لم تكن الأخيرة ـ يميل إلى هذا، أنه يجب عليه حدان لبشاعة هذا الأمر، وهو لا شك أمر مستبشع غاية الاستبشاع، ولا أقل من أن نلحق الميتة بالحية لعموم الأدلة: {{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}} [النور: 2] ، فإن النصوص عامة، فهذا الرجل زانٍ، وإن كانت المرأة ليست بزانية، لكن ليس بشرط، ولهذا لو زنا بامرأة مجنونة وجب عليه الحد ولم يجب عليها؛ فليس الحدان متلازمين.
ولو زنا محصن ببكر رجم وجلدت، فليس بشرط لإقامة الحد في الزنا أن يكون الزانيان عقوبتهما سواء.
فالشروط إذاً:
أولاً: تغييب الحشفة الأصلية كلِّها.
ثانياً: أن يكون في قبل، أو دبر.
ثالثاً: أن يكون القبل أو الدبر أصليين.
رابعاً: أن يكون القبل والدبر من آدمي.
خامساً: أن يكون الآدمي حياً.
فهذه الشروط الخمسة إذا لم تتم فإن الحد لا يجب على الفاعل، ولكن يجب عليه التعزير.
فلو أن رجلاً بات مع امرأة وصار يقبلها، ويضمها، ويجامعها بين الفخذين، ويفعل كل شيء، إلا أنه لم يولج الحشفة فلا حَدَّ، ولكن عليه التعزير، إلا أن يجيء تائباً إلى الإمام فإن الحاكم بالخيار، إن شاء أقام عليه التعزير، وإن شاء لم يقم عليه التعزير؛ لأنه ثبت في الحديث الصحيح: أن رجلاً جاء إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يخبره بأنه فعل بامرأة كل شيء إلا النكاح، فأنزل الله قوله تعالى: {{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}} [هود: 114] [(119)]، ولم يقم عليه التعزير، فإذا جاء نادماً تائباً من فعله فإننا في هذه الحال إن طلب منا أن نقيم عليه التعزير، وألح في ذلك أقمنا عليه، وإلا أخبرناه بأن التوبة تَجُبُّ ما قبلها.

الثَّانِي: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ، فَلاَ يُحَدُّ بِوَطْءِ أَمَةٍ لَهُ فِيهَا شِرْكٌ، أَوْ لِوَلَدِهِ، أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ سُرِّيَّتَهُ، أَوْ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ مُلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَنَحْوِهِ، أَوْ أُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا.
قوله: «الثاني انتفاء الشبهة» لأن الحد عقوبة على معصية، فلا بد من أن تتحقق هذه المعصية لنطبق هذه العقوبة، أما أن نعاقب من نشك في ارتكابه الجريمة فإن هذا لا يجوز، فمعناه أننا حققنا شيئاً لأمر محتمل، غير محقق، وهذا يكون حكماً بالظن، والله تعالى يقول: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}} [الحجرات: 12] لا سيما أن مثل هذه العقوبة بالنسبة للشخص سوف تحط من سمعته بين الناس، ومن عدالته، فالمسألة ليست بالهينة، وعلى هذا فإذا وُجدت أي شبهة تكون عذراً لهذا الزاني، فإنه لا يجوز لنا أن نقيم عليه الحد.
وأما حديث: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين بالشبهات ما استطعتم» [(120)] فحديث ضعيف لا تقوم به الحجة، وما أكثر ما يعتمد عليه المتهاونون في إقامة الحدود، كلما جاءت حدود قد تكون مثل الشمس، قالوا: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» حتى يجعلوا ما ليس شبهة شبهة، ونحن في اعتمادنا على الحديث نحتاج إلى أمرين:
الأول: ثبوت الحديث، الثاني: تحقيق المناط، هل هذا شبهة، أو غير شبهة؟
ولكن العلة التي ذكرناها علة واضحة، أنه لا يجوز أن نوقع عقوبة على جريمة نشك في كونها جريمة؛ لأن هذا حكم بالظن، وإضرار بالمسلم، وحَطٌّ من قدره وسمعته، ومثل هذا لا يجوز إلا بشيء واضح نعتمد عليه، ثم ضرب المؤلف أمثلة للشبهة فقال:
«فَلا يُحَدُّ بِوَطْءِ أَمَةٍ لَهُ فِيهَا شِرْكٌ» هذا رجل بينه وبين رجل آخر أمة مشتركة، اشترياها بعشرة آلاف، كل واحد قدم في ثمنها خمسة آلاف ريال، فهل تحل لواحد منهما؟ لا تحل لأحدهما، لا بالتسري، ولا بالنكاح، وإن وافق أحدهما، لكن تحل لغيرهما بالنكاح، فلو اتفقا على أن يزوجاها شخصاً حل ذلك، فإن وطئها أحدهما فلا حد عليه؛ لأن له بعضها، ففيه شبهة مُلك، حتى لو كان يعلم أنها لا تحل له، وأن هذا الجماع محرم، نقول: لأن شبهة الملك تمنع من إقامة الحد.
قوله: «أو لولده» هذه أبعد، فلو زنا بأمةٍ لولده فيها شِرك، فالأب لا يملكها، لكن يملك أن يتملك ما يملكه ولده من هذه الأمة، فلما كان له أن يتملك صار زناه بهذه الأمة التي لولده فيها شرك فيه شبهة، فلا يقام عليه الحد، ولو لم يكن للولد فيها إلا واحد من عشرة آلاف سهم، لعموم قوله: «له فيها شرك أو لولده» ، أما لأخيه أو لأبيه فليست شبهة، يعني لو أنه زنا بأمة أبيه أقيم عليه الحد؛ لأن ذلك ليس بشبهة؛ لأن الولد لا يتملك من مال أبيه، بخلاف العكس.
قوله: «أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ سُرِّيَّتَهُ» الزوجة من ملكها بعقد النكاح، والسرية من ملكها بعقد التملك، مثاله: رجل جامع امرأة ظنها زوجته، كما لو أتى فراشه، فوجد امرأة ظنها زوجته، وكذلك لو ظنها سريته، المهم إذا ظن ذلك فالأمر ظاهر، ولكن إن ادّعى الظن فهل نقبل منه؟ الجواب: لا بد أن ينظر للقرائن، فمثلاً لو أمسك امرأة بالسوق وفعل بها، وهي تصيح: لست بزوجتك، ولا بيني وبينك ارتباط، فلا يقبل قوله، فلا بد أن يكون هناك قرينة تؤيد دعواه، مثلما قلنا في أول شروط الحدود: أن يكون عالماً بالتحريم، فإن ادعى جهل التحريم لم يقبل منه إلا بقرينة؛ لأنه يمكن لكل أحد أن يقول: أنا ما علمت أن الزنا حرام أو أن السرقة حرام، فلا بد من أن يكون هناك قرائن تشهد بصحة ما قال.
قوله: «أَوْ فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ» النكاح الباطل هو الذي أجمع العلماء على فساده، مثل أن يتزوج أخته من الرضاع وهو لا يعلم، فهذا النكاح باطل؛ لأنه محرم بإجماع المسلمين، فإن وطئها فيه فلا حَدَّ عليه.
قوله: «أَوْ نِكَاحٍ أَوْ مُلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ» النكاح المختلف فيه له أمثلة كثيرة، منها أن يكون الخلاف في العقد، ومنها أن يكون الخلاف في شروط العقد، ومنها أن يكون الخلاف في المعقود عليه.
فمثلاً تزوج رجل بامرأة رضعت من أمه ثلاث مرات، فالخلاف هنا في المعقود عليه، هل هو حرام، أو غير حرام؟ فعلى رأي من يقول: إن الثلاث محرِّمة يكون النكاح باطلاً، وعلى رأي من يقول: لا يُحرِّم إلا الخمس يكون النكاح صحيحاً.
وقد يكون الخلاف في شرط العقد، مثل من تزوج بكراً أجبرها أبوها، فهي تحل له، وليس فيها موانع، فعلى رأي من يشترط رضا البكر ولو زوَّجَهَا أبوها يكون النكاح فاسداً، وعلى رأي من لا يشترط الرضا في هذه الصورة يكون النكاح صحيحاً، والصحيح أنه يشترط.
وقد يكون الخلاف في نفس العقد، كمن عقد على امرأة في عدة اختلف العلماء في وجوبها، كامرأة مختَلَعة، فعدتها على القول الراجح حيضة واحدة، وعدتها على المذهب ثلاث حيض، فهنا إذا عقدنا عليها بعد الحيضة الأولى، فالنكاح صحيح على قول من يرى أن عدتها حيضة واحدة، وغير صحيح على رأي من يرى أن عدتها ثلاث حيض.
إذاً كل نكاح مختلف فيه، إذا جامع فيه الإنسان فإنه لا يحد حد الزنا، أما إذا كان يعتقد صحته فالأمر واضح في أنه لا يحد؛ لأنه يطأ فرجاً حلالاً، ويعتقد أنه حلال، وليس فيه إشكال، وهذا لا نتعرض له ولا نلزمه بفسخ العقد ولا شيء.
وأما إذا كان يعتقد فساده، ولكنه أقدم عليه لهوى في نفسه، كامرأة أعجبته في خلقها، ودينها، وجمالها، ويكون العقد عليها مختلفاً فيه، وقال: المسألة خلافية فسأتزوجها على رأي من يرى أن ذلك جائز، فهذا حرام، ولكن لا يُحدُّ للشبهة، وهي خلاف العلماء؛ لأنه قد يكون أخطأ في هذا الاعتقاد، وقد يكون الصواب مع من يرى أن النكاح جائز، وهو يعتقد أن النكاح غير صحيح؛ فمن أجل هذا الاحتمال صار هذا الوطء شبهة، يدرأ الحدَّ عنه.
فالنكاح المختلف فيه إن كان يعتقد صحته فلا حد، ولا شيء عليه، ويبقى على نكاحه، وإن كان يعتقد فساده، فنحن نفرق بينهما اتباعاً لما يعتقد، ولكن لا نَحُدُّه للشبهة.
وقيل: إن اعتقد بطلانه فإنه يحد بناء على عقيدته، لأنه يرى أنه يطأ فرجاً حراماً، وأن هذا العقد لا أثر له، فلماذا لا نأخذه باعتقاده؟!
وينبغي في هذه الحال أن ينظر القاضي، أو الحاكم لما تقتضيه الحال.
وقوله: «أو ملك مختلف فيه» كإنسان وطئ أمة في ملك مختلف فيه، وله صور أيضاً متعددة، منها: لو اشترى أمة بعد نداء الجمعة الثاني وهو ممن تجب عليه الجمعة، فالبيع والشراء محرم وباطل، ويرى بعض العلماء أن العقد محرم وليس بباطل.
فهذا الرجل الذي اشتراها وجامعها، هل عليه حد؟ الجواب: لا حد عليه مطلقاً؛ لأن فيه خلافاً، لكن إن كان يعتقد الصحة أبقيناها معه، وإن كان يعتقد الفساد أرجعناها إلى بائعها الأول، وليس له فيها حق.
مثال آخر: رجل قال له شخص يصلي إلى جواره في المسجد: لقد اشتريت جارية من أحسن الجواري، جميلة، شابة، متعلمة، فقال: بعها لي، فباعها له في المسجد، ثم سلم له هذه المرأة وجامعها، فالعلماء اختلفوا في صحة البيع في المسجد مع أنه حرام، فلا يحد للخلاف فيه، فهو شبهة، والصحيح أنه لا يصح.
وكذلك تصرف الفضولي، وهو أن يبيع الإنسان ملك غيره بغير إذنه، فهذا التصرف قد يجيزه من له الحق، وقد لا يجيزه.
فإن لم يجزه فالتصرف غير صحيح، وإن أجازه فالتصرف فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازه، ومنهم من منعه، فهذا رجل جاءه إنسان يسأله فقال: أنا عليَّ عتق رقبة، فهل عندك رقبة؟ قال: نعم، كم تبذل؟ قال: عشرة آلاف ريال، والثاني يعرف أن عند جاره جارية، يريد فيها خمسة آلاف ريال، فقال: هذه غبطة فباعها له، فلما باعها له وسلمه العشرة أعجبته فجامعها، فهذا التصرف على المذهب باطل؛ لأنه ليس من مالك، ولا من وكيل، فإذا أجازه مالك الأمَة فالمذهب لا يصح، ولو أجيز؛ لأنه ليس من مالك، ولا ممن يقوم مقام المالك، والقول الثاني: أنه إذا أجيز يصح العقد من أصله، لا من الإجازة، وعلى هذا يكون وطء هذا الرجل لهذه المرأة في ملك مختلف فيه، فلا يحد حد الزنا.
قوله: «ونحوه» [(121)].
قوله: «أَوْ أُكْرِهَتِ المَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا» أي: إنها لا تحد، فإن أكرهها حتى زنا بها ـ والعياذ بالله ـ فليس عليها حد، لكن المُكْرِهَ يحد بلا شك، بل لو قيل بالحد والتعزير لكان أولى، فيحد للزنا ويعزر للاعتداء، ولا مانع من أن يكون أحد الزانيين يقام عليه الحد والثاني لا يقام عليه، كمن زنا بامرأة دون البلوغ فهي لا تحد والرجل يحد.
وقوله: «أو أكرهت المرأة على الزنا» علم من كلامه أنه لو أكره الرجل أقيم عليه الحد، كإنسان عنده أمة، ورأى هذا الرجل اللبيب، الشاب، الجميل، وقال: أريد أن يزني بها، لينجب ولداً مثله، وأكرهه على الزنا، فالمذهب أنه يحد.
قالوا: لأن الإكراه في حق الرجل لا يتصور؛ لأنه لا جماع إلا بانتشار، ولا انتشار إلا بإرادة، والإرادة رضا وليست إكراهاً، فلما لم يتصور الإكراه في حقه صار الحد واجباً عليه، ولا يعارض هذا الحديثَ: «وما استكرهوا عليه» [(122)]؛ لأنهم يقولون: هذا الرجل ما استكره، بل رضي.
ولكن القول الراجح بلا شك أنه لا حد عليه، وأن الإكراه موجود، الرجل يقال له: افعل بهذه المرأة وإلا قتلناك، وتأتي أمامه بثياب جميلة، وهي شابة وجميلة، فهذا من أبلغ ما يكون من الإكراه، ومهما كان فالإنسان بشر، فالصواب بلا شك أنه لا حد عليه، وإذا لم تكن مثل هذه الصورة من الشبهة، فأين الشبهة؟! هذه هي الشبهة الحقيقية، فرجل معروف بأنه إنسان تقي، وبعيد عن الشر، وعفيف، ولا أحد يمكن أن يجرحه بشيء، ويأتيه شخص من شياطين الإنس، يكرهه على أن يزني بامرأة، ويهدده بالقتل وهو قادر أن يقتله، ثم يزني لدفع الإكراه، لا لرغبة في الزنا، ونقول: هذا يجب أن يقام عليه الحد!!
فالصواب بلا شك أن الإكراه في حق الرجل ممكن، وأنه لا حد عليه، ولكن المُكْرِه يعزر، ولا يحد حد الزنا؛ لأنه ما زنا.
فإن قلت: مر علينا في القصاص أنه إذا أكره الإنسان رجلاً آخر على قتل إنسان، فالضمان عليهما جميعاً، المُكْرِه والمُكْرَه، نقول: هذا قصاص، ولهذا لو تمالأ جماعة على قتل إنسان قُتلوا جميعاً.
لكن لو تمالأ رجال على أن يزنوا بامرأة فزنا واحد فقط، أقيم الحد على الزاني فقط، ففرق بين هذا وهذا.

الثَّالِثُ: ثُبُوتُ الزِّنَا، وَلاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُما: أَنْ يُقِرَّ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ مَجَالِسَ، وَيُصَرِّحَ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الوَطْءِ، وَلاَ يَنْزِعَ عَنْ إِقْرَارِهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
قوله: «الثَّالِثُ: ثُبُوتُ الزِّنَا، وَلاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: أحدهما: أن يقر به أربع مرات» فالأول: الإقرار، والثاني: البينة (الشهود)، والقول الراجح أن لثبوت الزنا ثلاثة طرق هذان الطريقان، والثالث الحمل، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ البحث فيه.
أما الإقرار فدليله قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}} [النساء: 135] والشهادة على النفس هي الإقرار، فأمر الله ـ عزّ وجل ـ الإنسان أن يقر بما عليه، ولو كان على نفسه.
ودليله من السنة، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رجم بالإقرار، وجلد بالإقرار[(123)]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ولم يثبت الزنا بطريق الشهادة من فجر الإسلام إلى وقتهِ، وإنما ثبت بطريق الإقرار؛ لأن الشهادة صعبة، كما سيتبين إن شاء الله.
وأما المعنى فلأن الإنسان لا يمكن أن يقر على نفسه بما يدنس عرضه، ويوجب عقوبته، إلا والأمر كذلك.
فثبوت الزنا بالإقرار له أدلة ثلاثة: الكتاب، والسنة، والنظر الصحيح.
قوله: «أَنْ يُقِرَّ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» هذه شروط الإقرار، فلا بد أن يقر أربع مرات، فيقول: إنه زنا، ثم يقول: إنه زنا، ثم يقول: إنه زنا، ثم يقول: إنه زنا، والدليل على ذلك النص والقياس، أما النص فلأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقم الحد على ماعز بن مالك ـ رضي الله عنه ـ حتى أقر أربع مرات، فكان يأتي ويقر، فيعرض عنه الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى أقر أربع مرات، فلما أقر أربع مرات، قال: «ارجموه» [(124)].
وأما القياس: فلأن الزنا لا يثبت إلا بشهادة أربعة رجال، كما قال الله تعالى: {{لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ *}} [النور] ، فإذا لم يثبت إلا بأربعة شهداء، فإنه يقاس عليه الإقرار، فلا يثبت إلا بإقرارٍ أربع مرات.
وأما النظر: فلأن الزنا فاحشة وأمر عظيم، ولا ينبغي أن يوصف به الإنسان إلا بزيادة تثَبُّت، وذلك بأن يكرر أربع مرات؛ لأن الزنا أمره عظيم، وفاحشة مدنسة للعرض، ثم إنه يخشى إذا حصلت أن تهون في نفوس المجتمع، فيؤدي ذلك إلى فساده، ولهذا فإن المنكرات إذا قل وقوعها في الناس ثم فعلت، تجد الناس يستنكرونها، وينفرون من فاعلها، فإذا فعلها آخر، وثالث، ورابع، وخامس، هانت عند الناس، ولهذا من الأمثال المضروبة: كثرة الإمساس يقل الإحساس، وهذا أمر مشاهد، كنا قبل زمان نستنكر غاية الاستنكار أن نسمع العُود والربابة، وهذه الأشياء التي هي من آلات اللهو، ولا يفعلها أحد إلا مختفياً، وفي حجرة بعيدة، أو في فلاة بعيدة من البر، وأصبحت اليوم أمراً مألوفاً؛ لأنها كثرت، وكذلك شرب الخمر، فإذا قيل: فلان شرب الخمر انتشر خبره في جميع أنحاء المملكة، ورأوا ذلك أمراً عظيماً، والآن يذكر لنا أنه هان الأمر عند بعض الناس، والعياذ بالله، كل هذا مع كثرة الوقوع، فإذا أقر إنسان بالزنا ورجمناه مثلاً، أو أقمنا عليه الجلد، فهذا ربما يسري في الناس ويتساهلون به، فلهذا احتطنا في الإقرار، فقلنا: لا بد أن يكون أربعاً، حتى إذا جاء وقال: زنيت، نقول: ما زنيت؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال لماعز ـ رضي الله عنه ـ: «لعلك قبّلت، أو غمزت، أو نظرت» ولكنه يقول: إنه زنا[(125)].
فصار عندنا دليل من السنة، والثاني من القياس على الشهادة، والثالث الاحتياط.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يشترط الإقرار أربعاً، وأن الإقرار بالزنا كغيره، إذا أقر به مرة واحدة، وتمت شروط الإقرار، بأن كان بالغاً عاقلاً ليس فيه بأس فإنه يثبت الزنا، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}} [النساء: 135] ، وهذا شاهد.
واستدلوا من السنة بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لأُنيس ـ رجلٍ من الأنصار ـ: «واغد يا أُنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» [(126)].
واستدلوا بالنظر بأنه إذا أقر على نفسه فإنه بالمرة الواحدة يثبت؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يقر على نفسه بأمر يدنس عرضه، ويوجب عقوبته، إلا وهو صادق فيه، فإذا صدق بإقراره مرة انطبق عليه وصف الزنا، وإذا انطبق عليه وصف الزنا، فقد قال الله تعالى: {{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}} [النور: 2] .
وأما مسألة الإشاعة، فالإشاعة لا تزول بتكراره أربعاً؛ لأن الرجل إذا أقر أربعاً وصمَّم عليه بان الأمر واتضح.
بقي علينا أن نجيب عن أدلة القائلين بالتكرار، وأقوى حديث لهم هو حديث ماعز رضي الله عنه، فنقول: يظهر من سؤال النبي صلّى الله عليه وسلّم له أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يستثبت الخبر؛ لأنه سأله: «هل بك جنون؟» ، قال: لا، فأرسل إلى قومه وقال لهم: «هل ماعز فيه جنون؟» ، قالوا: لا، إنه من صالِح رجالنا في العقل، ثم قال: «هل شربتَ الخمر؟» ، فقال: لا، حتى إنه أمر رجلاً أن يستنكهه[(127)]، أي: يشم رائحته، وهذا يدل على أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان عنده بعض الشك في إقرار هذا الرجل، وأراد أن يستثبت، ويؤيد هذا أن قصة العسيف ليس فيها إلا أنه قال: «إن اعترفت فارجمها» [(128)]، والفعل المطلق يصدق بالواحد، وكذلك قصة اليهوديين اللَّذَيْنِ زنيا، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر برجمهما[(129)] ولم يذكر أنهما كرَّرا الإقرار، وكذلك الغامدية أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم برجمها ولم يذكر أنها كرَّرت الإقرار، حتى إنها قالت: يا رسول الله، تريد أن تُرَدِّدَنِي كما رددت ماعزاً؟![(130)].
وهذا القول أرجح أن تكرار الإقرار أربعاً ليس بشرط، لا سيما إذا كان الأمر قد اشتهر كما في قصة العسيف؛ لأن هذه القصة قد اشتهرت؛ لأن أبا العسيف ذهب يسأل الناس ما الذي عليه؟ فقيل له: إن على ابنك مائة شاة ووليدة، فافتداه بذلك حتى حصلت المخاصمة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقضى بينهما بكتاب الله، فعندنا قولان في المسألة:
الأول: أنه شرط.
الثاني: أنه لا يشترط التكرار في الإقرار.
ولكن القولين يتفقان في أنه إذا قام عند الحاكم شبهة، فإن الواجب التأكد والاستثبات.
ولو قال قائل بقول وسط بأنه إذا اشتهر الأمر واتضح فإنه يُكتفى فيه بالإقرار مرة واحدة، بخلاف ما لم يشتهر فإنه لا بد فيه من تكرار الإقرار أربعاً، وعلى هذا يكون هذا القول آخذاً بالقولين، فيشترط التكرار في حال، ولا يشترط في حال أخرى.
قوله: «فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ» هذا هو الشرط الثاني، وأشار المؤلف إلى مجلس أو مجالس؛ لأن بعض أهل العلم يقول: لا بد أن يكون ذلك في مجلس واحد، وأما إذا كان في مجالس فلا يصح، كما سيأتي في الشهادة.
قوله: «وَيُصَرِّحَ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الوَطْءِ» فيصرح المُقِر بذكر حقيقة الوطء، لا كناية الوطء، فيقول: إنه ناكها بهذا اللفظ، ولا يكفي أن يقول: أتيتها، أو جامعتها، أو زنيت بها؛ لأن قوله: «أتيتها» يمكن أتاها زائراً، ففيه احتمال، و«جامعتها» يعني اجتمعت معها في مكان، ولهذا يقال: التنوين لا يجامع الإضافة، والمعنى أنه لا يصاحبها ولا يجتمع معها، كذلك «زنى بها» لا يكفي، فربما يظن أن ما ليس بزنا زنا، مثل أن يظن التقبيل زنا، والنظر زنا، والاستمتاع بما دون الفرج، وما أشبه ذلك، ولهذا لا بد أن يصرح، ولما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم لماعز: «لعلك قبَّلت، أو نظرت، أو غمزت» ، قال: لا، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أنكتها؟» [(131)] بهذا اللفظ لا يكني، فالرسول ما كنَّى، مع أنه ما عُهد عنه أنه صلّى الله عليه وسلّم تكلم بصريح الوطء، إلا في هذه المسألة، فقال له: «أتدري ما الزنا؟» قال: نعم، أتيت منها حراماً، ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً[(132)].
وفي رواية لأبي داود: «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها، قال: نعم، فقال: كما يغيب الرشاء في البئر، والمِرْوَد في المكحلة؟ قال: نعم» [(133)]، فهذا واضح صريح باللفظ وضرب المثل، فكل هذا يدل على أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يستثبت من هذا الرجل، ويتأكد منه، وهل هو يعرف الزنا، أو لا يعرفه، فلا بد من أن يصرح بذكر حقيقة الوطء.
وأما التعليل فظاهر؛ لأنه ربما يظن ما ليس بزنا زناً، موجباً للحد، فاشترط فيه التصريح.
قوله: «ولا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد» هذا هو الشرط الثالث، ألاَّ ينزع عن إقراره، أي: لا يرجع عن إقراره حتى يتم عليه الحد؛ فإن رجع عن إقراره حرم إقامة الحد عليه، حتى ولو كان في أثناء الحد، وقال: إنه ما زنا، يجب أن يرفع عنه الحد، حتى لو كتب الإقرار بيده أربع مرات ورجع، فإنه يقبل رجوعه، ولا يجوز أن يقام عليه الحد.
والدليل على ذلك:
أولاً: أن ماعز بن مالك ـ رضي الله عنه ـ لما بدأوا يرجمونه، وأزلقته الحجارة، وذاق مسها هرب، حتى أدركوه فأتموا رجمه، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لما علم بهذا: «هلا تركتموه يتوب فيتوبَ الله عليه؟» [(134)].
قال أهل العلم: وهذا دليل على جواز رجوع المقِر، وأنه إذا رجع في إقراره حرم إقامة الحد عليه، حتى ولو كان قد شُرِع في ذلك،وحتى لو أنه لُقن أن يرجع فرجع فإنه يترك، ولا يقام عليه الحد.
ثانياً: قالوا: إن هذا هو ما قضى به الخلفاء الراشدون[(135)] رضي الله عنهم، ومعلوم أن للخلفاء الراشدين سنة متبعة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» [(136)]، فإذا قضوا بأن رجوع المقر عن الإقرار موجب لرفع الحد عنه وجب علينا أن لا نقيم عليه الحد، وحرم علينا إقامة الحد.
ثالثاً: قالوا: إن المعنى يقتضي رفع الحد عنه؛ لأنه إذا رجع وقال: إنه لم يزنِ، فكيف نقيم الحد على رجل يصرخ بأعلى صوته إنه لم يزنِ؟! فنحن نقيم عليه الحد بأمر هو ينكره، والأمر جاء من قِبَله هو، فلا يمكن أن نحده وهو ينكره.
رابعاً: القياس على رجوع البينة؛ لأنه لو شهد عليه أربعة رجال بالزنا، وحكم الحاكم بإقامة الحد بمقتضى هذه الشهادة ثم رجعوا، قالوا: شهدنا ولكن نستغفر الله ونتوب إليه، رجعنا عن شهادتنا، فإنه لا يجوز إقامة الحد عليه؛ لأن رجوع هؤلاء الشهود قدح فيهم؛ لأنهم كاذبون في إحدى الشهادتين، إن كان في الأول فهم كاذبون فلا تقبل، وإن كان في الثاني فهم كاذبون فلا تقبل شهادتهم.
فقالوا: إن هذا يقاس عليه، أي: أن رجوع المقر عن إقراره يرفع عند الحد، كرجوع الشهود عن شهادتهم.
وهذا هو مذهب الإمام أحمد، وأبي حنيفة، والشافعي، ومالك في بعض الأحوال.
وقالت الظاهرية: لا يقبل رجوعه عن الإقرار، ويجب إقامة الحد عليه، وبيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالوا: إن الله ـ عزّ وجل ـ يقول: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}} [النساء: 135] ، فإذا شهد على نفسه بالزنا فقد قام بالقسط، وصَدَقَ عليه وصف الزاني، وقد قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}} [النور: 2] ، فكيف نرفع هذا الحكم الذي أمر الله به مُعَلَّقاً على وصف ثبت بإقرار من اتصف به؟! هذا لا يمكن؛ لأن هذا حكم معلق على وصف ثبت بإقرار، فبمجرد ما ثبت الإقرار ثبت الحد، فما الذي يرفعه؟!
وأما السـنـة قالوا: لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال لأنيس ـ رضي الله عنه ـ: «واغدُ إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» [(137)]، ولم يقل: ما لم ترجع، وإذا كان لم يقله مع أن الحاجة تدعو إليه عُلم أنه ليس بشرط ألاَّ يرجع في إقراره حتى يتم عليه الحد؛ لأن الشرط لا بد أن يتم، وإلا لا يمكن أن يطبق الحكم بغير تمام الشرط.
قالوا: وأما قولكم: إن ماعزاً ـ رضي الله عنه ـ رجع عن إقراره، فهذا قول بلا علم، وماعز ـ رضي الله عنه ـ ما رجع عن إقراره أبداً، وهربُهُ لا يدل على رجوعه عن إقراره إطلاقاً، ومن ادعى أن ذلك رجوع عن إقراره فقد قال قولاً بلا علم، وقد حرَّم الله ـ عزّ وجل ـ علينا أن نقول بلا علم في قوله: {{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}} [الإسراء: 36] ، نعم، ماعز هربه قد يكون رجوعاً عن طلب إقامة الحد عليه، فهو في الأول يريد أن يقام عليه الحد، وفي الثاني أراد ألاَّ يقام عليه الحد، وتكون التوبة بينه وبين الله، ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «هلاّ تركتموه يتوب فيتوب الله عليه» [(138)]، فدل هذا على أن حكم الإقرار باقٍ؛ لأنه لا توبة إلا من زنا، ما قال الرسول: هلا تركتموه؛ لأنه ارتفع إقراره، بل قال: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه» .
وحينئذٍ لا يكون في الحديث دليل على ما زعتمم، بل إن لم يكن دليلاً عليكم، لم يكن دليلاً لكم، وكونه دليلاً عليهم أقرب من كونه دليلاً لهم؛ لأن إقرار الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه يتوب دليل على ثبوت الذنب في حقه، ولو كان ذلك يرفع مقتضى إقراره لارتفع عنه حكم الذنب.
ولهذا لو جاءنا رجل يقر بأنه زنا ويطلب إقامة الحد، ولما هيأنا الآلة لنقيم عليه الحد، وأتينا بالحصى لأجل أن نرجمه، ونظر إلى الحصى، فقال: دعوني أتوب إلى الله؛ ماذا نقول له؟ يجب أن ندعه يتوب إلى الله؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه» ، وحينئذٍ ندعه يتوب، فيتوب الله عليه.
أما لو قال: ما زنيت، فلا يقبل؛ لأن هذا الرجل يريد أن يدفع عن نفسه وصفاً ثبت عليه بإقراره، ولو أننا قلنا بقبول رجوع الجاني عن إقراره لما أقيم حدٌّ في الدنيا؛ لأن كل من يعرف أنه سيحد ربما يرجع، إلا أن يشاء الله، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في الفتاوى، فكل إنسان يخشى من العقوبة، وكان في الأول عنده عزم أن يطهر نفسه بالعقوبة، ولكن تأخر، فسيقول: ما حصل منه هذا الشيء، فهناك فرق بين الرجوع عن الإقرار، والرجوع عن طلب إقامة الحد، وهو ظاهر جداً.
وأما قولكم: إنه يقاس على الشهادة فهذا قياس في غاية الضعف؛ لأن الشهود خطؤهم أو عدوانهم ممكن، خطؤهم بحيث يظنون أن هذا الرجل هو الذي زنا وهو غيره، لكنه شبيه به، فيعتقدون اعتقاداً جازماً أن هذا هو الرجل، فيشهدون على ما اعتقدوه، والواقع أنه غيره، وهذا يمكن، لكن هل يمكن للإنسان أن يخطئ في نفسه، ويظن أنه زنا وهو ما زنا؟! لا يمكن هذا، أيضاً قد يكون الشهود ما عندهم خطأ، لكن عندهم عدوان، أرادوا أن يورطوا هذا المشهود عليه، فشهدوا عليه بالزنا، وهو ما زنا أصلاً، وهذا يمكن، لكن عدوان الإنسان على نفسه بعيد، فبعيد أن يشهد على نفسه، ويلطخ نفسه بالزنا ويرضى العقوبة وهو كاذب، هذا من أبعد ما يكون، لكن كذب الشهود ممكن فيكذبون ويشهدون، ثم بعد ذلك يندمون، ويقولون: كيف نشهد، نلطخ عرضه، ونعرضه للعقوبة، وربما تكون رجماً، فيرجعون، فقياس هذا على هذا من أبعد ما يكون.
وأما قولهم: إن المعنى يقتضيه، فكيف نقيم الحد على رجل يصرخ بأعلى صوته: إنه ما فعل؟!
فنقول: نحن ما جنينا عليه، نحن أقمنا عليه الحد باعترافه، وكونه يكذب في الرجوع، أقرب من كونه يكذب في الإقرار؛ لأنه بعيد أن يقر الإنسان على نفسه أنه زنا وهو ما زنا، لكن قريب أن يرجع عن إقراره إذا رأى أنه سيقام عليه الحد وهو قد اعترف.
وأما قضاء الخلفاء الراشدين، فأنا ما اطلعت على نصوصهم، فربما يكون هناك أشياء تشبه ما وقع لماعز فحكموا بها، فظن أهل العلم القائلون بهذا القول أنها من باب الرجوع عن الإقرار، وليست كذلك، فنحتاج أن نقف على النصوص الواردة عن الخلفاء الراشدين؛ لأن مخالفة الخلفاء الراشدين ليست بالأمر الهين، ونحن نتهم رأينا في مقابل قولهم، أما من حيث النظر بالأدلة فلا شك أن الراجح هو قول الظاهرية، ولا سيما إذا وجد قرائن، فمثلاً لو أن رجلاً سرق، وأمسكناه فأقر بالسرقة وأخبر أن الأشياء التي سرقها عنده، فلما أعطاهم الأشياء المسروقة، قال: أنا لم أسرق، فهنا الصحيح أنه ليس له الرجوع عن إقراره، بل يقام عليه الحد.
فإن قيل: المال موجود عنده، قالوا: يمكن أن السارق جاء ووضعها في بيته، أو أنه اشتراها، أما المذهب فإنه يقبل رجوعه في الإقرار ما دام أن الحد لم يقم عليه، لكن لا يقبل رجوعه بالنسبة لحق الآدمي، وهذا مما شنع به ابن حزم على أهل الفقه، قال: سبحان الله!! إقرار واحد، تقولون: يلزمك في هذا، ولا يلزمك في هذا!! إما أن تبطلوهما وإلا أثبتوهما.
والمهم على كل حال أن درء الحدود بمثل هذه الشبهات البعيدة بعيد عن الصواب، والواجب أن تُساس الأمة بما يمنع من الفساد، ولهذا كان القول الراجح كما سيأتينا ـ إن شاء الله ـ أن شارب الخمر إذا جلد ثلاث مرات ولم ينته فإنه يقتل، إما مطلقاً على رأي الظاهرية، وإما إذا لم ينته الناس بدون القتل على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

  #6  
قديم 11 ربيع الثاني 1432هـ/16-03-2011م, 01:49 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تابع الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله


الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِزِنَا وَاحِدٍ يَصِفُونَهُ أَرْبَعَةٌ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ، سَوَاءٌ أَتَوْا الحَاكِمَ جُمْلَةً، أَوْ مُتَفَرِّقِينَ، وَإِنْ حَمَلَتِ امْرَأَةٌ لاَ زَوْجَ لَهَا، وَلاَ سَيِّدَ لَمْ تُحَدَّ بِمُجَرَّدِ ذلِكَ.
قوله: «الثَّانِي» : أي: الطريق الثاني مما يثبت به الزنا.
قوله: «أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي مجلسٍ واحدٍ بزنا واحد يصفونه أربعة ممن تقبل شهادتهم فيه، سواء أتوا الحاكم جملة أو متفرقين» .
فالشروط خمسة أن يأتي هؤلاء الشهود إلى الحاكم الذي يثبت الزنا في مجلس واحد، سواء جاؤوا جميعاً، أو متفرقين، فالقاضي ـ مثلاً ـ له جلسة من الساعة الثامنة صباحاً إلى الساعة الثانية عشرة، أربع ساعات، فجاء الأول في الساعة الأولى وأثبت شهادته ومضى، وجاء الثاني في الساعة التاسعة فأثبت شهادته ومضى، وجاء الثالث في العاشرة فأثبت شهادته ومضى، وجاء الرابع في الحادية عشرة فأثبت شهادته ومضى، فهنا المجلس واحد، ولكنهم متفرقون.
أو جاؤوا مجتمعين، يعني جاؤوا جميعاً، كل واحد ممسك بيد الآخر، وشهدوا عند القاضي في نفس اللحظة، فإنه يكفي.
فإن جاؤوا في مجلسين، مثل أن جاء اثنان منهم في جلسة الصباح، واثنان في جلسة المساء، فإنهم قَذَفَةٌ، ولا تقبل شهادتهم، ويجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة، فإن قالوا: نحن نشهد على زنا واحد؟ قلنا: لا، أنتم لم تأتوا في مجلس واحد، وهذا هو مذهب الإمام أحمد، وأبي حنيفة، ومالك.
وأما الشافعي وجماعة من أهل الحديث، فقالوا: لا يشترط المجلس الواحد.
ودليل الأولين قالوا: لو قبلنا شهادتهم وهم يأتون في مجالس، لكان في ذلك تهمة، ربما أن الشاهدين الأولين يذهبان إلى رجلين آخرين ويغرونهما بالمال، أو ما أشبه ذلك، ويصفون لهم ما شهدوا به، ويقولون: اشهدوا على هذا النحو، ويأتون إلى القاضي في الجلسة الأخرى؛ لأنهم إذا أغروا هؤلاء بالمال وشهدوا مثل شهادتهم سلموا من أن يكونوا قذفة فيجلدوا، وأيضاً حصل لهم ما يريدون من تدنيس عرض المشهود عليه.
أما الذين قالوا: لا يشترط أن يكونوا في مجلس واحد، فقالوا: إن الآية عامة {{لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}} [النور: 13] ، وهؤلاء الشهداء الأربعة أتوا إلى القاضي، وأثبتوا شهادتهم، فأين في كتاب الله، أو في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اشتراط أن يكون في مجلس واحد؟
وقولكم: إنه يُخشى من التمالؤ ينتقض عليكم بقولكم: إنهم يُقبلون، سواء أتوا الحاكم جملة، أو متفرقين؛ لأنه ربما يتمالأ هؤلاء الذين شهدوا في الساعة الأولى مع الذين شهدوا في الساعة الثالثة، أو الرابعة مثلاً، ولو أنكم قلتم كما قال أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم: إنه لا بد أن يأتوا الحاكم ويدلوا بشهادتهم مجتمعين في مجلس واحد، يعني أنهم إذا جاؤوا متفرقين فإنهم قَذَفَة، فعندنا ثلاثة أقوال:
الأول: اشتراط المجلس الواحد وحضورهم جميعاً.
الثاني: عدم اشتراط المجلس.
الثالث: اشتراط المجلس الواحد دون الحضور، وهذا هو المذهب عندنا، ولكن القولين الآخرين أقرب للقاعدة، إما أن نشترط أن يأتوا جميعاً ويشهدوا، وإما ألا نشترط ذلك، والأقرب إلى النصوص أنه لا يشترط؛ لأنها عامة.
وعلى هذا فيكون قوله: «في مجلس واحد» على القول الراجح ليس بشرط.
وقوله: «بزنا واحد» يعني لا بد أن يشهدوا على زنا واحد، فلو شهد رجلان على أنه زنا في الصباح، ورجلان أنه زنا في المساء، فهذان فعلان فلا تقبل الشهادة، ويجلد الشهود للقذف؛ لأن الزنا متعدد، ولو شهد اثنان أنه زنا في زاوية، واثنان أنه زنا في زاوية أخرى، فهل هذا زنا واحد أم لا؟
فيه تفصيل؛ إن كانت الحجرة صغيرة كملت الشهادة، وإن كانت كبيرة لم تكمل؛ والسبب أنها ممكن أن تتدحرج معه من زاوية إلى أخرى نسأل الله العافية، أما إذا كانت كبيرة فهذا يمتنع في العادة، فيعتبر الزنا فعلين.
وهل يشترط ذكر المزني بها؟ لا يشترط؛ لأن المزني بها قد تكون غير معلومة للشهود؛ ولهذا لم يذكر المؤلف هذا الشرط، وهو كذلك.
وقوله: «يصفونه» يعني يصفون الزنا بلفظ صريح، بأن يقولوا: رأينا ذكره في فرجها، فلو قالوا: رأيناه عليها متجردَيْن، فإن ذلك لا يقبل حتى لو قالوا: نشهد بأنه قد كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، بل لا بد أن يقولوا: نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جداً، مثلما قال الرجل الذي شُهد عليه في عهد عمر: لو كنت بين أفخاذنا لم تشهد هذه الشهادة، وأظن هذا لا يمكن، ولكن لا أدري هل يمكن بالوسائل الحديثة أم لا كالتصوير؟ الظاهر أنه لا يمكن أيضاً؛ لأن الذي تدركه الصورة تدركه العين، فإذا لم تدركه العين لم تدركه الصورة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى عهده، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذاك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جداً.
فلو شهد الأربعة بأنهم رأوه كما يكون الرجل على امرأته، فإنه لا يحد للزنا، وهل يحدون للقذف؟ لا يحدون للقذف؛ لأنهم ما قذفوا، ما قالوا: زنا، بل قالوا: إننا رأيناه كما يكون الرجل على امرأته فقط.
ولكن هل نقول: إن هذه تهمة قوية بشهادة هؤلاء الشهود العدول، فيعزر؟ نعم، فإذا لم يثبت الزنا الذي يثبت به الحد الشرعي، فإنه يعزر لأجل التهمة؛ لأننا بين أمرين، إما أن نعزره، وإما أن نعزر الشهود، فأحدهما لا شك مخطئ، وهنا يثبت أن الشهود ثبت بشهادتهم التهمة.
وقوله: «أربعة» فاعل «يشهد» لكنه تأخر عن عامله لأجل ذكر الشروط متوالية، وكلمة «أربعة» عدد يكون للمذكر، وعلى هذا فلا بد أن يكونوا رجالاً، فإن «أربعة» بمعنى أربعة رجال لقوله تعالى: {{لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}} [النور: 13] ، وشهداء ـ أيضاً ـ للمذكر، جمع شاهد أو شهيد، فلو شهد ثمان نسوة لا يقبل، وكذلك ثلاثة وامرأتان لا يقبل.
وقوله: «ممن تقبل شهادتهم فيه» أي: في الزنا، فلا بد أن يكون هؤلاء ممن تقبل شهادتهم في نفس الزنا، وبعض الناس يقبلون في الزنا، ولا يقبلون في غيره، أو يقبلون في غيره، ولا يقبلون في الزنا، كما لو كان أعمى، فالأعمى لو شهد بما يسمع قبلت شهادته، لكن بما يرى لا تقبل، فلو جاء ثلاثة يشهدون بالزنا، وجاؤوا بالرابع أعمى، لا يقبل، فإن قال: أشهد أنه زنا، قلنا: أنت كاذب، فإن قال: أشهد بشهادة هؤلاء الثلاثة؛ لأنهم عدول عندي، والرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» [(139)]، وهؤلاء ثلاثة أشهد على شهادتهم، بل آكل على شهادتهم الميتة!! نقول: نعم، ولكن لا بد من وصف الزنا، فصفه لنا، فيقول: كما قال الثلاثة، فنسأله: هل رأيته؟ فيقول: إنه لم يره، وهذا فعل، والفعل مما يُشهد عليه بالبصر؛ ولهذا لا تقبل شهادة الأعمى في باب الزنا، ولا في كل فعل.
ولا بد أن يكونوا من غير أعداءِ المشهود عليه، فإن كانوا من أعدائه فلا تقبل شهادتهم؛ لأن العدو يفرح أن يصاب عدوه بهذه الفاحشة، وعدو الإنسان من سرَّهُ مساءتُهُ وغَمَّه فرحُهُ، هذا ضابط العداوة عند أهل الفقه، فإذا قيل له: إن فلاناً نجح، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإن قيل له: إن فلاناً أصيب بحادث وتكسرت سيارته، قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فهذا عدو؛ لأنه في الأول ساءه مسرة هذا الشخص، وفي الثاني فرح بما يغم هذا الشخص.
وقوله: «سواء أتوا الحاكم جملة أو متفرقين» ، سبق الكلام على هذا، وأن بعض العلماء يقول: لا بد أن يأتوا الحاكم في مجلس واحد جملة، والصواب أنه لا يشترط المجلس الواحد.
قوله: «وَإِنْ حَمَلَتِ امْرَأَةٌ لا زَوْجَ لَهَا وَلاَ سَيِّدَ لَمْ تُحَدَّ بمجَرَّدِ ذَلِكَ» «امرأة» نكرة في سياق الشرط فتعم، سواء كانت حرة أم أمة، صغيرة أم كبيرة «لا زوج لها ولا سيد» ، والتي ليس لها زوج، ولا سيد لا تحمل إلا من وطء محرم، لقوله تعالى: {{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ *}{إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ }} [المؤمنون:6] ، {{أَزْوَاجِهِمْ}} هذه ذات الزوج، {{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}} ذات السيد، فإذا حملت امرأة ليس لها زوج، وليس لها سيد، فإننا لا نتعرض لها، ولا نقول: من أين جاءك الحمل؟ ولا نسألها؛ لأن في سؤالها إشاعة للفاحشة، وقد قال الله ـ عزّ وجل ـ: {{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}} [النور: 19] ، فإذا كان هذا الوعيد فيمن يحب أن تشيع الفاحشة، فكيف بمن تسبب لشيوع الفاحشة؟!
ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ادرؤوا الحدود بالشبهات» [(140)]، وهذا الحديث كما سبق حديث ضعيف.
فعلى هذا فلا تُسأل، ولا تُحد، حتى لو كانت تحمل كل سنة، وتأتي بولد وصار لها عشرة أولاد بدون زوج، ولا سيد، فإننا لا نتعرض لها!! وهذا الذي ذكر المؤلف هو المذهب، وهو أحد أقوال ثلاثة.
القول الثاني: أنه يجب عليها الحد ما لم تدعِ شبهة، مثل أن تدعي أنها اغتصبت، أو تدعي أنها وجدت شيئاً فأدخلته في فرجها، فكان مَنِيَّ رَجُلٍ فحملت به، أو ما أشبه ذلك من الأمور التي تُعذر فيها فإذا ادعت شبهة ممكنة فلا تحد.
القول الثالث: يجب عليها الحد وإن ادعت شبهة.
وحجة القول الثاني، يقولون: إن أمير المؤمنين عمر ـ رضي الله عنه ـ خطب الناس على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال فيما قال: «إن الرجم حق ثابت على من زنا إذا أَحصن إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف»[(141)]، فذكر لثبوته ثلاثة أشياء:
الأول: أن تقوم البينة، أربعة رجال بالشروط المعروفة.
الثاني: الحبل.
الثالث: الاعتراف.
وهذا قاله أمير المؤمنين عمر على منبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وبمحضرٍ من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، ولم يذكر أن أحداً نازعه في ذلك، أو خالفه، ومثل هذا يكون من أقوى الأدلة إن لم يُدَّعَ فيه الإجماع فهو كالإجماع، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو الحق بلا ريب.
فالولد في الأصل من الجماع، وأما كون المرأة ربما وجدت شيئاً فيه ماء رجل فأدخلته في فرجها، ثم دبت هذه النطفة إلى رحمها، وحبلت، فهذا شيء بعيد!! ولو أننا قلنا بعدم الحد لانتشر الشر والفساد، ولكانت كل امرأة بغي تلد كل سنة، ويقال: لا تسألوها ودعوها، حتى تأتي هي وتقر بالزنا، وحينئذٍ أقيموا عليها الحد.
وأما قول الفقهاء رحمهم الله: إن هذا من باب الشبهات، والحدود تدرأ بالشبهات، فنقول:
أولاً: نمنع المقدمة الأولى، وهي أنه من الشبهات، فنقول: أين الشبهة في امرأة حملت؟! الأصل أنها ما حملت إلا من جماع، وإذا لم تكن ذات زوج ولا سيد، فليس عندنا إلا الجماع المحرَّم، إلا إذا ادعت الشبهة.
ثانياً: الحديث الذي استدلوا به ضعيف، ولو أننا أخذنا بكل شبهة ـ ولو كانت شبهة ضئيلة كالشررة في وسط الرماد ـ لَكُنَّا وافقنا قول من يقول: إن الرجل إذا استأجر امرأة ليزني بها فزنى بها فلا حد عليه، وهذا قول لبعض العلماء، قالوا: لأن الاستئجار شبهة لإباحة جماعها في مقابل الأجرة.
وما من إنسان يريد الزنا إلا توصل إلى الزنا بمثل هذه الطريقة، بكل سهولة، فالقصد أن مجرد الشبهة ولو كشرارة في وسط الرماد ليس بصحيح، ولا يمكن أن ترتفع بها الأحكام، وإلا فسدت أحوال الناس.
وأما القول الثالث الذي يقول: إنها تحد ولو ادعت الشبهة، فيقولون: إنها بحملها ثبت زناها بمقتضى حديث عمر ـ رضي الله عنه ـ، والأصل عدم الإكراه فلتأتِ ببينة على ما ادعته من الشبهة، وإلا وجب الأخذ بظاهر الحال، وهذا تعليله أقوى من تعليل القول الأول، الذي يقول بأنها لا تحد، ومع ذلك فهو تعليل عليل لا تقوم به الحجة، ولا يمكن أن نتلف به الأنفس، ولا سيما إذا كانت ثيباً فإنها سترجم بمجرد ذلك.
بقي أن يقال: إن تعليل الفقهاء بأن سؤالها من باب إشاعة الفاحشة، نقول: إننا لن نسألها، بل نقيم عليها الحد بدون سؤال، حتى تدعي ما يرتفع به الحد.
إذاً طرق ثبوت الزنا بهذا التقرير أربعة:
أولاً: الشهادة.
ثانياً: الإقرار.
ثالثاً: حمل من لا زوج لها ولا سيد.
رابعاً: اللعان بين الزوجين، فإذا تم لعان الزوج ولم تدافعه.






[107] أخرجه البخاري في الحدود/ باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت (6824)، ومسلم في الحدود/ باب من اعترف على نفسه بالزنا (1692).

[108] سبق تخريجه ص(230).
[109] سبق تخريجه ص(225).
[110] أخرجه الترمذي في الحدود/ باب ما جاء في النفي (1438)، والنسائي في الكبرى (7342) ط. الكتب العلمية، والحاكم (4/369) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في البلوغ (1130): «رجاله ثقات إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه».
[111] أخرجه البخاري في التفسير/ باب {{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}} (4886)، ومسلم في اللباس/ باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة (2125).
[112] أخرجه البخاري في الأضاحي/ باب من قال: الأضحى يوم النحر (5550)، ومسلم في الحدود/ باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679) عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ.
[113] سبق تخريجه ص(231).
[114] أخرجه الإمام أحمد (1/300)، وأبو داود في الحدود باب فيمن عمل عمل قوم لوط (4462)، والترمذي في الحدود باب ما جاء في حد اللوطي (1456)، وابن ماجه في الحدود باب من عمل عمل قوم لوط (2561) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وصححه الحاكم (4/355) ووافقه الذهبي، وصححه ابن عبد الهادي في المحرر (1152)، والألباني في الإرواء (2350).
[115] رواه البيهقي (8/232) عن أبي بكر وعلي ـ رضي الله عنهما ـ، وانظر: الدراية (2/103) ورواه ابن حزم عن ابن الزبير ـ رضي الله عنه ـ وهشام بن عبد الملك. انظر: المحلى (11/381، 384).
[116] أخرجه ابن أبي شيبة (28337)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/232) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وإسناده صحيح، وانظر: نصب الراية (3/342).
[117] أخرجه أحمد (1/269)، وأبو داود في الحدود باب فيمن أتى بهيمة (4464)، والترمذي في الحدود باب ما جاء فيمن يقع على بهيمة (1455)، وابن ماجه في الحدود باب من أتى ذات محرم ومن أتى بهيمة (2564) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وضعفه أبو داود وغيره، انظر: التلخيص (1753).
[118] ولفظه: «إذا قال الرجل للرجل: يا يهودي فاضربوه عشرين، وإذا قال: يا مخنث فاضربوه عشرين، ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه»، أخرجه أحمد (1/300)، والترمذي في الحدود باب ما جاء فيمن يقول لآخر: يا مخنث (1462)، وابن ماجه في الحدود باب من أتى ذات محرم ومن أتى بهيمة (2564) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وصححه الحاكم (4/356)، انظر: نصب الراية (3/343)، والإرواء (2352).
[119] أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة باب الصلاة كفارة (526)، ومسلم في التوبة باب قوله تعالى: {{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}} (2763) عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
[120] أخرجه الترمذي في الحدود باب ما جاء في درء الحد (1424)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/238) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ، قال الترمذي: لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث محمد بن ربيعة عن يزيد بن زياد الدمشقي، وهو ضعيف في الحديث، والحديث ضعفه البيهقي، وصححه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (4/426)، وانظر: نصب الراية (3/333)، وخلاصة البدر المنير (2383)، والتلخيص (1755)، والإرواء (2355).
[121] قال في الروض: «أي نحو ما ذكر كجهل تحريم الزنا من قريب عهد بالإسلام، أو ناشئ ببادية بعيدة» (7/322).
[122] أخرجه ابن ماجه في الطلاق/ باب طلاق المكره والناسي (2043) عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، ولفظه: «إن الله تجاوز لي عن أمتي...»، وأخرجه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ (2045)، ولفظه: «إنَّ الله وضع عن أمتي...»، وصححه ابن حبان (7219)، وصححه الحاكم (2/198) على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
[123] سبق تخريجه ص(225).
[124] سبق تخريجه ص(231).
[125] أخرجه البخاري في الحدود باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت (6824) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
[126] سبق تخريجه ص(225).
[127] سبق تخريجه ص(231).
[128] سبق تخريجه ص(225).
[129] سبق تخريجه ص(212).
[130] سبق تخريجه ص(51).
[131] أخرجه البخاري في الحدود/ باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت (6824)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد مر تخريجه ص(258).
[132] أبو داود (3843) في الحدود/ باب رجم ماعز بن مالك، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[133] أخرجه أبو داود في الحدود باب رجم ماعز بن مالك ـ رضي الله عنه ـ (4428)، وصححه ابن حبان (4383) ط. الأفكار الدولية.
[134] أخرجه أحمد (5/216)، وأبو داود في الحدود باب رجم ماعز بن مالك (4419) عن نعيم بن هزال ـ رضي الله عنه ـ قال الحافظ في التلخيص (4/58): «إسناده حسن».
[135] جاء ذلك عن عمر وأبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ فيما رواه عبد الرزاق (18919)، ورواه ابن أبي شيبة عن عمر ـ رضي الله عنه ـ (28579) ط. الحوت، وجاء عن علي رضي الله عنه، كما في مسند أبي يعلى (328) ط، حسين سليم أسد.
[136] أخرجه الإمام أحمد (4/126)، وأبو داود في السنة باب لزوم السنة (4606)، والترمذي في العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة (1676)، وابن ماجه في المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين (42) عن العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (5)، والحاكم (1/96).
[137] سبق تخريجه ص(225).
[138] أخرجه أبو داود في الحدود/ باب رجم ماعز بن مالك (3836)، وأحمد (5/216 ـ 217) عن نعيم بن هزال رضي الله عنه.
ورواه الترمذي مختصراً في الحدود/ باب ما جاء في درء الحد... (1348)، عن أبي هريرة رضي الله عنه وحسّنه.
[139] أخرجه الإمام أحمد (4/321)، والنسائي في الصوم باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان (4/133)، والدارقطني (2/167) عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وصححه في الإرواء (909).
[140] سبق تخريجه ص(249).
[141] سبق تخريجه ص(209).

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
شروط, إقامة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:55 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir