دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > كتاب الزكاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ذو القعدة 1429هـ/7-11-2008م, 01:04 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [فرض الزكاة]

عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: ((إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فإذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَه إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الله حِجَابٌ)).

  #2  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 09:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ الخامسُ والستُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بنِ جَبَلِ، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: ((إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فإذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّه حِجَابٌ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: الاستعدادُ بالعِلْمِ والحُجَجِ لمجادلةِ أعداءِ الدينِ.
الثَّانِيَةُ: تَعَلُّمُ وتَعْلِيمُ حسنِ الدعوةِ إلى اللَّهِ تَعَالَى، ليكونَ الداعِي على بصيرةٍ.
الثَّالِثَةُ: الدعوةُ إلى الأَهَمِّ فالأَهَمِّ، وأَهَمُّ شَيْءٍ التوحيدُ؛ لأنَّهُ الأساسُ.
الرَّابِعَةُ: أنَّ الصلواتِ الخَمْسَ بعدَهُ ثمَّ الزكاةَ، فلا يُنْتَقَلُ منْ دعوةٍ لأُخْرَى حتَّى يُطَاعَ في الأُولَى.
الْخَامِسَةُ: حيثُ إنَّ الزكاةَ مُوَاسَاةٌ بينَ الأغنياءِ والفقراءِ، فلا يَحِلُّ أَخْذُ الرَّدِئِ كما لا يَحِلُّ أخذُ الجيِّدِ إلَّا بِرِضَا صَاحبِ المالِ.
السَّادِسَةُ: مَشْرُوعِيَّةُ بَعْثِ السُّعاةِ لقبضِ الزكاةِ.
السابعةُ: جوازُ صرفِ الزكاةِ لصنفٍ واحدٍ من الأصنافِ الثمانيةِ.

  #3  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 09:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ السادسُ والستونَ بعدَ المائةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما قال: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: ((إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ، فإذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فإنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ)) .
(166) المعنَى الإجماليُّ:
بعَث النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعاذَ بْنَ جبلٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ إلى اليمنِ داعياً ومُعَلِّماً ، وقاضياً ، فبيَّن له صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفةَ الدّعوةِ والحكمةِ الرّشيدةِ.
فأخبره ـ أوَّلاً ـ عن حالِ مَن سيَقْدَمُ عليهم؛ لأن لكلِّ أُناسٍ خِطاباً يُلائمُهم.
فأخبره أنَّهم أهلُ كتابٍ، عندَهم عِلمٌ وحُجَجٌ يُجَادلونَ بها، ليأخذَ لهم الأُهْبَةَ.
ثم أَمَرَه أنْ يَدْعُوَهم بالأهَمِّ فالأهَمِّ.
فأهمُّ شيءٍ الشّهادتانِ؛ لأنَّهما الأساسُ، الذي لا يقومُ بناءٌ بدونِه.
فلا تصِحُّ العباداتُ إنْ لمْ يُوجدِ الإقرارُ قلباً وقالِبًا بهما.
ثم أمره إذا أطاعوه بهما، أن يدْعوَهم إلى أهمِّ العباداتِ، وهي الصَّلواتُ الخمسُ المكتوبةُ.
ثم يبيِّنُ لهم ـ بعدَ الْتِزَامِ الصَّلاةِ ـ فريضةَ [الزكاةِ] التي هي قرينةُ الصّلاةِ، وهي العبادةُ الماليَّةُ بعدَ العبادةِ البدنيَّةِ، وأن القصدَ منها، المواساةُ بينَ المسلمينَ، ولذا فإنها تُؤْخَذُ من الأغنياءِ، فتُرَدُّ على الفقراءِ.
ثم يبيِّنُ له ما لهم من حقِّ الإنصافِ والعدلِ، بعد الْتِزامِهم بأداءِ الزَّكاةِ.
وهي أنْ لا يأخذَ الزَّكاةَ مِن الكِرامِ الطَّيباتِ، بل يأخذُ من الوسَطِ؛ لأن مبْناها على المواساةِ.
وبما أنَّ للساعِي سلْطَةً، يُخْشَى أن يستغلَّها في ظُلْمِ الرَّعيَّةِ فقد حذَّره من الظُّلمِ،؛ لئلا يدعوَ عليه المظلومُ الذي تجدُ دعوتُه أبوابَ السّماءِ مُفَتَّحَةً، فتَلِجُ حتَّى تصلَ إلى الحَكَمِ الْعَدْلِ، فَيَنْتَصِفُ لصاحبِها الذي طلب حقَّه منه، وهو مُجيبُ دعوةِ المضطرينَ.
الأحكامُ المأخوذةُ من الحديثِ:
1ـ قولُه : ((إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ)) هو تَوْطِئَةٌ وتمهيدٌ للوصيَّةِ باستجماعِ هِمَّتِهِ في دعوتِهم، فإنَّ أهلَ الكتابِ لديْهم عِلْمٌ ، ولا يُخاطَبونَ كما يُخاطَبُ جُهَّالُ المشركينَ.
2ـ الاستعدادُ بالحُجَجِ والعِلمِ لمُجادلَةِ أعداءِ الدِّينِ، وردِّ شُبَهِهِم الباطلَةِ.
3ـ تعلُّمُ وتعليمُ حُسْنِ الدَّعوةِ إلى اللهِ تعالى، لتكونَ الدَّعوةُ بالحكمةِ.
4ـ الدّعوةُ إلى اللهِ تكونُ بالأهمِّ فالأهمِّ.
5ـ أن أهمَّ شيءٍ هو التَّوحيدُ؛ لأنَّه الأساسُ الذي لا تصحُّ العباداتُ بدونِه. وهذا هو المرادُ من تقديمِ الدَّعوةِ أوَّلاً إلى التّوحيدِ والإيمانِ.
6ـ إن الصَّلواتِ الخمسَ تأتي في المرتبةِ الثَّانيةِ؛ لأنها عمودُ الدِّينِ.
7ـ أن الزَّكاةَ تأتي في الدَّرجةِ الثَّالثةِ ، ولم يذكرِ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأركانِ إلا ثلاثةً معَ أنه بعَث مُعاذاً بعدَ فرضِ الصَّومِ والحجِّ ، وفي هذا نُكْتَةٌ أجابَ عنها العلماءُ
بأنَّ قولَه تعالى : (فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكاة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ) سورةُ التّوبةِ، آيةُ5. هو من سورةِ "بَرَاءةٌ" التي نزلت بعدَ فرضِ الصَّومِ والحجِّ قطعاً، فكان الحديثُ مُسَاوَقَةً لهذه اللفتةِ القرآنيَّةِ. هذا مع إجماعِ العلماءِ على أن أركانَ الإسلامِ خمسةٌ لا يتمُّ إلا بها كلِّها.
8ـ أنه لا ينتقِلُ من دعوةٍ إلى أُخْرى، حتَّى يُطاعَ في الأولى.
9ـ أنَّ الزَّكاةَ مواساةٌ؛ لأنها تُؤْخَذُ من الأغنياءِ لتُعْطَى الفقراءَ.
10ـ أنه لا يحلُّ للساعي أن يأخذَ من الجَيِّدِ العالي، بل يأخذُ الوسَطَ إلا إذا سمَح بذلك ربُّ المالِ، بلا حياءٍ ولا إكراهٍ، فالحقُّ له ، وقدْ بذَلَه.
11ـ أن يَخْشَى السّاعي من ظُلمِ النَّّاسِ؛ فإنَّ ظُلمَهم سببٌ في دُعائِهم عليه الذي لا يرُدُّه اللهُ تعالى؛ لأنه طَلَبُ العدلِ والحُكمِ، واللهُ أعدلُ العادلينَ، وأحكمُ الحاكمينَ. وفي الحديثِ دليلٌ على فَداحةِ الظُّلمِ.
12ـ مشروعيةُ بعثِ الإمامِ السُّعاةَ لجبيِ الزَّكاةِ، وأن الذِّمَّةَ تبرَأُ بدفعِها للإمامِ أو سُعاتِه.
13ـ في الاقتصارِ على الصّلواتِ الخمسِ، دليلٌ على عدمِ وُجوبِ الوِترِ.
14ـ جَوازُ صرفِ الزَّكاة لصِنفٍ واحدٍ من الأصنافِ الثّمانيَةِ.
15ـ قولُه: ((عَلَى فُقَرَائِهِمْ)) اسْتُدِلَّ على عدمِ جَوازِ نقلِ الزَّكاةِ من بلدٍ إلى آخرَ.
والصَّحيحُ جَوازُ نقلِها، لا سيَّما مع المصلحةِ، بأن يكونَ له أقاربُ فقراءُ في غيرِ بلدِ المالِ، أو إعانةً على جهادٍ أو عِلمٍ.
وكان النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعثُ عُمَّالَه على الصَّدقةِ ، فيأتونَ بها المدينةَ ليُفرِّقَها فيها , وهو إحدى الرِّواياتِ عن الإمامِ أحمدَ. والمشهورُ من مذهبِه القولُ الأوَّلُ.
16ـ وممَّا يُضْعِفُ القولَ بعدمِ نقلِها أن أعيانَ الأشخاصِ المُخاطَبينَ في قواعدِ الشَّرعِ الكُلِّيَّةِ لا تُعْتَبَرُ، فقد وردت مُخاطَبتُهم في الصّلاةِ، ولا يختصُّ بهم الحُكمُ قطعاً .

  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 09:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

171 - الحديث الأوَّلِ: عن عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ، رضي اللهُ عنهما، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَعاذِ بْنِ جَبَلٍ - حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليمنِ -: (( إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهدُوا أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذلِكَ، فإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المظَلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ)).

((الزكاةُ)) فِي اللغةِ لِمعنَيَيْنِ، أحدُهما: النماءُ. الثاني: الطهارةُ. فمنَ الأوَّلِ: قولُهمْ: زكاةُ الزَّرعِ. ومِن الثاني: قولُه تعالى: (وَتُزَكِّيهِم بِهَا) [التوبةِ: 103] وسُمِّيَ هذا الحقُّ زكاةً بالاعتبارينِ. أمَّا بالاعتبارِ الأوَّلِ: فبمعنَى أنْ يكونَ إخراجُهَا سببًا للنَّماءِ فِي المَالِ، كما صحَّ: ((ما نَقَصَ مالٌ مِن صدقَةٍ))، ووجهُ الدليلِ منهُ: أنَّ النُّقصانَ محسوسٌ بإخراجِ القدْرِ الواجِبِ، فلا يكونُ غيرَ نَاقِصٍ إلا بزِيادةٍ تُبلِغُه إِلَى ما كانَ عليه، على المعنَيَيْنِ جميعًا، أعني: المعنويَّ والحِسِّيَّ فِي الزيادةِ، أو بمعنى: أنَّ متعلَّقَهَا الأموالُ ذاتُ النَّمَاءِ، وسُمِّيَتْ بالنَّماءِ لتعلُّقِهَا به أو بمعْنَى تضعيفِ أُجورِها كما جاءَ ((إنَّ اللهَ يُرْبِي الصَّدقَةَ حتَّى تكونَ كالجبلِ)).

وأمَّا بالمعنَى الثاني: فلأنَّها طُهْرةٌ للنَّفْسِ مِن رذيلةِ البُخْلِ، أو لأَنها تُطَهِّرُ مِن الذنوبِ.
وهذا الحقُّ أَثْبَتَهُ الشَّارِعُ لمصلحةِ الدافِعِ والآخِذِ مَعًا، أمَّا فِي حقِّ الدَّافعِ: فتطهيرُه وتضعيفُ أُجورِه. وأمَّا فِي حقِّ الآخِذِ: فَلِسدِّ خَلَّتِهِ.

وحديثُ مُعاذٍ: يدلُّ على فريضةِ الزَّكاةِ، وهوَ أمرٌ مقطوعٌ بهِ من الشَّريعَةِ، ومَنْ جَحَدَهُ كَفَرَ.
وقولُه عليه الصلاةُ والسَّلامُ: ((إنكَ ستأتي قومًا أهلَ كتابٍ )) لعلَّهُ للتوطئةِ والتَّمهيدِ للوصيَّةِ باستجماعِ هِمَّتهِ فِي الدعاءِ لهُمْ، فإنَّ أهلَ الكتابِ أهلُ عِلْمٍ، ومخاطبتُهُمْ لا تكونُ كمخاطبَةِ جُهَّالِ المُشركينَ، وعبَدَةِ الأوثانِ فِي العنايةِ بهَا، والبَداءةُ فِي المطالبةِ بالشهادتينِ: لأنَّ ذلكَ أصلُ الدِّينِ الذي لا يَصحُّ شيءٌ من فروعِه إلا به، فمن كانَ منهمْ غيرَ مُوَحِّدٍ على التحقيقِ - كالنَّصارَى - فالمطالبةُ متوجِّهةٌ إليه بِكلِّ واحدةٍ من الشهادتينِ عينًا، ومن كان موحِّدًا - كاليهودِ - فالمطالبةُ له: بالجمعِ بينَ ما أقرَّ بهِ مِن التوحيدِ، وبينَ الإقرارِ بالرسالةِ، وإن كان هؤلاءِ اليهودُ - الذينَ كانوا باليمنِ - عندهم ما يقتضِي الإشراكَ ولو بالُّلزومِ، يكونُ مطالبتُهم بالتوحيدِ لنفْيِ ما يلزمُ من عقائدِهم، وقدْ ذكرَ الفقهاءُ، أنَّ مَن كانَ كافرًا بشيءٍ، مؤمنًا بغيرِه: لم يدخلْ فِي الإسلامِ إلاَّ بالإيمانِ بما كفرَ بِهِ.

وقد يُتعلَّقُ بالحديثِ - فِي أنَّ الكفَّارَ غيرُ مخاطبينَ بالفروعِ - مِن حيثُ إِنَّهُ إِنَّمَا أمرَ أوَّلاً بالدُّعاءِ إِلَى الإيمانِ فقطْ، وجعلَ الدُّعاءَ إِلَى الفروعِ بعدَ إجابتهِم الإيمانَ، وليسَ بالقويِّ، من حيثُ إنَّ الترتيبَ فِي الدُّعاءِ لا يلزمُ منهُ التَّرتيبُ فِي الوجوبِ. ألا ترى أنَّ الصَّلاةَ والزَّكاةَ لا تَرتيبَ بينهمَا فِي الوجوبِ؟ وقد قُدِّمت الصلاةُ فِي المطالبةِ على الزَّكاةِ، وأُخِّرَ الإخبارُ لوجوبِ الزكاةِ عن الطاعةِ بالصَّلاةِ، مع أنهمَا مستويتانِ فِي خطابِ الوجوبِ.

وقولُه عليه الصلاةُ والسَّلامُ: ((فإِنْ همْ أطاعُوا لكَ بذلِكَ)) طاعتُهمْ فِي الإيمانِ: بالتلفُّظِ بالشهادتينِ، وأمَّا طاعتُهمْ فِي الصَّلاةِ: فيَحتَمِلُ وجهينِ، أحدُهما: أنْ يكونَ المرادُ إقرارَهم بوجوبهَا وفرضِيَّتِهَا عليهِمْ، والتزَامِهِمْ لهَا. والثاني: أنْ يكونَ المرادُ الطاعةَ بالفعلِ، وأداءِ الصَّلاةِ. وقد رُجِّحِ الأولُ بأنَّ المذكورَ فِي لفظِ الحديثِ هو الإخبارُ بالفريضةِ، فتعودُ الإشارةُ بذلكَ إليهَا، ويترجحُ الثاني بأنهم لو أُخبِرُوا بالوُجوبِ، فبادرُوا بالامتثالِ بالفعلِ لَكَفَى، ولم يُشَتَرَط تلفُّظهُم بالإقرَارِ بالوجوبِ، وكذلكَ نقولُ فِي الزكاةِ: لو امتثلوا بأدائِها مِن غيرِ تلفُّظٍ بالإقرارِ لكفى، فالشرطُ عدمُ الإنكارِ، والإذعانِ للوجوبِ، لا التُّلفظُ بالاقرارِ.

وقد استُدِلَّ بقولِه عليه الصلاةُ والسَّلامُ: ((أَعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ قدْ فَرَضَ عليهِمْ صدقةً تؤخذُ مِن أغنيائِهمْ فتُرَدُّ على فقرائِهِمْ)) على عدمِ جوازِ نقلِ الزَّكاةِ عن بلدِ المالِ، وفيه عِندي ضعفٌ؛ لأنَّ الأقربَ أنَّ المرادَ: يؤخذُ مِن أغنيائِهِمْ من حيثُ إنَّهُمْ مسلمونَ، لا مِنْ حيثُ إِنَّهمْ من أهلِ اليمَنِ، وكذلكَ الرَّدُ علَى فقرائِهِمْ، وإنْ لم يكنْ هذَا هوَ الأظهَرُ فهوَ محتمَلٌ احتمالاَ قويًّا، ويُقوِّيهِ: أنَّ أعيانَ الأشخاصِ المخاطَبِينَ فِي قواعدِ الشَّرعِ الكُلِّيَّةِ لا تُعتَبرُ، ولولا وجودُ مناسبةٍ فِي بابِ الزكاةِ لقُطِعَ بأنَّ ذلكَ غيرُ مُعْتَبَرٍ، وقدْ وردتْ صيغةُ الأمرِ بخطابِهِمْ فِي الصَّلاةِ، ولا يختصُّ بهم قطعًا - أعني الحكمَ - وإن اختصَّ بهم خطابُ المواجهَةِ.

وقد استُدِلَّ بالحديثِ أيضًا على أنَّ مَن ملَكَ النِّصابَ لا يُعطَى مِنَ الزَّكاةِ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ وبعضِ أصحاب مالكٍ، مِن حيثُ إنهُ جعلَ أنَّ المأخوذَ منهُ غنيٌّ، وقابلَهُ بالفقيرِ، ومَن ملكَ النِّصابَ فالزكاةُ منهُ، فهو غنيٌّ، والغنيُّ لا يُعْطَى مِن الزَّكاةِ إلا فِي المواضِعِ المستثناةِ فِي الحديثِ، وليسَ بالشديدِ القوَّةِ.

وقد يَستدِلُّ به من يرَى إخراجَ الزَّكاةِ إِلَى صِنْفٍ واحدٍ؛ لأنه لم يَذكرْ فِي الحديثِ إلا الفقراءَ، وفيهِ بحثٌ.
وقد يُستدلُّ بهِ على وجوبِ إعطاءِ الزكاةِ للإمامِ؛ لأنَّهُ وصَفَ الزكاةَ بكونهَا ((مأخوذةً من الأغنياءِ)) فكلُّ ما اقتضَى خلافَ هذهِ الصفةِ فالحديثُ ينفيهِ.
ويدلُّ الحديثُ أيضًا على أنَّ كرائمَ الأموالِ لا تؤخذُ من الصَّدقةِ، كالأُكُولَةِ والرُّبَّى، وهي التي تربِّي ولدَهَا، والماخِضُ، وهى الحاملُ، وفَحْلُ الغنمِ، وحَرَزَاتُ المالِ، وهي التِي تُحْرَزُ بالعينِ وتُرْمَقُ، لشرفِهَا عندَ أهْلِهَا.

والحِكْمةُ فيه: أنَّ الزكاةَ وَجَبتْ مواساةً للفقراءِ من مالِ الأغنياءِ، ولا يناسبُ ذلكَ الإجْحَافُ بأَربَابِ الأمْوَالِ، فسامَحَ الشَّرعُ أربابَ الأموالِ بما يضنُّون بهِ، ونهَى المصدِّقينَ عن أخْذِه.
وَفِي الحديثِ: دليلٌ على تَعْظِيمِ أمرِ الظُّلمِ، واستجابةِ دعوةِ المظلومِ، وذَكرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلكَ عَقيبَ النَّهيِ عن أخذِ كرائمِ الأموالِ؛ لأنَّ أَخْذَهَا ظلمٌ، وفيه تنبيهٌ على جميعِ أنواعِ الظُّلمِ.

  #5  
قديم 13 ذو القعدة 1429هـ/11-11-2008م, 09:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أو لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه،
أما بعد / فهذان الحديثان يتعلقان بالزكاة، والزكاة حق المال، وهي فرض من الفرائض وركن من أركان الإسلام الخمس، فإن الله جل وعلا بنى هذا الدين على خمسة أركان، أعظمها وأهمها وأساسها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، العلم واليقين بصدق وإخلاص النيات، ثم تلي ذلي الصلاة ثم الزكاة.
فالزكاة لها شأن عظيم، وهي طهرة للمزكي، وطهرة لماله، كما قال تعالى: ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) أي من الزكاة وهو النمو، لأن الزكاة تنمي المال وتكون سببا للبركة فيه وسلامته من الآفات، فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة ملك نصاب الزكاة أن يزكي إذا حال عليه الحول.
وفي ذلك أيضا مصالح أخرى من جهة إخوانه الفقراء وغيرهم من أصناف الزكاة، يحسن إليهم ويجود عليهم مما أعطاه الله، فيؤدي حق الله ويسعد برضاه وببركة ماله وسلامته، ومع هذا يفعل..... للفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين، في الجهاد في سبيل الله، في أبناء، في...... عظيمة في هذا المال.
وفي حديث ابن عباس المذكور، فيه أن الداعية إلى الله تعالى لما يوجه إلى الكفار أو يتوجه إلى الكفار يدعوهم يبدأ بالأمر الأول، لأنه الأساس، فلا زكاة ولا صلاة ولا غير ذلك إلا بعد صحة التوحيد والدخول في الإسلام، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا أن يبدأ أهل اليمن بالدعوة إلى توحيد الله، قال: إنك تأتي قوما أهل كتاب، أي اليهود والنصارى، كما أن أهل اليمن ذاك الوقت يهود ونصارى، فأمره أن يبدأهم بالتوحيد قبل كل شيء، حتى يدعوهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله عن إيمان وصدق، وأن محمدا رسول الله عن إيمان وصدق، فإذا فعلوا ذلك طلب منهم أن يصلوا، ولهذا ذكر.... يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وفي اللفظ الآخر: فادعهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وفي اللفظ الآخر: فادعهم إلى أن يوحدوا الله، فيه ألفاظ متقاربة المعنى يفسر بعضها بعضا، والمعنى أنه يدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له، وهو معنى لا إله إلا الله، ويدعوهم إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، لأنه أرسل إلى جميع الناس، الثقلين الجن والإنس، وأن عليهم متابعته واتباعه، والاستقامة على ما جاء به، فإذا آمنوا بهذا وصدقوا والتزموا بتوحيد الله والإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام يدعون إلى الصلاة.
فإن هم أجابوا لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ويدعوهم إلى الالتزام بها، الاستقامة عليها، فإذا أجابوا لذلك دعاهم إلى الزكاة وأخبرهم بها وأنصبائها، وكيفية أدائها، وبيان المؤدى ما هو؟.
ثم قال: تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، لأن الزكاة مواساة، إحسان إلى الفقراء، وإحسان من الأغنياء، فهي شكر للأغنياء ومواساة للفقراء....... لأنهم أهم أصنافها وأهمهم، لهذا بدأ الله بهم بقوله: ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها ) هم أعم الأصناف وأهم الأصناف.
ثم قال له: فإن أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، يعني إذا وافقوا على التوحيد والصلاة والزكاة فإياك وكرائم أموالهم،............، خذ من أوساط أموالهم، ولا تأخذ من كرائمها. العلة..........، والكريمة البالغة في الحسن النهاية.
يعني المال أقسام ثلاثة: وسط وحقير وكريم، فالزكاة من الوسط، لا يقبل من الحقير ولا من الأكمل، ولكنه وسط، فالزكاة من الإبل الغنم البقر....................
..... يأخذ من الوسط، إلا أن تطيب نفوسهم بالطيب والغالي هذا يقبل منهم، إذا طابت به نفوسهم، وإلا فيتحرى الوسط.
ثم قال: واتق دعوة المظلوم؛ لا تتساهل في هذا، واحذر أن تظلم أحدا فإن دعوة المظلوم مستجابة، احذر، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، بل ترفع إلى الله عز وجل، وصاحبها موعود بالنصر، فينبغي للمؤمن الحذر من دعوة المظلوم والحرص على تحري العدل في كل موضوع، ولا سيما القضاة والأمراء فإنهم على خطر، فالواجب أن يتحروا العدل ويبتعدوا عنه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الزكاة, فرض

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir