بسم الله الرحمن الرحيم
القارئ:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال المصنف رحمه الله تعالى:
باب (لا)
اعلم أن (لا) تنصب النكرات بغير تنوين إذا باشرت النكرة ولم تتكرر (لا) نحو: لا رجل في الدار.
فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار (لا) نحو: لا في الدار رجلٌ ولا امرأةٌ.
وإن تكررت (لا) جاز إعمالها وإلغاؤها، فإن شئت قلت: لا رجلَ في الدار ولا امرأةٌ)
من المنصوبات التي ذكرها المؤلف هنا:
اسم (لا) النافية للجنس، أو (لا) التبرئة كما تسمى، وقد ذكرها هنا، وذكر أيضاً أن من المنصوبات اسم (إنَّ) وأخواتها، وقلت لكم: لو تركها اكتفاء بأنها داخلة في باب إن وأخواتها لكان ذلك كافياً، لكنه نص عليها ربما لأن لها بعض الأحكام الخاصة التي رأى أنها بسببها تستحق الإفراد.(يقول: (باب (لا): اعلم أن (لا) تنصب النكرات بغير تنوين إذا باشرت النكرة ولم تتكرر (لا) نحو: (لا رجل في الدار)
إذاً (لا) النافية للجنس هنا دخلت معنا في هذا الباب من خلال اسمها؛لأن اسمها منصوب، وأما خبرها فمرفوع، فهي بخبرها تدخل في باب المرفوعات لأنه مرفوع، وباسمها تدخل في باب المنصوبات، كـ(أن) وأخواتها تماماً، طبعاً إلا أن اسمها لا يحسن أن يعبر عنه بأنه منصوب؛ لأنه الأصل فيه أنه مبني بناء على الفتح في محل نصب.
يقول: إن (لا) تنصب النكرات بغير تنوين: كلمة (بغير تنوين)، هنا إشارة إلى أن القضية إلى أنه بناءٌ على الفتح وليس نصباً حقيقيّاً وأنه في محل نصب، إذا باشرت النكرة ولم تتكرر (لا) نحو: (لا رجل في الدار).
ما ذكره هنا إنما هو بعض الشروط المطلوبة، لكي تعمل (لا) عمل (إن) فتنصب المبتدأ وترفع الخبر لا بد فيها من توافر مجموعة من الشروط، منها:
أولاً: أن يكون اسمها نكرة، فلا يصح أن يكون اسمها معرفة، فلو كان اسمها معرفة لارتفع إما على أنها مهملة، وهذا (المعرفة) مبتدأ، أو على أنها أخت (ليس) التي مرت الإشارة إليها.
ويشترط أيضاً: أن يكون خبرها نكرة، فلا بد في اسمها أن يكون نكرة، ولا بد في خبرها أن يكون نكرة، تقول، (لا رجل قائم)، هنا عملت لأن اسمها نكرة ولأن خبرها نكرة، لو قلت: (لا زيدٌ) لم تعمل حينئذٍ، وجب أن ترفع تقول: (لا زيد في الدار ولا عمرو) يجب أن ترفع حينئذٍ إما على إهمالها أو على إعمالها عمل ليس، ولو قلت: (لا رجل أخوك) فإنه لا يصح حينئذٍ؛ لأن خبرها ليس نكرة، وإنما هو معرفة وهو كلمة (أخوك) فلا بد في اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين.
ومن الشروط أيضاً:التي ذكرها يقول: (إذا باشرت النكرة) ما معنى (إذا باشرت النكرة)؟
معناه أنه يشترط فيها أن يكون اسمها متصلاً بها، فلا تعمل إذا تأخر اسمها عنها، يعني لو فصلت بينها وبين اسمها بخبرها فإنها حينئذٍ لا تعمل عمل (إنَّ)، بخلاف (إنَّ) تقول: (إن محمداً في الدار)، فتعمل إذا اتصل اسمها بها، وتقول: (إن في الدار محمداً، أو رجلاً)، فتعمل (إنَّ) مع تأخر اسمها عنها.
أما (لا) النافية للجنس فإنها لا تعمل إلا بشرط أن يتصل اسمها بها، وأن لا يفصل بينهما بأي فاصل، فلو تقدم الخبر وقلت: (لا في الدار)، فحينئذً لا تعمل، وإنما ينبغي حينئذٍ أن تهمل أو أيضاً تكون العاملة عمل ليس، ففي قوله تعالى: {لا فيها غولٌ} هنا لو تقدمت كلمة (غول) ربما عملت فيها لا، ولكن لأنها تأخرت فأهملت، حيث تقدم الجار والمجرور الذي هو الخبر، فهي إذاً لا بد أن يتصل اسمها بها، وأن لا تتكرر.
هذه أربعة شروط:
- أن يكون اسمها نكرة.
- وأن يكون خبرها نكرة.
-وأن يتصل اسمها بها ولا يفصل بينهما.
-وأن لا تتكرر.
فقال: (ولم تتكرر (لا) نحو لا رجل في الدار، فإن لم تباشرها وجب الرفع): يعني إن لم تباشر النكرة التي هي اسمها، إن لم تباشر لا بأن تتصل بها اتصالاً تامّاً فإنه حينئذٍ يجب الرفع، كما في قوله تعالى: {لا فيها غولٌ}.
رفعت (غول) الآن؟
لأنها انفصلت عن (لا) النافية للجنس.
(فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار لا): تقول (لا في الدار رجل ولا امرأة)،
{لا فيها غولٌ ولا هم عنها ينـزفون}.فإن تكررت جاز إعمالها وإلغاؤها) إذا لم تباشرها (لا)، يعني إذا فصل بين (لا) وبين اسمها النكرة وجب الفصل.
أما إذا تكررت (لا) لكن اسمها متصل بها كما في نحو: (لا حول ولا قوة إلا بالله).
يقول: (فإن تكررت (لا) جاز إعمالها وإلغاؤها، فإن شئت قلت: لا رجل في الدار ولا امرأةً، أو ولا امرأةَ، أو ولا امرأةٌ، وإن شئت قلت: لا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ):
يقول العلماء:إذا تكررت (لا) وكانت الأولى طبعاً -النكرة- متصلة بها، وكان التركيب مشابهاً لقولك: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنه حينئذٍ يجوز في هذا التركيب عدة أوجه، بعضهم أوصلها إلى خمسة:
1- (لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله) بإعمالها إعمال (إنَّ) في الاثنين يعني ببنائهما على الفتح معاً: (لا حول ولا قوة)، على إعمال (لا) عمل (إن) في الاثنين.
2-وتعكس فتأتي بالرفع فيهما معاً فتقول: (لا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله) برفع الاثنين على أنها ماذا؟
إذا رفعتهما على أنها: إما مهملة أو عاملة عمل ليس، في: (لا حولٌ ولا قوةٌ) يصح لك أن تجعلها كذلك على أنها مهملة أو عاملة عمل ليس.
3-يصح لك أن تبني الأول على الفتح وأن ترفع الثاني(لا حولَ ولا قوةٌ) على أن الأولى أخت (إن) وعلى أن الثانية أخت (ليس) أو مهملة.
4-ويجوز لك العكس: (لا حولٌ ولا قوةَ)، على أن الأولى أخت (ليس)أو مهملة، وعلى أن الثانية عاملة عمل (إن).
5-ويصح لك وجهٌ خامس وهو ليس بالقوي: (لا حولَ -بالبناء على الفتح- ولا قوةً)بالنصب بالعطف على المحل أو بتوجيهات أخرى، وهذا هو أضعف الأوجه.
لكن الأشهر هو: (لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله)، بإعمالها عمل إن، وببنائهما على الفتح.
(فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار (لا) نحو: لا في الدار رجلٌ ولا امرأة)
فإن تكررت (لا) باشرت النكرة (لا) جازت لك الأوجه المذكورة.
إذاً الحاصل أن (لا) النافية للجنس تعمل عمل (إن) بنصب الاسم أو ببنائه في محل نصب ورفع الخبر إذا تحقق فيها عدة شروط، من أبرز هذه الشروط -هي أكثر من أربعة- لكن من أبرزها:
- أن يكون اسمها وخبرها نكرتين.
- وأن يتصل اسمها بها.
- وأن لا تتكرر؛ لأنها إذا تكررت لا يصير الإعمال واجباً، وإنما يصير الإعمال حينئذٍ خيارياً، فإن فصلت عن اسمها فإنها تهمل وجوباً كما في نحو {لا فيها غول}.