باب التمييز
القارئ:
التمييز هو الاسم المنصوب المفسِّر لما انبهم من الذوات،
نحو قولك: تصبب زيدٌ عرقاً، وتفقأ بكرٌ شحماً، وطاب محمدٌ نفساً، واشتريت عشرين غلاماً، وملكت تسعين نعجة، وزيدٌ أكرم منك أباً، وأجمل منك وجهاً.
ولا يكون إلا نكرة،
ولا يكون إلا بعد تمام الكلام).
الشيخ:الفرق بين الحال والتمييز
-أن الحال تأتى لبيان الهيئات.
- والتمييز يأتى لبيان الذوات وتمييزها.
فيقول: (التمييز هو: الاسم المنصوب المفسِّر لما انبهم من الذوات)، (والحال هي الاسم المنصوب المفسر أو المبين لما انبهم من الهيئات).
فحينما تقول: (تصبب زيدٌ عرقاً)، و(تفقأ بكرٌ شحماً)، أو كما قال تعالى: {واشتعل الرأس شيباً}، فإنها هنا كلها لبيان شيء من الذوات، أو متعلق بالذات، وليس بالهيئات، وكما في: (طاب محمد نفساً، واشتريت عشرين غلاماً، وملكت تسعين نعجةً، وزيدٌ أكرم منك أباً، وأجمل منك وجهاً)
فالتمييزكما ترون ذكر في تعريفه أنه:
(الاسم)ومعنى ذلك أنه لا يكون فعلا ولا حرفاً.
وذكر في تعريفه أنه (منصوب) وذلك احترازاً من المرفوع والمجرور.
وبين أنه (لتفسير المبهم من الذوات)، وذلك احترازاً من الحال؛ لأنها لتفسير المبهم من الهيئات، والواقع أن التمييز هو لما انبهم من الذوات.
وإن شئت أن تأتي بتعريف يصدق على نوعيه فأضف بعد كلمة الذوات كلمة (النِّسب)؛ لأنه لما انبهم من الذوات أو النسب،
أي نسبة شيء إلى شيء، وهو أيضاً ما زال في الذوات لم يخرج منها، فهو الاسم المنصوب المفسر لما انبهم من الذوات أو النِّسب.
والنوع الأول وهو المتعلق بتمييز الذات يسمى أيضاً بتمييز المفرد لأنه إنما يأتي بتمييز شيء مفرد وبيان حقيقته، لئلا يلتبس بشيء غيره، فهو: ما رفع إبهام اسم مذكور قبله مجمل الحقيقة.
ويكون بعد الأشياء التى:
- إمامعدودات.
- أو موزونات.
- أو مكيلات، أو نحو ذلك.
فيكون بعد العدد:
كما في قوله تعالى: {إني رأيت أحد عشر} لو وقفت هنا فإن الأمر لم يتضح، هذا العدد قابل لأشياء كثيرة، فلا بد له من تمييز يبين عن حقيقته وعن ذاته،
فقال: {أحد عشر كوكباً}.
وكما في قوله تعالى:{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً}.
-أو بعد المقادير من الموزونات نحو: (اشتريت رطلاً زيتاً).
- أو المكيلات، نحو: (اشتريت إرْدَبّاً قمحاً).
- أو المساحات والتي تقاس بها ما يتعلق بالمساحات والمسافات، نحو: (اشتريت فداناً أرضاً).
فتمييز الذات أو تمييز المفرد هو: ما جاء لرفع الإبهام عن اسم مجمل قبله، ويكون بعد العدد للمعدودات، وللموزونات، وللمكيلات، وما إلى ذلك.
الأول: تمييز الذات ويسمى تمييز المفرد.
والثاني: تمييز النسبة، ويسمى تمييز الجملة-فهو ما رفع إبهام نسبة في جملة سابقة عليه- هناك الإبهام إنما هو في الذات، وهذه الذات المجملة تحتاج إلى هذا التمييز ليبينها-
هنا الإبهام إنما هو في هذه النسبة.
وتمييز النسبة كما سنرى أنه أيضاً:
- محول:
- إما أن يكون محولاً عن فاعل.
- أو محولاً عن مفعول.
- وربما جاء غير محول عن شيء وذلك قليل.
إذا قلت مثلا{اشتعل الرأس شيباً} هذا تمييز نسبة كما يقولون محول عن الفاعل؛ لأن المراد (اشتعل شيب الرأس)
وإذا نظرت إلى قوله تعالى: {وفجرنا الأرض عيوناً} هذا التمييز محول عن المفعول لأن الأصل لو رجعت إلى التقدير: (فجرنا عيون الأرض).
فتمييز النسبة:
-إما أن يكون محولاً عن الفاعل:
بمعنى أنه في أصله هو الفاعل، فحينما تقول
{اشتعل الرأس شيباً}المراد (اشتعل شيب الرأس) وحينما تقول كمثال المؤلف: (تفقأ زيدٌ شحماً)، فـ(شحماً) هنا الذي هو التمييز جاء تمييزاً، لكنه في أصله محول عن فاعل؛ لأن المعنى(تفقأ شحم زيد) وحينما تقول (تصبب زيد عرقاً) (عرقاً) هنا التمييز محول عن فاعل أيضاً؛ لأن المراد: (تصبب عرق زيد)، فتمييز النسبه إما أن يكون محولاً عن فاعل وهو كثير: {اشتعل الرأس شيباً}.
- وإما أن يكون محوَّلاً عن المفعول:
كما في قوله تعالى: {وفجرنا الأرض عيوناً} لأن المعنى: فجرنا عيون الأرض.
- وإما أن لا يكون محولاً عن شيء:
وهذا ليس بالكثير كما إذا قلت: (امتلأ الإناء ماءً) ماءً هنا ليست محولة لا عن فاعل ولا عن مفعول؛ لأنه ليس التقدير: امتلأ ماء الإناء، كما تقول: (اشتعل شيب الرأس)، و(تصبب عرق زيد)، أو نحو ذلك.
فتمييز النسبة ويسمى أيضاً تمييز الجملة، هو:ما رفع إبهام نسبةٍ في جملةٍ سابقةٍ عليه، وهو ضربان:
الأول:المحول.
والثاني:غير المحول.
-والمحول كثير.
- وغير المحول قليل، مثل: (امتلأ الإناء ماءً).
أما المحول فهو:
- إما أن يكون محولاً عن الفاعل:
وذلك نحو (تفقأ زيدٌ شحماً) أو (تصبب زيدٌ عرقاً) أو (اشتعل الرأس شيباً) فالأصل في (شيباً) و(شحماً) و(عرقاً) أنها هي الفاعل وأن الفعل مسلط عليها في الأصل.
- والنوع الثاني المحول عن المفعول:
وذلك نحو قوله تعالى{وفجرنا الأرض عيوناً} أي فجرنا عيون الأرض.
- والنوع الثالثهو المحول عن المبتدأ:
وهو ليس في كثرة المحول عن الفاعل والمحول عن المفعول، كما في قوله تعالى {أنا أكثر منك مالاً} أنا أكثر منك مالاً، (مالاً) هذه التى وقعت تمييز أصلها محولة عن المبتدأ؛ لأنك لو رددت الجمله إلى أصلها الأصلي بقولك: (أنا أكثر منك مالاً) ما المراد منها؟
أصلها: مالي أكثر من مالك، فهو هنا محول عن الفاعل، لكنه انفصلت ياء المتكلم، ثم صار (أنا) لأن ياء المتكلم لا تستطيع أن تبدأ بها، وإنما تبدأ بمثيلها وهو الضمير المنفصل (أنا)، فصارت (أنا أكثر منك مالاً).
وقال المؤلف في شرط التمييز: (ولا يكون التمييز إلا نكرةً، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام): التمييز كما قلنا في الحال -ويتفق مع الحال في هذا- الأصل في الحال أن يكون نكرة وما جاء منه معرفةً فهو مؤول، التمييز أيضاً لا يكون إلا نكرة، وما جاء منه في ظاهره أنه معرَّف فهو في الواقع نكرة، يستشهدون على ذلك بقول الشاعر:
رأيـــتــــك لــــمــــا أن عــــرفـــت وجوهنا صددتَ وطبتَ النَّفسَ يا قيسُ عن عمرِو
وأخذ هذاابن مالك، فقال:(وطبت النفس يا قيس السري)
فـ(طبت النفس) هنا أصلها (طبت نفساً) مثل (طاب زيدٌ نفساً)، أو (طبت نفساً).
هذا تمييز محول عن ماذا؟
تمييز نسبة محول عن الفاعل؛ لأن التقدير:طابت نفسك، أو طابت نفس زيد، هنا (طبت النفس)الواقع في أن (أل) الداخلة هنا ليست (بأل) المعرفة، وإنما هي (أل) الزائدة، ونحن مررنا على (أل) مروراً سريعاً لم نستطع فيه أن نبين أن (أل) ثلاثة أنواع:
- (أل):الموصولة.
- و(أل) المعرِّفة،
وهي أنواعٌ ثلاثة:
- للعهد.
- وللجنس.
- وأيضاً (أل) الزائدة،
وهي أنواعٌ ثلاثة:
- ومنها:هذه الزائدة في التمييز في قوله: (وطبت النفس) فهي (أل) الزائدة، التي لا يكتسب منها الاسم تعريفاً.
والتمييز من حيث إنه فضلة فإنه لا يصح فيه أن يتقدم، وإنما ينبغي أن لا يأتي إلا بعد استيفاء الكلام.