نأخذ معاني هذه الحروف.
إن وأن ماذا يفيدان؟
إن وأن: يفيدان التوكيد، إذا قلت: (محمد قائمٌ)، ثم قلت: (إن محمداً قائمٌ)، فلا شك بأن العباره الأخيرة أكثر توكيداً على قيام محمد من الأولى، فإن أضفت مؤكداً ثالث وهو لام الابتداء فقلت:(إن محمداً لقائمٌ)، يعني استوفى المؤكدات وزاد عن سابقه.
والثاني: (لكنَّ).
(لكنّ) ماذا تفيد؟
(لكنّ) تفيد الاستدراك، وهو الغالب من معانيها.
الاستدراك ما هو؟
هو أن تنفي شيئاً -تبعد شيئاً- كان متوقعاً فإذا قلت مثلاً (زيد شجاع)، يتبادر عادةً أن الشجاعة يتلازم معها الكرم؛ لأن الشجاعة هي الجود بالنفس، والكرم هو الجود بالمال، فيفترض أنهما متلازمان.
فإذا قلت: (زيدٌ شجاع)، وتوقعت أن السامع يظن أن الشجاعة ملازمة للكرم، وأنت تعرف أنه ليس كذلك، ترجع فتقول: (لكنه بخيل)، يعني لا تفهم الأمرين، وإنما (زيد شجاع لكنه بخيل)، فأنت تستدرك بنفي الصفة التي كان يتوقع السامع أنها ثابتة وملازمة للصفة الأولى.
وربما جاءت للتوكيد، طبعاً معناها الأصلي هو الاستدراك، لكنها ربما جاءت للتوكيد، وذلك في سياق (لو) كما إذا قلت مثلاً: (لو جاء محمد لأكرمته لكنه لم يأت)، فـ(لكنه لم يأت)لم تأت بمعنى جديد، وإنما هي توكيد للمعنى السابق؛ لأن (لو) أصلاً تفيد الامتناع للامتناع، فحينما تقول: (لو جاء محمدٌ أكرمته)، ماذا يفهم منك السامع؟!
أنه ما جاء أصلاً، امتنع الإكرام لامتناع المجيء، فإذا جئت بعد ذلك وقلت: (لكنه لم يأت)، فأنت أكدت الامتناع بتوكيد آخر.
فهي قد تأتي للتوكيد إذا كانت في سياق (لو) وإن كانت ليست في سياقها فإن الغالب أنها تفيد الاستدراك.
الحرف الثالث: (كأنَّ).
كأنَّ ماذا تفيد؟
معناها متفق عليه وهو التشبيه، (كأنَّ زيداً أسد)، (كأن هنداً بدر)، وما إلى ذلك.
وليت تفيد التمني.
التمني ما المراد به؟
المراد به:هو طلب ما لا طمع فيه، أو شيء قريب من المستحيل، فيه عسر وفيه مشقة وكلف.
طلب المستحيل كقول الشيخ الهرم:
ألا لــيــت الـــشـبـاب يــعـود يــوماً ..................
وهذه ما فيها أمل، ما حصلت لأحد قبله، فهذا من المستحيلات.
أو الذي يكاد يكون شبيهاً بالمستحيل وإن كان ممكناً، كإنسان فقير مسكين في بلاد نائية فيقول: (ليت لي مالاً فأحج به أو فأحج منه) يعني هذا الأمر بالنسبة له يكاد يكون بمنـزلة المستحيل، وإن كان ممكناً لأن الله ربما فتح عليه فتحقق له ذلك، نادر إذا كنت تستطيع الشيء وفي متناول يدك أن تستخدم معه (ليت) لأن (ليت) إنما تأتي في الأمور التي يصعب على الإنسان وليس في متناوله تحقيقها.
- إما لاستحالتها.
- أو لأنها عسيرة.
و(لعل) تأتي لماذا؟
للترجي أو للرجاء.
والرجاء بعضهم يعبر عنه بأنه التوقع، يعني أو للتوقع، يسمونه وهو الرجاء:
- إن كان الأمر محبوباً.
- أو الإشفاق إن كان أمراً مكروهاً.
الترجي بالنسبة للمحبوبات هذا كثير: (لعل الله يأتي بالفرج).
والإشفاق إذا كان في أمر من المكروهات، يمثلون له بقوله تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم}.
المؤلف اكتفى من هذا الباب بهذه الأحكام، وهي أحكام يسيرة إذا قورنت بأحكام (إن) الأخرى.
فهذا الباب فيه أحكام كثيرة وفيه تفصيلات، فيه ما يتعلق بهمزة (إن) مثلاً.
متى تأتي المفتوحة؟
ومتى تأتي المكسورة؟
وما مواضع هذه؟
وما مواضع هذه؟
وما المواضع التي يجوز فيها الأمران؟
وكذلك ما يتعلق بأحكام لام الابتداء، وما يتعلق بالعطف على اسم إن وخبرها، وما يتعلق بالتقديم والتأخير بالنسبة لاسمها وخبرها، وهو ما مر أيضا الإلماح إليه في باب (كان)، ولكن نكتفي بهذه الأشياء البارزة في هذه المباحث.