الخبر:-
قال: الخبر قسمان: مفرد، وغير مفرد:-
شرح الشيخ:
هنا يحسن في كلمة مفرد أن ننبه إلى ما يقابله، كما أشرنا، المفرد هنا ماذا يريد به؟ ماذا يريد في قوله: الخبر قسمان: مفرد وغير مفرد؟ ما مراده بالمفرد هنا؟… تفضل … هنا مراده به ما ليس بجملة ولا شبه جملة.
وليس معني ذلك أن الخبر مفرد، أي أنه لا يقع مثنى لا، الخبر من خصائصه أنه مفرد، لكنه يقع مثنى، وليس المراد مفردا ليس مضافا، فالخبر أيضًا قد يقع مضافا، وإنما المراد هنا أن الخبر هنا نوعان: إما مفرد، ويدخل في كلمة مفرد هنا المثنى والجمع والمضاف أيضًا، أو ليس بمفرد، ويريد به الجملة، أو شبه الجملة.
فالمفرد نحو: زيد قائم، ونحو الزيدان قائمان، ونحو الزيدون قائمون، يشمل قوله: مفرد؛ لأنه أراد بغير المفرد الجملة وشبه الجملة فقط، وغير المفرد أربعة أشياء: الجار والمجرور، والظرف، وهذان يدخلان تحت شبه الجملة.
الجار والمجرور والظرف يدخلان تحت نوع واحد، يسمى شبه الجملة، والفعل مع فاعله، والمبتدأ مع خبره، وهذان يدخلان تحت نوع واحد، وهو الجملة، فالخبر إذن إما مفرد أو شبه جملة أو جملة، المفرد تحته المثنى والجمع، والمضاف وشبه الجملة تحته الظرف والجار والمجرور، والجملة تحته الجملة الاسمية والجملة الفعلية.
وغير المفرد أربعة أشياء: الجار والمجرور، الجار والمجرور مثل: محمد في الدار ، محمد في المسجد ، محمد في المنزل، والظرف مثل ماذا؟ نعم … محمد أمام المسجد، هذا صحيح، أو محمد عندك، الطائر فوق الغصن، وغير ذلك من الظروف، وهي كثيرة.
والجملة نوعان -كما قلنا-: فعلية واسمية، الجملة الفعلية مَثَّلَ لها هو بقوله: الفعل مع فاعله، الفعل مع فاعله، مثاله هنا: زيد قام أبوه ، إذا جئت تعرب هذه الجملة ماذا تقول؟ تقول: زيد مبتدأ، وقام فعل ماض ، وأبوه فاعل، والضمير مضاف إليه، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ "زيد" فهي إذن مرفوعة محلا لا لفظًا؛ لأنها جملة يعني: لا يتأتى بها الرفع اللفظي.
والجملة الاسمية هي المكونة من مبتدأ وخبر، فتقول: زيد جاريته ذاهبة، إذا جئت تعرب ماذا تقول؟ تقول: زيد مبتدأ، جاريته مبتدأ آخر وهو مضاف، والهاء مضاف إليه، ذاهبة خبر المبتدأ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره، الجملة المتكونة منهما هي خبر المبتدأ الأول الذي هو "زيد".
طيب إذا نظرتم إلى الجملة إذا وقعت خبرًا مثل: زيد قام أبوه، وزيد جاريته ذاهبة -وجدت أنها في هذين المثالين وما أشبهما قد اتصلت بضمير يربطها بالمبتدأ؛ لكي يصح الإخبار بها عنه، يعني: لا يصح أن تخبر بمبتدأ ، أو عن المبتدأ بجملة أجنبية عنه نهائيًا.
يعني: مثلًا: لا يصح أن نقول: محمد سافرعلي ، هل جملة "سافر علي" من الفعل والفاعل يصح أن تكون خبرا لمحمد، لا يصح؛ لأنه انعدمت الفائدة، ليس هناك رابط يربط بين هذه الجملة والمبتدأ؛ ولذلك اشترطوا في الجملة إذا وقعت خبرًا أن تشتمل على رابط يربطها بهذا المبتدأ الذي وقعت خبرًا عنه.
والرابط أنواع: لكن أكثرها وأشهرها هو الضمير، تقول: محمد قام أبوه، أبوه الهاء هذه ترجع إلى من؟ إلى محمد، لكن لا يصح أن تقول: محمد قام أبو علي؛ لأن هذه شيء، وهذه شىء، ولم يحصل فائدة من الإخبار بهذه الجملة، ولا بد من الضمير حتى وإن طالت الجملة، حتى لو طالت الجملة التي أخبر بها فلا بد أن تشتمل ولو في نهايتها بعد سطرين على ضمير يربطها بهذا المبتدأ.
إذا اشتملت على ضمير يربطها بهذا المبتدأ صح الإخبار بها سواء كانت جملة اسمية أو كانت جملة فعلية، فإن عدم فيها هذا الضمير، وهذا الرابط صارت أجنبية عن هذا المبتدأ، ولم يصح الإخبار بها عنه، لو قلت: محمد قام أبو علي ، هذا الكلام صحيح أو غير صحيح؟ غير صحيح ولو أضفت إليها كلمة أخرى أصحح بها هذا الكلام لصحت، لو قلت: محمد قام أبو علي في داره ، في دار محمد صح هذا الكلام.
ولو قلت: محمد قام أبو علي ، وأبو صالح، وذهب إلى أبي فلان وجئت لك بسطرين، ثم قلت جئت بضمير يربطها بمحمد، فقلت ليزور محمد ، اتصل بمحمد في دار محمد ، أو نحو ذلك، ضمير يرتبط بهذا المبتدأ المتقدم صح الإخبار بها.
فإن عدم هذا الضمير فإنه لا يصح الإخبار بها، سواء طالت أو قصرت، طبعًا الرابط ليس دائمًا هو الضمير، وإنما الضمير هو الغالب والكثير جدًا، هناك روابط أخرى تقوم مقام الضمير، لكن استعمالها قليل ، من ذلك الإشارة إليه مثلًا، لو ضمنت الجملة الواقعة خبرا إشارة إلى المبتدأ المتقدم يكفي.
نحن يهمنا أن تربطها بهذا المبتدأ المتقدم بأي شكل حتى إشارتك إليه كافية، كما في قوله ، يمثلون لذلك بقوله -تعالى-: {ولباس التقوى ذلك خير}; {ذلك خير } هنا فيه إشارة للباس , وجملة{ذلك خير }هذه المكونة من مبتدأ وخبر في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو لباس، كيف صح الإخبار بها عنه؛ لأنها تضمنت الإشارة إليه.
من الروابط -أيضًا- التي يصح بها أن يخبر بالجملة الاسمية والفعلية عن مبتدأ إعادة المبتدأ بلفظه يعني: إذا أعدت المبتدأ بلفظه ومعناه، أو بمعناه فقط، فإنه حينئذ هذه الإعادة بمنزلة الضمير، يعني: أنك ربطت بين الأول والثاني ، كما في قوله -تعالى-: { الحاقة .ما الحاقة} وقوله تعالى{القارعة. ما القارعة}
ما إعراب { الحاقة. ما الحاقة}؟, نعم: "ما" اسم استفهام مبني في محل رفع مبتدأ ثان. نعم. و"الحاقة" الثانية خبر المبتدأ الثاني الذي هو "ما" نعم ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الأول الذي هو "الحاقة".
الجملة الاسمية {ما الحاقة}: المكونة من مبتدأ وخبر هنا ليس فيها ضمير يربطها بالمبتدأ الأول، لكنها تضمنت إعادة للمبتدأ الأول بلفظه، فهي إذن رُبِطَتْ بالمبتدأ الأول بلفظه وبمعناه، فلا داعي للضمير حينئذ.
إذن الحاصل أن الجملة إذا وقعت خبرًا، سواء كانت جملة اسمية أو فعلية فإنه لا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ … كذلك بالنسبة للظرف والجار والمجرور. الظرف والجار والمجرور لا بد فيهما من أن يكونا مختصين. ما معنى مختصين؟ أي أنه يتم الكلام بهما دون النظر إلى متعلقيهما، يعني: الكلام بهما تام لا يحتاج إلى ذكر المتعلق حينما تقول: زيد في الدار، الكلام كامل الآن.
وإذا جئت تعرب تقول: "زيد" مبتدأ، و"في الدار" جار ومجرور خبر ، هذا إعراب فيه تسامح وتجوز، لكنه في الصحيح ، التركيب الأصلي أن الجار والمجرور ليس هو الخبر، وإنما هو متعلق بمحذوف، هذا المحذوف هو الخبر.
ما معنى قولك: زيد في الدار، معناها: زيد كائن أو مستقر في الدار، أو زيد استقر، أو وجد في الدار، فهو متعلق بمحذوف خبر، لكن هذا المحذوف الكلام بدونه يتم، ويتضح المعنى؛ ولذلك صح الإخبار بالجار والمجرور هنا "في الدار" وبالظرف "عندك" إذا قلت: زيد عندك ، معناها: زيد استقر عندك، أو وجد عندك، أو كان عندك، أو نحو ذلك ، فهو متعلق بمحذوف خبر كان، هذا المحذوف الكلام بدونه تام دون أن تذكر هذا المتعلق.
فإذا كان الظرف والجار والمجرور يتم الكلام به بدون ذكر متعلقه صح الإخبار به، يكون حينئذ ظرفًا تامًا، فإن كان ظرفًا ناقصًا يعني: لا يتم إلا بذكر متعلقه، كما إذا قلت مثلًا: زيد بك، الآن "بك" جار ومجرور ، هل يصح، هل تم الكلام بها كما يتم الكلام بقولك زيد في الدار؟ لم يتم لأن الظرف هنا غير تام، محتاج إلى متعلقه؛ لأعرف ماذا هل زيد مر بك، أو زيد معجب بك، أو زيد متعلق بك.
يعني: الأمر عندي ليس واضح، فالجار والمجرور هنا غير تام؛ لذلك لا يصح الإخبار به، فمن شرط الإخبار بالجار والمجرور أن يكونا تامين، أي: أن تحصل الفائدة بهما بدون حاجة إلى ذكر متعلقهما، أما الجار والمجرور الذي لا يستغني عن متعلقه؛ ليتضح به المعنى، فإنه لا يصح الإخبار به إلا أن يذكر معه المتعلق الذي تعلق به.