القارئ: (باب الفاعل: الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله، وهو على قسمين: ظاهر ومضمر، فالظاهر نحو قولك: (قام زيد) و(يقوم زيد) و(قام الزيدان) و(يقوم الزيدان) و(قام الزيدون) و(يقوم الزيدون) و(قام الرجال) و(يقوم الرجال) و(قامت هند) و(تقوم هند) و(قامت الهندان) و(تقوم الهندان) و(قامت الهندات) و(تقوم الهندات) و(تقوم الهنود) و(قام أخوك) و(يقوم أخوك) و(قام غلامي) و(يقوم غلامي) وما أشبه ذلك.
والمضمر اثنا عشر نحو قولك: (ضربتُ) و(ضربنا) و(ضربْتَ) و(ضربْتِ) و(ضربتما) و(ضربتم) و(ضربتن) و(ضرب( و(ضربَتْ) و(ضربا) و(ضربوا) و(ضربن).
عرف الفاعل ثم انتقل إلى التمثيل له بأمثلة طويلة، ومغزاه من هذه الأمثلة الطويلة: أن يبين لك أن الفاعل:
-سواء سبق بفعل ماض أو فعل مضارع.
- أو سواء كان معرباً بالحروف أو كان معرباً بالحركات.
- وسواء كان مفرداً أو مثنى أو جمعاً.
- وسواء كان جمع تكسير أو جمع مذكر سالم أو جمع مؤنث سالم.
فأتى بـ (أو) من الأسماء الخمسة أو الستة، أتى بمجموعة أمثلة؛ لكي يبين لك تنوع الفاعل وأنه مهما كان من هذه الأنواع فإنه يعد فاعلاً ويدخل فيه.
قال: (الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله).
كلمة (الاسم) ماذا يريد أن يخرج بها؟
يريد أن يخرج بها الحرف والفعل،فإن (الفاعل) لا يمكن أن يكون فعلاً، ولا يمكن أن يكون حرفاً، وإنما لابد فيه أن يكون اسماً.
كذلك كلمة (اسم) تشمل:
-ما كان اسماً صريحاً.
- وما كان اسماً مؤولاً.
الاسم الصريح واضح، مثل: (جاء محمدٌ) و(قام عليٌّ) وغيرها من الأسماء الصريحة.
الاسم المؤول يراد به: ما كان مصدراً منسبكاً من حرف مصدري وفعل، يعني في قوله تعالى: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا} الفعل (يكفهم) أين فاعله؟ المصدر المؤول من (أن) وما دخلت عليه في محل رفع فاعل لـ(يكفهم)، تقديره ماذا؟: أو لم يكفهم إنزالنا.
وكما إذا قلت مثلاً: (أعجبني ما صنعت) وأردت بها المصدرية فإن التقدير حينئذٍ: أعجبني صنيعك أو صنعك، (سرني أن اجتهدت) تقديره: سرني اجتهادك.
فإذاً الفاعل يراد به الاسم سواء كان.
-اسماً صريحاً مثل: (محمد) و(علي) و(خالد) و(كتاب) و (قلم) ونحو ذلك، أو كان:
-اسماً مؤولاً ويراد به الفعل إذا دخل عليه حرف مصدري وأول هو وهذا الفعل بفاعل، أو وقع في محل يكون فيه فاعلاً؛ فإن المصدر المنسبك أو المصدر المؤول منهما معاً يعرب فاعلاً مرفوعاً.
طبعاً كلمة (المرفوع) يريد به: أن الفاعل من أبرز أحكامه وأشهرها الرفع، فلا يكون الفاعل مجروراً ولا يكون منصوباً، وإنما لابد فيه أن يكون مرفوعاً.
سواء كان مرفوعاً بحركة، أو كان مرفوعاً بحرف.
أو كان مرفوعاً بضمة ظاهرة، أو كان مرفوعاً بضمة مقدرة.
وسواء كانت مقدرة:
-للثقل.
- أو للتعذر.
-أو للمناسبة.
أو غير ذلك، المهم أنه لابد أن يكون مرفوعاً مهما كان نوع هذا الرفع.
وقوله: (المذكور قبله فعله) ما المراد بها؟ المراد بها: أن الفاعل لابد أن يتقدم فعله عليه: ولا يصح بحال من الأحوال أن يتقدم الفاعل، وهذا هو المشهور من رأي الجمهور، وإن كان هناك من العلماء من يجيز تقدم الفاعل، فمحمد في قولك: (محمد قام) ماذا تعرب؟
تعرب: مبتدأ،
و(قام): خبر،
وفاعله: ضمير مستتر تقديره (هو)،
وإن كان (محمد) هو الفاعل في المعنى فلا يصح أن تقول: (محمد): فاعل مقدم، و(قام): فعل مؤخر، فالفاعل من أحكامه الأساسية الرئيسية أنه يجب أن يتأخر عن فعله.
وكلمة (فعل) هذه ليست على إطلاقها، وهي تشمل العامل في الفاعل، سواء:
- كان فعلاً.
- أو كان مما يجري مجرى الفعل.
ويراد به: اسم الفاعل، فاسم الفاعل يرفع فاعلاً، وغيره من الأشياء التي قد ترفع فاعلاً.
إذاً فكلمة (فعله) أطلقت ويراد بها ما كان فعلاً حقيقياً أو كان جارياً مجرى الفعل مما يرفع فاعلاً كاسم الفاعل والمصدر وغيره من الأشياء.
هذا التعريف الذي ذكره المؤلف نحن نقف عنده، وإلا فهناك تعريفات كثيرة وردت في كتب النحو، لكن هذا التعريف الذي ذكره المؤلف تعريف إذا أوضح بهذه الصورة فإنه يكون شاملاً، إذا أدخلت في (الاسم) الاسم الصريح والمؤول، وإذا أدخلت في (الفعل) الفعل وما جرى مجراه من الأشياء التي تعمل عمله فإنه يكون تعريفاً مقبولاً، وإلا فإن هناك تعريفات أخرى لـ(ابن هشام) في (شرح القطر) وله في (أوضح المسالك) ولغيره من العلماء تعريفات لا بأس بها.
(وهو على قسمين):
أي أن الفاعل على قسمين:
- فيكون اسماً ظاهراً.
- ويكون اسماً مضمراً (أو ضميراً).
فالاسم الظاهر مثل له المؤلف بعدة أمثلة:
(قام زيد)أراد بها: الاسم المفرد المعرب بالحركات الظاهرة، والذي سبقه فعل ماض.
(يقوم زيد)أراد به: ما سبقه فعل مضارع.
(قام الزيدان) أراد به: ما كان معرباً بالحركات، وهو مثنى مرفوع بالألف وسبق بالماضي.
(يقوم الزيدان)كذلك، إلا أنه سبق بالمضارع.
(قام الزيدون): الفاعل جمع مذكر سالم مرفوع بالواو، وسبق بماضي.
(يقوم الزيدون)كذلك، إلا أنه سبق بالفعل المضارع.
(قام الرجال): (الرجال): فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة؛ لأنه جمع تكسير، وقد سبق بفعل ماض.
و(يقوم الرجال) مثله، إلا أنه سبق بفعل مضارع.
و(قامت هند): الفاعل هنا مفرد مؤنث، وسبق بالفعل الماضي.
و(تقوم هند) كذلك، وسبق بفعل مضارع.
و(قامت الهندان): مثنى مؤنث سبق بالماضي.
و(تقوم الهندان): مثنى مؤنث سبق بالمضارع.
و(قامت الهندات): جمع مؤنث سالم سبق بالماضي.
و(تقوم الهندات): جمع مؤنث سالم مرفوع بالضمة، وسبق بالمضارع.
و(تقوم الهنود)(الهنود) جاء به؛ ليبين لك أن جمع التكسير سواء:
-كان مذكراً مثل: (قام الرجال) الذي مثل به.
-أو كان لمؤنث مثل: (قامت الهنود) و(تقوم الهنود) وهو جمع لهند المؤنثة.
و(قام أخوك) أراد به ما كان الفاعل من الأسماء الستة، معرب بالحركات مرفوع بالواو.
و(يقوم أخوك) كذلك، ماضي ومضارع.
و(قام غلامي) أراد به ما كان مرفوعاً بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، ومثله: (يقوم غلامي) وما أشبه ذلك.
مثل: (قام الفتى) ما كان الضمة مقدرة للتعذر.
و(قام القاضي) ما كانت الضمة مقدرة للثقل.
فهذه الأمثلة التي نوعها المؤلف جاء بها مطولة، وإلا فإنها كلها أمور معروفة: أن الفاعل سواء كان مفرداً أو مثنى أو جمعاً سواء عرب بالحركات أو الحروف، وسواء سبق بفعل ماض أو فعل مضارع.
لماذا لم يأت في الأمثلة السابقة كلها بفعل أمر؟ وإنما حصر التمثيل في الماضي والمضارع فقط
الجواب: لأنه هنا يتحدث عن الفاعل الظاهر فقال: (فالفاعل الظاهر نحو..) كذا، ومثل له بالماضي والمضارع.
ولم يمثل بالأمر لأن فاعل فعل الأمر:
- إماأن يكون ضميراً مستتراً وجوباً إذا كان للواحد مثل: (اكتب) أي: أنت.
-أو أن يكون ضميراً لكنه من الضمائر الظاهرة المتصلة: (اكتبا)، (اكتبوا)، (اكتبن).
لكن فاعل فعل الأمر لا يكون اسماً ظاهراً.
والمضمر اثنا عشر: يعني سيأتي بضمائر الرفع الآن، جاء بالفاعل إذا كان اسماً ظاهراً، وسيأتي بالفاعل إذا كان ضميراً.
الضمائر أنواع:
- منها: ضمائر رفع.
- ومنها:ضمائر نصب.
- ومنها: ضمائر جر.
وهي أيضاً تكون ضمائر متصلة وضمائر منفصلة.
الضمائر المتصلة ما تعريفها؟
لو أردت أن تفرق بين الضمير المتصل والمنفصل؛ما الفرق بينهما؟
الضمير المتصل: هو الذي لا يمكن البدء به ولا يمكن وقوعه بعد (إلا) إلا في ضرورة الشعر، هذه لا علاقة لنا بها هنا.
والضمير المنفصل هو: ما يجوز أن يبتدأ به، تقول:(أنت مجتهد)، وقع مبتدأ وابتدأ به، ويصح وقوعه بعد (إلا): (ما قام إلا أنت)، هذا هو العلامة البارزة الظاهرة للتفريق بين الضمير المتصل والمنفصل: أن الضمائر المتصلة لا يبدأ بها ولا يصح أن تقع بعد (إلا)، وأن الضمائر المنفصلة هي التي يصح الابتداء بها ويصح وقوعها بعد (إلا).
وهذا الكلام ليس هو العلامة الوحيدة، قد يكون هناك علامات أخرى تدلك على التفريق بين الضمير المتصل والمنفصل، لكن هذه العلامة كافية للتفريق بينهما.
ما الذي يصلح من أنواع الضمائر لكي يكون فاعلاً؟
الضمائر التي يصح أن تكون فاعلاً هي ضمائر الرفع؛ لأن لو قلت: الضمير المتصل عموماً، فالضمير المتصل فيه ضمائر نصب لا تقع فاعلاً وإنما تقع مفعولاً، وفيه ضمائر جر، لا تقع فاعلاً وإنما تقع مجرورة بحرف الجر أو بالإضافة.
فالضمائر التي يصح أن تقع فاعلاً هي ضمائر الرفع، سواء كانت متصلة أم منفصلة.
لماذا سميت بضمائر رفع؟
لأنها تكون مرفوعة، ما دامت يصح أن تكون مرفوعة إذاً يصح أن تكون فاعلاً.
ضمائر النصب لا يصح أن تكون فاعلاً لأننا اشترطنا في الفاعل أن يكون مرفوعاً.
وضمائر الجر لا يصح أن تكون فاعلاً؛ لأن أول شرط في الفاعل أن يكون مرفوعاً، فضمائر الرفع سواء كانت متصلة -كما مثل المؤلف- أو كانت منفصلة كما سنمثل مما تركه المؤلف.
يقول: (والمضمر الذي يقع فاعلاً اثنا عشر):
لماذا كانت اثني عشر ضميراً؟
الضمائر صارت اثني عشر كما سترون في التمثيل الآن لأن: -اثنين للمتكلم، ولو حاولت أن تأتي للمتكلم بأكثر من ضميرين ما استطعت.
- وخمسة للمخاطب، ولو حاولت أن تأتي بأكثر من خمسة ما استطعت.
- وخمسة للغائب، فأصبح المجموع اثني عشر.
والمضمر اثنا عشر:
نحو قولك: (ضربت) و(ضربنا)، هذان اثنان للمتكلم؛ المتكلم المفرد أو المتكلم الجمع (أنا) (نحن) (ضربت) (ضربنا)، إذاً اثنان للمتكلم، سواء كان مفرداً أو جمعاً أو المفرد المعظِّم نفسه؛ لأنه يستخدم كلمة (نحن) ويستخدم كلمة (نا).
و(ضربتَ) و(ضربتِ) و(ضربتما) و(ضربتم) و(ضربتن) هذه خمسة للمخاطب.
و(ضرب).
أي هو، مستتر، و(ضربتْ) أي: هي، مستتر، و(ضربا) ألف الاثنين، و(ضربوا) واو الجماعة، و(ضربنَ) نون النسوة، هذه خمسة للغائب، فأصبحت الآن (ضمائر الرفع المتصلة التي تقع فاعلاً) اثني عشر ضميراً؛ اثنان للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وخمسة للغائب.
إذا جئت تعرب كلمة )ضرب (تقول: ضرب فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره (هو)، فإذا جئت تعرب (ضربَتْ) ماذا تقول؟ (ضربَتْ)كيف تقول في إعرابها؟
فعل ماض والفاعل ضمير مستتر، والتاء هذه تاء (التأنيث الساكنة) حرف لا محل لها من الإعراب، التاء التي تقع فاعلاً هي تاء الضمير المتكلم أو المخاطب: (ضربتُ)، (ضربتَ)، (ضربتِ)، هذه التي تقع فاعلاً: ضمير الرفع المتحرك.
أما تاء التأنيث الساكنة فهي حرف لا محل لها من الإعراب ولا يصح بحال من الأحوال أن تعرب فاعلاً، فإذاً ضرب فاعله مستتر، و(ضربتْ) فاعله مستتر، و(ضربا) فاعله أين هو؟ ألف الاثنين.
(ضربوا) واو الجماعة.
(ضربن) نون النسوة.
المخاطب؛ الفاعل معه ظاهر في الحالات الخمس: (ضربتَ)، و(ضربتِ)، و(ضربتما) و(ضربتم) و(ضربتن).
أما الغائب فالفاعل مستتر في المفرد المذكر والمؤنث، وظاهر في الثلاثة الباقية المثنى والجمع بنوعيه.
هذه ضمائر الرفع المتصلة التي تقع فاعلاً وهي اثنا عشر ضميراً، وهي التي مثل لها المؤلف.
ضمائر الرفع المنفصلة لم يمثل لها المؤلف.
هل لأنها لا يصح أن تقع فاعلاً؟ أو أنه تركها استغناءً؛ بأنها واضحة، مع أنها يصح أن تقع فاعلاً.
من يعطيني مثالاً لضمائر الرفع المنفصلة وهي واقعة فاعلاً؟
طبعاً ضمائر الرفع المنفصلة مثل ضمائر الرفع المتصلة في أنها اثنا عشر:
- اثنان للمتكلم.
- وخمسة للمخاطب.
- وخمسة للغائب.
(أنا) و(نحن) للمتكلم، (أنتَ) و(أنتِ) و(أنتما) و(أنتم) و(أنتن)للمخاطب، (هو) و(هي) و(هما) و(هم) و(هن) للغائب، هذه اثنا عشر ضميراً.
أريد أن تجعلها فاعلاً في عدة أمثلة.
لابد من (إلا)، لأنه لا يصح أن تقول: (جاء نحن) و (جاء أنتم).
لأنك تستطيع أن تأتي بالضمير المتصل، فتقول:
(جئنا) و(جئتم).
والقاعدة:
أنه لا يصح ولا يحسن أن تأتي بالضمير المنفصل وهو مطول وأنت تستطيع أن تأتي بالضمير المتصل وهو مختصر، فالأولى أن تأتي بالضمير المتصل ما دمت تستطيع ذلك.
لكي تأتي بالضمير المنفصل تأتي بـ(إلا)؛ لأن المتصل لا يصح أن يقع بعد (إلا) حينئذٍ، فيتعين عليك أن تأتي بالمنفصل.
تقول: (ما قام إلا أنا)، و(ما سافر إلا نحن)، و(ما حضر إلا أنت) و(إلا أنتِ) و(إلا أنتما) و(إلا أنتم) و(إلا أنتن)، و(ما جاء إلا هو) و(ما جاء إلا هي) وما جاء إلا (هم) و (هما) و(هن).
فلكي تجعل الضمير المنفصل فاعلاً اجعله بعد (إلا).
فإذاً أصبحت الضمائر التي تقع فاعلاً أربعةً وعشرين ضميراً:
اثنا عشر متصلة: (وهي ضمائر رفع).
واثنا عشر منفصلة:
(وهي ضمائر الرفع المنفصلة).
الأشياء التي تعمل عمل الفعل فترفع فاعلاً:
- منها: اسم الفعل مثل: (هيهات)، بمعنى بَعُدَ، تقول: هيهات (البيت المشهور):
فهيهات هيهات العقيق ومن به وهـيهـات خلٌّ بالعقيق نواصله
(هيهات العقيق)، هيهات ذلك المكان أي: بَعُدَ العقيق وبَعُد ذلك المكان.
(فهيهات)اسم فعل ماضي بمعنى بَعُد، وعمل عمل فعله ورفع الفاعل الذي هو (العقيق).
- وكذلك: اسم الفاعل -أيضاً- يعمل عمل فعله فيرفع فاعلاً، كما في مثل قولك: (أقائم الزيدان)، (أقائم الرجال)، فـ(الزيدان)، و(الزيدون) و(الرجال) فاعل مرفوع والعامل فيه اسم الفاعل المتقدم عليه وهو: (قائم).
- وكذلك: المصدر أيضاً يعمل عمل فعله فيرفع فاعلاً.
والمصدر كثيراً ما يضاف إلى فاعله، ويؤتى بعده بالمفعول، وقد يصح العكس، فيضاف المصدر إلى مفعوله، ويؤتى بعده بالفاعل مرفوعاً.
تقول مثلاً: (عجبت من شُرْب محمدٍ العسل)، أين المصدر العامل؟
المصدر العامل (شُرْب)، وقد عمل، رفع فاعله محلاً فتقول: (شُرْب) مضاف، و(العسل) مضاف إليه، أو (من شرب محمد العسل): (شرب) مضاف و(محمد) مضاف إليه مجرور لفظاً؛ لأنه مضاف إليه، ومرفوع محلاً؛ لأنه هو الفاعل؛ لأن المعنى: من أن يشرب محمد العسل، (عجبت من شرب محمد العسل) أي: عجبت من أن يشرب محمد العسل، فـ(محمد) هذا المضاف إليه، تقول في إعرابه: هو مجرور لفظاً بالإضافة، لكنه مرفوع محلاًّ على أنه هو الفاعل، و(العسل) مفعول به.
يصح لك أن تعكس فتضيف المصدر إلى مفعوله فيتأخر الفاعل حينئذٍ ليرتفع ويكون مرفوعاً، ماذا تقول؟
(عجبت من شرب العسل محمدٌ)، فتقول: (شرب) هنا مصدر عامل وهو مضاف،
(العسل): مضاف إليه مجرور لفظاً ومنصوب محلاً؛ لأنه مفعول به،
و(محمد) فاعل مرفوع متأخر للمصدر الذي هو (شُرب).
فالمصدر يعمل عمل فعله، ويصح أن يرفع الفاعل.
[ من أحكام الفاعل الأخرى ]
- أن الفاعل لا ينبغي أن يلحق عامله علامة تثنية أو جمع عند تثنيته، أي أن عامله أو فعله -وهو الأغلب- يكون مفرداً عند تثنيته وجمعه هو، إلا في تلك اللغة المشهورة التي اشتهرت تسميتها بلغة (أكلوني البراغيث).
تقول مثلاً: (قام محمدٌ) و(قام المحمدان) و(قام المحمدون)، و(قامت هند) و(قامت الهندان) و(قامت الهندات)، ترون أن الفاعل صار مفرداً وصار مثنى وصار جمعاً ومع ذلك فاعله لم تتصل به العلامة الدالة على التثنية ولا على الجمع، هذا هو الأصل، وهذا هو المشهور والفصيح.
يجوز بقلة -وليس كثيراً- أن تتصل العلامة به فيما عرف بلغة (أكلوني البراغيث) وفيما يسميه ابن مالك بلغة: (يتعاقبون فيكم ملائكة) أخذها من الحديث: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار)) فـ(يتعاقبون فيكم ملائكة) (الملائكة) هنا هي الفاعل، ولو جاء الحديث على اللغة المشهورة لكان: يتعاقب فيكم ملائكة بدون أن تلحق الفعل علامة الجمع، لكنه جاء على اللغة الثانية، مما يدل على أنها جائزة، لكنها أقل شهرة، ورد آيتان في القرآن الكريم، تحتملان أن تكونا من هذه اللغة، وهي التي تذكر فيها علامة التثنية أو علامة الجمع مع الفعل، إذا كان الفاعل مثنى أو جموعاً: آية سورة الأنبياء وهي قوله: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} فـ(أسروا) ظهر الفاعل الآن وجيء بواو الجماعة، والفاعل ظاهر وهو قوله تعالى: {الذين ظلموا}.
وكذلك آية أخرى وهي في سورة المائدة في قوله تعالى: {فعموا وصموا ثم عموا وصموا كثيرٌ منهم}.
وهذه الآية والتي قبلها -كما قلت- خرّجت على البدلية؛ لكي تخرج من هذا الباب.
طبعاً نحن لسنا بصدد التفصيل في هذا الموضوع وإنما محل الشاهد عندنا: أن الفاعل الأصل فيه أن يفرد وأن يوحد فعله (حتى وإن كان مثنى أو مجموعاً) وأن لا تلحق العلامة ذلك الفعل، لماذا؟
لأن العلامة لو لحقت الفعل لاجتمع عندنا ما ظاهره أنه فاعلان، إذا قلت مثلاً: (قام محمد): (قام) فعل، و(محمد) فاعل، (قام المحمدان): (المحمدان) فاعل، (قام المحمدون): (المحمدون): فاعل، فإذا قلت: (قاموا المحمدون) كيف تعرب واو الجماعة وهي ضمير؟
واو الجماعة ضمير وهي عادة تكون فاعلاً، لأنك لو عكست فقلت: (المحمدون قاموا) لصارت واو الجماعة9 فاعلاً بلا إشكال، فإذا قلت: (قاموا المحمدون) فسيجتمع عندك ما ظاهره أنه فاعلان،فماذا تقول؟ هل تقول واو الجماعة فاعل، والمحمدون فاعل آخر؟
ما يصلح هذا الكلام، فإما أن تقول: بأن واو الجماعة فاعل، وأن (المحمدون) بدل، وإما أن تقول أن واو الجماعة فاعل، وأن (المحمدون) مبتدأ مؤخر، والجملة هذه: خبر مقدم.
هذا حكم من أحكام الفاعل وهي قضية: أن الأصل والمشهور أن يُوحد الفعل مع تثنية الفاعل وجمعه.
- أيضاً من أحكامه: أن فعله يؤنث له، ويذكر بحسب حاله هو؛ فإن كان الفاعل مؤنثاً أنثت الفعل، وإن كان الفاعل مذكراً ذكَّرته.
فتقول: (قام محمد)، و(قامت هند)، (قام الرجل)، و(قامت المرأة)، وهذا التأنيث تارة يكون واجباً وتارة يكون جائزاً، وله مسائل وله مواضع كثيرة.
المهم أنه لابد أنه يراعى مسألة تأنيثه وتذكيره بالنسبة لفعله، فيذكر الفعل معه إن كان مذكراً ويؤنث الفعل معه إن كان مؤنثاً، على حسب الأحكام الواردة في ذلك والتي ورد فيها تفريق بين المؤنث الحقيقي والمؤنث المجازي.
وأن المؤنث الحقيقي إذا لم يفصل يجب فيه التأنيث، والمؤنث المجازي لا حرج في تأنيثه وتذكيره، وإن كان الأشهر فيه التأنيث.
-أيضاً من أحكامه: مسألة الترتيب بينه وبين فعله ومفعوله، وهي أن الأصل فيه أن يتقدم الفعل ثم يليه الفاعل، ثم يتأخر عنهما المفعول.
تقول: (قرأ محمد الكتاب)، هذا هو الترتيب الأصلي، وقد يعدل عن هذا الترتيب فيتقدم المفعول على الفاعل فيقال: (قرأ الكتاب محمد)، أو يتقدم المفعول حتى على الفعل والفاعل فيقال: (الكتابَ قرأه محمد) إلا أن الذي لا يجوز أبداً هو مسألة تقدم الفاعل على الفعل، هذه ممنوعة، أما مسألة التقديم والتأخير بين هذه الثلاثة -باستثناء تقدم الفاعل على فعله- فذلك أمر واسع، وتارة يكون واجباً، وتارة يكون جائزاً في مواضع أيضاً مفصلة في أماكنها.