ننتقل إلى الشق الثاني من الجوازم وهو: ما يجزم فعلين:
الأدوات التي تجزم فعلين، المؤلف -رحمه الله- انفرد من بين عامة العلماء بأن أضاف لها أداة أو اسماً من أسماء الشرط، العلماء في الواقع يرون أنه من أدوات الشرط غير الجازمة، ولذلك لا يعدونه مع الجازمة في الغالب، وهو هنا أضافه وعده من الجازمة، وهو: (كيفما).
فأدوات الشرط الجازمة ثمانية عشر، إذا أبعدنا منها الستة التي ذكرنا بزيادة (ألم) و(ألما)، يبقى عندنا اثنتا عشرة أداة، هذه تجزم فعلين.
لماذا نقول أدوات الشرط؟ لماذا لم نقل أسماء الشرط أو حروف الشرط؟ يعني لماذا كان التعبير بأدوات الشرط أولى وأدق من التعبير بحروف الشرط أو بأسماء الشرط؟
لأن هذه الأدوات فيها حروف وفيها أسماء، فحتى يكون التعبير دقيقاً فإنه يحسن أن تقول أدوات ولا تقل أسماء أو حروف، هذه الأدوات إذاً:
- منها: ما هو حروف.
- ومنها:ما هو أسماء.
- ومنها: ما هو مختلف فيه ويترجح فيه أحد الأمرين.
فالأدوات نقرؤها بسرعة سرداً هي:
(إن) و(ما) و(مهما) و(إذما) و(أي) و(متى) و(أين) و(أيان) و(أنى) و(حيثما) و(كيفما) و(إذا) في الشعر خاصة.
هذه الأدوات منها ما هو حروف.
من هذه الأدوات ما هو متفق على حرفيته:
- (إنْ) فقط المتفق على حرفيته من هذه الأدوات، (إن) فقط، (إن) الشرطية: (إن تدرس تنجح).
والمختلف فيه ولكن المترجح أنه حرف من هذه الأدوات ما هو؟
- (إذما) فقط هي التي فيها خلاف لكن الراجح أنها حرف.
المختلف فيه والراجح أنه اسم:
مهما.
هذه الآن ثلاثة، بقية الأدوات كلها أسماء باتفاق، وهي: (ما) و(أي) و(متى) و(أين) و(أيان) و(أنى) و(حيثما) و(كيفما) و(من) أيضاً.
كأنها سقطت هنا في المتن، يبدو أنها ساقطة حرف أداة الشرط (مَنْ) وقال: (لم) و(لما) و(ألم) و(ألما) ولام الأمر والدعاء و(لا) الناهية.
هذه تجزم فعلاً واحداً و(أن) و(ما) و(مهما) و(إذما) و(أي) و(متى) و(أين) و(أيان) و(أنى) و(حيثما) و(كيفما) و(إذا) في الشعر خاصة.
سقطت (مَنْ) وهي من أهم أسماء الشرط ومن أشهرها، فليست موجودة هنا في المتن.
أدوات الشرط هذه ماذا تعمل؟
تجزم فعلين:
الأول ماذا يسمى؟
يسمى: فعل الشرط.
والثاني ماذا يسمى؟
يسمى: جواب الشرط وجزاءه أيضاً؛ لأن جواب الشرط يتضمن الجواب ويتضمن أن فيه ما يشبه الجزاء.
أداة الشرط هذه إذا دخلت على فعل معرب فإنه يكون مجزوماً جزماً حقيقاً ظاهراً.
فإذا دخلت على فعل يظهر عليه الإعراب فإنه يكون مجزوماً مثل: (إن تدرس تنجح).
فإذا دخلت على فعل مبني فإنه يكون حينئذا مبنيّاً، لكنه في محل جزم.
مثلاً: (إن جاء محمد أكرمته)، (إن) دخلت على الفعل الماضي (جاء) ماذا تقول في الإعراب؟
تقول:(جاء): فعل ماضٍ مبني على الفتح في محل جزم؛ لأنه فعل الشرط، فهي إذاً تجزم فعلين.
لكن هذا الجزم قد يكون ظاهراً إذا كان الفعل معرباً قابلاً للجزم، وقد يكون ليس ظاهراً وإنما في محل، وذلك إذا كان الفعل مبنياً.
الفعلان اللذان تدخل عليهما أدوات الشرط قد يكونا مضارعين، مثل ماذا؟
مثل المثال الذي مثلناه وهو: (إن تدرس تنجح).
وكما في قوله تعالى: {وإن تعودوا نعد} هنا: الفعلان مضارعان.
وقد يكون العكس، أي: قد يكون الفعلان فعل الشرط وجوابه قد يكونان ماضيين.
كما في قوله تعالى: {وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً}{وإن عدتم عدنا}الفعل، فعل الشرط فعل ماضي، وجواب الشرط أيضاً فعل ماضي.
وقد يكون العكس، (إن جاء محمد يغادر أخوه) فيكون الأول ماضياً والثاني مضارعاً.
كما في قوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه} الفعل (كان) ماض، والجواب (نزد) مضارع.
وقد يكون العكس -وهو أقلها- العكس ما هو؟
أن يكون فعل الشرط مضارعاً ويكون جوابه ماضياً، وهذا هو القليل.
- أن يكونا مضارعين هذا كثير.
- أن يكونا ماضيين هذا كثير.
-أن يكون الفعل الأول ماضياً والثاني مضارعاً- يعني فعل الشرط ماضياً وجوابه مضارعاً- وهذا أيضاً كثير.
- أقل الصور الأربع عكس الصورة الثالثة وهي: أن يكون فعل الشرط مضارعاً وجوابه ماضياً وهذه صورة قليلة.
حتى إن بعض العلماء أنكر وجودها وحاول تأويل ما كان منها، لكنها موجودة ولها شواهد.
مما يستشهد به عليها:
قول الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايات:((من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
(من يقم) الفعل (يقم) فعل الشرط، (غفر) هو جواب الشرط وهو بصيغة الماضي.
ورد لهذا شاهد في القرآن الكريم، لكنه ليس شاهداً مباشراً ولكنه شاهد مؤنس ومعين ومبين لذلك، وهو قوله تعالى: {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين}.
ما وجه الاستشهاد بهذه الآية؟
أولاً أين فعل الشرط وأين جوابه؟
فعل الشرط: (نشأ) وجوابه: (ننزل)، وكلاهما مضارعان.
هنا الفعل والجواب مضارعان، لكن الجواب المضارع عطف عليه فعل ماضٍ هو قوله تعالى: {فظلت}، فعطف الماضي عليه يؤنس بجواز وقوع الماضي جواباً؛ لأن ما صح أن يكون معطوفاً صح أن يقع في محل المعطوف عليه، فإذا عطفت على المضارع فعلاً ماضياً.
فمعنى ذلك أنه يصح أن توقع الماضي موقع المضارع، فهذه الآية مؤنسة ومؤذنة بجواز وقوع فعل الشرط فعلاً مضارعاً، ووقوع الجواب فعلاً ماضياً.وهو بلا شك أقل الصور التي أشرنا إليها.
فعل الشرط؛ هل يشترط فيه شروط أو أنه ليس له شروط؟
الواقع أن فعل الشرط يشترط فيه:
- أن يكون فعلاً ليس طلبيّاً، فلا يصح أن يقع فعل الأمر فعل شرط، لا يصح أن تقول: (إن قم) أو (إن اجلس) لا يصح.
يشترط فيه أن يكون فعلاً ليس طلبياً.
- ولا فعلاً جامداً أيضاً، أن يكون فعلاً ليس طلبياً ليس أمراً وما في حكمه من الطلب، وأن يكون فعلاً طلبياً ليس منفياً أيضاً بـ(لن) ونحوها، وليس مسبوقاً بـ(قد) أو بالسين أو سوف ونحو ذلك، فلابد فيه أن يكون كذلك.
ومن هنا فإن جواب الشرط إذا وقع واحداً من هذه الأشياء فإنه يلزم أن تدخل عليه الفاء.
أنتم تجدون أحياناً أن الفاء تدخل في جواب الشرط.
متى تدخل الفاء في جواب الشرط؟
إذا كان واحداً من هذه الصور الممنوعة في فعل الشرط:
- إذا كان طلبياً.
- أو كان جملة اسمية.
- أو كان منفياً بـ(لن).
- أو كان مسبوقاً بـ(قد) أو بالسين أوسوف أونحو ذلك.
إذا كان جواب الشرط واحداً من هذه الصور فإنه تدخل عليه الفاء، وإلا فإن الفاء لا تدخل في جواب الشرط، إلا في مثل هذه الصور.
نستعرض استعراضاً سريعاً لأدوات الشرط ومع التمثيل لكل واحد منها:
نبدأ بـ(من) -وهي التي في هذه الطبعة؛ مثل:
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}هذه الآية هنا؛ ترون أن الفاء دخلت في الجواب.
لماذا دخلت الفاء في جواب الشرط؟
لأنه جملة اسمية: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}.
هذا شاهد على (من) وكذلك شاهد آخر:
{ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
{فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.
أيضاً فعلان لكن الأخير لأنه معتل الآخر جزم بحذف حرف العلة.
شاهد من القرآن على (ما) الشرطية: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه}.
{وما تفعلوا من خير يعلمه الله}.
وشاهد على (أي).
طبعاً (أي) هذه لو دخلنا في تفصيلاتها فستجدون أنها أنواع كثيرة:
- (أي) تكون شرطية.
- وتكون استفهامية.
- تكون موصولة.
- وتكون حالية.
- وتكون نعتاً، أي: وصفية.
فـ (أي) هذه عدة أنواع.
أريد شاهداً على (أي) الشرطية التي لها فعل ولها جواب قوله تعالى: {أياًّ ما تدعو فله الاسماء الحسنى} هنا دخلت الفاء في جواب الشرط أيضاً؛ لأنه جملة أسمية.
مثال أو شاهد على (متى)ولو من الشعر أو من النثر:
أنـا ابـن جلا وطلاع الثنـايا متى أضع العمامة تعرفوني
هذا البيت المشهور الذي استشهد به الحجاج، أوتمثل به الحجاج بن يوسف الثقفي هو ليس من قوله وإنما هو من قول الشاعر (سحيل بن أثيل الرياحي): (متى أضع العمامة تعرفوني).
(أضع): فعل الشرط، ومجزوم لكن السكون خفف لأجل التقاء الساكنين، أصله: (متى أضعْ العمامة) فإذا وصلت قلت: (متى أضعِ العمامة) بالكسر لأجل التقاء الساكنين وهما العين والألف واللام.
(تعرفوني) هو جواب الشرط، وقد جزم بحذف النون لأنه من الأفعال أو من الأمثلة الخمسة.
ومثال (متى) أيضاً قول الشاعر:
مـتـى تـأتـه تـعشُو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
على (أيان) ريما تكون الشواهد عليها قليلة، وشاهد على (أيان) أو مثال، مثالها قولك: (أيان تلقني أكرمك) أي: في أي مكان أو (متى ما لقيتني فإنني سأكرمك).
والشاهد على (أينما): قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}
و(حيثما) أيضاً من شواهدها قول الشاعر:
حيثما تستقم يقدر لك اللـ ـه نجـاحـاً في غابر الأزمان
ومثال (كيفما) وهي التي قلت لكم: إن المؤلف أدخلها، وغالبية العلماء يرون أنها من أدوات الشرط غير الجازمة؛ ولذلك لا يدخلونها: (كيفما تكونوا يول عليكم) (كيفما تجلس أجلس) أي: مثلك في الهيئة التي تجلس، أحاول أن أقلدك فيها.
(إذا) أدخلها المؤلف، وهي أيضاً من أدوات الشرط غير الجازمة، لكنه سمع الجزم بها في الشعر فقط، ولذلك أدخلت، كما في قول الشاعر:
فاستغن ما أغناك ربك بالغنى وإذا تـصبك خصاصةٌ فتجمل
أي: إذا أصابك فقر فتجمل وتجلد ولا تحاول أن تتسخط أو أن تظهر شيئاً من ذلك عليك.
(إذما)التي قلنا: إنه مختلف فيها والراجح أنها حرف، كما في قول الشاعر:
وإنك إذ ما تأت ما أنت آمر بـه تـلـف مـن إياه تـأمـر آتـيا
يقول إذا أردت أن تأمر الناس بشيء فحاول أن تبدأ بنفسك حتى ينقاد الناس ويأتون ما أمرتهم به طوعاً وبسرعة دون أن تتوقع ذلك.
(تُلْفِ) هنا جواب الشرط وقد جزم بحذف حرف العلة؛ لأنه مضارع معتل الآخر.
إذاً هذه ليست من أدوات الشرط الجازمة أصلاً، والفاء ليس معنى ذلك أنها لا تدخل الفاء يتعين دخولها حينما يكون جواب الشرط من الأشياء التي لا تصلح أن تكون فعل الشرط، وذلك:
-في الفعل الطلبي.
-وفي الجملة الأسمية.
وقد تنوب عنها
(إذا) فتدخل محل الفاء حينئذٍ، كقوله تعالى: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون}، تدخل (إذا) أحياناً بدل الفاء التي تقع في جواب الشرط إذا كان الجواب من الأشياء التي لا تصلح أن تقع فعل شرط.
من الأدوات (مهما) وهي كما قلنا مختلف فيها والراجح أنها اسم، ومن أمثلتها قوله تعالى: {وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}.
و(أنى) مثالها:
أنىَّ اتـجـهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
هذا خلاصة الحديث عن أدوات الشرط:
- تعدادها وعملها.
- ونوع فعل الشرط وجوابه.
- والأسماء منها والحروف.
بقي إشارة إلى هذه الأسماء من حيث المعنى.
أدوات الشرط لو أردنا أن نصنفها إلى فئات من حيث المعنى ماذا نقول؟
- إذا نظرت إلى (إن) و(إذما) وجدت أنهما لمجرد تعليق الجواب بالشرط.
- فإذا نظرت إلى (مَنْ) وجدتها تجمع بين ماذا؟
(مَن) بصفة عامة سواء كانت للموصول أو كانت للاستفهام أو كانت للشرط فإنها مضادة لأختها (ما) سواء كانت:
- للشرط.
- أو موصولة.
- أو استفهامية.
ما الفرق بينهما؟
ما الفرق بين (من) و(ما) في هذه الاستعمالات الثلاثة؟
- أن (من) تستعمل للعاقل باستمرار وأن (ما) لغير العاقل.
هناك حالات قليلة ذكرها العلماء للتناوب بينهما، يعني لاستعمال هذه لغير العاقل في مواضع، ولاستعمال هذه بالعكس في مواضع.
- لكن الأصل فيها أن (من) للعاقل، وضمنت معنى الشرط هنا.
وأن (ما) لغير العاقل، وضمنت معنى الشرط هنا.
يلحق بـ(ما) في هذا الموضع (مهما) أيضاً فإنها تستخدم لذلك.
- فإذا نظرت إلى (متى) و(أيان) وجدت أنهما ضمنا معنى الشرط مع دلالتهما على الزمان.
- فإذا نظرت إلى (أين) و(أنى) و(حيثما) وجدت أنهما ضمنا معنى الشرط مع دلالتهما على المكان.
-(كيفما) هذه حكمها حكم (كيف) أيضاً في أنها للدلالة على الهيئة.
ونأتي للأخير منها وهو: (أيّ) ما حكمها؟
-(أيّ) تتشكل بحسب ما تضاف إليه، تقول: (أيهم يقم أقم معه).
أضفتها إلى عاقل، دلت على العاقل مع الشرط، (أيّ الدواب تركب اركب).
أضيفت إلى غير العاقل فدلت عليه مع تضمينها معنى الشرط، (أي يوم تصم أصم).
أضيفت إلى زمان فدلت على الزمان مع تضمينها معنى الشرط، (أي مكان تجلس أجلس فيه).
أضيفت إلى مكان فدلت على المكان مع تضمينها معنى الشرط.
فإذاً (أيّ) تتكيف بحسب ما تضاف إليه، أي أنها تدور مع الفئات المتقدمة كلها؛ تكون مع العاقل وتكون مع غير العاقل وتكون مع الزمان وتكون مع المكان، وهي في كل صورها مضمنة معنى الشرط؛ لكي تكون أداة شرط.
هذا خلاصة الحديث في الأدوات التي تجزم فعلين.