دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الجنايات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 محرم 1430هـ/18-01-2009م, 06:39 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب الديات (1/11) [مقدار الدية الكاملة في النفس ومقدار دية كل عضو]


بابُ الدِّيَاتِ
عنْ أبي بكرِ بنِ محمَّدِ بنِ عمرِو بنِ حَزْمٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلى أهلِ اليمنِ... فذكرَ الحديثَ. وفيهِ: ((أَنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ)). أَخْرَجَهُ أبو داودَ في (الْمَراسيلِ)، والنَّسائيُّ وابنُ خُزيمةَ وابنُ الجَارُودِ وابنُ حِبَّانَ وأَحْمَدُ، واخْتَلَفُوا في صِحَّتِهِ.


  #2  
قديم 23 محرم 1430هـ/19-01-2009م, 12:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ الدِّيَاتِ
الدِّيَاتُ: بِتَخْفِيفِ الياءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ؛ جَمْعُ: دِيَةٍ؛ كَعِدَاتٍ جَمْعُ: عِدَةٍ. أَصْلُ دِيَةٍ وِدْيَةٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ؛ مَصْدَرُ وَدَى الْقَتِيلَ يَدِيهِ، إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ دِيَتَهُ، حُذِفَتْ فَاءُ الْكَلِمَةِ وَعُوِّضَتْ عَنْهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ؛ كَمَا فِي عِدَةٍ، وَهِيَ اسْمٌ لأَعَمَّ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَمَا لا قِصَاصَ فِيهِ.
1/1104 - عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ.. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَفِيهِ: ((أَنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِناً قَتْلاً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إِلاَّ أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ)).
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَحْمَدُ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ.
(عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ): بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَسُكُونِ الزَّايِ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَلِيَ الْقَضَاءَ فِي الْمَدِينَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، اسْمُهُ كُنْيَتُهُ.
(عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ) عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ). أَوَّلُهُ: ((مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ وَنُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ وَالْحَرِثِ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ قَيْلَ ذِي رُعَيْنٍ، أَمَّا بَعْدُ " إلَى آخِرِ مَا هُنَا.
(وَفِيهِ أَنَّ مَن اعْتَبَطَ): بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ آخِرُهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ؛ أيْ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً بِلا جِنَايَةٍ مِنْهُ وَلا جَرِيرَةٍ تُوجِبُ قَتْلَهُ، (مُؤْمِناً قَتْلاً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ، إِلاَّ أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ)، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ مُخَيَّرُونَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
(وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِن الإِبِلِ): بَدَلٌ مِن الدِّيَةِ.
(وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ): بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمُوَحَّدَةٍ، (جَدْعُهُ)؛ أَيْ: قُطِعَ جَمِيعُهُ، (الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ) إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ مَا يُمْنَعُ مِنهُ الْكَلامُ.
(وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ) إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، (وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وفي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ) إذَا قُطِعَتْ مِنْ مَفْصِلِ السَّاقِ، (وَفِي الْمَأْمُومَةِ): هِيَ الْجِنَايَةُ الَّتِي بَلَغَتْ أُمَّ الرَّأْسِ، وَهِيَ الدِّمَاغُ، أَو الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ عَلَيْهَا، (ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ).
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: هِيَ الطَّعْنَةُ تَبْلُغُ الْجَوْفَ، وَمِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ، (ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ): اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَقَّلَ مُشَدَّدُ الْقَافِ، وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا صِغَارُ الْعِظَامِ، وَتَنْتَقِلُ مِنْ أَمَاكِنِهَا، وَقِيلَ: الَّتِي تُنَقِّلُ الْعَظْمَ؛ أيْ: تَكْسِرُهُ.
(خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ): اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْضَحَ، وَهِيَ: الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتَكْشِفُهُ، (خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْجَارُودِ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَحْمَدُ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ: قَدْ أُسْنِدَ هَذَا، وَلا يَصِحُّ، وَالَّذِي قَالَ: فِي إسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَهِمَ، إنَّمَا هُوَ ابْنُ أَرْقَمَ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: عَرَضْتُهُ عَلَى أَحْمَدَ، فَقَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْيَمَانِيُّ ضَعِيفٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْخَوْلانِيُّ ثِقَةٌ، وَكِلاهُمَا يَرْوِيَانِ عَن الزُّهْرِيِّ، وَالَّذِي رَوَى حَدِيثَ الصَّدَقَاتِ هُوَ الْخَوْلانِيُّ، فَمَنْ ضَعَّفَهُ إنَّمَا ظَنَّ أَنَّ الرَّاوِيَ هُوَ الْيَمَانِيُّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَنْقُلُوا هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، مَعْرُوفٌ مَا فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً يُسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهَا عَن الإِسْنَادِ؛ لأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ؛ لِتَلَقِّي النَّاسِ لهُ بِالْقَبُولِ وَالْمَعْرِفَةِ.
قَالَ الْعُقَيْلِيُّ: حَدِيثُ ثَابِتٍ مَحْفُوظٌ، إلاَّ أَنَّا نَرَى أَنَّهُ كِتَابٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عَمَّنْ فَوْقَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: لا أَعْلَمُ فِي الْكُتُبِ الْمَنْقُولَةِ كِتَاباً أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ، وَيَدَعُونَ رَأْيَهُمْ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى نَجْرَانَ، وَكَانَ الْكِتَابُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ. وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَحِيحاً.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الإِرْشَادِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلامَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ مَا لَفْظُهُ: قُلْتُ: وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَهَذَا الْكِتَابُ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ قَدِيماً وَحَدِيثاً، يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ وَيَفْزَعُونَ فِي مُهِمَّاتِ هَذَا الْبَابِ إلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلامَ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ. وَإِذَا عَرَفْتَ كَلامَ الْعُلَمَاءِ هَذَا عَرَفْتَ أنَّ الحديثَ مَعْمُولٌ بِهِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِن الرَّأْيِ الْمَحْضِ، وَقَد اشْتَمَلَ عَلَى مَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ:
الأُولَى: فِيمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً اعْتِبَاطاً؛ أيْ: بِلا جِنَايَةٍ مِنْهُ وَلا جَرِيرَةٍ تُوجِبُ قَتْلَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: اعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ؛ أيْ: قَتَلَهُ ظُلْماً لا عَنْ قِصَاصٍ.
وَقَدْ رُوِيَ الاغْتِبَاطُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا يُفِيدُهُ تَفْسِيرُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ سُئِلَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ عَن الاغْتِبَاطِ، فَقَالَ: الْقَاتِلُ الَّذِي يَقْتُلُ فِي الْفِتْنَةِ، فَيَرَى أَنَّهُ فِي هُدًى لا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ.
فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّهُ مِن الْغِبْطَةِ؛ بالغينِ المُعْجَمَةِ: الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَحُسْنِ الْحَالِ، فَإِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُؤْمِناً وَفَرِحَ بِقَتْلِهِ؛ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ. وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ، إلاَّ أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ؛ فَإِنَّهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ كَمَا سَلَفَ.
الثَّانِيَةُ: دَلَّ الحديثُ أَنَّ قَدْرَ الدِّيَةِ مِائَةٌ مِن الإِبِلِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضاً عَلَى أَنَّ الإِبِلَ هِيَ الْوَاجِبَةُ، وَأَنَّ بَقِيَّةَ الأَصْنَافِ لَيْسَتْ بِتَقْدِيرٍ شَرْعِيٍّ، بَلْ هِيَ مُصَالَحَةٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَاسِمُ وَالشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا أَسْنَانُهَا فَسَيَأْتِي الحَدِيثُ بَعْدَ هَذَا، إلاَّ أَنَّ قَوْلَهُ فِي هذا الْحَدِيثِ: ((وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ)) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَيْضاً أَصْلٌ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، وَالإِبِلُ أَصْلٌ عَلَى أَهْلِ الإِبِلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ الإِبِلِ، وَأَنَّ قِيمَةَ الْمِائَةِ مِنْهَا أَلْفُ دِينَارٍ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَوِّمُ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ عَدْلَهَا مِن الْوَرِقِ، وَيُقَوِّمُهَا عَلَى أَثْمَانِ الإِبِلِ، إذَا غَلَتْ رَفَعَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَإِذَا هَاجَتْ وَرَخُصَتْ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا.
وَبَلَغَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةٍ إلَى ثَمَانِمِائَةٍ، وَعَدْلُهَا مِن الْوَرِقِ ثَمَانِيَةُ آلافِ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَمَنْ كَانَ دِيَةُ عَقْلِهِ فِي الشَّاءِ بِأَلْفَيْ شَاةٍ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً.
وَمِثْلُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنَّهَا مِن الْوَرِقِ عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ بِتَقْوِيمِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَقْوِيمِ الْمِثْقَالِ بِهَا فِي الزَّكَاةِ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الإِبِلِ مِائَةً مِن الإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْقَمْحِ شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَسْهِيلِ الأَمْرِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ إلاَّ مِن النَّوْعِ الَّذِي يَجِدُهُ، وَيَعْتَادُ التَّعَامُلَ بِهِ فِي نَاحِيَتِهِ. وَلِلْعُلَمَاءِ هُنَا أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الأَحَادِيثُ أَوْلَى بِالاتِّبَاعِ، وَهَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ كَمَا عَرَفْتَ.
وَقَد اسْتَبْدَلَ النَّاسُ عُرْفاً فِي الدِّيَاتِ، وَهُوَ تَقْدِيرُهَا بِسَبْعِمِائَةِ قِرْشٍ، ثُمَّ إنَّهُمْ يَجْمَعُونَ عُرُوضاً يُقْطَعُ فِيهَا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فِي أَثْمَانِهَا، فَتَكُونُ الدِّيَةُ حَقِيقَةً نِصْفَ الدِّيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلا أَعْرِفُ لِهَذَا وَجْهاً شَرْعِيًّا؛ فَإِنَّهُ أَمْرٌ صَارَ مَأْنُوساً. وَمَنْ لَهُ الدِّيَةُ لا يُعْذَرُ عَنْ قَبُولِ ذَلِكَ حَتَّى إنَّهُ صَارَ مِن الأَمْثَالِ: " قَطْعُ دِيَةٍ "، إذَا قُطِعَ شَيْءٌ بِثَمَنٍ لا يَبْلُغُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ((وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ))؛ أي: اسْتُؤْصِلَ، وَهُوَ أَنْ يُقْطَعَ مِن الْعَظْمِ الْمُنْحَدِرِ مِنْ مَجْمَعِ الْحَاجِبَيْنِ؛ فَإِنَّ فِيهِ الدِّيَةَ، وَهَذَا حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الأَنْفَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ قَصَبَةٍ، وَمَارِنٍ، وَأَرْنَبَةٍ، وَرَوْثَةٍ. فَالْقَصَبَةُ: هِيَ الْعَظْمُ الْمُنْحَدِرُ مِنْ مَجْمَعِ الْحَاجِبَيْنِ، وَالْمَارِنُ: هُوَ الْغُضْرُوفُ الَّذِي يَجْمَعُ الْمَنْخَرَيْنِ، وَالرَّوْثَةُ: بِالرَّاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ طَرَفُ الأَنْفِ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْمَارِنُ: الأَنْفُ، أَوْ طَرَفُهُ، أَوْ مَا لانَ مِنْهُ.
وَاخْتُلِفَ إذَا جُنِيَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ، فَقِيلَ: تَلْزَمُ حُكُومَةٌ عِنْدَ الْهَادِي، وَذَهَبَ النَّاصِرُ وَالْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّ فِي الْمَارِنِ دِيَةً؛ لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: عِنْدَنَا فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فِي الأَنْفِ إِذَا قُطِعَ مَارِنُهُ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ)). قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ حَدِيثِ آلِ حَزْمٍ.
وَفِي الرَّوْثَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قُطِعَتْ ثُنْدُوَةُ الأَنْفِ بِنِصْفِ الْعَقْلِ خَمْسُونَ مِن الإِبِلِ، أَوْ عَدْلُهَا مِن الْوَرِقِ أَو الذَّهَبِ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الثُّنْدُوَةُ هُنَا رَوْثَةُ الأَنْفِ، وَهِيَ طَرَفُهُ وَمُقَدَّمُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ((وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ))؛ أيْ: إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الإِطْلاقِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وهذا إذَا قُطِعَ مِنْهُ مَا يَمْنَعُ الْكَلامَ. وَأَمَّا إذَا قُطِعَ مَا يُبْطِلُ بهِ بَعْضَ الْحُرُوفِ، فَحِصَّتُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِعَدَدِ الْحُرُوفِ. وَقِيلَ: بِحُرُوفِ اللِّسَانِ فَقَطْ، وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفاً، لا حُرُوفِ الْحَلْقِ، وَهِيَ سِتَّةٌ، وَلا حُرُوفِ الشَّفَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ. وَالأَوَّلُ أَوْلَى، بِأَنَّ النُّطْقَ لا يَتَأَتَّى إلاَّ بِاللِّسَانِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: ((وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ))، وَاحِدَتُهُمَا شَفَةٌ؛ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَتُكْسَرُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَحَدُّ الشَّفَتَيْنِ مِنْ تَحْتِ الْمَنْخَرَيْنِ إلَى مُنْتَهَى الشِّدْقَيْنِ فِي عَرْضِ الْوَجْهِ، وَفِي طُولِهِ مِنْ أَعْلَى الذَّقَنِ إلَى أَسْفَلِ الْخَدَّيْنِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ إذَا قُطِعَ إحْدَاهُمَا؛ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَى السَّوَاءِ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فِي الْعُلْيَا ثُلُثاً، وَفِي السُّفْلَى ثُلُثَيْنِ؛ إذْ مَنَافِعُهَا أَكْثَرُ؛ لِحِفْظِهَا لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: ((وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ))، هَذَا إذَا قُطِعَ مِنْ أَصْلِهِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ فَفِيهَا الدِّيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ الْمَهْدِيُّ؛ لمَذْهَبِ الْهَادَوِيَّةِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ، وَالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ. وَعِنْدَ الأَكْثَرِ أَنَّ فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ الحُكُومَةَ.
السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ((وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ))، وَهُوَ حُكْمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وابْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ فِي الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى ثُلُثَيِ الدِّيَةِ؛ لأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْهَا، وَفِي الْيُمْنَى ثُلُثَ الدِّيَةِ.
الثَّامِنَةُ: أَنَّ فِي الصُّلْبِ الدِّيَةَ، وَهُوَ إجْمَاعٌ. وَالصُّلْبُ: بِالضَّمِّ وَالتَّحْرِيكِ عَظْمٌ مِنْ لَدُنِ الْكَاهِلِ إلَى الْعَجْبِ؛ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، أَصْلُ الذَّنَبِ؛ كَالصَّالِبَةِ، قَالَ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}، فَإِنْ ذَهَبَ الْمَنِيُّ مَعَ الْكَسْرِ فَدِيَتَانِ.
التَّاسِعَةُ: أَفَادَ أَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَهَذَا فِي الْعَيْنِ الصَّحِيحَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الأَعْوَرِ إذَا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ بِالْجِنَايَةِ، فَذَهَبَ الْهَادِي وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ إذْ لَمْ يُفَصِّل الدَّلِيلُ، وَهُوَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَقِيَاساً عَلَى مَنْ لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلاَّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِن الصَّحَابَةِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا إذَا جُنِيَ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى ثُبُوتِ الْقَوَدِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لا قَوَدَ فِيهَا.
الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ: ((وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ)). وَحَدُّ الرِّجْلِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ مِنْ مَفْصِلِ السَّاقِ، فَإِنْ قُطِعَ مِن الرُّكْبَةِ لَزِمَ الدِّيَةُ وَحُكُومَةٌ فِي الزَّائِدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَن الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: وَفِي الأُذُنِ خَمْسُونَ مِن الإِبِلِ، قَالَ: وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وعُمَرَ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِذَلِكَ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: وَفِي السَّمْعِ مِائَةٌ مِن الإِبِلِ، وَفِي الْعَقْلِ مِائَةٌ مِن الإِبِلِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: لأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ الْمِصْرِيِّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مَضَت السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْعَقْلِ إذَا ذَهَبَ الدِّيَةَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثَ الدِّيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لا أَعْلَمُ خِلافاً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((فِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ)).
ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الإِرْشَادِ، وَقَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَائِفَةَ مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ، لا مِنْ جِرَاحِ الرَّأْسِ، وَأَنَّهُ لا يُقَادُ مِنْهَا، وَأَنَّ فِيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَأَنَّهَا جَائِفَةٌ مَتَى وَقَعَتْ فِي الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ. وَاخْتَلَفُوا إذَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِن الأَعْضَاءِ، فَنَفَذَتْ إلَى تَجْوِيفِهِ.
فَحَكَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ فِي كُلِّ جِرَاحَةٍ نَافِذَةٍ إلَى تَجْوِيفِ عُضْوٍ مِن الأَعْضَاءِ، أَيَّ عُضْوٍ كَانَ، ثُلُثَ دِيَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ، وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ.
وَأَمَّا سَعِيدٌ؛ فَإِنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْجَائِفَةِ، نحوُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مُوضِحَةِ الْجَسَدِ.
المسألةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِن الإِبِلِ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَفَادَ أَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْراً مِن الإِبِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِن الْيَدَيْنِ أَو الرِّجْلَيْنِ؛ فَإِنَّ فِيهَا عَشْراً، وَهُوَ رَأْيُ الْجُمْهُورِ.
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَرْفُوعاً بِلَفْظِ: ((وَالأَصَابِعُ سَوَاءٌ))، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ كَانَ لِعُمَرَ فِي ذَلِكَ رَأْيٌ آخَرُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَدِيثِ لَمَّا رُوِيَ لَهُ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِن الإِبِلِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَفِيهِ خِلافٌ لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ يُقَاوِمُ الْحَدِيثَ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِن الإِبِلِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالْفَرِيقَانِ. وَفِيهِ خِلافٌ لَيْسَ لَهُ مَا يُقَاوِمُ النَّصَّ.

فَائِدَةٌ:

رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ فِي الْهَاشِمَةِ عَشْراً مِن الإِبِلِ، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي رَجُلٍ ضُرِبَ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعَقْلُهُ وَنِكَاحُهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ. رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ.
وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْعَوْرَاءِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا إذَا طُمِسَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي الْيَدِ الشَّلاَّءِ إذَا قُطِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا، وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إذَا نُزِعَتْ بِثُلُثِ دِيَتِهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الإِرْشَادِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ((وَإِنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ))، فَتَقَدَّمَ الْكَلامُ فِيهِ.


  #3  
قديم 23 محرم 1430هـ/19-01-2009م, 12:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بَابُ الدِّيَاتِ
مُقَدِّمَةٌ
أَصْلُهَا مِنَ الْفِعْلِ: وَدَى يَدِي، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ بالهاءِ،فَهِيَ كالعِدَةِ مِن الوَعْدِ، والدِّيَةُ فِي الأَصْلِ مَصْدَرٌ، وَلَكِنْ سُمِّيَ بِهِ الْمَالُ المُؤَدَّى بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ.
وَالدِّيَاتُ جَمْعُ دِيَةٍ، مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ.
وَشَرْعاً: هِيَ الْمَالُ المُؤَدَّى إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ بِسَبَبِ جنايةٍ، وَالدِّيَةُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}. [النساء: 92].
وَبِالسُّنَّةِ:
جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا).
وبالإجماعِ: قَالَ فِي (شرحِ الإقناعِ) وَغَيْرِهِ: وَهِيَ ثابتةٌ بالإجماعِ.
قَالَ فِي (الإقناعِ) وَشَرْحِهِ: كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ إِنْسَاناً مُسْلِماً، أَوْ ذِمِّيًّا مُسْتَأْمَناً، أَوْ مُهَادِناً، بِمُبَاشَرَةٍ لإِتْلافِهِ، أَوْ بِسَبَبٍ كشهادةٍ عَلَيْهِ - سَوَاءٌ كَانَ عَمْداً أَوْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ – لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ، إِمَّا فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
فَإِنْ كَانَ عَمْداً مَحْضاً فالديةُ فِي مَالِ الْجَانِي، وَإِنْ كَانَتْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَالدِّيَةُ عُقُوبَةٌ مَالِيَّةٌ تَحِلُّ مَحَلَّ القِصَاصِ إِذَا سَقَطَ أَو امْتَنَعَ لِسَبَبٍ مِنْ أسبابِ السقوطِ أَو الامْتِنَاعِ، هَذَا إِذَا كَانَت الجنايةُ عَمْداً.
وتكونُ الدِّيَةُ عُقُوبَةً أَصْلِيَّةً إِذَا كَانَت الجنايةُ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ خَطَأً؛ سَوَاءٌ أكانتْ عَلَى النَّفْسِ، أَمْ فِيمَا دُونَ النفسِ.
وَالدِّيَةُ إِذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ.
وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَصْلِهَا: فالمشهورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ أصولَ الديةِ خمسةُ أصولٍ: مِائَةٌ مِن الإِبِلِ، أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، أَوْ أَلْفُ مِثْقَالِ ذَهَبٍ، أَو اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمِ فِضَّةٍ.
فَهَذِهِ الخمسُ أصولُ الديةِ، إِذَا أَحْضَرَ مَنْ عَلَيْهِ الديةُ شَيْئاً مِنْهَا لَزِمَ المَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيَّ دَمِهِ قَبُولُهُ؛ فَالْخِيَرَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ مُفْرَدَاتِ مَذْهَبِ الإمامِ أَحْمَدَ.
وَذَهَبَ جمهورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الأَصْلَ فِي الديةِ هِيَ الإِبِلُ، والأجناسَ الأربعةَ أَبْدَالٌ عَنْهَا، قَالَ ابْنُ مَنْجَا: هَذِهِ الروايةُ هِيَ الصحيحةُ مِنْ حَيْثُ الدليلُ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَظْهَرُ دَلِيلاً؛ لقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلا إِنَّ فِي قَتِيلِ السَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةً مِنَ الإِبِلِ)).
1023 - عَنْ أَبِي بكرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى أهلِ اليمنِ.. فَذَكَرَ الحديثَ، وَفِيهِ: ((إِنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِناً قَتْلاً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلاَّ أَنْ يَرْضَى أولياءُ المقتولِ، وَإِنَّ فِي النفْسِ الدِّيَةَ؛مَائِةً مِن الإبِلِ، وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ الدِّيَةُ، وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ، وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ، وَفِي البَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الصُّلْبِ الدِّيَةُ، وَفِي العَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإبِلِ، وَفِي كلِّ إِصْبَعٍ مِن أصابِعِ اليدِ والرِّجْلِ عَشْرٌ مِن الإبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ، وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِن الإِبِلِ، وإنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ، وَعَلَى أهلِ الذَّهَبِ ألْفُ دِينارٍ)).
أَخْرَجَهُ أَبُو داودَ فِي (الْمَراسيلِ)، والنَّسائيُّ، وابنُ خُزيمةَ، وابنُ الجَارُودِ، وابنُ حِبَّانَ، وأَحْمَدُ، واخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ.
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الطهارةِ، عَلَى أَنَّ المُحَدِّثِينَ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ؛ فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَدْ أُسْنِدَ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلا يَصِحُّ، وَالَّذِي فِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَهْمٌ، إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ. وهكذا قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ:إِنَّهُ الصَّوَابُ. وَتَبِعَهُ صَالِحُ جَزَرَةَ، وَأَبُو الْحَسَنِ الهَرَوِيُّ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ؛ يَعْنِي: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: صَحِيفَةُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مُنْقَطِعَةٌ، لا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِهِ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ اليَمَامِيُّ ضَعِيفٌ، وسليمانُ بْنُ دَاوُدَ الْخَوْلانِيُّ ثِقَةٌ، وَكِلاهُمَا يَرْوِي عَن الزُّهْرِيِّ، وَالَّذِي رَوَى حَدِيثَ الصدقاتِ هُوَ الْخَوْلانِيُّ، فَمَنْ ضَعَّفَهُ فَإِنَّمَا ظَنَّ أَنَّ الرَّاوِيَ لَهُ هُوَ الْيَمَامِيُّ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَوْلا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ مُوسَى وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ. وَإِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ – لَكَانَ لكلامِ ابْنِ حِبَّانَ وَجْهٌ. وَصَحَّحَهُ الحاكمُ، وَابْنُ حِبَّانَ، والْبَيْهَقِيُّ، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَحِيحاً.
وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَ بِالْكِتَابِ المذكورِ جَمَاعَةٌ مِن الأَئِمَّةِ، لا مِنْ حَيْثُ الإسنادُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ الشُّهْرَةُ:
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَقْبَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا كِتَابٌ مشهورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ، مَعْرُوفٌ مَا فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً يَسْتَغْنِي بِشُهْرَتِهَا عَن الإسنادِ؛ لأَنَّهُ أَشْبَهَ التَّوَاتُرَ فِي مَجِيئِهِ؛ لِتَلَقِّي النَّاسِ لَهُ بِالصَّوَابِ والمعرفةِ.
وَقَالَ العُقيليُّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ محفوظٌ، إِلاَّ أَنَّا نَرَى أَنَّهُ كِتَابٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ عَمَّنْ فَوْقَ الزُّهْرِيِّ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: لا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الكُتُبِ المنقولةِ كِتَاباً أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ هَذَا؛فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَيَدَعُونَ رَأْيَهُمْ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ: قَدْ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِمَامُ عَصْرِهِ الزُّهْرِيُّ لهذا الْكِتَابِ بالصِّحَّةِ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- اعْتَبَطَ: بالعَيْنِ المهملةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ، آخِرُهُ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ، يُقَالُ: اعْتَبَطَهُ يَعْتَبِطُهُ اعْتِبَاطاً: قَتَلَهُ بِلا جِنَايَةٍ وَلا جَرِيرَةٍ تُوجِبُ قَتْلَهُ، يُقَادُ قَاتِلُهُ بِهِ، وَيُقْتَلُ، كُلُّ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ عِلَّةٍ فَقَدِ اعْتُبِطَ.
- قَتْلاً: أَيْ قَتْلاً بِلا جِنَايَةٍ وَلا جَرِيرَةٍ تُوجِبُ قَتْلَهُ، وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ؛ لأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ.
- فَإِنَّهُ: جَوَابُ الشَّرْطِ.
- بَيِّنَةٍ: البَيِّنَةُ هِيَ الْحُجَّةُ الواضحةُ، وَكُلُّ مَا أَبَانَ الْحَقَّ وَأَظْهَرَهُ فَهُوَ بَيِّنَةٌ.
- أُوعِبَ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَكَسْرِ الْعَيْنِ المهملةِ فَمُوَحَّدَةٍ. أَوْعَبَهُ إِيعَاباً: أَخَذَهُ أَجْمَعَ، وَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئاً، وَالْمُرَادُ هُنَا: قَطَعَ جَمِيعَ أَنْفِهِ.
- الشَّفَتَيْنِ: شَفَةُ الشَّيْءِ: حَرْفُهُ، وَشَفَةُ الإِنْسَانِ هُوَ: الجزءُ اللَّحْمِيُّ الظَّاهِرُ، الَّذِي يَسْتُرُ الأسنانَ، وَهُمَا شَفَتَانِ.
- قَوَدٌ: بِفَتْحَتَيْنِ: القِصَاصُ، يُقَالُ: قَادَ الأميرُ الْقَاتِلَ بالقتيلِ.قَتَلَهُ بِهِ قَوَداً، وَأَصْلُهُ الانْقِيَادُ، سُمِّيَ بِهِ القِصَاصُ؛ لِمَا فِيهِ مِن انْقِيَادِ الْجَانِي لَهُ بِمَا جَنَاهُ.
- البَيْضَتَيْنِ: هُمُ الْخُصْيَتَانِ، مُفْرَدُهَا خُصْيَةٌ؛ وَهِيَ البَيْضَةُ مِنْ أَعْضَاءِ التَّنَاسُلِ.
- الصُّلْبِ: بِضَمِّ الصادِ المهملةِ، وَسُكُونِ اللَّامِ؛ هُوَ العَمُودُ الفَقْرِيُّ.
- المَأْمُومَةِ: هِيَ الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى أُمِّ الدِّمَاغِ، وأُمُّ الدِّماغِ هِيَ: المِنْطَقَةُ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغُ فِي الرأسِ.
- الْجَائِفَةِ: هُوَ الْجُرْحُ الَّذِي يَصِلُ إِلَى بَاطِنِ الْجَوْفِ؛ سَوَاءٌ أكانَ مِنْ بَطْنٍ، أَمْ صدرٍ، أَمْ ظَهْرٍ، أَمْ نَحْرٍ، أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ.
- الْمُنَقِّلَةِ: هِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تُوضِحُ عَظْمَ الرأسِ، وَتَهْشِمُهُ، وَتَنْقُلُ عِظَامَهُ بِتَكْسِيرِهِ.
- الْمُوضِحَة: هِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي تُوضِحُ عَظْمَ الرأسِ، وَتُبْدِي بَيَاضَهُ، وَلا تَكْسِرُهُ، فَهِيَ خَاصَّةٌ بالرأسِ والوجهِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- ثُبُوتُ القِصَاصِ، إِذَا قُتِلَ الْمُسْلِمُ المعصومُ عَمْداً وَعُدْوَاناً.
2- ثُبُوتُ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ العمدِ العُدْوَانِ إِذَا رَضِيَ بِهَا أولياءُ الْمَقْتُولِ، أَو امْتَنَعَ القِصَاصُ لِسَبَبٍ مِنْ أسبابِ الامتناعِ، أَوْ سَقَطَ لِسَبَبٍ مِنْ أسبابِ السقوطِ.
3- أَنَّ الديةَ الكاملةَ فِي النفسِ هِيَ مِائَةٌ مِن الإِبِلِ، والمَذْهَبُ أَنَّ الخمسةَ الأجناسِ كُلَّهَا أصولٌ.
ولكنَّ الْقَوْلَ الراجحَ أَنَّ الأَصْلَ هِيَ الإِبِلُ، والأجناسَ الباقيةَ أَبْدَالٌ عَنْهَا.
4- مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَصْلَ الإِبِلُ، وَالْبَاقِيَاتِ أَبْدَالٌ، مَا يَأْتِي:
- التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ خَاصٌّ فِي الإِبِلِ دُونَ غَيْرِهَا.
- كُلُّ الدِّيَاتِ فِي غَيْرِ النفسِ تُقَدَّرُ بالإبلِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ رِوَايَةٌ قَوِيَّةٌ فِي المذهبِ، رَجَّحَهَا بَعْضُ أَئِمَّةِ المذهبِ.
5- الأعضاءُ فِي بدنِ الإِنْسَانِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ عُضْواً وَاحِداً فقطْ؛ كالأنفِ، واللسانِ، والذَّكَرِ. وإمَّا أَنْ تَكُونَ عُضْوَيْنِ؛ كَالعَيْنَيْنِ، والأُذُنَيْنِ، والخُصْيَتَيْنِ. وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَرْبَعَةً؛ كالأَجْفَانِ الأربعةِ.
فَمَا فِيهِ عُضْوٌ وَاحِدٌ – كالأنفِ – فَفِيهِ دِيَةٌ كاملةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ عُضْوَانِ ففيهما دِيَةٌ كاملةٌ، وَفِي الْوَاحِدِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ، فَفِيهَا كُلِّهَا دِيَةٌ كاملةٌ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الديةِ.
6- أَمَّا المَأْمُومَةُ؛ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى أُمِّ الدِّمَاغِ – وأُمُّ الدِّمَاغِ هِيَ جلدةٌ رقيقةٌ فِيهَا الدِّمَاغُ – فَفِيهَا ثُلُثُ الديةِ.
7- وَأَمَّا الْجَائِفَةُ؛ وَهِيَالطعنةُ الَّتِي تَصِلُ إِلَى باطنِ الْجَوْفِ؛ سَوَاءٌ أكانَ مِنْ بَطْنٍ، أَمْ ظَهْرٍ، أَمْ صَدْرٍ، أَمْ نَحْرٍ، أَمْ دِمَاغٍ – ففيها أَيْضاً ثُلُثُ الدِّيَةِ.
8- وَأَمَّا الْمُنَقِّلَةُ؛ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ العَظْمَ، وَتَهْشِمُهُ، وَتَنْقُلُ عِظَامَهُ بِتَكْسِيرِهَا – فَفِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مِنَ الإِبِلِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ.
9- وَأَمَّا أَصَابِعُ اليدِ أَو الرِّجْلِ: فَفِي كُلِّ أصبعٍ عُشْرُ الديةِ، وَهُوَ عَشْرٌ مِن الإِبِلِ؛ لأَنَّ أَصَابِعَ اليدَيْنِ فِيهَا الديةُ كاملةً، وَفِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ الدِّيَةُ كاملةً، فَيَكُونُ فِي كُلِّ أصبعٍ عُشْرُهَا.
وَفِي أُنْمُلَةِ إِبْهَامِ يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ نِصْفُ العُشْرِ، وَهُوَ خَمْسٌ مِن الإِبِلِ؛ لأَنَّ فِيهِ أُنْمُلَتَيْنِ، أَمَّا الأنملةُ مِنْ غَيْرِ الإِبْهَامِ ففيها ثُلُثُ عُشْرِ عُشْرِهَا؛ لأَنَّ فِي كُلِّ أصبعٍ ثَلاثَ أَنَامِلَ.
10- أَمَّا السِّنُّ: فَفِيهِ خمسٌ مِن الإِبِلِ؛ سَوَاءٌ أَكَانَ سِنًّا، أَمْ ضِرْساً، أَوْ نَاباً، وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الديةِ.
ومجموعُ الأسنانِ اثْنَانِ وَثَلاثُونَ:أَرْبَعُ ثَنَايَا، وَأَرْبَعُ رَبَاعِيَاتٍ، وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ، وَعِشْرُونَ ضِرْساً، فِي كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةٌ: خَمْسَةٌ مِنْ أَعْلَى، وَخَمْسَةٌ تَحْتَهَا؛ فَتَكُونُ دِيَتُهَا كُلِّهَا مِائَةً وَسِتِّينَ بَعِيراً.
11- إِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَمْداً وَعُدْوَاناً قُتِلَ قِصَاصاً بِهَا، وَلا يَضُرُّ نَقْصُ دِيَتِهَا عَنْهُ، فَهِيَ مُكَافِئَةٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ حُرْمَةُ الدمِ.
أَمَّا قَدْرُ الديةِ بالذهبِ فَأَلْفُ دِينَارٍ، وَيَكُونُ قَدْرُهُ بالغِرَامِ أَرْبَعَةَ آلافٍ وَمِائتينِ وَخَمْسِينَ غِرَاماً.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الديات, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir