إجابات أسئلة مجلس محاضرة البناء العلمي
أجب على الأسئلة التالية:
السؤال الأول: بيّن أهميّة البناء العلمي في مسيرة طالب العلم ، ومثل لعناية العلماء به.
· أهميته :
هي أهم مراحل طلب العلم بعد مرحلة التأسيس بل إنها لُب التأصيل العلمي لطالب العلم ، و تظهر أهميتها في أن الطالب يتأهل بعدها لتعلم مهارات العرض العلمي ، و تكون لديه القدرة العالية على التصنيف السريع ، و سرعة التحصيل العلمي كذلك ، و إذا كان الطالب له أصل علمي يكثر من مداومة النظر فيه فإنه يرسخ علمه -بإذن الله- ، وإذا كان الأصل الذي لديه فيه مسائل كثيرة و مسائل محررة فإنه يكون أكثر علماً ، كما أنها من طرق أهل العلم المعتمدة و من فرّط في بنيانه العلمي في وقت نشاطه فإنه يصعب عليه تعويضه فيما بعد .
.
· عناية العلماء به :
العلماء -رحمهم الله- كان لهم عناية حسنة و بالغة في مرحلة البناء العلمي ، حيث كانوا يجمعون مسائل العلم كل على حسب علمه الذي يطلبه ، و يصنفونها على حسب عنايتهم العلمية ، وبذلك كان لكثير من العلماء في أصولهم العلمية الخاصة بهم .
ز
أولا: أهل الحديث:كان لغالب المحدثين أصولهم الخاصة بهم فـــــــ :
1. الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- صاحب المسند ، قال : " انتقيت المسند من سبعمئة ألف حديث وخمسين حديث " ، فلما أراد أن يكتب المسند استخرج من هذا الأصل الذي لديه ثلاثين ألف حديث .
2. إسحاق بن راهويه -رحمه الله- كان يقول : " كأني أنظر إلى مئة ألف حديث في كتبي وثلاثين ألفاً أسردها " ويستفاد من قوله أنه كان له أصل يكثر من مراجعته ، وأنه لم يبلغ هذه المرحلة إلا بكثرة المراجعة و مداومة النظر .
3. الإمام البخاري –رحمه الله- : لما سئل عن أنفع شيء للحفظ قال مداومة النظر في الكتاب. و هذه إحدى طرائق تكوين الأصل العلمي .
4. الإمام مسلم -صاحب الصحيح- ، قال: "صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمئة ألف حديث مسموعة" .
5. أبو داود السجستاني -صاحب السنن- ، قال: " كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمئة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن" .
6. الإمام الدارقطني : صاحب كتاب العلل الذي طبع في نحو عشرين مجلداً إذا سئل عن حديث كأنه يحصر الأسانيد التروي بها هذا الطريق و يبين علتها و الخطأ الذي وقع لبعض الرواة فيها هذا لا يُحصِّله العالم من قراءاتٍ متفرقة و لو كانت كثيرة و حتما لديه أصل جامع جمع فيه الأحاديث و رتبها و درسها و عرف ما فيها من العلل و كان كثير المراجعة لملخصه لذا يسهل عليه أن يجيب من يسأله ، حتى قيل أن الدارقطني أملى هذا الكتاب من حفظه . قال الذهبي معلقا على ذلك: (إن صح أنه أملاه من حفظه فهو أحفظ أهل الأرض!) ؛ لأن من قرأ أجوبته التي سئل عنها في كتابه العلل يقطع بسعة اطلاعه وحسن معرفته وتحريره.
7. الإمام يحيى بن معين ، يقول : "إذا كتبت فقمش و إذا حدثت ففتش" . ووضح هذه المقولة شيخنا عبدالعزيز الداخل –وفقه الله- فقال :
أي عند الكتابة اكتب كل ما يقع عليه نظرك ، لكن عند التحديث و الفتوى والتدريس ففتش وبين الصحيح من الضغيف.
ز
ثانياً: أهل التفسير:
· من عجائب أخبارهم ما قاله ابن رشيق المغربي عن الإمام ابن تيمية -رحمه الله-
أنه وقف على خمسة وعشرين تفسيراً مسنداً ، و لخص أقوال السلف على جميع القرآن وجعلها أصلا له .
· ابن فرحان المالكي يقول : " لازمت تفسير ابن عطية حتى كدت أحفظه ".
كثرة إدمانه جعله أصلا علميا له .
.
ثالثاً: أهل اللغة :
· العباس أحمد بن يحيى ثعلب : من أئمة أهل اللغة أقبل إقبالاً حسناً على كتب الفراء - و هو في مرتبة شيخ شيوخه - وحذقها ، وهو لم يبلغ الخامسة و العشرين .و كان هذا أصل علمي له .
· و نقل القاضي عياض عن ابن التبان: أنه قرأ المدونة الكافية أكثر من ألف مرة
· الكافياجي : شيخ السيوطي لقب بهذا اللقب بسبب كثرة انشغاله بكتاب الكافي في النحو لابن الحاجب قراءة و إقراءً .
.
رابعاً: أهل الفقه :
· أبو بكر الخلال : لم يدرك الإمام أحمد ، لكنه أقبل على جمع مسائل الإمام من تلاميذه و تصنيفها و ترتيبها والتحقق من صحتها حتى صار إماما ذا شأن ، وصارت كتبه من أهم مراجع الحنابلة .
· الفقيه الحنبلي ابن مفلح : كانت لديه براعة في جمع مسائل الإمام أحمد و تصنيفها، و كانت له ملكة حسنة في تمييز المرويات عن الإمام أحمد . حتى كان مرجعا في عصره في مسائل فقه الإمام أحمد. و يرجع إليه شيخه الإمام ابن تيمية في مسائل فقه الإمام أحمد ، حتى قال عنه : " ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الامام أحمد بن حنبل من ابن مفلح " ، والسبب في ذلك أن ابن مفلح كان له أصل علمي مهم في مسائل الإمام أحمد.
.
v و بهذا يتبين لنا من خلال هذه النماذج أن اتخاذ الأصول العلمية من طرق أهل العلم المعتمدة ، و يجدر التنبيه هنا على أمر مهم وهو :
أنهم كانوا لا يطلعون أحد على هذه الأصول إلا الخاصة ؛ وذلك لحاجتها للمراجعة فإذا أرادوا التأليف استخرجوا من هذه الأصول .
السؤال الثاني:الأصول العلمية على أنواع اذكرها ، ومثّل لكل نوع بمثال.
1. النوع الأول : أن يتخذ الطالب أصلاً في العلم الذي يدرسه و يدمن قراءته و يستظهر مسائله حتى يكاد يحفظه .
§ هذه الطريقة سلكها جماعة من العلماء مثل : ابن فرحان المالكي. و ما نقله القاضي عياض عن ابن التبان .
.
2. النوع الثاني : بعض العلماء المعاصرون كانت مكتباتهم صغيرة و قليلة الكتب إذا ما قورنت بمكتبات كثير من طلاب العلم لكنهم كانوا يقرؤونها قراءة حسنة ويكثرون من مداومة القراءة فيها حتى يكادون يستظهرونها ،
§ من العلماء المعاصرين :
- الشيخ/ عبدالرزاق عفيفي-رحمه الله- ، نائب رئيس هيئة كبار العلماء.
- كذلك نقل عن ابن عثيمين-رحمه الله- : أن مكتبته لم تكن كبيرة لكنه كان صاحب كثرة مراجعة حتى كاد يحفظ بعضها درس فقه المذهب على شيخه السعدي دراسة حسنة حتى حفظ كثيرا من مسائله و ذكر عنه أنه حفظ زاد المستقنع غيبا عن ظهر قلب .
.
3. النوع الثالث : أن ينشئ الطالب لنفسه أصلاً ، وهذا له أنواع :
1) أن يبني أصله من كتب عالم من العلماء فيُقبل على كتبه و يلخص مسائله ويعتني بها عناية كبيرة حتى يكون لديه أصل علمي و يستفيد من طريقته و يعملها في مسائل أخرها :
§ مثاله:
-ما فعله ثعلب و أبو عمر الزاهد مع كتب الفراء ،
-و ما فعله الإمام محمد عبد الوهاب و السعدي مع كتب ابن تيمية.
-و ما فعله بعض المعاصرين على كتب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ،
وهاهنا تنبيهات مهمة :
o أن هذه الطريقة لا تؤتي ثمارها حتى يصبر عليها الطالب مدة طويلة من الزمن وهو يلخص و يقرأ و يحرر و يكرر، حيث سيمكث سنوات ولكن الفائدة ستكون كبيرة أيضاً .
o أن البناء لا يحصل بمجرد القراءة العابرة ، بل لابد من القراءة الكثيرة.
o من الصعب أن يبني الطالب أصلا في أكثر من علم .
.
2) أن يتخذ الطالب أصلا يستفيده من كتب متعددة فيلخص مسائله ،
§ كما فعل السبكي في جمع الجوامع فإنه لخصه من نحو مئة كتاب في أصول الفقه ، و كما لخص ابن تيمية أقوال السلف في التفسير .
.
السؤال الثالث: ما هي مراحل بناء الأصل العلمي؟
1) دراسة مختصرفي هذا العلم و هي مرحلة مهمة جدا فيكون بمثابة الأصل له،
و الغرض من ذلك :
أن يعرف كيف يدرس المسائل العلمية لذلك العلم،و أن يكون على إلمام عام بذلك العلم .
.
2) الزيادة على هذا المختصر(الأصل)، بدراسة كتاب أوسع منه قليلا ،
والغرض من ذلك :
-ليراجع الأصل الذي درسه من وجه آخر بطريقة أخرى و يضبط مسائله.
-وزيادة تفصيل عليها وضبط مسائلها .
.
3) تكميل جوانب التأسيس :بدراسة مختصر في كل ما ينقصه فينظر في ذلك بحسب ما يناسبه.
4) قراءة كتاب جامع في ذلك العلم أو اتخاذ أصل مرجعي و الزيادة عليه .
5) القراءة المبوبة.
والغرض من ذلك أنه : قد يجد في هذا الباب كتاب قيما ياخذه ويستفيد منه ويضيف إلى أصله العلمي . و في هذه المرحلة تكون القفزات العلمية لطلاب العلم فقد يجد بعض الكتب توفر عليه جهد كثير و يقفز بملخصه قفزة علمية . و من ذلك الاستفادة من الدراسات الموسوعية .مثال ذلك : دراسات الدكتور محمد عبدالخالق عضيمة رحمه الله الذي وفر عمل مؤسسات علمية .
.
6) مرحلة المراجعة المستمرة والتصنيف والفهرسة لمسائل الأصل؛ ليسهل على نفسه الوصول لمسائله .
.