18/579 - وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ, فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ)) رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلاَّ ابْنَ مَاجَهْ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ.
(وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الحَاءِ المُهْمَلَةِ وَسُكُونِ المُثَلَّثَةِ (قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ) لِأَهْلِ المَالِ (فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ. رَوَاهُ الخَمْسَةُ إلاَّ ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ) وَفِي إسْنَادِهِ مَجْهُولُ الحَالِ, كَمَا قَالَ ابْنُ القَطَّانِ.
لَكِنْ قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ شَاهِدٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ " أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِهِ " كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ " أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: دَعْ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ وَقَدْرَ مَا يَقَعُ " وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعاً: ((خَفِّفُوا فِي الخَرْصِ فَإِنَّ فِي المَالِ العَرِيَّةَ وَالوَطِيَّةَ وَالأُكْلَةَ)) الحَدِيثَ.
وَقَد اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الحَدِيثِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُتْرَكَ الثُّلُثُ أَو الرُّبُعُ مِن العُشْرِ.
وَثَانِيهِمَا: أَنْ يُتْرَكَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُعَشَّرَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَدَعَ ثُلُثَ الزَّكَاةِ أَوْ رُبُعَهَا؛ لِيُفَرِّقَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَقَارِبِهِ وَجِيرَانِهِ. وَقِيلَ: يَدَعُ لَهُ وَلِأَهْلِهِ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ وَلا يَخْرُصُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَالأَوْلَى الرُّجُوعُ إلَى مَا صَرَّحَتْ بِهِ رِوَايَةُ جَابِرٍ,وَهُوَ التَّخْفِيفُ فِي الخَرْصِ وَيَتْرُكُ مِن العُشْرِ قَدْرَ الرُّبُعِ أَو الثُّلُثِ؛ فَإِنَّ الأُمُورَ المَذْكُورَةَ قَدْ لا تُدْرِكُ الحَصَادَ فَلا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إنَّ الحَدِيثَ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَمَحَاسِنِهَا, مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ فِي الخَضْرَوَاتِ صَدَقَةٌ))؛ لأَنَّهُ قَدْ جَرَتِ العَادَةُ أَنَّهُ لا بُدَّ لِرَبِّ المَالِ بَعْدَ كَمَالِ الصَّلاحِ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَعِيَالُهُ وَيُطْعِمُوا النَّاسَ مَا لا يُدَّخَرُ وَلا يَبْقَى, فَكَانَ مَا جَرَى العُرْفُ بِإِطْعَامِهِ وَأَكْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الخَضْرَوَاتِ الَّتِي لا تُدَّخَرُ. وَضَّحَ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا العُرْفَ الجَارِيَ بِمَنْزِلَةِ مَا لا يُمْكِنُ تَرْكُهُ, فَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلنُّفُوسِ مِن الأَكْلِ مِن الثِّمَارِ الرَّطْبَةِ وَلا بُدَّ مِن الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَكُونُ تَرْكُ ذَلِكَ مُضِرًّا بِهَا وَشَاقًّا عَلَيْهَا. انْتَهَى.
19/580 - وَعَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْرَصَ العِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيباً.رَوَاهُ الخَمْسَةُ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ.
(وَعَنْ عَتَّابِ) بِفَتْحِ المُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ المُثَنَّاةِ الفَوْقِيَّةِ آخِرَهُ مُوَحَّدَةٌ (ابْنِ أَسِيدٍ) بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ المُهْمَلَةِ وَسُكُونِ المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْرَصَ العِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيباً. رَوَاهُ الخَمْسَةُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ)؛ لأَنَّهُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابٍ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الصَّحِيحُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ,أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَتَّاباً (مُرْسَلٌ).
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلاً فَهُوَ يَعْتَضِدُ بِقَوْلِ الأَئِمَّةِ.
وَالحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ خَرْصِ التَّمْرِ وَالعِنَبِ؛ لأَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي:"أَمَرَ". يُفْهِمُ مِنْهُ أَنَّهُ أَتَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيغَةٍ تُفِيدُ الأَمْرَ, وَالأَصْلُ فِيهِ الوُجُوبُ، وَبِالوُجُوبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَتِ الهَادَوِيَّةُ: إنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهُ مُحَرَّمٌ؛ لأَنَّهُ رَجْمٌ بِالغَيْبِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَمَلٌ بِالظَّنِّ وَرَدَ بِهِ أَمْرُ الشَّارِعِ وَيَكْفِي فِيهِ خَارِصٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ؛ لأَنَّ الفَاسِقَ لا يُقْبَلُ خَبَرُهُ, عَارِفٌ؛ لأَنَّ الجَاهِلَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَحْدَهُ يَخْرُصُ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ؛ وَلأَنَّهُ كَالحَاكِمِ يَجْتَهِدُ وَيَعْمَلُ، فَإِنْ أَصَابَت الثَّمَرَةَ جَائِحَةٌ بَعْدَ الخَرْصِ.
فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: أَجْمَعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ العِلْمُ أَنَّ المَخْرُوصَ إذَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ قَبْلَ الجِذَاذِ فَلا ضَمَانَ. وَفَائِدَةُ الخَرْصِ أَمْنُ الخِيَانَةِ مِنْ رَبِّ المَالِ؛ وَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ البَيِّنَةُ فِي دَعْوَى النَّقْصِ بَعْدَ الخَرْصِ, وَضَبْطُ حَقِّ الفُقَرَاءِ عَلَى المَالِكِ, وَمُطَالَبَةُ المُصَّدِّقِ بِقَدْرِ مَا خَرَصَهُ، وَانْتِفَاعُ المَالِكِ بِالأَكْلِ وَنَحْوِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخَرْصِ النَّخْلِ وَالعِنَبِ, قِيلَ: وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِمَّا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَإِحَاطَةُ النَّظَرِ بِهِ وَقِيلَ: يَقْتَصِرُ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ, وَهُوَ الأَقْرَبُ؛لِعَدَمِ النَّصِّ عَلَى العِلَّةِ.
وَعِنْدَ الهَادَوِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لا خَرْصَ فِي الزَّرْعِ؛لِتَعَذُّرِ ضَبْطِهِ لِاسْتِتَارِهِ بِالقِشْرِ، وَإِذَا ادَّعَى المَخْرُوصُ عَلَيْهِ النَّقْصَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ إقَامَةُ البَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَجَبَ إقَامَتُهَا وَإِلاَّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَصِفَةُ الخَرْصِ أَنْ يَطُوفَ بِالشَّجَرَةِ وَيَرَى جَمِيعَ ثَمَرَتِهَا وَيَقُولَ: خِرْصُهَا كَذَا وَكَذَا رَطْباً, وَيَجِيءُ كَذَا وَكَذَا يَابِساً.