دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الزكاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 محرم 1430هـ/10-01-2009م, 06:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي كتاب الزكاة (2/17) [زكاة بهيمة الأنعام]


وعن أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ له: ((هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التي فَرَضَها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى المسلِمِينَ، والتَى أَمَرَ اللَّهُ بها رسولَه: في أربعٍ وعشرين مِن الإِبِلِ فما دُونَها، الغَنَمُ: في كلِّ خَمْسٍ شاةٌ، فَإِذَا بَلَغَت خَمْسًا وعِشرينَ إِلَى خَمْسٍ وثلاثينَ ففيها بنتُ مَخاضٍ أُنثَى، فإن لم تكنْ فابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فإذا بَلَغَتْ سِتًّا وثلاثينَ إلَى خَمْسٍ وأربعينَ ففيها بِنتُ لَبونٍ أُنْثَى، فإذا بَلَغَتْ سِتًّا وأربعينَ إلَى سِتِّينَ ففِيهَا حُقَّةٌ طَروقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ واحدةً وسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وسَبعينَ ففِيهَا بِنتُ مَخاضٍ أُنثَى، فإن لم تكن فابنُ لَبونٍ ذَكَرٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وثلاثينَ إِلَى خَمْسٍ وأربعينَ ففِيهَا بنتُ لَبونٍ أنثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وأربعينَ إِلَى سِتِّينَ ففِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وسبعينَ إِلَى تِسعينَ ففِيهَا بِنْتَا لَبونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحدَى وتسعينَ إِلَى عشرينَ ومِائَةٍ ففِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زادَتْ عَلَى عِشرينَ ومِائةٍ ففي كلِّ أربعينَ بِنْتُ لَبونٍ، وفي كلِّ خمسينَ حِقَّةٌ، ومَن لم يَكُنْ معه إلا أربعٌ مِن الإِبِلِ فلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلا أن يَشاءَ رَبُّها. وفي صَدَقَةِ الغَنَمِ في سائِمَتِها: إِذَا كَانَتْ أربعينَ إِلَى عِشرينَ ومِائَةِ شاةٍ شاةٌ، فَإِذَا زادَتْ عَلَى عِشرينَ ومِائَةٍ إِلَى مِائتينِ ففِيهَا شاتانِ، فَإِذَا زادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ ففِيهَا ثلاثُ شِياهٍ، فَإِذَا زادَتْ عَلَى ثلاثِمِائَةٍ ففي كلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سائِمَةُ الرجُلِ ناقصةً مِن أربعينَ شاةً شَاةً واحدةً فلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلا أن يَشاءَ رَبُّها. ولا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، ولا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمَعٍ خَشيَةَ الصدَقَةِ، وما كَانَ مِن خَلِيطَيْنِ فإنهما يَتراجعانِ بَيْنَهما بالسَّوِيَّةِ، ولا يُخْرَجُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ ولا ذاتُ عَوَارٍ إلا أن يَشاءُ الْمُصَّدِّقُ.
وفي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ، فإن لم تكنْ إلا تسعينَ ومِائَةً فلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلا أن يَشاءَ رَبُّها. ومَن بَلَغَتْ عندَهُ مِن الإِبِلِ صَدقةَ الْجَذَعَةِ ولَيْسَتْ عندَهُ جَذَعَةٌ وعندَهُ حِقَّةٌ، فإنها تُقْبَلُ منه الْحِقَّةُ، ويَجْعَلُ معها شاتينِ إن اسْتَيْسَرَتَا له، أو عشرينَ دِرْهَمًا، ومَن بَلَغَتْ عندَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ ولَيْسَتْ عندَهُ الْحِقَّةُ وعندَهُ الْجَذَعَةُ فإنها تُقْبَلُ منه الْجَذَعَةُ، ويُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشرينَ دِرْهمًا أو شاتينِ)). رواهُ البخاريُّ.
وعن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى اليمَنِ فأَمَرَهُ أن يَأْخُذَ مِن كلِّ ثلاثينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أو تَبيعةً، ومِن كلِّ أربعينَ مُسِنَّةً، ومِن كُلِّ حالِمٍ دِينارًا أو عَدْلَهُ مُعَافِرَ. رواهُ الخمسةُ، واللفظُ لأحمدَ، وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وأَشارَ إِلَى اختلافٍ في وَصْلِه، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والحاكمُ.

  #2  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 10:00 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


2/563 - وَعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ: ((فِي كُلِّ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ، فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ. فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ. فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ. فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ؛ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.
وَلا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلا تَيْسٌ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ.
وَفِي الرِّقَةِ: فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ رُبُعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ؛ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَماً. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ؛ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَماً أَوْ شَاتَيْنِ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَعَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ) لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ عَامِلاً: (هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ)؛ أَيْ: نُسْخَةُ الصَّدَقَةِ، حَذَفَ الْمُضَافَ لِلْعِلْمِ بِهِ، وَفِيهِ جَوَازُ إطْلاقِ الصَّدَقَةِ عَلَى الزَّكَاةِ، خِلافاً لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْبُخَارِيِّ تَصْدِيرَ الْكِتَابِ هَذَا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، (الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ).
فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَرْفُوعٌ، وَالْمُرَادُ بِفَرْضِهَا قَدْرُهَا؛ لأَنَّ وُجُوبَهَا ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ: (وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ)؛ أَيْ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِتَقْدِيرِ أَنْوَاعِهَا وَأَجْنَاسِهَا وَالْقَدْرِ الْمُخْرَجِ مِنْهَا، كَمَا بَيَّنَهُ التَّفْصِيلُ بِقَوْلِهِ: (فِي كُلِّ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ): هُوَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: ((فِي كُلِّ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ)) إِلَى ((فَمَا دُونَهَا)). (فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ) فِيهِ تَعْيِينُ إخْرَاجِ الْغَنَمِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، فَلَوْ أَخْرَجَ بَعِيراً لَمْ يُجْزِهِ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُجْزِيهِ، قَالُوا: لأَنَّ الأَصْلَ أَنْ تَجِبَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا عُدِلَ عَنْهُ؛ رِفْقاً بِالْمَالِكِ، فَإِذَا رَجَعَ بِاخْتِيَارِهِ إِلَى الأَصْلِ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ البَعَيرِ الَّذِي يُخْرِجُهُ دُونَ قِيمَةِ الأَرْبَعِ الشِّيَاهِ فَفِيهِ خِلافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ: وَالأَقْيَسُ أَنْ لا يُجْزِئَ.
(فَإِذَا بَلَغَتْ)؛ أَي: الإِبِلُ، (خَمْساً وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى)، زَادَهُ تَأْكِيداً، وَإِلاَّ فَقَدْ عُلِمَتْ. وَالْمَخَاضُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ آخِرُهُ مُعْجَمَةٌ، وَهِيَ مِن الإِبِلِ: مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الأُولَى وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ إِلَى آخِرِهَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى؛ لأَنَّ أُمَّهُ مِن الْمَاخِضِ؛ أَي: الْحَوَامِلِ، لا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ.
وَالْمَخَاضُ: الْحَامِلُ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُ حَمْلِهَا وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ، وَضَمِيرُ "فِيهَا" لِلإِبِلِ الَّتِي بَلَغَتْ خَمْساً وَعِشْرِينَ؛ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ حِينِ تَبْلُغُ عِدَّتُهَا خَمْساً وَعِشْرِينَ إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ.
وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ؛ لِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَرَدَ بِذَلِكَ، وَحَدِيثٍ مَوْقُوفٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَلَكِنَّ الْمَرْفُوعَ ضَعِيفٌ، وَالْمَوْقُوفَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ الْجُمْهُورُ.
(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ)؛ أَيْ: تُوجَدْ، (فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ): هُوَ مِن الإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ إِلَى تَمَامِهَا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّ أُمَّهُ ذَاتُ لَبَنٍ، وَيُقَالُ: بِنْتُ اللَّبُونِ لِلأُنْثَى، وَإِنَّمَا زَادَ قَوْلَهُ: ((ذَكَرٌ)) مَعَ قَوْلِهِ: ابْنُ لَبُونٍ؛ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا عَرَفْتَ.
(فَإِذَا بَلَغَتْ)؛ أَي: الإِبِلُ، (سِتًّا وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ): بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، وَهِيَ مِن الإِبِلِ مَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ الثَّالِثَةَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ إِلَى تَمَامِهَا، وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ: حِقٌّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لاسْتِحْقَاقِهَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا وَيَرْكَبَهَا الْفَحْلُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: (طَرُوقَةُ الْجَمَلِ): بِفَتْحِ أَوَّلِهِ؛ أَيْ: مَطْرُوقَتُهُ؛ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَالْمُرَادُ مَنْ شَأْنُهَا أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَطْرُقْهَا.
(فَإِذَا بَلَغَتْ)؛ أي: الإِبِلُ. (وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ): بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ.
(فَإِذَا بَلَغَتْ)؛ أَي: الإِبِلُ، (سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ)، تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، (فَإِذَا بَلَغَتْ)؛ أَي: الإِبِلُ، (إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ)، تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، (فَإِذَا زَادَتْ)؛ أَي: الإِبِلُ، (عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ)؛ أَيْ: وَاحِدَةً فَصَاعِداً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
وَيَدُلُّ لَهُ كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعاً وَعِشْرِينَ وَمِائَةً"، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فزَكَاتُهُ بِالإِبِلِ، وَإِذَا كَانَتْ بِالإِبِلِ فَلا تَجِبُ زَكَاتُهَا إلاَّ إذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَثَلاثِينَ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ.
وعندَ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ رَجَعَتْ إِلَى فَرِيضَةِ الْغَنَمِ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَشَاةٌ.
قُلْتُ: وَالْحَدِيثُ إنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ حُكْمُ كُلِّ أَرْبَعِينَ وَخَمْسِينَ، فَمَعَ بُلُوغِهَا إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَلْزَمُ ثَلاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ عَنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتِ لَبُونٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ الْحُكْمَ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَنَحْوِهَا، فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا وَقَصٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلاثِينَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا)؛ أَيْ: أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا نَفْلاً مِنْهُ، وَإِلاَّ فَلا وَاجِبَ عَلَيْهِ، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ذُكِرَ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ: ((فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ))، أَنَّ الْمَنْفِيَّ مُطْلَقُ الصَّدَقَةِ؛ لاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ.
فَهَذِهِ صَدَقَةُ الإِبِلِ الْوَاجِبَةُ فُصِّلَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْجَلِيلِ. وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ أَعْيَانِ مَا ذُكِرَ، إلاَّ أَنَّهُ سَيَأْتِي قَرِيباً أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِد الْعَيْنَ الْوَاجِبَةَ أَجْزَأَهُ غَيْرُهَا.
وَأَمَّا زَكَاةُ الْغَنَمِ فَقَدْ بَيَّنَهَا قَوْلُهُ: (وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا): بَدَلٌ مِنْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ، وَهُوَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالسَّائِمَةُ مِن الْغَنَمِ: الرَّاعِيَةُ غَيْرُ الْمَعْلُوفَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَفَادَ مَفْهُومُ السَّوْمِ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْغَنَمِ، وَقَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ: لا يُشْتَرَطُ، وَقَالَ دَاوُدُ: يُشْتَرَطُ فِي الْغَنَمِ؛ لِهَذَا الْحَدِيثِ. قُلْنَا: وَفِي الإِبِلِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ بِلَفْظِ: فِي كُلِّ سَائِمَةٍ إبِلٌ. وَسَيَأْتِي.
نَعَم، الْبَقَرُ لَمْ يَأْتِ فِيهَا ذِكْرُ السَّوْمِ، وَإِنَّمَا قَاسُوهَا عَلَى الإِبِلِ وَالْغَنَمِ. (وَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ): بِالْجَرِّ تَمْيِيزُ مِائَةٍ، وَالشَّاةُ تَعُمُّ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى وَالضَّأْنَ وَالْمَعْزَ، (شَاةٌ): مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: ((فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ))؛ فَإِنَّ فِي الأَرْبَعِينَ شَاةً إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
(فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ). ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لا تَجِبُ الشَّاةُ الرَّابِعَةُ حَتَّى تَفِيَ أَرْبَعَمِائَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ: إذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَثِمِائَةٍ وَاحِدَةٌ وَجَبَت الأَرْبَعُ.
(فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ) وَاجِبَةٌ (إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) إخْرَاجَ صَدَقَةٍ نَفْلاً كَمَا سَلَفَ.
(وَلا يُجْمَعُ): بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، (بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلا يُفَرَّقُ): مِثْلُهُ مُشَدَّدُ الرَّاءِ، (بَيْنَ مُجْتَمِعٍ؛ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ): مَفْعُولٌ لَهُ.
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمُفْتَرَقِ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مَثَلاً، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً، وَقَدْ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم الصَّدَقَةُ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِمَا الْمُصَّدِّقُ جَمَعُوهَا؛ لِيَكُونَ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
وَصُورَةُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ، فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِم الْمُصَّدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا، فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِوَى شَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الأَثِيرِ: هَذَا الَّذِي سَمِعْتُهُ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْخِطَابُ فِي هَذَا لِلْمُصَّدِّقِ وَلِرَبِّ الْمَالِ، قَالَ: وَالْخَشْيَةُ خَشْيَتَانِ: خَشْيَةُ السَّاعِي أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ، وَخَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَقِلَّ مَالُهُ، فَأُمِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ لا يُحْدِثَ فِي الْمَالِ شَيْئاً مِن الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ؛ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.
(وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا). وَالتَّرَاجُعُ بَيْنَ الْخَلِيطَيْنِ أَنْ يَكُونَ لأَحَدِهِمَا مَثَلاً أَرْبَعُونَ بَقَرَةً، وَلِلآخَرِ ثَلاثُونَ بَقَرَةً، وَمَالُهُمَا مُشْتَرَكٌ، فَيَأْخُذُ السَّاعِي عَن الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَعَن الثَّلاثِينَ تَبِيعاً، فَيَرْجِعُ بَاذِلُ الْمُسِنَّةِ بِثَلاثَةِ أَسْبَاعِهَا عَلَى خَلِيطِهِ، وَبَاذِلُ التَّبِيعِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهِ عَلَى خَلِيطِهِ؛ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِن السِّنِينَ وَاجِبٌ عَلَى الشُّيُوعِ، كَأَنَّ الْمَالَ مِلْكُ وَاحِدٍ.
وَفِي قَوْلِهِ: ((بِالسَّوِيَّةِ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّاعِيَ إذَا ظَلَمَ أَحَدَهُمَا فَأَخَذَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى فَرْضِهِ؛ فَإِنَّهُ لا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى شَرِيكِهِ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ مَا يَخُصُّهُ مِن الْوَاجِبِ دُونَ الزِّيَادَةِ؛ كَذَا فِي الشَّرْحِ. وَلَوْ قِيلَ مَثَلاً: إنَّهُ يَدُلُّ أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الْحَقِّ وَالظُّلْمِ لَمَا بَعُدَ الْحَدِيثُ عَنْ إفَادَةِ ذَلِكَ.
(وَلا يُخْرَجُ): مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، (فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ: الْكَبِيرَةُ الَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا، (وَلا ذَاتُ عَوَارٍ): بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ، مَعِيبَةُ الْعَيْنِ، وَبِالضَّمِّ: عَوْرَاءُ الْعَيْنِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمَرَضُ، وَالأَوْلَى أَنْ تَكُونَ مَفْتُوحَةً؛ لِتَشْمَلَ ذَاتَ الْعَيْبِ، فَيَدْخُلُ مَا أَفَادَهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ: ((وَلا تُعْطَى الْهَرِمَةُ، وَلا الدَّرِنَةُ، وَلا الْمَرِيضَةُ، وَلا الشَّرَطُ اللَّئِيمَةُ، وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ، وَلا أَمَرَكُمْ بِشَرِّهِ))، انْتَهَى.
وَالدَّرَنَةُ: الْجَرْبَاءُ؛ مِن الدَّرَنِ: الْوَسَخُ. وَالشَّرَطاءُ: اللَّئِيمَةُ، هِيَ أَرْذَلُ الْمَالِ، وَقِيلَ: صِغَارُهُ وَشِرَارُهُ، قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ.
(وَلا تَيْسٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ). اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ؛ فَالأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَصْلُهُ الْمُتَصَدِّقُ، أُدْغِمَت التَّاءُ بَعْدَ قَلْبِهَا صَاداً، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمَالِكُ. وَالاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى الآخَرِ، وَهُوَ التَّيْسُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذا لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِلإِنْزَاءِ فَهُوَ مِن الْخِيَارِ، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ الأَفْضَلَ.
وَيُحْتَمَلُ رَدُّهُ إِلَى الْجَمِيعِ، وَيُفِيدُ أَنَّ لِلْمَالِكِ إخْرَاجَ الْهَرِمَةِ وَذَاتِ الْعَوَارِ إذَا كَانَتْ سَمِينَةً قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِن الْوَسَطِ الْوَاجِبِ، وَفِي هَذَا خِلافٌ بَيْنَ الْمُفَرِّعِينَ. وَقِيلَ: إنَّ ضَبْطَهُ بِالتَّخْفِيفِ.
وَالْمُرَادُ بِهِ السَّاعِي، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ الاجْتِهَادَ فِي نَظَرِ الأَصْلَحِ لِلْفُقَرَاءِ، وَأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ، فَتُقَيَّدُ مَشِيئَتُهُ بِالْمَصْلَحَةِ، فَيَعُودُ الاسْتِثْنَاءُ إِلَى الْجَمِيعِ عَلَى هَذَا. وَهَذَا إذَا كَانَت الْغَنَمُ مُخْتَلِفَةً، فَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً كُلُّهَا أَوْ تُيُوساً أَجْزَأَهُ إخْرَاجُ وَاحِدَةٍ.
وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ: يَشْتَرِي شَاةً مُجْزِئَةً؛ عَمَلاً بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَهَذِهِ زَكَاةُ الْغَنَمِ، وَتَقَدَّمَتْ زَكَاةُ الإِبِلِ، وَتَأْتِي زَكَاةُ الْبَقَرِ. وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَقَدْ أَفَادَ الْوَاجِبُ مِنْهَا قَوْلُهُ: (وَفِي الرِّقَةِ): بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ، وَهِيَ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ.
(فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ رُبُعُ الْعُشْرِ)؛ أَيْ: يَجِبُ إخْرَاجُ رُبُعُ عُشْرِهَا زَكَاةً، وَيَأْتِي النَّصُّ عَلَى الذَّهَبِ، (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ)؛ أَي: الْفِضَّةُ، (إِلاَّ تِسْعِينَ) دِرْهَماً (وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا) كَمَا عَرَفْتَ.
وَفِي قَوْلِهِ: ((تِسْعِينَ وَمِائَةً)) مَا يُوهِمُ أَنَّهَا إذَا زَادَتْ عَلَى التِّسْعِينَ وَالْمِائَةِ قَبْلَ بُلُوغِ الْمِائَتَيْنِ أَنَّ فِيهَا صَدَقَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا ذَكَرَهُ لأَنَّهُ آخِرُ عَقْدٍ قَبْلَ الْمِائَةِ، وَالْحِسَابُ إذَا جَاوَزَ الآحَادَ كَانَ تَرْكِيبُهُ بِالْعُقُودِ؛ كَالْعَشَرَاتِ وَالْمِئِينَ وَالأُلُوفِ، فَذَكَرَ التِّسْعِينَ لِذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْماً مِنْ أَحْكَامِ زَكَاةِ الإِبِلِ، قَدْ أَشَرْنَا إِلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ)، وَقَدْ عَرَفْتَ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ الْعِدَّةَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْجَذَعَةُ.
(وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَزَعَةٌ)؛ أَيْ: فِي مِلْكِهِ، (وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ) عِوَضاً عنِ الْجَذَعَةِ، (وَيَجْعَلُ مَعَهَا)؛ أَيْ: تَوْفِيَةً لَهَا، (شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَماً) إذَا لَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُ الشَّاتَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ هُوَ جَبْرُ التَّفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْجَذَعَةِ والْحِقَّةِ، (وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ) الَّتِي عَرَفْتَ قَدْرَهَا (وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ؛ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ) وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى مَا يَلْزَمُهُ، فَلا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، (وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ) مُقَابِلَ مَا زَادَ عِنْدَهُ (عِشْرِينَ دِرْهَماً أوْ شَاتَيْنِ) كَمَا سَلَفَ فِي عَكْسِهِ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَقَد اخْتُلِفَ فِي قَدْرِ التَّفَاوُتِ فِي سَائِرِ الأَسْنَانِ؛ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ كُلِّ سِنَّيْنِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ. وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ زِيَادَةُ فَضْلِ الْقِيمَةِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، أَوْ رَدُّ الْفَضْلِ مِن الْمُصَّدِّقِ، وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى التَّقْوِيمِ، قَالُوا: بِدَلِيلِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ: ((عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاةً))، وَمَا ذَلِكَ إلاَّ أَنَّ التَّقْوِيمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَى التَّقْوِيمِ.
وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَابِ أَخْذِ الْعُرُوضِ مِن الزَّكَاةِ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ مُعَاذٍ لأَهْلِ الْيَمَنِ: " ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابِكُمْ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَيَأْتِي اسْتِيفَاءُ ذَلِكَ.


3/564 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعاً أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَاراً أَوْ عَدْلَهُ مَعَافِرِيًّا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَشَارَ إِلَى اخْتِلافٍ فِي وَصْلِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
(وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعاً أَوْ تَبِيعَةً). فِيهِ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَالتَّبِيعُ: ذُو الْحَوْلِ ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى، (وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً): وَهِيَ ذَاتُ الحَوْلَيْنِ، (وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَاراً)؛ أَيْ: مُحْتَلِمٍ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَبُو دَاوُدَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ، (أَوْ عَدْلَهُ): بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، (مَعَافِرِيًّا): نِسْبَةً إِلَى مَعَافِرَ؛ زِنَةُ مَسَاجِدَ، حَيٌّ فِي الْيَمَنِ إلَيْهِمْ تُنْسَبُ الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ، يُقَالُ: ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ.
(رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَاللَّفْظُ لأَحْمَدَ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَشَارَ إِلَى اخْتِلافٍ فِي وَصْلِهِ). لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ إخْرَاجِهِ: وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَن الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذاً إِلَى الْيَمَنِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ. قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ؛ أَيْ: مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ).
وَإِنَّمَا رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ الْمُرْسَلَةَ؛ لأَنَّ رِوَايَةَ الاتِّصَالِ اعْتُرِضَتْ بِأَنَّ مَسْرُوقاً لَمْ يَلْقَ مُعَاذاً. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَسْرُوقاً هَمْدَانِيُّ النَّسَبِ مِنْ وَادِعَةَ، يَمَانِيُّ الدَّارِ، وَقَدْ كَانَ فِي أَيَّامِ مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ، فَاللِّقَاءُ مُمْكِنٌ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ مَحْكُومٌ بِاتِّصَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ.
قُلْتُ: وَكَانَ رَأْيُ التِّرْمِذِيِّ رَأْيَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ اللِّقَاءِ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ، وَأَنَّ نِصَابَهَا مَا ذُكِرَ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الأَمْرَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لا خِلافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَأَنَّهُ النِّصَابُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ دَلالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الثَّلاثِينَ شَيْءٌ. وَفِيهِ خِلافٌ عنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ: يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ؛ قِيَاساً عَلَى الإِبِلِ.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ النِّصَابَ لا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ، وَبِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ: ((لَيْسَ فِيمَا دُونَ ثَلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ شَيْءٌ)). وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الإِسْنَادِ، فَمَفْهُومُ حَديثِ مُعَاذٍ يُؤَيِّدُهُ.

  #3  
قديم 15 محرم 1430هـ/11-01-2009م, 10:02 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


493- وعن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَتَبَ له: ((هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التي فَرَضَها رسول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- عَلَى المسلِمِينَ والتى أَمَرَ اللهُ بها رسولَه: في أربعٍ وعشرين مِن الإِبِلِ فما دُونَها الغَنَمُ: في كلِّ خَمْسٍ شاةٌ فَإِذَا بَلَغَت خَمْسًا وعِشرينَ إِلَى خَمْسٍ وثلاثينَ ففيها بنتُ مَخاضٍ أُنثى، فإن لم تكنْ فابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فإذا بَلَغَتْ سِتًّا وثلاثينَ إلى خَمْسٍ وأربعينَ ففيها بِنتُ لَبونٍ أُنْثَى، فإذا بَلَغَتْ سِتًّا وأربعينَ إلى سِتِّينَ ففِيهَا حُقَّةٌ طَروقَةُ الْجَمَلِ فَإِذَا بَلَغَتْ واحدةً وسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وسَبعينَ ففِيهَا بِنتُ مَخاضٍ أُنثى فإن لم تكن فابنُ لَبونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وثلاثينَ إِلَى خَمْسٍ وأربعينَ ففِيهَا بنتُ لَبونٍ أنثى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وأربعينَ إِلَى سِتِّينَ ففِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وسبعينَ إِلَى تِسعينَ ففِيهَا بِنْتَا لَبونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحدى وتسعينَ إِلَى عشرين ومِائَةٍ ففِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زادَتْ عَلَى عِشرينَ ومِائةٍ ففي كلِّ أربعينَ بِنْتُ لَبونٍ، وفي كلِّ خمسينَ حِقَّةٌ، ومَن لم يَكُنْ معه إلا أربعٌ مِن الإِبِلِ فلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلا أن يَشاءَ رَبُّها. وفي صَدَقَةِ الغَنَمِ في سائِمَتِها إِذَا كَانَتْ أربعينَ إِلَى عِشرينَ ومِائَةٍ شاةٌ شاةٌ، فَإِذَا زادَتْ عَلَى عِشرينَ ومِائَةٍ إِلَى مِائتينِ ففِيهَا شاتانِ، فَإِذَا زادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ ففِيهَا ثلاثُ شَياهٍ، فَإِذَا زادَتْ عَلَى ثلاثِمِائَةٍ ففي كلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سائِمَةُ الرجُلِ ناقصةً مِن أربعينَ شاةٍ شَاةً واحدةً فلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلا أن يَشاءَ رَبُّها. ولا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ ولا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمَعٍ خَشيةَ الصدَقَةِ، وما كَانَ مِن خَلِيطَيْنِ فإنهما يَتراجعانِ بَيْنَهما بالسَّوِيَّةِ ولا يُخْرَجُ في الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ ولا ذاتُ عَوَارٍ إلا أن يَشاءُ الْمُصَّدِّقُ.
وفي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ فإن لم تكنْ إلا تسعينَ ومِائَةً فلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إلا أن يَشاءَ رَبُّها. ومَن بَلَغَتْ عندَه مِن الإِبِلِ صَدقةَ الْجَذَعَةِ ولَيْسَتْ عندَه جَذَعَةٌ وعندَه حِقَّةٌ، فإنها تُقْبَلُ منه الْحِقَّةُ ويَجْعَلُ معها شاتينِ إن اسْتَيْسَرَتَا له أو عشرينَ دِرْهَمًا، ومَن بَلَغَتْ عندَه صَدَقَةُ الْحِقَّةِ ولَيْسَتْ عندَه الْحِقَّةُ وعندَه الْجَذَعَةُ فإنها تُقْبَلُ منه الْجَذَعَةُ، ويُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشرينَ دِرْهمًا أو شاتينِ)) رواه البخاريُّ.
مفرداتُ الحديثِ:
-فريضةٌ بوزنِ فضيلةٍ، بمعنى: مفروضةٍ،
والفريضةُ: ما أوْجَبَه اللهُ وَفَرَضَه على عِبادِه مِن أحكامٍ، والمرادُ هنا: فريضةُ الزكاةِ.
-بِنْتُ مَخاضٍ: بفَتحتينِ آخِرُه ضادٌ مُعْجَمَةٌ، والْمَخَاضُ -بفْتَحِ الميمِ وكسرِها-: وَجَعُ الوِلادةِ، فالْمَخاضُ هي الحامِلُ التي دَنَتْ وِلادتُها، وبِنتُ الْمَخاضِ مِن النُّوقِ هي التي أَتَمَّتْ السنةَ الأُولَى ودَخَلَتْ في الثانيةِ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّ أمَّها غالباً قد حَمَلَتْ.
-فرَضَها: فَرَضَ أيْ: بَيَّنَ وَفَصَّلَ.
-في كلِّ أربعٍ... إلخ الحديثِ: استئنافُ بيانٍ لقولِه: "هذه فريضةُ الصدَقَةِ"، فكأنه أشارَ بهذه إلى ما في الذهْنِ، ثم أتى به بَيَاناً له.
-ابنُ لَبونٍ -بفْتَحِ اللامِ وضَمِّ الباءِ الْمُوَحَّدَةِ-: وهو ما أَتَمَّ سَنتينِ، سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّ أُمَّه غالباً ذاتُ لَبَنٍ بعدَ وَضْعِ حَمْلِها.
-حِقَّةً -بكسْرِ الحاءِ المهمَلَةِ وتشديدِ القافِ-: وهي ما اسْتَكْمَلَت السنةَ الثالثةَ، ودَخَلَتْ في الرابعةِ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لاستحقاقِها أنْ يُحْمَلَ عليها ويَرْكَبَها الفَحْلُ، والْحِقَّةُ تُجْمَعُ على: حِقاقٍ وحَقائقَ وحِقَقٍ.
-طَرُوقَةُ الْجَمَلِ: بفْتَحِ الطاءِ بوزْنِ فَعولةٍ، بمعنى مَفعولةٍ؛ أيْ: مَطروقةُ الْجَمَلِ، وأصْلُ الطَّرْقِ: أنْ يَأتِيَ الرجُلُ أهْلَه ليلاًَ، والمرادُ مِن شأنِ التي في هذه السِّنِّ أنْ تَقبلَ طَرْقَ الفحْلِ، وإنْ لم يَحْصُلْ ذلك.
-جَذَعَةٌ: بفْتَحِ الجيمِ والذالِ، مِن: أَجْذَعَ وجَذَعَ، والجمْعُ: جَذْعَاتٌ وجِذَاعٌ، والأنثى جَذَعَةٌ، والجمْعُ: جَذْعاتٌ، وهي التي أَتَمَّت السنةَ الرابعةَ ودَخَلَتْ في الخامسةِ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لإسقاطِها سِنَّهَا فتُجْذَعُ عندَه.
وقالَ بعض علماء اللغة: الإِجْذَاعُ ليس بسِنٍّ ثَبَتَ ولا يَسقُطُ، وإنما هو اسمٌ للزمَنِ، فالْمَعْزُ تُجْذَعُ لسنَةٍ، والضأنُ لستَّةِ أشْهُرٍ.
-وفي صَدَقَةِ الغنَمِ.. شاةٌ: "شاةٌ" مُبتدأٌ، و "في صَدَقَةِ الغنَمِ" خبرُه.
-الغنَمُ: بفَتحيتنِ، قالَ ابنُ جِنِّيٍّ في (الْمُخَصَّصِ): جَمْعٌ لا واحدَ له مِن لفْظِه، وجَمْعُ الغنَمِ: أغنامٌ وغُنومٌ؛ وقالَ في (الصِّحاحِ): موضوعٌ للجِنْسِ، يقَعُ على الذكَرِ والأنثى، وعليهما جَمِيعاً.
-سائمةُ الرجُلِ: مِن سامَتْ تَسُومُ؛ أيْ: تَرْعَى، فالسائمةُ هي التي تَرْعَى في الْمُباحِ، والسَّوْمُ هو إرسالُ الماشيةِ في الأرضِ تَرْعَى فيها، وجَمْعُ السائمةِ: سَوائمُ.
-مُجْتَمِعُ: بضمِّ الميمِ الأُولَى وكسْرِ الثانيةِ.
-مُتَفَرِّقٌ: بتقديمِ التاءِ على الفاءِ وتشديدِ الراءِ، وفي روايةٍ: بتقديمِ الفاءِ مِن: الافتراقِ.
- خَشيةَ الصدَقَةِ: إعرابُه أنه مفعولٌ لأَجْلِه، وقد تَنَازَعَ فيه قولُه: "ولا يُجْمَعُ ولا يُفَرَّقُ" فإذا نُسِبَ إلى الساعِي، قيلَ: خَشيةَ أنْ يَقِلَّ، وإذا نُسِبَ إلى المالِكِ قيلَ: خَشيةَ أنْ يَكْثُرَ.
- إلاَّ أنْ يشاءَ رَبُّها-أو- إلاَّ أنْ يَشاءَ الْمُصَّدِّقُ: أيْ: إلاَّ أنْ يَتَبَرَّعَ ويَتَطَوَّعَ بها صاحبُها، وهذا مبالَغَةٌ في نَفْيِ الوُجوبِ.
-خَشيةَ الصَّدَقَةِ: الْخَشيةُ: الخوفُ، وأكثَرُ ما يكونُ ذلك عن علْمٍ بما يُخْشَى منه، ولذا خَصَّ بها العُلماءُ في قولِه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وهنا الْمُتَصَدِّقُ يَعْلَمُ ما سيَتَرَتَّبُ على تفريقِ السائمةِ وجَمْعِها.
-خليطينِ: الْخَليطانِ
همُ الشريكانِ في السائمةِ خاصَّةً، والْخُلْطَةُ - بضَمِّ الخاءِ- هي اجتماعُ الماشيةِ السائمةِ حَوْلاً كاملاً في الْمَرَاحِ (مكانُ الْمَبيتِ)، والْمَسْرَحِ، ومَكانِ الْحَلْبِ، والفحْلِ، والْمَرْعَى، وهي إمَّا شَرِكَةُ أوصافٍ: بأنْ يَتميَّزَ شَريكٌ عن شَريكِه بصِفةٍ أو صفاتٍ، أو شَرِكَةُ أعيانٍ، بأنْ يَمْلُكَا نِصابًا مِن الْمَاشيةِ مَشاعًا.
-يَتراجعانِ بالسَّوِيَّةِ: بتشديدِ الياءِ؛ أيْ: بالمساواةِ، ومعنى التراجُعِ: أنَّ الْمُصَّدِّقَ إذا أَخَذَ صَدقةَ الخليطينِ مِن مالِ أحَدِهما، فإنه يَرْجِعُ على صاحبِه، فيَأْخُذُ منه القدْرَ الذي كانَ قد وَجَبَ عليه:
-هَرِمَةٌ:- بفْتَحِ الهاءِ وكسْرِ الراءِ- وهي الْمُسِنَّةُ التي سَقَطَتْ أسنانُها مِن الكِبَرِ:
-ذاتُ عَوَرٍ: بفْتَحِ العَيْنِ الْمُهمَلَةِ وضَمِّها، وهي عوراءُ العَيْنِ، والْمَريضةُ الْبَيِّنُ مَرَضُها، وقيلَ: بالفتْحِ العَيْبُ، وبالضَّمِّ: عوراءُ العَيْنِ.
-تَيْسٌ: هو الذَّكَرُ مِن الْمَاعِزِ؛ لنَتَنِه وفسادِ لَحْمِه، هذا إذا كانَ رَدِيئًا، أمَّا إذا كان طَيِّبًا فهو فَحْلٌ لا يَجوزُ أَخْذُه إلاَّ إذا شاءَ باذِلُ الصدَقَةِ.
-الرِّقَةُ: -بكسْرِ المهمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ وفتْحِ القافِ الْمُخَفَّفَةِ آخِرَها تاءٌ مَربوطةٌ -هي الْفِضَّةُ الخالِصَةُ، والهاءُ عِوَضٌ عن الواوِ المحذوفةِ، كما في "عِدَةٍ"، وأَصْلُها: الوَرْقُ: ويُجْمَعُ على: رِقِينَ؛ مثلِ: بِتَةٍ وبِتِينَ، وعِزَةٍ وعِزِينَ.
-الْمُصَّدِّقُ: أصْلُه الْمُتَصَدِّقُ، قُلِبَت التاءُ صاداً فأُدْغِمَتْ، وقد جاءتْ هذه اللفظةُ في الحديثِ مَرَّتَيْنِ:
الأُولَى: "إلاَّ أنْ يَشاءَ الْمُصَّدِّقُ".
والثانيةُ: "ويُعطيهِ الْمُصَّدِّقُ" إلخ. فالمرادُ به في الأُولَى: الْمُعْطِي، والمرادُ به في الثانيةِ: عامِلُ الزكاةِ، فإنْ أُريدَ بلَفْظِ الْمُصَّدِّقِ المعنى الأوَّلُ لُفِظَتْ بكسْرِ الصادِ، وإنْ أريدَ المعنى الثاني فبِفَتْحِها.
-دِرْهماً: قِطعةٌ مِن فِضَّةٍ مَضروبةٍ للمُعَامَلَةِ، جَمْعُها: دَراهمُ، والدِّرْهَمُ الإسلاميُّ (2.975 غِراماً).

* * *
494- وعن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- بَعَثَه إِلَى اليمَنِ فأَمَرَهُ أن يَأْخُذَ مِن كلِّ ثلاثينَ بَقَرَةٍ تَبِيعًا أو تَبيعةً، ومِن كلِّ أربعينَ مُسِنَّةً ومِن كُلِّ حالِمٍ دِينارًا أو عَدْلَهُ مُعَافِرَ. رواه الخمسةُ، واللفظُ لأحمدَ وحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وأَشارَ إِلَى اختلافٍ في وَصْلِه، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ والحاكمُ.
درجةُ الحديثِ:
الحديثُ حسَنٌ.
أخرَجَهُ أحمدُ وأبو داودَ والنَّسائيُّ والدارِمِيُّ (1569)، وابنُ أبي شَيبةَ (9920)، وابنُ الجارودِ (1104)، والحاكمُ، والبَيهقِيُّ مِن طريقِ أبي وائِلٍ عن مَسروقِ بنِ معاذٍ، وقالَ الحاكمُ: صحيحُ الإسنادِ، ووافَقَه الذهبِيُّ، وقد أَعَلَّه بعضُ الْمُحَدِّثِينَ بأنه جاءَ مِن طريقِ مسروقٍ به، وأنَّ مَسروقاً لم يَسْمَعْ مِن مُعاذٍ، فيكونُ غيرَ مُتَّصِلٍ، ولكنْ قالَ ابنُ عبدِ الْبَرِّ: هذا حديثٌ ثابتٌ مُتَّصِلٌ، كما أَثْبَتَ لقاءَ مسروقٍ لِمُعاذٍ، وقالَ ابنُ القَطَّانِ: حُكْمُه الاتِّصالُ عندَ الْجُمهورِ.
مفرداتُ الحديثِ:
-بقرةٌ: البَقَرُ اسمُ جِنْسٍ، والبقرةُ تَقَعُ على الذكَرِ والأنثى، وإنما دَخَلَتْهُ الهاءُ على أنه واحدٌ مِن جِنْسٍ، والجمْعُ: بَقَرَاتٍ.
وقالَ عُلماءُ الأحياءِ: البقَرُ جِنْسٌ مِن فَصيلةِ البَقَرِيَّاتِ، يَشمَلُ الثورَ والجاموسَ، ويُطْلَقُ على الذكَرِ والأُنْثَى، ومنه المستَأْنَسُ، ومنه الوَحْشِيُّ.
-تَبيعاً -بفْتَحِ التاءِ وكسْرِ الباءِ الْمُوَحَّدَةِ بعدَه ياءٌ ثم عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ-: هو الذي أَتَمَّ الْحَوْلَ الأوَّلَ ودَخَلَ في الثاني، والأُنْثَى تَبيعةٌ، سُمِّيَ تَبيعاً؛ لأنه لا يَزالُ يَتْبَعُ أُمَّه.
-مُسِنَّةٌ- بضَمِّ الميمِ وكسْرِ السينِ الْمُهْمَلَةِ ثم نونٍ مُشَدَّدَةٍ-: وهي التي أَتَمَّتْ السنةَ الثانيةَ، ودَخَلَتْ في الثالثةِ.
-حالِمٌ: اسمُ فاعلٍ أيْ: مُحْتَلِمٌ، وهو الذي قد بَلَغَ سِنَّ الاحتلامِ، والاحتلامُ هو إنزالُ الْمَنِيِّ، ولو لم يُنْزِلْهُ.
-عَدْلُه: بفْتَحِ العَينِ المهمَلَةِ وسكونِ الدالِ الْمُهْمَلَةِ؛ أيْ: قِيمَتُه ومِقدارُه مِن غيرِ النقْدِ.
-مَعَافِرِيًّا: بفْتَحِ الميمِ والعينِ وكسْرِ الفاءِ والراءِ، نِسبةٌ إلى: "مَعَافِرَ" بوَزْنِ "مَسَاجِدَ"، وهو حَيٌّ مِن هَمْدَانَ في اليمَنِ، تُنْسَبُ إليهم الثيابُ الْمَعافريَّةُ... وهي بُرُدٌ معروفةٌ عندَهم.
ما يُؤْخَذُ مِن الحديثينِ:
1- حديثُ (493): كتَبَه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ولكنه لم يُخْرِجْه إلى العُمَّالِ حتى تُوُفِّيَ، فلَمَّا وَلِيَ أبو بكْرٍ الخلافةَ، أخرَجَهُ مَختوماً بخَتْمِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- (محمَّدٌ رسولُ اللهِ)، ولَمَّا وَجَّهَ أبو بكرٍ أنَسَ بنَ مالِكٍ عامِلاً على صَدَقَاتِ البحرينِ، أَعطاهُ هذا الكتابَ الذي بَيَّنَ فيه رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فروضَ الصدقةِ، التي فُرِضَتْ على المسلمينَ.
قالَ الإمامُ أحمدُ: ولا أعْلَمُ في الصَّدَقَةِ أحْسَنَ منه.
وقالَ ابنُ حَزْمٍ: هذا كتابٌ في نِهايةِ الصِّحَّةِ، عَمِلَ به الصِّدِّيقُ بحضرةِ العُلماءِ مِن الصحابةِ، ولم يُعْلَمْ أنه خالَفَه أحَدٌ.
وقد رواه الإمامُ البُخاريُّ في صحيحِه، وفَرَّقَه في عشرةِ مَواضِعَ مِن أبوابِ زكاةِ الماشيةِ بسَنَدٍ واحدٍ، وهو أصْلٌ عظيمٌ يُعْتَمَدُ عليه.
وقالَ ابنُ عبدِ الْبَرِّ: إنه أَشْبَهُ بالمتواتِرِ؛ لتَلَقِّي الناسِ له بالقَبُولِ.
قولُه: "فَرَضَ رسولُ اللهِ" معناه: أوْجَبَ وقَدَّرَ، فهذا فَرْضُها في السنَّةِ مع فَرْضِها في القرآنِ، وهذا تقديرُ أنْصِبَتِها.
2- في الحديثينِ وُجوبُ الزكاةِ في سائمةِ بهيمةِ الأنعامِ، وهي الإبِلُ والبقَرُ والغنَمُ.
3- فيهما بيانُ فُروضِ زكاةِ السائمةِ، وأنَّ الإبلَ ابتداءُ نِصابِها مِن خَمْسٍ، وأما الغنَمُ فابتداءُ نِصابِها مِن أربعينَ، وهذا -واللهُ أعْلَمُ- راجِعٌ إلى العدْلِ والْمُواساةِ في الزكاةِ؛ ذلك أنَّ الإبِلَ لَمَّا كانتْ غالِيَةً، صارَ نِصَابُها قَليلاً، وأمَّا الغنَمُ فإنها رَخيصةٌ، فصارَ نِصَابُها كثيراً، وهذا فيه مُراعاةُ حَقِّ الغَنِيِّ، وحَقِّ الفقيرِ.
4- وفيهما أنه لا بُدَّ في وُجوبِ زكاةِ بَهيمةِ الأنعامِ مِن السَّوْمِ، وهو الرَّعْيُ في الْمُباحِ الْحَوْلُ أو أكثرُه، وأنْ تُتَّخَذَ للدَّرِّ والنسْلِ، فإنْ لم تَرْعَ الْمُباحَ، أو رَعَتْهُ ولكنها مُعَدَّةٌ للعَمَلِ، فلا زكاةَ فيها.
5- أنْصِبَةُ الإبِلِ والبقَرِ والغنَمِ مُبَيَّنَةٌ في نَصِّ الحديثينِ، كما بُيِّنَ ما فيها مِن وَقْصٍ، وهو ما بَيْنَ الفريضتينِ.
6- أوَّلُ نِصابِ الإبِلِ خَمْسٌ، واستقرارُ النِّصابِ فيها إذا زَادَتْ على عشرينَ ومائةٍ، فحينئذٍ تكونُ في كلِّ أربعينَ بنْتُ لَبونٍ، وفي كلِّ خمسينَ حِقَّةٌ.
7- أوَّلُ نِصابِ الغنَمِ أربعونَ، وقد أَجْمَعَ العُلماءُ على هذا، واستقرَّتْ فريضتُها إذا زادَتْ على ثلاثِمائةٍ؛ فحينئذٍ يكونُ في كلِّ مائةِ شاةٍ شاةٌ، وهذا مَذهَبُ الأئمَّةِ الأربعةِ وغيرِهم.
8- الأصْلُ في زكاةِ البقَرِ السنَّةُ والإجماعُ، وأمَّا نِصَابُها: فقالَ شيخُ الإسلامِ: قد ثَبَتَ عن مُعاذٍ أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لَمَّا بَعَثَه إلى اليَمَنِ، أمَرَه أنْ يَأخُذَ صَدَقَةَ البقَرِ مِن ثلاثينَ تَبِيعاً، ومِن أربعينَ مُسِنَّةً.
وحكى أبو عُبيدٍ والموَفَّقُ وغيرُهما: الإجماعَ عليه.
9- قالَ شيخُ الإسلامِ: إنما لم يَذْكُرْ زكاةَ البقَرِ في كتابِ أبي بكرٍ، والكتابِ الذي عندَ آلِ عمرَ؛ لقِلَّةِ البقَرِ في الحجازِ، فلَمَّا بَعَثَ معاذًا إلى اليَمَنِ، ذَكَرَ له حُكْمَ البَقَرِ، لوجودِها عندَهم، مع أنَّ وُجوبَ الزكاةِ في البقَرِ مُجْمَعٌ عليه، قالَ ابنُ عبدِ الْبَرِّ: لا خِلافَ بينَ العُلماءِ أنَّ السنَّةَ في زكاةِ البقَرِ على ما في حديثِ مُعاذٍ، وأنه النِّصابُ الْمُجْمَعُ عليه,
10- قالَ في (الرَّوْضِ) وحاشيتِه: وإنْ كانَ النِّصابُ نَوعينِ ضَأْناً ومَعْزاً، أُخِذَت الفَريضةُ مِن أحَدِهما على قَدْرِ قِيمةِ الْمَالَيْنِ، بلا خِلافٍ بينَ العُلماءِ.
قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لا نَعلَمُ خِلافاً في ضَمِّ أنواعِ الجنْسِ بعْضِها إلى بعضٍ.
11- قولُه: "وفي الرِّقِةِ في مِائَتَيْ دِرهمٍ ربُعُ العشْرِ، فإنْ لم يكنْ إلاَّ تِسعينَ ومائةً فليس فيها صدَقَةٌ".
قالَ ابنُ عبدِ الْبَرِّ: فيه إيجابُ الصَّدَقَةِ في هذا الْمِقدارِ، ونَفْيُها عمَّا دُونَه. وقالَ شيخُ الإسلامِ: هو نَصٌّ على العفوِ فيما دُونَها، وإيجابٌ لها فيما فَوْقَها، وعليه أكثَرُ العُلماءِ، وذَكَرَه مَذهَبُ الأئمَّةِ الثلاثةِ.
12- قالَ في (الرَّوْضِ) وغيرِه: والاعتبارُ بالدِّرهمِ الإسلاميِّ، واختارَه الشيخُ وغيرُه؛ أنه لا حدَّ للدِّرْهَمِ والدينارِ، فنِصابُ الأثمانِ هو المتعارَفُ في كلِّ زمَنٍ مِن خالصٍ ومَشوبٍ، وصغيرٍ وكبيرٍ، ولا قاعدةَ في ذلك.
قالَ في (الفروعِ): ومعناه: أنَّ الشارعَ والخلفاءَ الراشدينَ رَتَّبُوا على الدراهمِ أحكاماً، فمُحالٌ أنْ يَنْصَرِفَ كلامُهم إلى غيرِ مَوجودٍ ببلادِهم أو زَمَنِهم؛ لأنهم لا يَعرفونَها.
13- قالَ الشيخُ وغيرُه: دَلَّ الكتابُ والسنَّةُ على وُجوبِ الزكاةِ في الذهَبِ، وحَكَى الإجماعَ غيرُ واحدٍ.
14- قالَ في (الرَّوْضِ) وحاشيتُه: تَجِبُ الزكاةُ في الذهَبِ إذا بَلَغَ عشرينَ مِثقالاً باتِّفاقِ الأئمَّةِ الأربعةِ؛ لِمَا رَوَى ابنُ ماجَهْ مِن حديثِ عائشةَ وابنِ عمرَ مَرفوعاً: "أنه كان يَأخُذُ مِن كلِّ عشرينَ مِثقالاً نِصْفَ مِثقالٍ".
قالَ النوَوِيُّ: الْمُعَوَّلُ فيه على الإجماعِ، وليس في الأحاديثِ الصحيحةِ تحديدٌ، ولكنَّ جَميعَ مَن يُعْتَدُّ به في الإجماعِ على ذلك.
قالَ الشيخُ: ما دونَ العشرينَ، فلا زكاةَ فيه بالإجماعِ.
15- قولُه: "فإنْ لم تكنْ إلاَّ تِسعينَ ومائةً" هذا الكلامُ يُوهِمُ إذا زادَتْ على ذلك شيئاً قَبْلَ أنْ يُتِمَّ مائتينِ كانت فيها الصدَقَةُ، وليس الأمْرُ كذلك، فإنها لا تَجِبُ إلاَّ بتمامِ مِائتَيْ دِرهَمٍ، وإنما ذَكَرَ التسعينَ؛ لأنه آخِرُ فصْلٍ مِن فُصولِ الْمِائةِ، والحسابُ إذا جاوَزَ المائةَ بالفصولِ كالعشراتِ والمئاتِ والألوفِ، فذَكَرَ التسعينَ ليَدُلَّ على أنْ لا صَدَقَةَ فيما نَقَصَ عن كمالِ المائتينِ.
16- قولُه: "ولاَ يُخْرَجُ في الصدَقَةِ هَرِمَةً.." دليلٌ على أنه يَنبغِي للإمامِ أنْ يُزَوِّدَ الْجُباةَ والسعاةَ بمعلوماتٍ شَرعيَّةٍ، أو يُرْسِلَ معهم بعضَ طَلَبَةِ العلْمِ؛ ليُفَقِّهُوهُم في أحكامِ الزكاةِ، لتكونَ أعمالُهم على بَصيرةٍ.
17- الْجُبرانُ في زكاةِ الإبِلِ بأنْ يَدفَعَ صاحبُ المالِ عشرينَ دِرهماً إذا وَجَبَ عليه جَذَعَةٌ، وليستْ عِنْدَه فدَفَعَ عنها حِقَّةً، أو يَدْفَعَ جَذَعَةً والواجبُ عليه حِقَّةٌ، ويَأخذُ مِن الساعِي عشرينَ دِرهماً -يَدُلُّ على جَوازِ دَفْعِ القِيمةِ في الزكاةِ عندَ الحاجةِ إلى ذلك، وهو أعْدَلُ الأقوالِ الثلاثةِ، واختارَه تَقِيُّ الدِّينِ.
18- قولُه: "ولا يُجْمَعُ بينَ مُتَفَرِّقٍ، ولا يُفَرَّقُ بينَ مُجْتَمِعٍ؛ خَشيةَ الصدَقَةِ" فيه دليلٌ على تحريمِ الْحِيَلِ التي منها إسقاطُ واجبٍ، أو فيها فعْلُ مُحَرَّمٍ، قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: ((قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)).
قالَ الإمامُ أحمدُ: لا يَجوزُ شيءٌ مِن الْحِيَلِ لإبطالِ حَقِّ مُسْلِمٍ.
وقالَ ابنُ القَيِّمِ: مَن له مَعرِفَةٌ بالآثارِ وأصولِ الفِقْهِ ومسائلِه لم يَشُكَّ في تحريمِ الْحِيَلِ وإبطالِها، ومنافاتِها للدِّينِ، وهذا الحديثُ نَصٌّ في تحريمِ الْحِيلَةِ الْمُفْضِيَةِ إلى إسقاطِ الزكاةِ، أو تَنْقِيصِها بسببِ الجمْعِ والتفريقِ،كما هي معلومةٌ صُوَرُه.
قولُه: "ولا يُجْمَعُ بينَ مُتَفَرِّقٍ، ولا يُفَرَّقُ بينَ مُجْتَمِعٍ؛ خَشيةَ الصدَقَةِ" في هذا أربعُ صُوَرٍ:
الأُولى: نَهَى المالِكُ عن جَمْعِ النصابَيْنِ المتباعِدَيْنِ؛ ليكونَا نِصاباً واحداً.، فتَقِلَّ الزكاةُ الْمُخْرَجَةُ.
الثانيةُ: نَهَى المالِكُ عن تفريقِ النِّصابِ الواحِدِ بينَ مَسافاتٍ مُتباعِدَةٍ؛ لتَسْقُطَ الزكاةُ.
الثالثةُ: نَهَى عامِلَ الزكاةِ عن تفريقِ مالِ الْمُزَكِّي لتَعَدُّدِ الأَنْصِبَةِ.
الرابعةُ: نَهَى العامِلُ أيضاً عن جَمْعِ العدَدِ الناقِصِ عن النِّصابِ مِن مسافاتٍ متباعِدَةٍ ليكونَ منها نِصابٌ، كما قُصِدَتْ بعضُ هذه الْحِيَلِ على الْمَالَيْنِ المخلوطَيْنِ في الجمْعِ والتفريقِ.
19- فيه أنه ليس فيما بينَ الفريضتينِ شيءٌ؛ لأنَّ ما بينَهما يُسَمَّى "وَقْصًا"، وهو مَعْفُوٌّ عنه، ولا يكونُ الوَقْصُ إلاَّ في بَهيمةِ الأنعامِ، أمَّا ما عَدَاها مِن الأثمانِ والعُروضِ والخارِجِ مِن الأرضِ -فما زادَ فهو بحِسَابِه مِن الزكاةِ.
20- فيه أنه لا يَجوزُ أنْ يُخْرِجَ القيمةَ؛ سواءٌ كان لحاجةٍ أو مَصلحَةٍ أو لا، وفيه خِلافٌ قالَ شيخُ الإسلامِ: في إخراجِ القِيمةِ ثلاثةُ أقوالٍ:
الأوَّلُ: الإجزاءُ بكلِّ حالٍ، وهو مَذهَبُ أبي حَنيفةَ.
الثاني: عدَمُ الإجزاءِ مُطْلَقاً عندَ الحاجةِ وعَدَمِها، وهو مَذْهَبُ مالِكٍ والشافعيِّ.
الثالثُ: الإجزاءُ عندَ الحاجةِ، وهذا المنصوصُ عن أحمدَ صَريحاً.
وهو أعْدَلُ الأقوالِ.
وقالَ الشيخُ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشيخِ: ولا يَجوزُ إخراجُ القيمةِ في سائمةٍ، أو غيرِها عندَ الأئمَّةِ الثلاثةِ: مالِكٍ والشافعيِّ وأحمدَ.
لِمَا رَواهُ أبو دَاوُدَ: ((خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ، وَالْإِبِلَ مِنَ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرَ مِنَ الْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ مِنَ الْغَنَمِ)).
21-فيه أنَّ الساعِي يَأْخَذُ الزكاةَ مِن الوسَطِ، فلا يَأْخُذُ مِن أطْيَبِ المالِ؛ فيَظْلِمُ الْمُزَكِّي، ولا يأخُذُ الرديءَ فيَظْلِمُ الْمُسْتَحِقِّينَ، إلاَّ أنْ يَشاءَ صاحِبُ المالِ أنْ يَدفَعَ مِن الجيِّدِ، فذاكَ إليه.
22- فيه أنه لا يَجوزُ أنْ يُخْرِجَ مُسِنَّةً، ولا هَرِمَةً، ولا مَعِيبَةً، إلاَّ أنْ يكونَ النِّصابُ كُلُّه هكذا؛ لأنَّ هذا لا يُجْزِئُ في الزكاةِ، وفيه ظُلْمٌ لِمُسْتَحِقِّيهَا.
23-فيه أنه لا يُخْرِجُ تَيْساً، ولا طَروقةَ الفَحْلِ، ولا الحامِلَ ولا الأَكُولَةَ، إلاَّ أنْ يَشاءَ صاحِبُ المالِ.
24- لا يُجْزِئُ إخراجَ ذَكَرٍ في الزكاةِ إلاَّ في ثلاثِ مَسائِلَ:
الأُولَى: في زكاةِ البقَرِ، فإنه يُجزِئُ التَّبِيعُ عن التَّبِيعَةِ؛ لوُرودِ النَّصِّ فيه، ويُجزِئُ الْمُسِنُّ عنه؛ لأنه خَيْرٌ منه.
الثانيةُ: ابنُ اللَّبُونِ والْحِقُّ والْجَذَعُ وما فَوْقَه، فإنه يُجْزِئُ عن بنتِ مَخاضٍ عندَ عَدَمِها.
الثالثةُ: أنْ يكونَ النِّصابُ مِن الإبلِ أو البقَرِ أو الغنَمِ كلُّه ذُكُوراً، فإنه يُجْزِئُ؛ لأنَّ الزكاةَ مَبْنِيَّةٌ على الْمُواساةِ، فلا يُكَلَّفُها المخْرِجُ مِن غيرِ مالِه.
25- فيه إثباتُ الْخُلْطَةِ في الْمَواشِي دونَ غَيْرِها مِن الأموالِ، وأنَّ لها تأثيراً في الزكاةِ إيجاباًَ، وإسقاطاً، وتغليظاً وتخفيفاً؛ لأنها تَجْعَلُ الأموالَ كالمالِ الواحدِ.
26- إذا اخْتَلَطَ شَخصانِ أو أكثرَ مِن أهْلِ الزكاةِ في نِصابٍ مِن الماشيةِ حولاً كاملاً -فحُكْمُهما في الزكاةِ حُكْمُ الشخصِ الواحدِ؛ سواءٌ كانتْ خُلطَةَ أعيانٍ: بأنْ يَمْلِكَا نِصاباً مَشاعاً بإرْثٍ أو شراءٍ أ و غيرِهما، أو خُلْطَةَ أوصافٍ: بأنْ يكونَ كلٌّ منهما له عَيْنُ مالِه، ولكنه مُتَمَيِّزٌ بصِفةٍ أو بصِفاتٍ عن مالِ خَلِيطِه.
27- ويُشْتَرَطُ في تأثيرِ خُلطةِ الأوصافِ اشتراكُهما في مَرَاحٍ وهو الْمَبيتُ ومَسْرَحٍ وهو مكانُ اجتماعِهما لذَهابٍ إلى الْمَرْعَى)، ومَرْعَى في زمانِه ومكانِه، ومَشْرَبٍ وهو مكانُ الشُّرْبِ، ومَحْلَبٍ وهو مَوْضِعُ حَلْبٍ، وفَحْلٍ وهو عَدَمُ اختصاصِه في طَرْقِه أحَدُ المالَيْنِ إنِ اتَّحَدَ النوْعُ؛ كالضأْنِ والْمَعْزِ، ولا يَضُرُّ إنِ اخْتَلَفَ النوْعُ لاختلافِ النوعينِ، ولا تُعْتَبَرُ النيَّةُ في الْخُلْطَةِ في كِلاَ الْخُلْطَتَيْنِ: الأوصافِ والأعيانِ.
28- ويَحْرُمُ الجمْعُ بينَ المالَيْنِ، أو التفريقُ بينَهما؛ إذا قُصِدَ بذلك الفِرارُ مِن الزكاةِ؛ لقولِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: ((وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ؛ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ)).
29- والْخُلْطَةُ تُصَيِّرُ المالَيْنِ فأكثَرَ كالمالِ الواحدِ إنْ كانا نِصاباً، وكان الخليطانِ مِن أهْلِ وُجُوبِها؛ سواءٌ كانتْ خُلْطَةَ أعيانٍ أو أوصافٍ، وما وَجَبَ عليهما فإنه على قدْرِ مالَيْهِما، فلو كان لإنسانٍ شاةٌ واحدةٌ ولآخَرَ تِسعةٌ وثلاثونَ فعَلَيْهِما شاةٌ واحدةٌ على حَسْبِ مِلْكِهما، ويَتراجعانِ بينَهما بالسَّوِيَّةِ.
30- أمَّا الرِّقَةُ: وهي الفِضَّةُ الخالِصَةُ فنِصابُها مائتا دِرْهَمٍ، ويُخْرَجُ منها ربعُ العُشْرِ إذا تَمَّ حَوْلُها.
31- أمَّا الذِّمِّيُّ: فلا تُؤْخَذُ منه الزكاةُ؛ لأنَّ الزكاةَ لا تَصِحُّ منه قَبْلَ إسلامِه، ولكنْ تُؤْخَذُ منه الْجِزْيَةُ، فتُؤْخَذُ مِن الرجالِ البالغينَ دِينارٌ، أو مِقدارُه مِن غيرِ النقْدِ، كالثيابِ.
32- قولُه: "فإنها تُقْبَلُ منه، ويُجْعَلُ معها شاتَيْنِ"، وقولُه: "فإنها تُقْبَلُ منه الْجَذَعَةُ، ويُعطيهِ الْمُصَّدِّقُ عشرينَ دِرْهماً أو شاتينِ" فيه دليلٌ على جَوازِ النزولِ والصعودِ مِن السِّنِّ الواجِبِ عندَ فَقْدِه إلى سِنٍّ آخَرَ يَليهِ، وعلى أنَّ جَبْرَ كلِّ مَرتبةٍ بشاتينِ، أو عشرينَ درهماً، وعلى أنَّ الْمُعْطِي مُخَيَّرٌ بينَهما.
فوائدُ:
الأولى: قالَ النَّوَوِيُّ: مَدارُ أَنْصِبَةِ زَكاةِ الماشيةِ على حديثِ أنَسٍ عن أبي بكرٍ، وحديثِ ابنِ عمرَ.
وقالَ ابنُ عبدِ الْبَرِّ عن حديثِ عمرِو بنِ حَزْمٍ: إنه أَشْبَهُ بالمتواتِرِ؛ لتَلَقِّي الناسِ له بالقَبولِ.
فهذه الكتُبُ الثلاثةُ كتابُ أبي بكْرٍ، وكتابُ عمرَ، وكتابُ عمرِو بنِ حَزْمٍ -أصولٌ مِن أصولِ الإسلامِ عليها المعتَمَدُ عندَ المسلمينَ.
الثانيةُ: قالَ شيخُ الإسلامِ: الإمامُ أحمدُ وأهلُ الحديثِ مُتَّبِعُونَ لسُنَّةِ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- في الزكاةِ، فلقد أخَذُوا بأحسَنِ الأقوالِ الثلاثةِ، فأَخَذُوا في أوقاصِ الإبِلِ بكتابِ أبي بكرٍ؛ لأنه آخِرُ الأمرَيْنِ مِن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-, وفي الْمُعَشَّرَاتِ تَوَسَّطُوا بينَ أهْلِ الحجازِ وأهلِ العراقِ، فأَهْلُ الحجازِ لا يُوجِبُونَ العُشْرَ في الثمارِ إلاَّ في التمْرِ والزبيبِ، وفي الْحَبِّ فيما يُقتاتُ، وأهْلُ العراقِ يُوجِبُونَها في كلِّ ما أَخْرَجَت الأرضُ، وأمَّا أحمَدُ والْمُحَدِّثُونَ فيُوافقونَ أهلَ الحجازِ بالنِّصابِ لصِحَّتِه، ويُخَالِفُونَهم في الحبوبِ والثمارِ، فيُوجِبُونَها في حَبٍّ وثَمَرٍ يُدَّخَرُ.
الثالثةُ: قرارُ الْمَجْمَعِ الفِقهيِّ بشَأْنِ زكاةِ الأَسْهُمِ في الشَّرِكَاتِ:
بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
الحمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وعلى آلِه وصَحْبِه.
قرارٌ بشأنِ زكاةِ الأسْهُمِ في الشركاتِ:
قرارٌ رقْمَ: 28
إنَّ مَجْلِسَ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ المنعَقِدَ في دَورةِ مُؤْتَمَرِه، الرابعِ بجِدَّةَ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ مِن 18-23 جُمادى الآخِرَةِ 1408 هـ الموافِقِ 6-11 فبراير 1988م.
بعدَ اطِّلاعِه على البحوثِ الواردةِ إلى الْمَجْمَعِ بخُصوصِ موضوعِ: زكاةِ أسْهُمِ الشركاتِ
قَرَّرَ ما يلي:
أوَّلاً: تَجِبُ زكاةُ الأَسْهُمِ على أصحابِها، وتُخرجُها إدارةُ الشركةِ نِيابةً عنهم إذا نُصَّ في نظامِها الأساسِيِّ على ذلك، أو صَدَرَ به قرارٌ مِن الجمعيَّةِ العُموميَّةِ، أو كانَ قانونُ الدولةِ يُلْزِمُ الشركاتِ بإخراجِ الزكاةِ، أو حَصَلَ تفويضٌ مِن صاحِبِ الأَسْهُمِ لإخراجِ إدارةِ الشركةِ زكاةَ أسْهُمِه.
ثانياً: تُخْرِجُ إدارةُ الشَّرِكَةِ زكاةَ الأَسْهُمِ كما يُخْرِجُ الشخْصُ الطبيعيُّ زكاةَ أموالِه؛ بمعنى: أنْ تُعْتَبَرَ جميعُ أموالِ المساهمينَ بِمَثابَةِ أموالِ شخْصٍ واحدٍ، وتُفْرَضُ عليها الزكاةُ بهذا الاعتبارِ مِن حيثُ نوعِ المالِ الذي تَجِبُ فيه الزكاةُ، ومِن حيثُ النِّصابِ، ومِن حيث الْمِقدارِ الذي يُؤْخَذُ، وغيرِ ذلك مِمَّا يُرَاعَى في زكاةِ الشخصِ الطبيعيِّ، وذلك أَخْذًا بِمَبْدَأِ الْخُلْطَةِ عندَ مَن عَمَّمَه مِن الفُقهاءِ في جميعِ الأموالِ.
ويُطْرَحُ نَصيبُ الأسهُمِ التي لا تَجِبُ فيها الزكاةُ، ومنها: أَسْهُمُ الْخَزانةِ العامَّةِ، وأَسْهُمُ الوقْفِ الخيريِّ، وأَسْهُمُ الجهاتِ الخيريَّةِ، وكذلك أسْهُمُ غيرِ المسلمينَ.
ثالثاً: إذا لم تُزَكِّ الشَّرِكَةُ أموالَها لأيِّ سببٍ مِن الأسبابِ، فالواجِبُ على المساهمينَ زكاةُ أسهُمِهم، فإذا استطاعَ المساهِمُ أنْ يَعْرِفَ مِن حساباتِ الشَّرِكَةِ ما يَخُصُّ أسْهُمَه مِن الزكاةِ لو زَكَّت الشرِكَةُ أموالَها على النحْوِ المشارِ إليه، زَكَّى أسْهُمَه على هذا الاعتبارِ؛ لأنه الأصْلُ في كيفيَّةِ زكاةِ الأسْهُمِ، وإنْ لم يَستطِع المساهِمُ مَعرِفَةَ ذلك:
فإنْ كان ساهَمَ في الشَّرِكَةِ بقَصْدِ الاستفادةِ مِن رِيعِ الأَسْهُمِ السنَوِيُّ، وليس بقَصْدِ التجارةِ؛ لأنه يُزَكِّيهَا زكاةَ الْمُسْتَغَلاَّتِ، وتَمَشِّيًا مع ما قَرَّرَه مَجْمَعُ الفِقْهِ الإسلاميِّ في دَورتِه الثانيةِ بالنِّسبةِ لزَكاةِ العَقاراتِ والأراضِي المأجورةِ غيرِ الزراعيَّةِ- فإنَّ صاحِبَ هذه الأسهُمِ لا زكاةَ عليه في أصْلِ السهْمِ، وإنما تَجِبُ الزكاةُ في الرِّيعِ، وهي رُبُعُ العُشْرِ بدَورانِ الحَوْلِ مِن يومِ قَبْضِ الرِّيعِ مع اعتبارِ توافُرِ شُروطِ الزكاةِ وانتفاءِ الموانِعِ.
وإن كانَ الْمُسَاهِمُ قد اقْتَنَى الأَسْهُمَ بقَصْدِ التجارةِ، زَكَّاهَا زَكاةَ عُرُوضِ التجارةِ، فإذا جاءَ حَوْلُ زكاتِه وهي في مِلْكِه، زَكَّى قِيمَتَها السوقِيَّةَ، وإذا لم يكنْ لها سُوقٌ، زَكَّى قِيمَتَها السوقِيَّةَ، وإذا لم يكنْ لها سُوقٌ، زَكَّى قِيمَتَها بتقويمِ أهْلِ الخبرةِ، فيُخْرِجُ رُبُعَ العُشْرِ(2.5%) مِن تلك القِيمةِ، ومِن الربْحِ إذا كانَ للأَسْهُمِ رِبْحٌ.
رابعاً: إذا باعَ المساهِمُ أَسْهُمَه في أثناءِ الْحَوْلِ، ضَمَّ ثَمَنَها إلى مالِه وزَكَّاهُ معه عندَما يَجِيءُ حَوْلُ زكاتِه، أمَّا المشترِي فيُزَكِّي الأسهُمَ التي اشتَرَاها على النحْوِ السابقِ. واللهُ أَعْلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الزكاة, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:48 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir