دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:35 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي توسط خبر (كان) وأخواتها


وفي جميعِها تَوَسُّطَ الْخَبَرِ = أَجِزْ وكُلٌّ سَبْقَهُ دامَ حَظَرْ


  #2  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

وفي جَمِيعِها تَوَسُّطَ الخَبَرْ = أَجِزْ وكُلٌّ سَبْقَهُ دامَ حَظَرْ ([1])
مرادُه أنَّ أخبارَ هذه الأفعالِ إنْ لم يَجِبْ تقديمُها على الاسمِ ولا تأخيرُها عنه يَجُوزُ تَوَسُّطُها بينَ الفعلِ والاسمِ ([2])، فمثالُ وجوبِ تقديمِها على الاسمِ قولُكَ: (كانَ في الدارِ صَاحِبُها)، فلا يَجُوزُ ههنا تقديمُ الاسمِ على الخبرِ؛ لئلاَّ يَعُودَ الضميرُ على متأخِّرٍ لَفْظاً ورُتْبَةً.
ومثالُ وجوبُ تأخيرِ الخبرِ عن الاسمِ قولُكَ: (كانَ أخي رَفِيقِي)، فلا يَجُوزُ تقديمُ رفيقِي على أنه خَبَرٌ؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ ذلك؛ لعدمِ ظهورِ الإعرابِ.
ومثالُ ما تَوَسَّطَ فيه الخبرُ قولُكَ: (كانَ قائماً زيدٌ)، قالَ اللهُ تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}. وكذلك سائرُ أفعالِ هذا البابِ مِن المتصرِّفِ وغيرِه يَجُوزُ توسُّطُ أخبارِها بالشرطِ المذكورِ، ونَقَلَ صَاحِبُ (الإرشادِ) خِلافاً في جوازِ تقديمِ خبرِ ليسَ على اسمِها، والصوابُ جَوَازُه؛ قالَ الشاعِرُ:
65- سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمُ = فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ ([3])
وذَكَرَ ابنُ مُعْطٍ أنَّ خَبَرَ دامَ لا يَتَقَدَّمُ على اسمِها؛ فلا تقولُ: (لا أُصَاحِبُكَ ما دامَ قائماً زيدٌ)، والصوابُ جوازُه؛ قالَ الشاعِرُ:
66- لا طِيبَ لِلْعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً = لَذَّاتُهُ بادِّكَارِ المَوْتِ والهَرَمِ ([4])
وأشارَ بقولِهِ: (وكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ) إلى أنَّ كلَّ العربِ - أو كلَّ النُّحاةِ - مَنَعَ سَبْقَ خَبَرِ (دامَ) عليها، وهذا إنْ أرادَ به أنهم مَنَعُوا تقديمَ خبرِ (دامَ) على (ما) المتَّصِلَةِ بها، نحوُ: (لا أَصْحَبُكَ قَائِماً ما دامَ زيدٌ) - فمُسَلَّمٌ.
وإنْ أرادَ أنهم مَنَعُوا تقديمَه على (دامَ) وحدَها، نحوُ: (لا أَصْحَبُكَ ما قائماً دامَ زيدٌ)، وعلى ذلك حَمَلَه وَلَدُه في شرحِه - ففيه نَظَرٌ.
والذي يَظْهَرُ أنه لا يَمْتَنِعُ تقديمُ خبرِ (دامَ) على (دامَ) وحدَها، فتقولُ: (لا أَصْحَبُكَ ما قائماً دامَ زيدٌ)، كما تقولُ: (لا أَصْحَبُكَ ما زيداً كَلَّمْتَ).


([1]) (وفي جَمِيعِهَا) الجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بتَوَسُّطَ، وجميعِ مضافٌ وها مضافٌ إليه، (تَوَسُّطَ) مفعولٌ به لأَجِزْ مُقَدَّمٌ عليه، وتَوَسُّطَ مضافٌ و(الخبرْ) مضافٌ إليه، (أَجِزْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً تقديرُه أنتَ، (كُلٌّ) مبتدأٌ، (سَبْقَهُ) سَبْقَ: مفعولٌ به مُقَدَّمٌ على عاملِه، وهو حَظَرْ، وسَبْقَ مضافٌ وضميرُ الغائبِ العائدُ إلى الخبرِ مضافٌ إليه، من إضافةِ المصدرِ إلى فاعلِه، (دامَ) قُصِدَ لَفْظُه: مفعولٌ به لسَبْقَ، (حَظَرْ) فعلٌ ماضٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوَازاً تقديرُه هو يعودُ إلى كلٌّ، والجملةُ مِن حَظَر وفاعلِهِ في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، وهو كلٌّ.
([2]) حاصلُ القولِ في هذا الموضِعِ أنَّ لخبرِ كانَ وأَخَوَاتِها سِتَّةَ أحوالٍ:
الأوَّلُ: وُجُوبُ التأخيرِ، وذلك في مسألتيْنِ:
إحداهما: أنْ يكونَ إعرابُ الاسمِ والخبرِ جَمِيعاً غيرَ ظاهرٍ، نحوُ: كانَ صديقي عَدُوِّي.
وثانيهما: أنْ يكونَ الخبرُ مَحْصُوراً، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}، والمُكاءُ: التَّصْفِيرُ، والتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ.
الثاني: وجوبُ التوسُّطِ بينَ العاملِ واسمِه، وذلك في نحوِ قولِكَ: يُعْجِبُنِي أنْ يكونَ في الدارِ صاحِبُها. فلا يجوزُ في هذا المثالِ تأخيرُ الخبرِ عن الاسمِ؛ لئلاَّ يَلْزَمَ منه عَوْدُ الضميرِ على متأخِّرٍ لفظاً ورُتْبَةً، كما لا يَجُوزُ أنْ يَتَقَدَّمَ الخبرُ على أنِ المصدريَّةِ؛ لئلاَّ يَلْزَمَ تَقْدِيمُ معمولِ الصلةِ على الموصولِ، فلم يَبْقَ إلا توسُّطُ هذا الخبرِ على ما ذَكَرْنَا.
الثالِثُ: وجوبُ التقدُّمِ على الفعلِ واسمِه جميعاً، وذلك فيما إذا كانَ الخبرُ ممَّا له الصدارةُ؛ كاسمِ الاستفهامِ، نحوُ: (أينَ كانَ زيدٌ؟).
الرابِعُ: امتناعُ التأخُّرِ عن الاسمِ، معَ جوازِ التوسُّطِ بينَ الفعلِ واسمِه أو التقدُّمِ عليهما، وذلك فيما إذا كانَ الاسمُ متَّصِلاً بضميرٍ يعودُ على بعضِ الخبرِ، ولم يَكُنْ ثَمَّةَ مانعٌ مِن التقدُّمِ على الفعلِ، نحوُ: (كانَ في الدارِ صَاحِبُها، وكانَ غلامَ هِنْدٍ بعلُها) يجوزُ أنْ تقولَ ذلك، ويجوزُ أنْ تقولَ: (في الدارِ كانَ صاحبُها، وغلامَ هندٍ كانَ بَعْلُها) بنصبِ غلامَ، ولا يجوزُ في المثاليْنِ التأخيرُ عن الاسمِ.
الخامِسُ: امتناعُ التقدُّمِ على الفعلِ واسمِه جميعاً، معَ جوازِ توسُّطِه بينَهما أو تأَخُّرِه عَنهما جَميعاً، نحوُ: (هل كانَ زيدٌ صَدِيقَكَ)؟ ففي هذا المثالِ يجوزُ هذا، ويجوزُ (هل كانَ صديقَك زيدٌ)، ولا يجوزُ تقديمُ الخبرِ على (هلْ)؛ لأنَّ (هل) لها صَدْرُ الكلامِ، ولا توسيطُه بينَ هلْ والفعلِ؛ لأنَّ الفصلَ بينَهما غيرُ جائزٍ.
السادسُ: جوازُ الأمورِ الثلاثةِ، نحوُ: (كانَ مُحَمَّدٌ صديقَكَ) يجوزُ فيه ذلكَ كما يجوزُ أنْ تقولَ: صديقَكَ كانَ مُحَمَّدٌ، وأنْ تقولَ: كانَ صديقَكَ مُحَمَّدٌ. بنصبِ الصديقِ.
([3]) البيتُ من قصيدةٍ للسَّمَوْءَلِ بنِ عادِيَاءَ الغَسَّانِيِّ، المضروبِ به المثلُ في الوفاءِ، ومطلَعُ قصيدتِه التي مِنها بيتُ الشاهدِ قولُه:
إذَا المَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنَ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ = فكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلُ
وإنْ هوَ لم يَحْمِلْ على النفسِ ضَيْمَهَا = فليسَ إلى حُسْنِ الثناءِ سَبِيلُ
اللغةُ: (يَدْنَسْ) الدَّنَسُ ـ بفتحِ الدالِ المهملةِ والنونِ ـ هو الوَسَخُ والقَذَرُ، والأصلُ فيه أنْ يكونَ في الأمورِ الحِسِّيَّةِ، والمرادُ ههنا الدَّنَسُ المعنويُّ، (اللُّؤْمِ) اسمٌ جامعٌ للخِصالِ الدنيئةِ ومقابحِ الصفاتِ، (رِدَاءٍ) هو في هذا الموضِعِ مستعارٌ للخَصْلَةِ من الخِصالِ؛ أي: إذا نَظُفَ عِرْضُ المرءِ فلم يَتَّصِفْ بصفةٍ من الصفاتِ الدنيئةِ فإنَّ له بعدَ ذلكَ أنْ يَتَّصِفَ بما يشاءُ، يريدُ أنَّ له أنْ يَخْتَارَ من المكارمِ وخِصالِ البِرِّ الخَصْلَةَ التي يَرْغَبُها، (ضَيْمَهَا) الضَّيْمُ: الظلْمُ.
المعنى: يقولُ لمَنْ يُخَاطِبُها: سَلِي الناسَ عنَّا وعمَّن تُقَارِنِينَهُم بنا ـ إنْ لم تكوني عَالِمَةً بحالِنا، مُدْرِكَةً للفرقِ العظيمِ الذي بينَنَا وبينَهم ـ لكي يَتَّضِحَ لكِ الحالُ؛ فإنَّ العالِمَ بحقيقةِ الأمرِ ليسَ كمَن جَهِلَها.
الإعرابُ: (سَلِي) فعلُ أمرٍ، وياءُ المخاطَبَةِ فاعِلُه، (إنْ) شَرْطِيَّةٌ، (جَهِلْتِ) جَهِل: فعلٌ ماضٍ فعلُ الشرطِ، وتاءُ المخاطَبَةِ فاعلٌ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يَدُلُّ عليه ما قبلَه، (عَنَّا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِهِ: سَلِي، (وَعَنْهُمُ) جارٌّ ومجرورٌ معطوفٌ بالواوِ على الجارِّ والمجرورِ قبلَه، (فَلَيْسَ) الفاءُ حرفٌ دالٌّ على التعليلِ، وليسَ: فعلٌ ماضٍ ناقصٌ، (سَوَاءً) خبرُ ليسَ مُقَدَّمٌ، (عَالِمٌ) اسمُ ليسَ مُؤَخَّرٌ، (وجَهُولُ) معطوفٌ على عالِمٌ.
الشاهدُ فيه: قولُه: (فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ)؛ حيثُ قَدَّمَ خبرَ ليسَ، وهو (سواءً)، على اسمِها، وهو (عالمٌ)، وذلك جائزٌ سائغٌ في الشعرِ وغيرِه، خِلافاً لمَن نَقَلَ المَنْعَ عنه صاحِبُ (الإرشادِ)، وقد نَسَبَ ابنُ هِشامٍ القولَ بالمنعِ إلى ابنِ دَرَسْتَوَيْهِ.
([4]) البيتُ من الشواهدِ التي لم يُعَيِّنْ قائلَها أحدٌ ممَّن اطَّلَعْنَا على كلامِه.
اللغةُ: (طِيبَ) المرادُ به اللَّذَّةُ وما تَرْتَاحُ إليه النفسُ وتَهْفُو نحوَه، (مُنَغَّصَةً) اسمُ مفعولٍ من التنغِيصِ، وهو التَّكْدِيرُ، (بادِّكَارِ) تَذَكُّرِ، وأصلُه (اذْتِكَارٌ) فقُلِبَتْ تاءُ الافتعالِ دالاً، ثمَّ قُلِبَتِ الذالُ دالاًّ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ الدالُ في الدالِ، ويجوزُ فيه (اذِّكَارٌ) بالذالِ المعجمةِ، على أنْ تُقْلَبَ المهملَةُ معجمةً، بعكسِ الأوَّلِ، ثمَّ تُدْغَمَ، ويجوزُ فيه بقاءُ كلٍّ مِن المعجمةِ والمهملةِ على حالِه، فتقولُ: (اذْدِكَارٌ)، وبالوجهِ الأوَّلِ وَرَدَ قولُه تعالى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أَصْلُه: مُذْتَكِر، فقُلِبَتِ التاءُ دالاً، ثمَّ الذالُ دالاً أيضاًً، ثُمَّ أُدْغِمَتَا على ما ذَكَرْنَاهُ أوَّلاً.
المعنى: لا يرتاحُ الإنسانُ إلى الحياةِ ولا يَسْتَطِيبُ العيشَ ما دامَ يَتَذَكَّرُ الأيَّامَ التي تأتي عليه بأَوْجَاعِها وآلامِها، وما دامَ لا يَنْسَى أنه مُقْبِلٌ لا مَحَالةَ على الشيخوخةِ والموتِ ومفارقةِ أحبَّائِه ومَلاذِّهِ.
الإعرابُ: (لا) نافيةٌ للجنسِ، (طِيبَ) اسمُها مبنيٌّ على الفتحِ في محَلِّ نصبٍ، (لِلْعَيْشِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ خبرِ لا، أو متعلِّقٌ بطِيبَ، أو متعلِّقٌ بمحذوفٍ صفةٍ لطِيبَ، وخبرُ لا حينَئذٍ محذوفٌ، (ما) مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ، (دامَتْ) دامَ: فعلٌ ماضٍ ناقِصٌ،ـ والتاءُ تاءُ التأنيثِ، (مُنَغَّصَةً) خبرُ دامَ مُقَدَّمٌ على اسمِها، (لَذَّاتُه) لذاتُ: اسمُ دامَ مُؤَخَّرٌ، ولَذَّاتُ مضافٌ والهاءُ العائدةُ إلى العَيْشِ مضافٌ إليه، (بادِّكَارِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقَوْلِهِ: مُنغَّصَةً، وادِّكَارِ مضافٌ و(الموتِ) مضافٌ إليه، (والهَرَمِ) معطوفٌ بالواوِ على الموتِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (ما دَامَتْ مُنَغَّصَةً لَذَّاتُهُ) حيثُ قَدَّمَ خبرَ دامَ، وهو قولُه: (مُنَغَّصَةً) على اسمِها، وهو قولُه: (لذَّاتُه).
هذا توجيهُ كلامِ الشارحِ العلاَّمَةِ كغيرِه من النُّحاةِ؛ رَدًّا على ابنِ مُعْطٍ. وفيه خَلَلٌ مِن جِهَةِ أنه تَرَتَّبَ عليه الفصلُ بينَ (مُنَغَّصَةً) ومُتَعَلَّقِه؛ وهو قولُه: (بادِّكارِ)، بأجنبيٍّ عنهما، وهو (لَذَّاتُهُ).
وفي البيتِ توجيهٌ آخَرُ، وهو أنْ يكونَ اسمُ (دامَ) ضميراً مستتراً، وقولُه: (منغَّصَةً) خَبَرَها، وقولُه: (لَذَّاتُه) نائبَ فاعلٍ لقولِه: (منغَّصةً)؛ لأنَّه اسمُ مفعولٍ يعمَلُ عملَ الفعلِ المبنيِّ للمجهولِ، وعلى هذا يَخْلُو البيتُ من الشاهدِ، فلا يكونُ ردًّا على ابنِ مُعْطٍ، ومَن يَرَى رأيَه.
ومن الشواهدِ التي يُسْتَدَلُّ بها للردِّ على ابنِ مُعْطٍ قولُ الشاعرِ:
ما دامَ حَافِظَ سِرِّي مَن وَثِقْتُ بِهِ = فهْوَ الذي لَسْتُ عنهُ رَاغِباً أَبَدَا
فإنَّ قولَه: (حَافِظَ سِرِّي) خبرُ دامَ، وقولَه: (مَن وَثِقْتُ بهِ) اسمُها، وقد تَقَدَّمَ الخبرُ على الاسمِ، ولا يَرِدُ عليه الاعتراضُ الذي وَرَدَ على البيتِ الشاهدِ، ولكنَّه يَحْتَمِلُ التأويلَ؛ إذ يجوزُ أنْ يكونَ اسمُ دامَ ضميراً مستتراً يعودُ إلى (مَن وَثِقْتُ به) ويكونَ خبرُها هو (حَافِظَ سِرِّي)، ويكونَ قولُه: (مَن وَثِقْتُ به) فاعلاً بحافِظَ؛ لأنَّه اسمُ فاعلٍ.
فإنْ قلتَ: فقد عادَ الضميرُ على متأخِّرٍ.
قُلتُ: هو كذلك، ولكنَّه مُغْتَفَرٌ ههنا؛ لأنَّ الكلامَ على هذا يَصِيرُ من بابِ الاشتغالِ لتقدُّمِ عامِلَيْنِ، وهما: دامَ، وحافِظَ سِرِّي، وتَأَخُّرِ معمولٍ واحدٍ، وهو (مَن وَثِقْتُ به)، فلَمَّا أَعْمَلَ العاملَ الثانيَ أَضْمَرَ في الأوَّلِ المرفوعَ، وهو جائزٌ عندَ البصريِّينَ كما سَتَعْرِفُه في بابِ الاشتغالِ، إنْ شاءَ اللهُ.


  #3  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي أوضح المسالك لجمال الدين ابن هشام الأنصاري (ومعه هدي السالك للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

فصلٌ:
وتَوَسُّطُ أخبارِهِنَّ جائزٌ([1])، خِلافاً لابنِ دُرُسْتُوَيْهِ في ليسَ، ولابنِ مُعْطٍ في دامَ، قالَ اللَّهُ تعالَى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ}([2])، وقَرَأَ حَمْزَةُ وحَفْصٌ: {لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}([3]) بنَصْبِ البِرِّ، وقالَ الشاعرُ:

86 - لاَ طِيبَ لِلعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً = لَذَّاتُهُ..........
إلا أن يَمْنَعَ مَانعٌ، نحوُ: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً}([4]).
فصلٌ: وتقديمُ أخبارِهنَّ جائزٌ، بدليلِ: {أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}([5])، {وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}([6])، إلا خَبَرَ (دَامَ) اتِّفَاقاً و(ليسَ) عندَ جمهورِ البَصْرِيِّينَ، قَاسُوها على عَسَى، واحتَجَّ المُجيزُ بنحوِ قولِه تعالَى: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}([7])، وأُجِيبَ بأنَّ المعمولَ ظرفٌ فيَتَّسِعُ فيه.



([1]) لخَبَرِ كانَ وأخَوَاتِها معَ اسمِها ثلاثُ حَالاتٍ:
الحالةُ الأُولَى: أنْ يَجِبَ تقديمُ اسمِها وتأخيرُ خبرِها، وذلك في مَوضِعَيْنِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ الاسمُ مَحْصُوراً في الخبرِ، نحوُ قولِ اللَّهِ تعَالَى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً}.
والثانِي: أنْ يَكُونَ إعرابُ الاسمِ والخبرِ جَمِيعاً غيرَ ظاهرٍ، بأن يَكُونَا مُعْرَبَيْنِ تقدِيراً، نحوُ قولِك: (كَانَ مُوسَى فَتَاكَ)، أو يَكُونَا مَبْنِيَّيْنِ ، نحوُ قولِك: (كَانَ هَؤُلاءِ مَن يُجَادِلُونَكَ).
الحالةُ الثانيةُ: أنْ يَكُونَ توسُّطُ الخبرِ بينَ العاملِ والاسمِ واجباً، وذلك في موضعَيْنِ:
الأوَّلُ: أن يَكُونَ الخبرُ مَحْصُوراً في الاسمِ، نحوُ قولِك: (لَيْسَ قَائِماً إلاَّ زَيْدٌ)، ومنه قولُه تعَالَى: {وَمَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} بنصبِ {حُجَّتَهُمْ} على أنَّهُ خبرُ كانَ، واسمُها المصدرُ المُنْسَبِكُ مِن {أَنْ قَالُوا}.
والثانِي: أنْ يَتَّصِلَ بالاسمِ ضميرٌ يَعُودُ على بعضِ الخبرِ، نَحْوُ قولِك: (كَانَ فِي الدَّارِ صَاحِبُها).
الحالةُ الثالثةُ: جَوَازُ الأمرَيْنِ: تَقديمِ اسمِها على خبرِها وتأخيرِه عنه، وذلك فيما عَدَا ما يَجِبُ فيه التوَسُّطُ أو التأَخُّرُ.

([2]) سورة الروم، الآية: 47.

([3]) سورة البقرة، الآية: 177، فالبِرُّ: خَبَرُ لَيْسَ مُقَدَّمٌ على اسمِها، والمَصْدَرُ المُنْسَبِكُ مِن أنْ ومَدْخُولِها اسمُ لَيْسَ تَأَخَّرَ عَن خَبَرِها، ومِن العلماءِ مَن يَرَى هذه القِرَاءَةَ أَرْجَحَ مِن جِهَةِ الصناعةِ مِن رَفْعِ (البِّرِّ) على أنَّه اسمُ لَيْسَ، وعَلَّلَ ذلك بأنَّ المَصدرَ المُنسَبِكَ مِن أن المصدرِيَّةِ في قُوَّةِ الضميرِ، والضميرُ يَتَرَجَّحُ جَعْلُه اسماً.

86 - هذه قطعةٌ مِن بيتٍ مِن البسيطِ، وهو بكمالِه:
لاَ طِيبَ لِلْعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً = لَذَّاتُهُ بِادِّكَارِ المَوْتِ وَالهَرَمِ
والبيتُ مِن الشواهدِ التي لم يُعَيِّنْ قَائِلَها أحدٌ مِمَّن اطَّلَعْنَا على كلامِه.
اللغةُ: (طِيبَ) المُرادُ به اللَّذَّةُ ومَا تَرْتَاحُ إليه النفسُ وتَهْفُو نَحْوَه. (مُنَغَّصَةً) اسمُ مفعولٍ مِن التَّنغِيصِ، وهو التَّكْدِيرِ، (بِادِّكَارِ) تَذَكُّرِ، وأصلُه (اذْتِكَارٌ) فقُلِبَت تاءُ الافتِعالِ دَالاً ثُمَّ قُلِبَت الذَّالُ دَالاً، ثُمَّ أُدْغِمَت الذَّالُ في الدَّالِ، ويَجُوزُ في (اذِّكَارٍ) بالذالِ المُعجَمَةِ - على أن تُقْلَبَ المُهملَةُ مُعْجَمَةً بعَكْسِ الأوَّلِ ثُمَّ تُدْغَمُ، ويَجُوزُ بقاءُ كُلٍّ مِن المُهملَةِ والمُعْجَمَةِ على حالِه فتَقُولُ: (اذْدِكَارٌ)، وبالوجهِ الأوَّلِ وَرَدَ قولُه تعَالَى: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} أَصْلُه: مُذْتَكِرٌ، فقُلِبَت التاءُ دَالاً ثُمَّ قُلِبَت المُعجمَةُ مُهمَلَةً ثُمَّ أُدْغِمَتَا، على مِثالِ ما ذَكَرْنَاهُ أوَّلاً.
المَعْنَى: لا يَرْتَاحُ الإنسانُ إلى الحياةِ، ولا يَسْتَطِيبُ فيها العَيْشَ، ما دَامَ يَتَذَكَّرُ أَيَّامَ الهَرَمِ التي تَأْتِي عليه بأَوجَاعِها وآلامِها، ومَا دَامَ لا يَنْسَى أنَّهُ مُقْبِلٌ لا مَحَالَةَ على الموتِ ومُفَارَقَةِ أحِبَّائِه ومَلاذِّهِ.
الإعرابُ: (لا) نَافيةٌ للجِنْسِ، (طِيبَ) اسمُها، (للعَيْشِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ لا، أو مُتعلِّقٌ بطِيبٍ، وخبرُ لا محذوفٌ، (مَا) مَصدرِيِّةٌ ظرفِيَّةٌ، (دَامَتْ) دَامَ فِعْلٌ ماضٍ ناقصٌ، والتاءُ تاءُ التأنيثِ، (مُنَغَّصَةً) خبرُ دَامَ مُقَدَّمٌ، (لَذَّاتُه) لَذَّاتُ: اسمُ دامَ مُؤَخَّرٌ، ولَذَّاتُ مُضَافٌ والهاءُ العائدةُ إلى العَيْشِ مُضافٌ إليه، (بِادِّكَارِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتعلِّقٌ بقولِه: مُنَغَّصَةً، وادِّكَارِ مُضَافٌ، و(المَوْتِ) مُضافٌ إليه، (وَالهَرَمِ) مَعطوفٌ عليه.
الشاهدُ فيه: قولُهُ: (مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً لَذَّاتُهُ) حيثُ قَدَّمَ خبرَ دَامَ، وهو قولُه: (مُنَغَّصَةً) على اسمِها وهو قولُه: (لَذَّاتُهُ).
هذا توجيهُ كلامِ المُؤلِّفِ العَلاَّمَةِ كغيرِه مِن النحاةِ رَدًّا على ابنِ مُعْطٍ، وفيه خَلَلٌ مِن جِهَةِ أنَّهُ تَرَتَّبَ عليه الفَصْلُ بينَ (مُنَغَّصَةً) ومُتَعَلَّقُه وهو (بِادِّكَارِ) بأَجْنَبِيٍّ عنهما وهو (لَذَّاتُهُ).
وفي البيتِ توجيهٌ آخَرُ، وهو أن يَكُونَ اسمُ (دَامَ) ضَمِيراً مُستتِراً، وقولُه: (مُنَغَّصَةً) خَبَرُها، وقولُه: (لَذَّاتُه) نائبُ فاعلٍ بقولِه: (مُنَغَّصَةً)؛ لأنَّه اسمُ مفعولٍ يَعْمَلُ عملَ الفعلِ المَبنِيِّ للمجهولِ، وعلى هذا يَخْلُو البيتُ مِن الشاهدِ، فلا يَكُونُ رَدًّا على ابنِ مُعْطٍ ومَن يَرَى رَأْيَه.
ومِن الشواهدِ التي يُسْتَدَلُّ بها للردِّ على ابنِ مُعْطٍ قولُ الشاعرِ:
مَا دَامَ حَافِظَ سِرِّي مَنْ وَثِقْتُ بِهِ = فَهْوَ الَّذِي لَسْتُ عَنْهُ رَاغِباً أَبَدَا
فإنَّ قولَه: (حَافِظَ سِرِّي) خبرُ دَامَ، وقولَه: (مَن وَثِقْتُ بِهِ) اسمُها، وقد تَقَدَّمَ الخبرُ على الاسمِ، ولا يَرِدُ عليه الاعتِرَاضُ الذي وَرَدَ على بيتِ الشاهدِ، ولكنَّهُ يَحْتَمِلُ التأويلَ؛ إذ يَجُوزُ أن يَكُونَ اسمُ دَامَ ضَمِيراً مُستتِراً يَعُودُ إلى (مَنْ وَثِقْتُ بِهِ) ويَكُونَ خَبَرُها هو (حَافِظَ سِرِّي) ويَكُونَ قولُه: (مَنْ وَثِقْتُ بِهِ) فَاعِلاً بحَافِظٍ؛ لأنَّه اسمُ فاعلٍ. فإنْ قُلْتَ: فقد عادَ الضميرُ على مُتأخِّرٍ، قُلْتُ: هو كذلك، ولكنَّهُ مُغتفَرٌ ههنا؛ لأنَّ الكلامَ على هذا يَصِيرُ مِن بابِ الاشتغالِ؛ لتَقَدُّمِ عاملَيْنِ هما دَامَ وحَافِظَ سِرِّي، وتَأَخُّرِ معمولٍ واحدٍ هو مَن وَثِقْتُ بِهِ، فلَمَّا أَعْمَلَ العامِلَ الثَّانِيَ أَضْمَرَ في الأوَّلِ المرفوعَ.

([4]) سورة الأنفال، الآية: 35، والمانِعُ هنا مِن توسُّطِ الخبرِ القصرُ بإِلاَّ على ما تَقَدَّمَ لنا بَيَانُه في ص 217.

([5]) سورة سبأ، الآية: 40، ونظيرُ هذه الآيةِ في جِهَةِ الاستدلالِ فَقَطْ، لا في مَوطِنِه، قولُ اللَّهِ تعَالَى: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} سورة القصص، الآية: 63

([6]) سورة الأعراف، الآية: 177، ووَجْهُ الاستدلالِ بهذه الآيةِ والتي قبلَها أنَّ قولَه سُبحَانَه: {إِيَّاكُمْ} و{أَنْفُسَهُمْ} معمولانِ لخبرِ كانَ، وقد تَقَدَّمَا عليها، وقد عَلِمْتَ أنَّ تَقَدُّمَ المعمولِ يُؤْذِنُ بجوازِ تقديمِ العاملِ فيه، مِن قِبَلِ أنَّ الأصلَ في المعمولِ أنْ يَقَعَ بعدَ عامِلِه، فإذا وَقَعَ معمولُ الخبرِ في مَكَانٍ ما مِن الكلامِ كانَ ذلك أمارةً على أنَّ الخبرَ نفسَه يَجُوزُ أن يَقَعَ في هذا الموضعِ، وقد استَدَلَّ بهذا الدليلِ ابنُ مَالِكٍ في (شَرْحِ التَّسْهِيلِ)، وعَلَّلَهُ بما ذَكَرْنَا، وقد سَبَقَه إلى ذلك أَبُو عَلِيٍّ الفَارِسِيُّ، وتِلمِيذُه أَبُو الفَتْحِ ابنُ جِنِّيٍّ، وانْظُرْ البحثَ التالِيَ لهذا الكلامِ.

([7]) سورة هود، الآية: 8، ووجهُ استدلالِ مَن استَدَلَّ بهذه الآيةِ الكريمةِ على جوازِ تقديمِ خبرِ ليسَ عليها أنَّ قولَه سُبْحَانَه: {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} معمولُ الخبرِ الذي هو قولُه: {مَصْرُوفاً}، وقد تَقَدَّمَ هذا المعمولُ على ليسَ، ولا يَجُوزُ أن يَتَقَدَّمَ المعمولُ إلا حيثُ يَجُوزُ تَقَدُّمُ العاملِ فيه.
والاعتراضُ واردٌ على هذا الاستدلالِ مِن ثلاثةِ أَوجُهٍ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّا لا نُسَلِّمُ أنَّه لا يَتَقَدَّمُ المعمولُ إلا حيثُ يَجُوزُ تَقَدُّمُ العاملِ؛ وذلك لأنَّ هذه القاعدةَ لَيسَت مُطَّرِدَةً تَمَامَ الاطِّرَادِ، ونحنُ نَذْكُرُ لك عِدَّةَ مَوَاضِعَ أجَازُوا فيها تقديمَ المعمولِ، ولم يُجِيزُوا فيها تقديمَ العاملِ فيه:
الموضعُ الأوَّلُ: إذا كانَ خبرُ المبتدأِ فِعْلاً، لم يُجِيزُوا تقديمَه على المبتدأِ، لئَلاَّ يَلْتَبِسَ المبتدأُ بالفاعلِ، فلا يَقُولُونَ: (ضَرَبَ زَيْدٌ) على أنْ يَكُونَ في ضَرَبَ ضميرٌ، وجملتُه خبرٌ مُقَدَّمٌ، لكنْ أَجَازُوا تقديمَ معمولِ الخبرِ على مُبتَدَئِه، نحوُ: (عَمْراً زيدٌ ضَرَبَ).
الموضعُ الثانِي: خبرُ إِنَّ إذا لم يَكُنْ ظَرْفاً أو جَارًّا ومجروراً، لم يُجِيزُوا تقديمَه على اسمِها، فلا يَقُولُونَ: (إِنَّ جَالِسٌ زَيْداً) وأجَازُوا تقديمَ مَعمُولِه على الاسمِ، فيَقُولُونَ: (إِنَّ عِنْدَكَ زَيْداً جَالِسٌ) وسَيَذْكُرُ ذلك المُؤَلِّفُ في إِنَّ وأَخَوَاتِهَا.
الموضعُ الثالثُ: الفعلُ المَنْفِيُّ بلم أو لن، نحوُ: (لَمْ أَضْرِبْ، ولَنْ أَضْرِبَ) لم يُجِيزُوا تقديمَه على النفيِ، وأجَازُوا تقديمَ معمولِه عليه، نحوُ: (زَيْداً لَمْ أَضْرِبْ، وعَمْراً لَنْ أُصَاحِبَ).
الموضعُ الرابعُ: الفعلُ الواقعُ بعدَ أَمَّا الشرطِيَّةِ، لم يُجِيزُوا إِيلاءَهُ لأَمَّا، وأَجَازُوا إِيلاءَ معمولِه لها، نحوُ قولِه تعَالَى:{فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ}.
والوجهُ الثانِي: وهو الذي أَشَارَ إليه المُؤلِّفُ - أنَّا على فَرْضِ تسليمِ ما مَنَعْنَاهُ في الوجهِ الأوَّلِ نَقُولُ: إنَّه ليسَ كُلُّ معمولٍ يَتَقَدَّمُ يَدُلُّ على جوازِ تَقَدُّمِ عامِلِه؛ لأنَّ بعضَ المعمولاتِ يَكُونُ تَقَدُّمُها بسَبَبِ التوَسُّعِ فيها أَنْفُسِها، وذلك كالظرفِ في الآيةِ الكريمةِ، نَعَمْ لو كانَ المُتَقَدِّمُ مَفْعُولاً به لأمْكَنَ أن يُقَالَ فيه: إنَّ تَقُدَّمَه يُؤْذِنُ بجوازِ تَقَدُّمِ العاملِ فيه، مِن قِبَلِ أنَّ أصلَ العاملِ أن يَكُونَ قَبْل المعمولِ، فافْهَمْ ذلك.
والوجهُ الثالثُ مِن وُجوهِ الاعتراضِ: أنَّا نَقُولُ: إِنَّ هذه الآيةَ تَحْتَمِلُ وُجُوهاً أُخَرَ مِن الإعرابِ، ومَتَى احتَمَلَت تلكَ الوُجوهَ لم تَصْلُحْ لأنْ تَكُونَ دَلِيلاً. ومِن الوجوهِ المُحتمَلَةِ أنْ يَكُونَ {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} مُبتدأً وهو مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ رفعٍ، وإنَّمَا بُنِيَ؛ لأنَّه أُضِيفَ إلى جملةِ {يَأْيِتهِمْ} واسمُ {لَيْسَ} ضميرٌ مستتِرٌ فيها، و{مَصْرُوفاً} خبرُ لَيْسَ، وجملةُ لَيْسَ واسمِه وخبرِه في مَحَلِّ رفعٍ خَبَرُ المبتدأِ الذي هو {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ}.


  #4  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

[توسُّطُ أخبارِ الأفعالِ الناقصةِ]:
148 - وَفِي جَمِيعِهَا تَوَسُّطُ الخَبَرْ = أَجِزْ وَكُلٌّ سَبْقَهُ دَامَ حَظَرْ
(وَفِي جميعِهَا) أيْ: جميعِ هذه الأفعالِ حتَّى "لَيْسَ" و"مَا دَامَ", (توسُّطُ الخبَرْ) بينَها وبينَ الاسمِ (أَجِزْ) إجماعًا نحوُ {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ} وقِرَاءَةِ حَمْزَةَ وحَفْصٍ {لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} بنَصْبِ "البِرَّ" +قولُهُ (وقولُهُ) [مِنَ الطَّوِيلِ]:
184 - سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمُ = فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ
وقولُهُ [مِنَ البَسِيطِ]:
185 - لَا طِيبَ لِلعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً = لَذَّاتُهُ بِادِّكَارِ المَوْتِ وَالهَرَمِ
تنبيهانِ:
الأوَّلُ: مَنَعَ ابنُ مُعْطٍ تَوَسُّطَ خبرِ "مَا دَامَ" وهو وهْم؛ إذ لَمْ يَقُلْ بهِ غيرُهُ ونَقَلَ صاحبُ (الإِرْشَادِ) خِلافًا في جوازِ توسُّطِ خبرِ "لَيْسَ" والصوابُ ما ذكَرْتُهُ.
الثانِي: مَحَلُّ جَوَازِ توسُّطِ الخبرِ ما لَمْ يَعْرِضْ مَا يُوجِبُ ذلك أو يَمنعُهُ فمِنَ المُوجِبِ أنْ يكونَ الاسمُ مضافًا إلى ضميرٍ يعودُ على شَيْءٍ في الخبرِ نحوُ: "كَانَ غُلَامَ هِنْدٍ بَعْلُهَا". و"لَيْسَ فِي تِلْكَ الدِّيَارِ أَهْلُهَا". لِمَا عَرَفْتَ ومِنَ المانِعِ خَوْفُ اللبْسِ نحوُ: "كَانَ صَاحِبِي عَدُوِّي". واقْتِرَانُ الخبرِ بِـ: (إِلَّا) نحوُ {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلَّا مُكَاءً} وأنْ يكونَ في الخبرِ ضميرٌ يعودُ على شَيْء في الاسمِ؛ نحوُ: "كَانَ غُلَامُ هِنْدٍ مُبْغِضَهَا". لِمَا عَرَفْتَ أيضًا.

[تَقدُّمُ أخبارِ الأفعالِ الناقِصَةِ]:
(وَكُلُّ) أيْ: كُلُّ العَرَبِ أوِ النُّحَاةِ (سَبْقَهُ) أيْ: سَبْقَ الخبرِ (دَامَ حَظَرْ) أيْ: مَنَعَ "سَبْقَ" مصدرٌ نُصِبَ بِـ: حَظَرَ مُضَافٌ إلى فاعلِهِ و"دَامَ" في موضِعِ النصْبِ بالمفعولِيَّةِ والمرادُ أنَّهُمْ أجمعُوا على منْعِ تقديرِ خبرِ "دَامَ" عليهَا وهذا تَحْتَهُ صُورتانِ:
الأُولَى أنْ يتقَدَّمَ على "ما" ودَعْوَى الإجماعِ على منْعِهَا مُسَلَّمَةٌ.
والأُخْرَى: أنْ يتقَدَّمَ على "دَامَ" وحْدَهَا ويتأخَّرَ عَنْ "مَا" وفي دَعْوَى الإجماعِ على منها (مَنْعِهَا) نَظَر؛ٌ لأن المنعَ مُعَلَّلٌ بعِلَّتَيْنِ:
إحدَاهُما: عَدَمُ تَصَرُّفِها، وهذا بعد تَسْلِيمِهِ لا يَنهضُ مانعًا باتفاقٍ؛ بدليلِ اختلافِهِمْ في "لَيْسَ" معَ الإجماعِ على عدمِ تصرُّفِهَا.
والأُخرَى: أنَّ "مَا" موصولٌ حَرْفِيٌّ ولا يُفْصَلُ بينَهُ وبينَ صِلَتِهِ، وهذا أيضًا مختَلَفٌ فيهِ وقدْ أجازَ كثيرٌ الفصْلَ بينَ الموصولِ الحرفيِّ وصِلَتِهِ إذا كانَ غَيْرَ عَامِلٍ كـ"ما" المصدريةِ، لكنَّ الصورةَ الأولى أقربُ إلى كلامِهِ، أَشْعَرَ بذلك قولُهُ:
149 - كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ = فَجِئْ بِهَا مَتْلُوَّةً لَا تَالِيَهْ


  #5  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 02:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

تَوَسُّطُ الخبَرِ في هذا البابِ
148- وفي جميعِها تَوَسُّطَ الْخَبَرِ أَجِزْ = ..............
لخبرِ كانَ وأَخَوَاتِها معَ اسمِها ثلاثُ حالاتٍ:
الأولى: وجوبُ تقديمِ الاسمِ وتأخيرِ الخبرِ، وذلك في موضعيْنِ:
- الأوَّلُ: أنْ يكونَ الاسمُ محصوراً في الخبرِ، نحوُ: ما كانَ الكتابُ إلاَّ جَلِيساً لا يُمَلُّ، إنما كانَ الناسُ أعداءً لِمَا يَجْهَلُونَ، قالَ تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}.
- الثاني: أنْ يكونَ إعرابُ الاسمِ والخبرِ غيرَ ظاهرٍ، نحوُ: كانَ شَرِيكِي أَخِي، فلو قُدِّمَ الخبرُ (أَخِي) لأَوْقَعَ في لَبْسٍ؛ لعَدَمِ ما يَدُلُّ عليه، وقدْ تَقَدَّمَ شرحُ ذلكَ في الموضِعِ الأوَّلِ مِن مواضعِ تأخيرِ الخبرِ في بابِ الابتداءِ.
الحالةُ الثانيةُ: أنْ يكونَ توسُّطُ الخبرِ بينَ العاملِ والاسمِ واجباً (وهو وجوبُ تقديمِ الخبرِ على الاسمِ)، وذلك في موضعيْنِ:
- الأوَّلُ: أنْ يكونَ الخبرُ مَحصوراً في الاسمِ، نحوُ: ما كانَ مُسْتَفِيداً إلاَّ الْمُجِدُّ، قالَ تعالى: {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا}؛ أيْ: ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ قولُهم.
- الثاني: أنْ يَتَّصِلَ بالاسمِ ضميرٌ يعودُ على بعضِ الخبرِ، نحوُ: كانَ في الفصْلِ طُلاَّبُه.
الحالةُ الثالثةُ: جَوَازُ الأَمْرَيْنِ: تقديمُ الاسمِ على الخبرِ أو تأخيرُه عنه، وذلكَ إذا لم يُوجَدْ ما يُوجِبُ التوسُّطَ أو التأخُّرَ، نحوُ: كانَ الخَطِيبُ مؤَثِّراً، أو كانَ مؤَثِّراً الخطيبُ، ومِن ذلك قولُه تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، فـ (حَقًّا) خبرُ كانَ مُقَدَّمٌ، و(نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) اسْمُها مُؤَخَّرٌ ومُضافٌ إليه.
ومنه أيضاً قولُه تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}؛ فقد قَرَأَ حَمْزَةُ وحَفْصٌ مِن السبعةِ بنَصْبِ (الْبِرَّ) على أنه خَبَرُ ليسَ مُقَدَّمٌ، والمصدَرُ الْمُؤَوَّلُ مِن (أَنْ تُوَلُّوا) اسْمُها مُؤَخَّرٌ؛ أيْ: ليسَ الْبِرُّ تَوليةَ وُجُوهِكُم، وقَرَأَ الباقُونَ برَفْعِ (الْبِرُّ) على أنه اسمُ (ليسَ) والخبرُ المصدَرُ الْمُؤَوَّلُ، هذا إنْ كانَ الخبرُ مُفْرَداً أو شِبْهَ جُملةٍ، فإنْ كانَ الخبرُ جُملةً فالأحسَنُ تأخيرُه عن الناسِخِ واسمِه؛ لأَنَّ تقديمَه غيرُ معروفٍ في الكلامِ الفصيحِ.
وهذه الحالةُ الثالثةُ هي التي ذَكَرَها بقولِه: (وفي جميعِها تَوَسُّطَ الخبَرِ أَجِزْ)؛ أيْ: أَجِزْ تَوَسُّطَ الخبرِ بينَ الناسِخِ واسمِه في جميعِ الأفعالِ السابقةِ.
تَقَدُّمُ الخبرِ
148- وفي جميعِها تَوَسُّطَ الْخَبَرْ = أَجِزْ وكلٌّ سَبْقَه دامَ حَظَرْ
149- كذاكَ سَبْقُ خبرٍ ما النافِيَهْ = فَجِئْ بها مَتْلُوَّةً لا تَالِيَهْ
150- ومَنْعُ سَبْقِ خبرٍ ليسَ اصْطُفِي = ...............
أفعالُ هذا البابِ مِن حيثُ تَقَدُّمُ الخبرِ عليها ثلاثةُ أقسامٍ:
الأوَّلُ: ما دامَ: وهذه لا يَجُوزُ فيها تَقَدُّمُ الخبرِ على (ما) المُتَّصِلةِ بها، فلا تقولُ: لا أَصْحَبُكَ مسافِراً ما دامَ عَلِيٌّ؛ وعَلَّلُوا لذلك بأنَّ تقديمَ الخبرِ على (ما) يَقْتَضِي تقديمَ بعضِ الصِّلَةِ على الموصولِ، وهذا ممنوعٌ.
وأمَّا تَقَدُّمُ الخبرِ على (دامَ) وحْدَها فالظاهِرُ الجوازُ، تقولُ: أتْرُكُ قراءةَ الكتابِ ما دامَ الفِكْرُ مَشغولاً، وتقولُ: أتْرُكُ قراءةَ الكتابِ ما مشغولاً دامَ الفِكْرُ.
القِسْمُ الثاني: ليسَ: وقد وَقَعَ الخِلافُ في جوازِ تقديمِ خَبَرِها عليها، والمنْعُ أرْجَحُ؛ لأنه لم يَرِدْ في لسانِ العرَبِ تقديمُ الخبرِ عليها، والذي يُجيزُ التقديمَ يَسْتَدِلُّ بتقديمِ معمولِ الخبرِ في قولِه تعالى عن عَذَابِ الكُفَّارِ: {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ}، ووجهُ الاستدلالِ: أنَّ قولَه: {يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} منصوبٌ بخَبَرِ ليسَ (مَصروفاً)، فهو معمولٌ له، وتَقَدُّمُ المعمولِ يُشْعِرُ بجَوازِ تَقَدُّمِ العاملِ.
وأُجيبَ بأنَّ هذه القاعدةَ غيرُ مُطَّرِدَةٍ، ثُمَّ إنَّ المعمولَ في الآيةِ ظَرْفٌ، وهو يُتَوَسَّعُ فيه ما لا يُتَوَسَّعُ في غيرِه.
القِسْمُ الثالثُ: باقي أفعالِ البابِ، ولها حالتانِ:
- الأُولَى: أنْ تَتَقَدَّمَ عليها (ما) النافيةُ، وتحتَ هذا قِسْمانِ:
-- الأوَّلُ: ما كانَ النفيُ شَرْطاً في عَمَلِه، وهو (ما زالَ وأَخَوَاتُها).
-- الثاني: ما لم يَكُنِ النَّفْيُ شَرْطاً في عَمَلِه، وهو: كانَ، ظلَّ، باتَ، أضْحَى، أصْبَحَ، أمْسَى، صارَ.
فيَجوزُ تَقَدُّمُ الخبرِ على الفعْلِ وحْدَه، فتقولُ: ما مُعْتَرِفاً زالَ خالدٌ، وما بارداً أصْبَحَ الْجَوُّ، والأصْلُ: ما زالَ خَالِدٌ مُعْتَرِفاً، وما أصْبَحَ الجوُّ بارِداً.
وأمَّا تَقَدُّمُه على (ما) النافيةِ فمَن قالَ: لها الصَّدَارَةُ. مَنَعَ تَقَدُّمَ الخبرِ عليها، نحوُ: نَشيطاً ما أصْبَحَ هِشامٌ، ومَن قالَ: ليسَ لها الصَّدَارَةُ. أجَازَ.
فإنْ كانَ النفيُ بغيرِ (ما) - كـ (لنْ) - جازَ تقديمُ الخبرِ عليها؛ لوُرودِه عن العرَبِ، وذكَرَ ابنُ مالِكٍ في (شرْحِ الكافيَةِ) أنه جائزٌ عندَ الجميعِ، فتقولُ: لنْ يُصْبِحَ الذي يَسْهَرُ نَشيطاً، وتقولُ: نَشيطاً لنْ يُصْبِحَ الذي يَسْهَرُ.
الحالةُ الثانيةُ: ألاَّ تَتَقَدَّمَ عليها (ما) النافيةُ، وهذا خاصٌّ بغيرِ (زالَ وأَخَوَاتِها)، ويَجوزُ في هذا تَقَدُّمُ الخبرِ على الفعْلِ الناسِخِ.
واسْتَدَلُّوا بتقَدُّمِ المعمولِ؛ كقولِه تعالى: {أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}، وقولِه تعالى: {وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}، ولم يَرِدْ تَقَدُّمُ الخبرِ نفْسِه؛ ولذا قالَ ابنُ السَّرَّاجِ: (القِياسُ جَوازُ ذلك، ولم يُسْمَعْ).
وقد يَجِبُ تَقَدُّمُ الخبرِ على الناسِخِ، وذلك إذا كانَ الخبرُ اسْماً واجِبَ الصَّدارةِ؛ كأسماءِ الاستفهامِ، نحوُ: أينَ كانَ الغائبُ؟ قالَ تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}، فـ (كيفَ) اسمُ استفهامٍ في مَحَلِّ نصْبِ خَبَرِ كانَ مُقَدَّمٌ وُجُوباً، و(عاقِبَةُ) اسْمُها.
قالَ ابنُ مالِكٍ: (وكلٌّ سَبْقَه دامَ حَظَرْ... إلخ)؛ أيْ: أنَّ كلَّ العرَبِ أو كلَّ النُّحاةِ مَنَعَ تَقَدُّمَ خَبَرِ دامَ عليها، والمرادُ تَقَدُّمُه على (ما)، هذا هو المتبادِرُ مِن النَّظْمِ بقَرينةِ ما بَعْدَه، ثم قالَ: (كذاكَ سَبْقُ خَبَرٍ ما النافيَهْ)؛ أيْ: كما مَنَعَ العرَبُ - أو النُّحاةُ - تَقَدُّمَ خَبَرِ (دامَ) على (ما)، كذاك تَقَدُّمُ الخبرِ على (ما) النافيةِ فهو محظورٌ، (فجِئْ بها مَتْلُوَّةً)؛ أي: ائْتِ بما النافيةِ سابقةً يَتْلُوهَا غيرُها، (لا تَالِيَهْ)؛ أيْ: لا مَسبوقةً، وهذا الشرْطُ معَ ما فيه مِن توكيدِ ما قبلَه، ففيه إفادةُ أنَّ (ما) تَلْزَمُ الصدارةَ في جُمْلَتِها أبداً.
ثم قالَ: (ومَنْعُ سَبْقِ خبرٍ ليسَ اصْطُفِي)؛ أي: اخْتِيرَ منْعُ تَقَدُّمِ الخبرِ على ليسَ، و(خبرٍ) يُقرأُ بالتنوينِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
توسط, خبر

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir