القارئ :
23- احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذ الطَّبيعةُ نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ ).
وعليه فتَخَّير للزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك إلى رَبِّكَ ، ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ .
الشيخ :
هذه الكلمات مأخوذة من قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( مثل الجليس الصالح كحامل المسك) (ومثل الجليس السوء كنافخ الكير )
فعليك بإختيار الصديق الصالح الذي يدلك على الخير ويبينه لك ويحثك عليه ويبين لك الشر ويحذرك منه , وإياك وجليس السوء , فإن المرء على دين خليله , وكم من إنسان مستقيم قُيد له شيطان من بني آدم فصده عن الاستقامة , وكم من إنسان جائر قاسي يُسر له من يدله على الخير بسبب الصحبة .
وبناء على ذلك نقول : إذا كان في مصاحبة الفاسق سبب لهدايته فلا بأس أن تصحبه, وتدعوه إلى بيتك , وتأتي إلى بيته تخرج معه للتمشي بشرط أن لا يقدح ذلك في عدالتك عند الناس , وكم من إنسان فاسق هداه الله تعالى بما يسر له من صحبة الخير .
وقول الشيخ بكر وفقه الله : الناس كأسراب القطا سبق أن هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو حقيقة فالناس يتبع بعضهم بعضا.
وقوله: ( الدفع أسهل من الرفع ) هذه قاعدة فقهية ذكرها ابن رجب رحمه الله في القواعد الفقهية أن الدفع أسهل من الرفع وفي معناها قول الأطباء : الوقاية أسهل من العلاج , لأن الدفع ابتعاد عن الشر وأسبابه , لكن إذا نزل الشر صار من الصعب أن يرفعه الإنسان .
لا هذا غلط هذا من وحي الشيطان أن يقع الإنسان في عرض العلماء، إذا وقع الإنسان في أعراض العلماء فإن معتد ظالم وليست غيبة العلماء كغيبة العامة لأن غيبة العلماء فيها مفسدة خاصة ومفسدة عامة، المفسدة الخاصة بالنسبة لهذا العالم، والمفسدة العامة بالنسبة لما يحمله من علم فإن الناس إذا سقط الإنسان من أعينهم لم يقبلوا منه صرفا ولا عدلا فيكون في هذا جناية على الشريعة التي يحملها هذا العالم والإنسان الناصح هو الذي إذا رأى من أحد من العلماء أو طلبة العلم أو عامة الناس إذا رأى ما ينكره أن يتصل بالعالم أو طالب العلم أو العامي ويتبين الأمر فقد يكون ما تظنه أنت خطأ وقد يكون صوابا لا لعين هذا الفعل ولكن لما يلابسه من أحوال تستدعي أن يقوله هذا العالم أو أن يفعله هذا العالم لأنه قد يكون الشيء منكرا في حد ذاته لكن يفعله بعض الناس لمصلحة أكبر لهذا نرى أن أولئك الذين يقعون في أعراض العلماء أنهم قد جنوا على العلماء وعلى ما يحملونه من علم والواجب توقيظ العالم لا سيما العالم الذي عرف بأنه يريد الحق ويجتهد في طلبه ولكنه قد يزل وهذا أمر لا يسلم منه البشر (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)
القارئ :
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:
وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ .
القسم الأول: صديقُ مَنْفَعَةٍ .
القسم الثاني: صديقُ لَذَّةٍ .
القسم الثالث: صديقُ فَضيلةٍ.
فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ في الأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .
وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهو الذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما . وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ )
الشيخ :
يعني العزلة: احذف العين: تكون زلة، والثاني من غير زاي الزهد: علة، يعني احذف الزاي تكون علة، إذا لا بد من علم ولا بد من زهد، قبل أن ينعزل الإنسان عن الناس . طيب هؤلاء الأصدقاء , قسمهم إلى ثلاثة أصدقاء :
صديق منفعة : وهو الذي يصادقك مادام ينتفع منك بمال أو جاه أو غير ذلك , فإذا انقطع الانتفاع فهو عدوك لا يعرفك ولا تعرفه .. وما أكثر هؤلاء , ما أكثر الذين يلمزون في الصدقات إن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون , صديق لك حميم ترى أنه من أعز الناس عندك وأنت من أعز الناس عنده يسألك يوما من الأيام يقول : اعطني كتابك أقرأ به . فتقول : والله الكتاب أنا محتاجه اليوم أعطيك إياه غداً فينتفخ عليك ويعاديك . هل هذا صديق ؟ هذا صديق منفعة (...)
والثاني . صديق لذة : يعني لا يصادقك إلا لأنه يتمتع بالجلوس إليك والمحادثات والمآنسات والمسامرات , ولكنه لا ينفعك ولا تنتفع منه أنت , كل واحد منكم لا ينفع الآخر . ليس إلا ضياع وقت فقط . هذا أيضاً احذر منه أن يُضيع أوقاتك .
والثالث . صديق فضيلة : . يحملك على ما يزين وينهاك عن ما يشين ويفتح لك أبواب الخير ويدلك عليه وإذا زللت نبهك على وجه لا يخدش كرامتك , هذا هو صديق الفضيلة
كلمة صديق منفعة من أوسع هذه الأقسام , لأن المنافع كثيرة جدا , فإذا رأيت هذا الرجل لا يصادقك إلا حيث ينتظر منفعتك فاعلم أنه عدو وليس بصديق, كذلك صديق اللذة الذي يشغلك ويلهيك , بالتمتع بالسمر وإضاعة الوقت في الخروج للمنتزهات وغير ذلك أيضا هذا لا خير فيه .
الذي يجب أن تعض عليه بالنواجذ هو صديق الفضيلة . يحملك على كل فضيلة وينهاك عن كل رزيلة (...) نحن الآن بدأنا تقسيم الأصدقاء إلى ثلاثة أقسام: صديق منفعة وصديق لذة وصديق فضيلة، وقلنا استمسك بغرز صديق الفضيلة.
تمت المقابلة الصوتية بواسطة: محمد أبو زيد.